يتزايد الضغط المالي كل سنة على الأسر التي اختارت، لظروف معينة، أن تسجل أبنائها في المدارس الخاصة. تبحث الأسر عن مبررات الزيادات المتتالية في رسوم التسجيل و التأمين و النقل المدرسي و اللوازم الدراسية فلا تلقى جوابا مقنعا لا من طرف المدارس الخاصة و لا من طرف الوزارة. أجور رجال و نساء التعليم الخاص تظل شبه مجمدة و تكاليف التسيير و التأطير التربوي لا تعرف إرتفاعا كبيرا، و رغم كل هذا يعاد تشغيل نفس الاسطوانة كل سنة للرد على تساؤلات الأسر.
يشكل التعليم الخصوصي حوالي 15%% من مجموع التلاميذ و الطلبة ببلادنا الذي يتجاوز 10 ملايين. و لا يوجد أي إطار قانوني يحدد أسعار تقديم الخدمة التعليمية الخاصة. هناك بالطبع فروقات في مستويات الأسعار بين المدارس الخاصة تشبه إلى حد بعيد ما يحدث في الفنادق السياحية. هناك مدارس خمسة نجوم التي ” تضمن” خدمة تؤدي إلى القبول في المدارس العليا و هناك مدارس نجمة أو نجمتين التي توجد في الغالب وسط الأحياء الشعبية التي تقطنها الطبقة الوسطى. و الكل يعرف أن مدارس خمسة نجوم لا تسجل التلاميذ لديها إلا بعد التأكد من تميزهم ودرجة تحصيلهم الدراسي. و لهذا تعرف نتائج هذه المدارس ارتفاعا بالمقارنة مع غيرها.
و غالبا ما تلجأ المدارس الخاصة لمدرسين يشتغلون في المدارس العمومية و تتعامل معهم في إطار إتفاق خاص او شبه سري يسهل التهرب الضريبي. و لعل المتتبع لما جاء في الإجراءات الجباءية في قانون للمالية لسنة 2023 قد لاحظ الزيادات الضريبية التي مست هذه الفئة من الأساتذة. و الغريب في الموضوع هو الفرق في المجهود المبذول من طرف الأستاذ حين يحط الرحال في المدرسة الخصوصية بعد تلك الساعات التي يقضيها في المدرسة العمومية. هذا الأمر لا يهم إلا جزءا من الأساتذة و خصوصا ذوي الاختصاص في المواد العلمية.
أما أساتذة هذا القطاع و موظفيه فغالبا ما تنقص اجورهم و حقوقهم بكثير عن القطاع العام. أغلبهم يعيش هشاشة اجتماعية و غياب حماية من طرف المصالح العمومية المختصة و حتى من طرف بعض النقابات.
و يظل السؤال الجوهري هو تراجع المدرسة العمومية رغم تزايد الجهد المالي الكبير الذي تتحمله الميزانية العمومية منذ سنوات كثيرة. و بالطبع يظل التفوق الفردي و التميز ملتصقا بالمدرسة العمومية و لكن هذا التميز يبقى محدودا في اقلية تلقى دعما و تأطيرا أسريا متواصلا و قويا بالإضافة إلى أساتذة اكفاء ذوي عزيمة و إلتزام.
ارتفعت ميزانية التعليم من 49،4 مليار درهم سنة 2010 إلى حوالي 86 مليار درهم، بما فيها ما تم تخصيصه لقطاع الرياضة، سنة 2023 و ظلت الحالة العامة للقطاع كارثية. و هذا ما أكدت عليه أشغال الدورة الأولى العادية للمجلس الأعلى للتعليم و التكوين و البحث العلمي التي انعقدت في يناير 2023.
أبرز الوزير بن موسى أن حوالي 300 ألف تلميذ يغادرون المدرسة سنويا. التمدرس بالعالم القروي يصطدم بضعف المستوى المالي للأسر و هو ما يؤدي إلى هدر كبير يطال البنات أساسا.
يضاف إلى هذا ضعف الكفاءات الدنيا لدى الطلبة و هو ما جعل بلادنا تحتل المرتبة 77 على 79 بلدا في هذا المجال. الأمر يزداد ضعفا بالنسبة للقراءة مع احتلال الرتبة 75 عالميا و الأمر ينطبق أيضا على الرياضيات التي يتميز فيها قلة من التلاميذ المغاربة عالميا.
المهم هو أن العمل على ترقية التعليم يتطلب مجهودا مجتمعيا و سياسيا لتعبئة كل الطاقات لتجاوز هذه الوضعية الصعبة. هناك مخطط يمتد إلى غاية 2026
يعتبر الانقلاب الذي جرى صبيحة الأربعاء 30 غشت 2023 في الغابون، الثامن من نوعه داخل إفريقيا خلال سنتين، وهي مدة زمنية قصيرة نسبيا، مما يوحي بأن هناك ترابطا مباشرا او غير مباشر بين هذه الانقلابات. والمؤكد أن غياب الديمقراطية الحقيقية في معظم الحالات أدى إلى تحرك الجيش لإزاحة رؤساء فرضوا أنفسهم ثلاث انتدابات متتالية او أكثر متسترين وراء نتائج الصناديق التي تتم فبركة نتائجها للحفاظ على ديمقراطية الواجهة التي ترضي نفاق الدول الغربية على الخصوص. وهذه الحالة تنطبق مثلا على الغابون وتشاد، وهما حالتان متشابهتان من حيث توريث الحكم للابن بعد سيطرة الأب على السلطة لمدة تتراوح بين الثلاثين والأربعين سنة. وهو ما اعتبرته الشعوب الافريقية إهانة واستهتارا بها، إذ لم يكتف الرؤساء بالحكم الديكتاتوري مدى الحياة بل حولوا الجمهوريات إلى “جملكيات” او جمهوريات وراثية!
القاسم المشترك الثاني بين دول الانقلابات هو الفساد السياسي للنخب والهشاشة الاقتصادية للشرائح العريضة للمجتمع، رغم الثروات الطبيعية الكبيرة في بعض الحالات مثل الغابون، فهو بلد يتوفر على النفط والغاز وعلى معادن نفيسة وعدد السكان لا يتجاوز ثلاثة ملايين نسمة، ولكن سوء التوزيع وسوء الحكامة جعل الثروة والسلطة تتركز بيد فئة قليلة.
ولكن هناك عوامل جيوسياسية خارجية ساعدت على تأجيج الاحتجاجات الشعبية وتحريض الحيش على الانقلابات، وعلى رأسها الصراع بين روسيا والصين من جهة والدول الغربية من جهة إخرى، ومع الأسف كلا الطرفين لا تهمه مصلحة الشعوب الإفريقية أكثر مما تهمه السيطرة على الثروات الطبيعية والطاقية للقارة، ولذلك نلاحظ تدخل روسيا مثلا بعد كل انقلاب بشكل مباشر او غير مباشر عبر مرتزقة “فاغنر” في إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينافاسو وغينيا. وقد تصبح إفريقيا بمثابة متجر الخزف الذي تتقاتل داخله الفيلة، مما يؤدي إلى ضياع السلعة وإفلاس صاحب المحل التجاري أيا كانت نتيجة الصراع وايا كان المنتصر في الصراع.
وأظن أن موجة الانقلابات لن تتوقف عند هذه الدول، وان هناك دولا أخرى ستلحق بالركب، لذلك من الحكمة استخلاص العبر وألا تنتظر الأنظمة الافريقية نشوب الحريق في بيتها كي تتحرك لتصحيح الأوضوع، وإجراء الإصلاحات الديمقراطية والاجتماعية الضرورية للمصالحة مع شعوبها قبل انفجار البركان الإفريقي الذي بدأ يقذف ببعض الحمم الإنذارية.
أما بالنسبة لانعكاسات الانقلاب في الغابون على المغرب، نعم هناك استثمارات ضخمة في مجالات متنوعة جدا منها الإسمنت، والأسمدة الزراعية، والبناء والأشغال العمومية، والمناجم، والبنوك والتأمينات، وغيرها، ولكن في النهاية المغرب يتعامل مع الدولة وليس مع الاشخاص حتى وإن كانوا اصدقاء حميميين، والاستثمارات المغربية محمية باتفاقيات وقوانين دولية، وإضافة إلى ذلك كله، حتى الجنرال الذي يقود الانقلاب هو خريج الأكاديمية الملكية العسكرية بمكناس، وبالتالي لا أظن أن هناك أي تهديد للمصالح المغربية، بل بالعكس يمكن للمغرب أن يلعب دورا في إيجاد مخرج مشرف للرئيس علي بونغو أوندينبا ومنحه اللجوء او التقاعد المريح مع عائلته في المغرب.
بعد بيان وزارة الخارجية المغربية المتواري خلف “مصدر مأذون”، حول مقاطعة الاجتماع الجانبي المقام على هامش قمة “البريكس” في جنوب افريقيا، عاد سؤال التردد وعدم الحسم في المواقف ليفرض نفسه علينا، فهل ستقطع الرباط علاقاتها مع بريتوريا كما فعلت مع فنزويلا مثلا، أم ستسحب السفير كما فعلت مع تونس؟ أم ستلتزم المنزلة بين المنزلتين، لتترك مساحات واسعة لأعداء المغرب كي يصطادوا في الماء العكر. والمؤكد أن الضبابية لا ولن تخدم مواقف المغرب الذي راكم عدة نقاط إيجابية في السنوات الأخيرة، بل تدفع أصدقاء المغرب إلى صحراء التيه الدبلوماسي، لأنه لا أحد سيقبل أن يأكل غيرُه الثوم بفمه!
وحتى نتمكن من الردّ المناسب والقوي والفعال على بريتوريا علينا أن نفهم دوافعها ومحفزاتها. وللوصول إلى هذا المبتغى علينا أن نقوم بعملية التفكيك وإعادة البناء، وأن نبتعد عن التجذيف السطحي من خلال دبلوماسية البيانات غير الموقعة، فالدبلوماسية المغربية لها تقاليد عريقة تمتد لقرون، ولا ينبغي العبث بمصداقيتها.
والردود الدبلوماسية الرصينة تنبني على الشجاعة والوضوح وعدم التهرّب من المسؤولية، كما ترتكز على دراسات استشرافية وتحليل استراتيجي، وتستعين بالإسقاطات المستقبلية والنماذج الخوارزمية، وتضع فرضيات ومتغيرات تفضي إلى سناريوهات وخطط عملية في الميدان، يتقاطع فيها ما هو دبلوماسي محض بما هو سياسي حزبي، وما هو استخباراتي بما هو قوة ناعمة وجماعات ضغط وتحالفات دولية ومصالح اقتصادية، الخ.
وبالعودة إلى سلوك الدبلوماسية الجنوب إفريقية، سنجد أن المواقف السياسية للدول يتحكم فيها في الغالب الأعمّ مُحدّدان اثنان: الأول وهو الأكثر عقلانية يتعلق بالمصالح الاقتصادية والاستراتيجية، وهو المحدد الرئيس الذي تتبناه معظم الدول الديمقراطية. وأما الثاني فيقترن بالاصطفاف الايديولوجي الذي قد يجعل بلداً يضحي بمصالحه من أجل خياراته الدوغمائية؛ وقد تراجع بشكل ملحوظ عدد الدول التي تعتمد هذا المحدد منذ انهيار جدار برلين.
وأعتقد أن موقف جنوب إفريقيا تجاه المغرب يندرج ضمن هذا الصنف الأخير لأن المصالح الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية لا ترجح كفة مُعاداة المغرب، فالمبادلات التجارية على سبيل المثال بين بريتوريا والرباط تعادل حوالي ستّ مرات حجم المبادلات التجارية مع الجزائر. وعلى المستوى الاستراتيجي هناك مراكز للدراسات الاستراتيجية حتى من داخل جنوب إفريقيا تدعو حكومة بريتوريا إلى تعميق الشراكة والتعاون مع المغرب بناء على مؤشر ديناميكية الاقتصاد المغربي داخل إفريقيا، بالإضافة إلى الجوانب الأمنية وغيرها.
ولكن ما ذكرناه لا يعفي المغرب من المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور، فمعلوم أن جنوب إفريقيا لم تعترف بالكيان الانفصالي في تندوف طوال فترة رئاسة الزعيم نيلسون مانديلا. وذلك راجع إلى معارضته الشديدة ورفضه القاطع أن يَطعن المغربَ في الظهر بعد كلّ ما قدمته له المملكة من دعم شعبي ورسمي ضد نظام الميز العنصري. ومانديلا ليس من طينة القيادات الجزائرية أمثال بومدين وبن بلة وغيرهما ممن رضعوا الخيانة والغدر وتربوا على اللؤم، فقاموا بعض اليد المغربية التي ساعدتهم في الشدة واحتضنتهم في المحنة.
لقد كان مانديلا وفياً للمغرب الذي ساعده ووقف إلى جانبه في كفاحه الطويل ضد الأبارتايد، وله شهادات موثقة بالصوت والصورة في إحدى تجمعاته الخطابية في جنوب إفريقيا سنة 1995، وبحضور ممثلي دول العالم، حيث استفاض في الإشادة والعرفان بدور المغرب الذي كان أول بلد في العالم يزوده بالسلاح ويمده بالمال.
ورغم هذه العلاقة المتميزة وهذه الشهادة الموثقة التي لا تقدر بثمن من الزعيم مانديلا، فإن المغرب لم يستثمرها على الأقل لإبقاء جنوب إفريقيا في موقف الحياد من قضيتنا الوطنية المقدسة، وفي تقديري أن ذلك راجع بالأساس إلى تخلي الخارجية المغربية عن ورقة رابحة في معاركها الدبلوماسية وهي القنوات الحزبية التي تربط حزب المؤتمر الوطني الافريقي ببعض الشخصيات السياسية المغربية التي قضى بعضها نحبه ومنهم من لايزال على قيد الحياة.
وفي انتظار أن تُقنع بريتوريا بتغيير خِيارها تجاه المغرب، على دبلوماسيتنا أن تركز جهودها على استئصال الورم السرطاني الخبيث من جذوره. ولا جدال في أن انتحال الكيان الانفصالي صفة عضو في المنظمة الإفريقية هو أصل الداء، وهو ما يُخوّله حضور مؤتمرات تخص الدول حصرياً ولا مكان فيها للتنظيمات. يحدث هذا في الاجتماع الذي تحتضنه جنوب إفريقيا على هامش قمة “البريكس”، والذي دُعي له زعيم الانفصاليين ابن بطوش. كما حدث من قبل في تونس بمناسبة مؤتمر تيكاد-8 في مثل هذا الشهر من السنة الماضية. وهناك سوابق مماثلة جرت مع الاتحاد الأوربي وغيره من التجمعات والدول، وقد تناولنا بعضاً منها في كتابات سابقة.
ولا ننسى أيضاً أنّ وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، السيدة ناليدي باندور، تجشّمت قبل حوالي شهر عناء التنقل إلى موسكو، في تبادل للأدوار مع حليفتها الجزائر، في محاولة يائسة لإقناع الكرِمْلين بتوجيه الدعوة لكيان تندوف لحضور القمة الروسية الإفريقية التي انعقدت في شهر يوليوز المنصرم، ولكنها خابت وخاب مسعاها، وعادت “بِخُفّي تَبّون” حتى لا أقول خُفّي حُنيْن.
إنّ النزيف الدبلوماسي لن يتوقف ما لم يتم طرد الكيان الوهمي من الاتحاد الافريقي. وستتكرر هذه المعارك كما حذّرنا من ذلك منذ يوليوز 2016، فمن الغباء أن نكرر نفس الأخطاء وننتظر نتائج مختلفة كما تقول الحكمة المأثورة. لذلك سيبقى من غير المفهوم بعد ستّ سنوات على عودة المغرب إلى بيته الإفريقي، أن تبقى الخارجية مكتوفة الأيدي دون أن تحرك لا المساطر القانونية ولا السياسية لتنفيذ تعليمات العاهل المغربي الذي أكد في رسالته الموجهة للقادة الأفارقة في يوليوز 2016 أن المغرب عاد إلى المنظمة الإفريقية “ليصحح الخطأ التاريخي”.
وليس هناك من خطأ آخر ينبغي تصحيحه غير إقحام كيان لا تتوفر فيه شروط العضوية. فالاتحاد الإفريقي كما يُعرّف نفسه بنفسه هو تجمع للدول الإفريقية المستقلة وذات السيادة، وليس ناديا للتنظيمات والحركات الانفصالية بغض النظر عن الاعتراف بمغربية الصحراء من عدمه. وهذا التعريف يتنافى جملة وتفصيلاً، نصاً وروحا، منطوقا ومفهوماً مع عضوية تنظيم انفصالي وظيفي يوجد فوق تراب بلد آخر هو الجزائر، وفاقد لكل مقومات السيادة.
وختاما لا بدّ أن نشير إلى أنّ الاتحاد الإفريقي سارع هذا الأسبوع إلى تجميد عضوية النيجر، بعد الانقلاب العسكري، إلى حين “استعادة النظام الدستوري”، وهو ما قام به مع دول أخرى عريقة ووازنة مثل مصر سنة 2013، وهذا في حدّ ذاته مدخل آخر لاقتلاع جرثومة لا تملك لا نظاماً دستورياً، ولا حكومة منتخبة ديمقراطياً، ولا تجري انتخابات تعددية حرة ونزيهة، ولا تقبل أي صوت معارض داخلها حتى وإن كان من مؤسسيها مثلما هو الحال مع زعيم “تيار خط الشهيد” المحجوب ولد السالك.
فما الذي يمنع خارجيتنا الموقرة من تحريك كلّ هذه المساطر لطرد كيان دخيل ليس بدولة ولا يملك سيادة ولا يعرف تداولاً على “السلطة” من أساسه؟ هذا هو السؤال الذي سيبقى مطروحاً إلى حين..
يخلد الشعب المغربي في الواحد والعشرين من شهر غشت ذكرى عيد الشباب المجيد وهو ما يصادف هذه السنة الذكرى الستين لعيد ميلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس الذي يشكل فرصة لاستحضار أهم الإنجازات التي حققها خلال فترة حكمه التي بدأت في عام 1999 في تطوير وتعزيز مكانة الشباب في المملكة المغربية، توجيها وتنظيرا وتقويما.
لقد أولى صاحب الجلالة في خطاب العرش الأخير حيزا هاما للشباب خاصة عندما أكد على “أن الشباب المغربي، متى توفرت له الظروف، وتسلح بالجد وبروح الوطنية، دائما ما يبهر العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة”، وهي ليست مجاملة رسمية فحسب بل هي رسالة تحرك الرؤية المولوية لصاحب الجلالة منذ توليه العرش، إذ أولى الملك محمد السادس اهتمامًا كبيرًا بالشباب، مدركا أنهم هم مستقبل البلاد وركيزتها الأساسية، لتتركز جل اهتماماته في توفير الفرص والبيئة الملائمة لتطوير مهارات وقدرات الشباب، وذلك من خلال العديد من المبادرات والإصلاحات التي تستحق الاستحضار والإشادة، والتي سنتطرق لها من خلال ثلاث واجهات أساسية، هي التعليم والاستثمار والفعل المدني الثقافي.
1. رؤية إصلاحية للتعليم والتكوين المهني :
منذ توليه العرش والتعليم يحظى بالأهمية البالغة في أجندة صاحب الجلالة، وهو ما تثبته الخطط الإصلاحية التي ينهجها المغرب لإصلاح القطاع الأكثر أهمية في المغرب.
وقد شمل هذا الإصلاح جانبين مهمين هما تعزيز دور اللغات في المنظمة التعليمية مما يمكن الطالب من اكتساب كفايات لغوية تساعده على تطوير مساره المهني وتقوية قدراته التحصيلية والتكوينية، وهو جانب مهم لا بد من تطويره أكثر خاصة في ظل انفتاح المغرب على العالم ومع التزايد الكبير لأهمية اللغات في عالم يتطور على المستوى التقني بشكل كبير.
ينضاف إلى ذلك تطوير التعليم بما يتناسب مع حاجيات سوق الشغل، وهو ما انطلق مع الإصلاح الشامل لمنظومة التكوين المهني من خلال إضافة مراكز وشعب جديدة تتلائم والحاجيات التي يفرضها عالم اليوم ومن خلال منظومة مرنة تتطور بتطور المجالات التي يشملها التكوين المهني في بلادنا والذي يستفيد منه جزء كبير من الشباب، كما يزخر بكفاءات شابة تخطط وتطور وتقترح.
بالإضافة للورش الكبير لإصلاح القطاع الجامعي والذي سينطلق مع النظام الجديد الذي سيدخل حيز التنفيذ مع الموسم الجامعي المرتقب والذي يشكل ضربة بداية لإصلاح طويل يهم الشكل والمضمون في الجامعة المغربية.
ولا ننسى أن المغرب خلال هذه السنوات يجني بفخر ثمار إصلاح التكوين الرياضي الذي ساهم في إنجازات رياضية هامة خاصة في كرة القدم التي أصبحت اليوم مجالا تكوينيا هاما لا يقتصر فقط على لعب الكرة بل على رؤية تكوينية متبصرة تترجم تفاصيلها أكاديمية محمد السادس لكرة القدم ومراكز التكوين المتعددة الموجدة للأطفال والشباب التي أطلقها المغرب والتي يستعد لإطلاقها.
إلا أن هذه الإصلاحات وأن أعطت أكلها فهي لا زالت تصطدم بواقع يكبحها أو يؤخر نتائجها وهو ما يتطلب مزيدا من “الجدية” من طرف الفاعلين في المدرسة والجامعة ومراكز التكوين بما يتناسب مع الطموحات التي يرفعها المغرب وبما يحقق نهضة وتنمية نرجو أن تكون كما نطمح جميعا، وبما يتوافق مع توقعات الشباب وآمالهم في مستقبل زاهر ومشرق يحفظ كرامتهم ويزيد من اعتزازهم ببلدهم ومؤسساته التعليمية.
2. رؤية نهضوية للاقتصاد والاستثمار والفعل المقاول :
لقد شكل الجانب الاقتصادي والاستثماري أحد أكثر النقط إثارة للانتباه في عهد الملك محمد السادس، فقد حقق المغرب خلاله طفرات اقتصادية كبرى جعلت منه نموذجا يحتذى به، خاصة فيما يتعلق في القدرة على خلق فرص الاستثمار للشباب وإطلاق البرامج الكفيلة بذلك ودعم المشاريع الناشئة والتعاونيات الاقتصادية التي يديرها الشباب خاصة في المجال الفلاحي القروي.
ولقد تزايدت الرغبة في السنين الأخيرة في إعطاء مزيد من الفرص المقاولاتية للشباب من خلال برامج عديدة أطلقها المغرب كبرنامج أوراش وبرامج دعم المشاريع التي أطلقتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والموجهة للشباب بشكل كبير لتتزايد بذلك ثقافة الاستثمار والمقاولة عند الشباب لنتجاوز بفضل ذلك ثقافة المهن التقليدية وانتظارية التوظيف العمومي الذي لا يمكن أن يستوعب ملايين الشباب المغاربة.
ولا يقتصر المغرب على دعم الشباب المغاربة القاطنين بتراب المملكة ولكن حتى الشباب الجالية المغربية المقيمة بالخارج والتي تزخر بطاقات واعدة ومسارات مهنية ومستثمرين شباب يمكنهم تقديم الكثير للمغرب والمغارب.
لكن حتى وإن عرف المغرب طفرة في هذا الجانب إلا أن صعوبة المساطر الإدارية و بعض الإجراءات البيروقراطية لازالت تعرقل هذه المشاريع الرائدة والتي بزوال هذه العراقيل لا شك أنها ستعطي نتائج أكبر كما ستمكن من امتصاص مؤشرات سلبية تعيق المسار التنموي لبلادنا وتعقد وضعية شبابنا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
3.رؤية داعمة ومواكبة للفعل الثقافي والمدني:
إن الفعل الثقافي والمبادرات المدنية عمودان من أهم الأعمدة التي قام عليها تطور المغرب في السنين الأخيرة، فلا أحد يمكن أن ينكر دور المجتمع المدني والمؤسسات المدنية الجادة في تفعيل الرؤى الملكية وفي الدفع بعجلة التنمية بالمغرب.
ولعل أقرب مثال هو النضال والجهاد الكبير الذي خاضته هذه المؤسسات رفقة مؤسسات بلادنا في تدبير الجائحة على المستويين التحسيسي والتضامني، وهو ما لا شك أنها ستقوم به كلما دعت الضرورة لذلك، مجندة بجحافل الشباب المعتز بوطنيته والفخور بوطنه.
دون أن ننسى المحطات التاريخية التي تجند فيها المجتمع المدني خدمة للقضايا الوطنية، خاصة مجهوداته في خدمة قضية الصحراء المغربية، القضية الوطنية الأولى للمملكة أو في فترة الانصاف والمصالحة، واستفتاء دستور 2011، والمحطات المختلفة التي لعب فيها المجتمع المدني أدوارا مواطنة تاريخية خدمة للمغرب ومصالحه العليا.
ينضاف إلى ذلك التطور الكبير الذي عرفه المغرب على المستوى الحقوقي، إذ يساهم المجتمع المدني في زيادة الوعي الحقوقي للشباب والإقناع بأهمية العمل السياسي والانخراط الحزبي والمدني ورفع وثيرة الوعي بجدوى المؤسسات وتقوية العلاقة والثقة بين الشاب المغربي والدولة.
كما شكلت الثقافة عنصرا مركزيا في مغرب اليوم المنفتح ثقافيا والذي ساهم انفتاحه في تقوية حضوره الدولي سياسيا ودبلوماسيا من خلال الحضور الثقافي الوازن للمغرب في الساحة الدولية وهو ما لم يكن ليحصل لولا الطاقات الشابة التي يفتخر المغرب بها في مختلف المجالات الثقافية والفكرية.
لكن الحاجة ماسة اليوم لتفعيل مؤسسات الشباب الدستورية والتي انتظرها شباب المغرب منذ دستور 2011 خاصة مع يعرفه المجتمع المدني من متطفلين ومتحدثين باسم الشباب لا يشرفون شباب المغرب ولا يقومون بالأدوار الحقيقية التي ينبغي لهم أن يقوموا بها ويكتفون بخطاب سطحي أو ترويج أجندات أجنبية أو التملق المستمر، وهي ممارسات تأخد في اوقات كثيرة هالة كبرى خاصة مع الفراغ الحاصل وغياب المتحدثين الحقيقيين والمدافعين عن قضايا الشباب، كما تخلف شعورا سلبيا جمعيا لدى الشباب وتذمرا مما يعوق الخطط الكبرى للدولة ورؤاها وتوجهاتها وأوراشها الخاصة بالشباب بشكل صامت وخطير.
إن مسار صاحب الجلالة الملك الذي وهب شبابه خدمة للمغرب، مسار يستحق الاحتفاء، والإشادة والتخليد رؤية وتنفيذا، كما يستحق الإشارة إلى مناطق الضعف التي تعطل التنفيذ أو تسيء إلى الرؤى … وهو أقل شيء يمكن القيام به تقديرا للملك وللمغاربة جميعا.
منير أزناي