ساحة

في اليوم العالمي لذوي الإعاقة.. يدير اكيندي يكتب عن الاجتهادات القضائيّة بالمغرب


كشـ24 نشر في: 3 ديسمبر 2023

يدير اكيندي، خبير في مجال التنمية الشاملة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

يحتفل العالم يوم 3 دسمبر من كل عام باليوم العالمي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويحشد هذا اليوم الدعم بشأن قضايا حرجة في مجال شمول ذوي الإعاقة وتعزيز الوعي بشأن قضايهم/هن، واسترعاء الانتباه إلى فوائد إقامة مجتمع شامل ومتاح للجميع.

ويتزامن تخليد هذه الذكرى هذه السنة ببلادنا مع صدور مجموعة من الاحكام القضائية عن بعض محاكم المملكة بكل من وجدة الرباط الدار البيضاء اكادير فاس قلعة السراغنة.
هده الا حكام المستنيرة والمتميزة جدا، تستحق منا كمغاربة وكمجتمع مدني يشتغل في مجال الإعاقة التنويه والإشادة. لقد اجتهد فيها قضاتنا في استخدام القانون الدولي لحقوق الإنسان و الاتفاقية الدولية لتحقيق العدالة بمفهومها الواسع، ولاستشراف مبادئ عالميّة اكتسبت الحجيّة الوطنية من خلال انضمام المغرب أو مصادقته على طيف واسع من اتفاقيّات، ومعاهدات ومواثيق حقوق الإنسان ، وهو ما اكد عليه المشرع الدستوري سنة 2011 حيث الح على جعل الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة في الجريدة الرسمية تسمو على التشريعات الوطنية

وفي هذا الإطار وانطلاقا من ضرورة محاربة التمييز ضد الأشخاص في وضعية إعاقة بكل أشكاله والعمل على فرض الإدماج قانونيا باعتباره حقا وليس ميزة فانه يشرفنا والمغرب يخلد باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة ان نتقاسم مع القراء الكرام مجموعة من الاحكام الصادرة عن بعض محاكم المغرب.

وهكذا فبتاريخ 26/09/2023، أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة حكما مبدئيا يتعلق بتطبيق اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة حيث اعتبرت أن وصف فتاة بأنها معاقة في سياق معين يعتبر سبا وتمييزا، معتبرة أنّ الإعاقة تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص والحواجز والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم الكاملة في مجتمعهم
وقد قررت النيابة العامة متابعة المتهم من أجل جنحة السب العلني في حقّ امرأة طبقا للفصل 443 من مجموعة القانون الجنائي.

ان هذا الحكم ي يمكن اعتباره من بين التطبيقات القضائية الصادرة عن المحاكم المغربية في المجال الزجري المستند على اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة والذي نجده مستندا الى المواد 3 و4 و 8 و التي تنص على احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية؛ و تحثّ على اتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز على أساس الإعاقة من جانب أي شخص و تلح على اعتماد تدابير فورية وفعالة وملائمة من أجل تعزيز كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة ومكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة لهم في جميع مجالات الحياة

. وهو ما ينسجم مع عدة اجتهادات دولية مماثلة تعتبر أن في استعمال مصطلح “معاق” في وصف شخص معين قد ينمّ “على تحيّز أو إجحاف أو تمييز يعكس النظرة الدونيّة للأشخاص في وضعيّة إعاقة في وسط اجتماعي يسعى لإقصائهم وتقييدهم ووضعهم في وضع عوائق أمامهم”

الادارية بالرباط قد اقرت مؤخرا حكما يعتبر من بين الأحكام القضائية المبدئية الحديثة وعلى نفس النهج كانت المحكمة الذي أقر مبدأ حظر التمييز في التوظيف بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، إعمالا لنص الدستور ولا سيما الفصل 34 منه الذي يفرض على السلطات العمومية تيسير تمتع الأشخاص في وضعية إعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع، وكذا الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والبروتوكول الاختياري المتعلق بها في المادة 27 والتي تنص على حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ومنها شروط التوظيف.

اعتمدت المحكمة الإدارية بالرباط لمعالجة هذه القضية على مقتضيات من الدستور ومن الاتفاقيات الدولية ومن القانون الداخلي، وجاء في حكمها: وحيث ينص الفصل 34 من الدستور على أن "السلطات العمومية تقوم بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض، تسهر خصوصا على ما يلي:
– إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.
وحيث تنص الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة المصادق عليها من طرف المغرب وعلى البروتوكول الاختياري المتعلق بها في مادتها 27 على حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل واستمرار العمل والتقدم الوظيفي وظروف العمل الآمنة والصحية، وتحث الدول الأعضاء على تعزيز فرص العمل الحر ومباشرة الأعمال الحرة وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام وكذا القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير مناسبة.
وحيث تنص المادة 14 من القانون الإطار رقم 97.13 الصادر بتاريخ 27/04/2016 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها على أنه: "لا يجوز حرمان أي شخص في وضعية إعاقة من حقه في الشغل، إذا توفرت فيه المؤهلات اللازمة للاستفادة من هذا الحق، ولا يمكن اعتبار الإعاقة سببا يحول دون تولي الشخص في وضعية إعاقة مهام المسؤولية، كلما توفرت فيه الشروط اللازمة لذلك، على قدم المساواة مع باقي المترشحين لتولي هذه المهام".

وحيث إنه استنادا إلى ذلك، فإنه لا يجوز اعتبار الإعاقة سببا لحرمان الأشخاص من ممارسة الوظائف العامة أو الخاصة أو ممارسة المهن الحرة، طالما توفرت فيهم الشروط المطلوب استيفاؤها بالنسبة لكافة المترشحين للوظائف المعنية على قدم المساواة.

وفيما يخص حق الولوج والوصول فقد أصدرت المحكمة الإدارية بفاس، حكما يقضي بإزالة أبواب فولاذية دوارة بمداخل ومخارج الحافلات، كانت تعيق ولوج ذوي الإعاقة للحافلة والاستفادة من هذه الخدمة العمومية. ويعتبر هذا الحكم بـ ـ” الرائد في مجال تفعيل معايير حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا عموما، والمعايير المتعلقة بحظر التمييز ضد ذوي الإعاقة على وجه الخصوص”.

وتعود فصول القضية إلى تاريخ 23/10/2017 حينما تقدم أحد المتقاضين من ذوي الاحتياجات الخاصة بدعوى أمام المحكمة الإدارية بفاس في مواجهة رئيس الحكومة، وعدد من الوزارات من بينها وزارة الداخلية، والتجهيز والنقل واللوجستيك، والمرأة والأسرة والتضامن، والجماعة الحضرية لفاس، للمطالبة بإزالة بوابات فولاذية دوارة وضعتها إحدى الشركات التي تشرف على النقل العمومي في مداخل ومخارج حافلاتها.

واستند المدعي في دعواه إلى كون الجهات المدعى عليها خرقت الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حق ذوي الإعاقة في الولوج إلى مرفق النقل، كما خرقت دستور 2011 فيما يخص حقوق ذوي الإعاقة والقوانين ذات الصلة، كما لم تحترم بنود عقد التدبير المفوض الذي يلزم الشركة بتوفير حافلات تحترم حقوق المعاقين في الولوج إليها.

وأجابت الجماعة الحضرية بفاس بعدم مسؤوليتها كمفوضة، محملة كامل المسؤولية للشركة المفوض لها، التي تمسكت بكون وضع بوابات فولاذية دوارة بحافلات النقل هدفها الحد من تملص بعض الركاب من أداء قيمة التذاكر والتقليص من عدد المستخدمين المكلفين بالمراقبة، ملتمسة رفض الطلب.

وبتاريخ 26/12/2017 أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكمها وقضت بإزالة الأبواب الفولاذية الدوارة من الحافلات تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ، مع أداء تعويض رمزي قدره درهم مع تحميلها الصائر.

ودائما في مجال حق الوصول وبتاريخ 25 سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء حكما مبدئيا قضى بإلزام وكالة بنكية بإحداث ولوجيات وشباك إلكتروني بشكل يلائم الأشخاص في وضعية إعاقة حركية، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ. هذا الحكم يُعيد إلى الواجهة الإشكاليات التي تواجه الأشخاص في وضعية إعاقة ببلدان المنطقة في ممارسة حقوقهم اليومية رغم تمتعهم بالأهلية المدنية الكاملة قانونا، نتيجة عدم اتخاذ إجراءات مواكبة لتسهيل إدماجهم في الحياة العامة وممارستهم لكافة حقوقهم.

وعليه خلصت المحكمة الى أن طلب إحداث شبّاك إلكتروني يلائم وضعية الأشخاص المعاقين يبقى مبررا، استنادا على:
المادة 27 من القانون رقم 07.92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين التي تنص على أنه: “يجب عند إحداث أو ترميم المنشآت العامة من بنايات وطرق وحدائق عمومية، أن يتمّ تجهيزها بممرات ومصاعد ومرافق تسهّل استعمالها وولوجها من طرف المعاقين”.

المادة 11 من قانون 10.03 المتعلق بالولوجيات التي تنص على أنه: “عندما تقتضي وظيفة المبنى المفتوح للعموم استعمال شبابيك أو رفوف أو منضدات للكتابة، يجب توفير نسبة من هذه الشبابيك أو الرفوف أو المنضدات يمكن استعمالها من طرف الأشخاص المتنقلين على كراسٍ متحركة، وذلك وفق المقتضيات التقنية التي تحددها السلطة التنظيمية”.

المادة 6 من مرسوم 2.11.246 المتعلق بتطبيق قانون الولوجيات التي تنص على أنه:” عندما تقتضي وظيفة المبنى المفتوح للعموم استعمال شبابيك أو رفوف أو منضدات للكتابة، يجب توفير نسبة واحد من أصل عشرة من هذه التجهيزات يمكن استعمالها من طرف الأشخاص المعاقين”.

يعتبر هذا الحكم القضائي من بين التطبيقات القضائية النادرة لقانون الولوجيات وقانون الرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين، ويعتبر من بين الحالات النادرة التي يتم فيها اللجوء إلى القضاء لطلب إعمال النصوص القانونية المتعلقة بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة.

من المأمول أن يسهم نشر هذه الاجتهادات القضائية في بلادنا تشجيع الأشخاص في وضعية إعاقة على التبليغ عن واللجوء الى سبل الانتصاف القضائية.

والتي تؤكد الأهمية القصوى للقضاء بالنسبة لحقوق الإنسان والتي تتحدد بوضوح سواء من خلال علاقة القضاء بالمتقاضين أو من خلال طبيعة عمل القاضي، حيث إن "القضاء هو في حد ذاته حق من حقوق الإنسان، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه الثامنة والسابعة، لكنه في الوقت نفسه، هو الضامن الأساسي لحماية حقوق الإنسان الأخرى من الانتهاك".

أن معايير حقوق الإنسان تبقى عقيمة وجامدة ما لم تزرع فيها أجهزة إنفاذ القانون والقضاة الروح والحياة، فيكسبونها الحيوية والقوة حتى تبدو حية تلمسها البشرية وتصبح كونيتها واقعية والالتزام بها أخلاقيا قبل أن يكون قانونيا.

لقد ظل جواز التقاضي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محط نقاش منذ أمد طويل. العديد من النواحي دون بلوغ تلك الحقوق مرتبتها القانونية الحقيقية. إن بعض القضايا القانونية المحـيطة بجـواز التقاضي بشأنها معقدة، ولكن القبول الدولي بجواز التقاضي بشأنها يشهد تزايدا هائلا وسريعا، لا سيما وأن نظر المحاكم المحلية في مسائل تمسها في العديد من الدول أضحى ظاهرة متكررة. وفي تعليقها العام رقم ،٣تؤكـد لجـنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن "من بين التدابير التي قد تعتبر مناسبة، إضافة إلى التشريع، توفير سبل التظلم القضائي فيما يتعلق بالحقوق التي يمكن، وفقا للنظام القانوني الوطني، اعتبارها حقوقا يمكـن الاحتجاج بها أمام المحاكم." وأشارت اللجنة إلى أن عددا من مواد العهد يمكن للسلطة القضائية أن تتولى مباشـرةً صونها وإنفاذها، ومن بينها تلك التي تتعلق بعدم التمييز والمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق

إن تكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دستوريا بعد انضمام بلدنا إلى مختلف الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتصلة بها والمصادقة عليها جعل مسألة تجسيد هذه الحقوق تحديا حقيقيا

هذه الحقوق غير المنفصلة وذات الصبغة الكونية تمثل إحدى أكبر اهتمامات المشرعين المعاصرين. وتعتبر بصفتها تلك جزءا لا يتجزأ من القانون الداخلي إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أصبحت تمثل اليوم جزء مكتملا من قانوننا وتميل إلى أن أ تصبح الجزء الأكثر حراكا وبالتالي وجب العمل على تطبيقها ونشرها والتعريف بها لدى كل المتدخلين وبصفة خاصة ذوي المصلحة وهذا ما يمر حتما عبر التقاضي

ان القرارات القضائية تقييد الضوابط، وتفسر القوانين القائمة، وتسد الثغرات التشريعية، مما يسهم في ضمان حماية فعّالة للحقوق الأساسية لجميع الأفراد، بغض النظر عن وضعهم الجسدي أو العقلي. ويتجاوز تأثير المحاكم حل القضايا الفردية، بل تشكل السياسات العامة وتوجّه المجتمع نحو فهم أعمق وأكثر احترامًا لحقوق الأشخاص في وضع الإعاقة. من خلال تعزيز سيادة القانون، تلعب المحاكم دوراً حيوياً في بناء مجتمع شامل، عادل، ومحترم تماماً لكرامة الإنسان.

يدير اكيندي، خبير في مجال التنمية الشاملة وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة

يحتفل العالم يوم 3 دسمبر من كل عام باليوم العالمي لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ويحشد هذا اليوم الدعم بشأن قضايا حرجة في مجال شمول ذوي الإعاقة وتعزيز الوعي بشأن قضايهم/هن، واسترعاء الانتباه إلى فوائد إقامة مجتمع شامل ومتاح للجميع.

ويتزامن تخليد هذه الذكرى هذه السنة ببلادنا مع صدور مجموعة من الاحكام القضائية عن بعض محاكم المملكة بكل من وجدة الرباط الدار البيضاء اكادير فاس قلعة السراغنة.
هده الا حكام المستنيرة والمتميزة جدا، تستحق منا كمغاربة وكمجتمع مدني يشتغل في مجال الإعاقة التنويه والإشادة. لقد اجتهد فيها قضاتنا في استخدام القانون الدولي لحقوق الإنسان و الاتفاقية الدولية لتحقيق العدالة بمفهومها الواسع، ولاستشراف مبادئ عالميّة اكتسبت الحجيّة الوطنية من خلال انضمام المغرب أو مصادقته على طيف واسع من اتفاقيّات، ومعاهدات ومواثيق حقوق الإنسان ، وهو ما اكد عليه المشرع الدستوري سنة 2011 حيث الح على جعل الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة في الجريدة الرسمية تسمو على التشريعات الوطنية

وفي هذا الإطار وانطلاقا من ضرورة محاربة التمييز ضد الأشخاص في وضعية إعاقة بكل أشكاله والعمل على فرض الإدماج قانونيا باعتباره حقا وليس ميزة فانه يشرفنا والمغرب يخلد باليوم الدولي للأشخاص ذوي الإعاقة ان نتقاسم مع القراء الكرام مجموعة من الاحكام الصادرة عن بعض محاكم المغرب.

وهكذا فبتاريخ 26/09/2023، أصدرت المحكمة الابتدائية بوجدة حكما مبدئيا يتعلق بتطبيق اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة حيث اعتبرت أن وصف فتاة بأنها معاقة في سياق معين يعتبر سبا وتمييزا، معتبرة أنّ الإعاقة تحدث بسبب التفاعل بين الأشخاص والحواجز والبيئات المحيطة التي تحول دون مشاركتهم الكاملة في مجتمعهم
وقد قررت النيابة العامة متابعة المتهم من أجل جنحة السب العلني في حقّ امرأة طبقا للفصل 443 من مجموعة القانون الجنائي.

ان هذا الحكم ي يمكن اعتباره من بين التطبيقات القضائية الصادرة عن المحاكم المغربية في المجال الزجري المستند على اتفاقية الأشخاص في وضعية إعاقة والذي نجده مستندا الى المواد 3 و4 و 8 و التي تنص على احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية؛ و تحثّ على اتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز على أساس الإعاقة من جانب أي شخص و تلح على اعتماد تدابير فورية وفعالة وملائمة من أجل تعزيز كرامة الأشخاص ذوي الإعاقة ومكافحة القوالب النمطية وأشكال التحيز والممارسات الضارة لهم في جميع مجالات الحياة

. وهو ما ينسجم مع عدة اجتهادات دولية مماثلة تعتبر أن في استعمال مصطلح “معاق” في وصف شخص معين قد ينمّ “على تحيّز أو إجحاف أو تمييز يعكس النظرة الدونيّة للأشخاص في وضعيّة إعاقة في وسط اجتماعي يسعى لإقصائهم وتقييدهم ووضعهم في وضع عوائق أمامهم”

الادارية بالرباط قد اقرت مؤخرا حكما يعتبر من بين الأحكام القضائية المبدئية الحديثة وعلى نفس النهج كانت المحكمة الذي أقر مبدأ حظر التمييز في التوظيف بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، إعمالا لنص الدستور ولا سيما الفصل 34 منه الذي يفرض على السلطات العمومية تيسير تمتع الأشخاص في وضعية إعاقة بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع، وكذا الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، والبروتوكول الاختياري المتعلق بها في المادة 27 والتي تنص على حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ومنها شروط التوظيف.

اعتمدت المحكمة الإدارية بالرباط لمعالجة هذه القضية على مقتضيات من الدستور ومن الاتفاقيات الدولية ومن القانون الداخلي، وجاء في حكمها: وحيث ينص الفصل 34 من الدستور على أن "السلطات العمومية تقوم بوضع وتفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص والفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة. ولهذا الغرض، تسهر خصوصا على ما يلي:
– إعادة تأهيل الأشخاص الذين يعانون من إعاقة جسدية، أو حسية حركية، أو عقلية، وإدماجهم في الحياة الاجتماعية والمدنية، وتيسير تمتعهم بالحقوق والحريات المعترف بها للجميع.
وحيث تنص الاتفاقية الدولية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة المصادق عليها من طرف المغرب وعلى البروتوكول الاختياري المتعلق بها في مادتها 27 على حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ومنها شروط التوظيف والتعيين والعمل واستمرار العمل والتقدم الوظيفي وظروف العمل الآمنة والصحية، وتحث الدول الأعضاء على تعزيز فرص العمل الحر ومباشرة الأعمال الحرة وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع العام وكذا القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير مناسبة.
وحيث تنص المادة 14 من القانون الإطار رقم 97.13 الصادر بتاريخ 27/04/2016 المتعلق بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها على أنه: "لا يجوز حرمان أي شخص في وضعية إعاقة من حقه في الشغل، إذا توفرت فيه المؤهلات اللازمة للاستفادة من هذا الحق، ولا يمكن اعتبار الإعاقة سببا يحول دون تولي الشخص في وضعية إعاقة مهام المسؤولية، كلما توفرت فيه الشروط اللازمة لذلك، على قدم المساواة مع باقي المترشحين لتولي هذه المهام".

وحيث إنه استنادا إلى ذلك، فإنه لا يجوز اعتبار الإعاقة سببا لحرمان الأشخاص من ممارسة الوظائف العامة أو الخاصة أو ممارسة المهن الحرة، طالما توفرت فيهم الشروط المطلوب استيفاؤها بالنسبة لكافة المترشحين للوظائف المعنية على قدم المساواة.

وفيما يخص حق الولوج والوصول فقد أصدرت المحكمة الإدارية بفاس، حكما يقضي بإزالة أبواب فولاذية دوارة بمداخل ومخارج الحافلات، كانت تعيق ولوج ذوي الإعاقة للحافلة والاستفادة من هذه الخدمة العمومية. ويعتبر هذا الحكم بـ ـ” الرائد في مجال تفعيل معايير حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا عموما، والمعايير المتعلقة بحظر التمييز ضد ذوي الإعاقة على وجه الخصوص”.

وتعود فصول القضية إلى تاريخ 23/10/2017 حينما تقدم أحد المتقاضين من ذوي الاحتياجات الخاصة بدعوى أمام المحكمة الإدارية بفاس في مواجهة رئيس الحكومة، وعدد من الوزارات من بينها وزارة الداخلية، والتجهيز والنقل واللوجستيك، والمرأة والأسرة والتضامن، والجماعة الحضرية لفاس، للمطالبة بإزالة بوابات فولاذية دوارة وضعتها إحدى الشركات التي تشرف على النقل العمومي في مداخل ومخارج حافلاتها.

واستند المدعي في دعواه إلى كون الجهات المدعى عليها خرقت الالتزامات الدولية للمغرب في مجال حق ذوي الإعاقة في الولوج إلى مرفق النقل، كما خرقت دستور 2011 فيما يخص حقوق ذوي الإعاقة والقوانين ذات الصلة، كما لم تحترم بنود عقد التدبير المفوض الذي يلزم الشركة بتوفير حافلات تحترم حقوق المعاقين في الولوج إليها.

وأجابت الجماعة الحضرية بفاس بعدم مسؤوليتها كمفوضة، محملة كامل المسؤولية للشركة المفوض لها، التي تمسكت بكون وضع بوابات فولاذية دوارة بحافلات النقل هدفها الحد من تملص بعض الركاب من أداء قيمة التذاكر والتقليص من عدد المستخدمين المكلفين بالمراقبة، ملتمسة رفض الطلب.

وبتاريخ 26/12/2017 أصدرت المحكمة الإدارية بفاس حكمها وقضت بإزالة الأبواب الفولاذية الدوارة من الحافلات تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ، مع أداء تعويض رمزي قدره درهم مع تحميلها الصائر.

ودائما في مجال حق الوصول وبتاريخ 25 سبتمبر 2023، أصدرت المحكمة الابتدائية المدنية بالدار البيضاء حكما مبدئيا قضى بإلزام وكالة بنكية بإحداث ولوجيات وشباك إلكتروني بشكل يلائم الأشخاص في وضعية إعاقة حركية، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم تأخير عن التنفيذ. هذا الحكم يُعيد إلى الواجهة الإشكاليات التي تواجه الأشخاص في وضعية إعاقة ببلدان المنطقة في ممارسة حقوقهم اليومية رغم تمتعهم بالأهلية المدنية الكاملة قانونا، نتيجة عدم اتخاذ إجراءات مواكبة لتسهيل إدماجهم في الحياة العامة وممارستهم لكافة حقوقهم.

وعليه خلصت المحكمة الى أن طلب إحداث شبّاك إلكتروني يلائم وضعية الأشخاص المعاقين يبقى مبررا، استنادا على:
المادة 27 من القانون رقم 07.92 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين التي تنص على أنه: “يجب عند إحداث أو ترميم المنشآت العامة من بنايات وطرق وحدائق عمومية، أن يتمّ تجهيزها بممرات ومصاعد ومرافق تسهّل استعمالها وولوجها من طرف المعاقين”.

المادة 11 من قانون 10.03 المتعلق بالولوجيات التي تنص على أنه: “عندما تقتضي وظيفة المبنى المفتوح للعموم استعمال شبابيك أو رفوف أو منضدات للكتابة، يجب توفير نسبة من هذه الشبابيك أو الرفوف أو المنضدات يمكن استعمالها من طرف الأشخاص المتنقلين على كراسٍ متحركة، وذلك وفق المقتضيات التقنية التي تحددها السلطة التنظيمية”.

المادة 6 من مرسوم 2.11.246 المتعلق بتطبيق قانون الولوجيات التي تنص على أنه:” عندما تقتضي وظيفة المبنى المفتوح للعموم استعمال شبابيك أو رفوف أو منضدات للكتابة، يجب توفير نسبة واحد من أصل عشرة من هذه التجهيزات يمكن استعمالها من طرف الأشخاص المعاقين”.

يعتبر هذا الحكم القضائي من بين التطبيقات القضائية النادرة لقانون الولوجيات وقانون الرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين، ويعتبر من بين الحالات النادرة التي يتم فيها اللجوء إلى القضاء لطلب إعمال النصوص القانونية المتعلقة بحماية الأشخاص في وضعية إعاقة.

من المأمول أن يسهم نشر هذه الاجتهادات القضائية في بلادنا تشجيع الأشخاص في وضعية إعاقة على التبليغ عن واللجوء الى سبل الانتصاف القضائية.

والتي تؤكد الأهمية القصوى للقضاء بالنسبة لحقوق الإنسان والتي تتحدد بوضوح سواء من خلال علاقة القضاء بالمتقاضين أو من خلال طبيعة عمل القاضي، حيث إن "القضاء هو في حد ذاته حق من حقوق الإنسان، كما تنص على ذلك المواثيق الدولية وعلى رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادتيه الثامنة والسابعة، لكنه في الوقت نفسه، هو الضامن الأساسي لحماية حقوق الإنسان الأخرى من الانتهاك".

أن معايير حقوق الإنسان تبقى عقيمة وجامدة ما لم تزرع فيها أجهزة إنفاذ القانون والقضاة الروح والحياة، فيكسبونها الحيوية والقوة حتى تبدو حية تلمسها البشرية وتصبح كونيتها واقعية والالتزام بها أخلاقيا قبل أن يكون قانونيا.

لقد ظل جواز التقاضي بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية محط نقاش منذ أمد طويل. العديد من النواحي دون بلوغ تلك الحقوق مرتبتها القانونية الحقيقية. إن بعض القضايا القانونية المحـيطة بجـواز التقاضي بشأنها معقدة، ولكن القبول الدولي بجواز التقاضي بشأنها يشهد تزايدا هائلا وسريعا، لا سيما وأن نظر المحاكم المحلية في مسائل تمسها في العديد من الدول أضحى ظاهرة متكررة. وفي تعليقها العام رقم ،٣تؤكـد لجـنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن "من بين التدابير التي قد تعتبر مناسبة، إضافة إلى التشريع، توفير سبل التظلم القضائي فيما يتعلق بالحقوق التي يمكن، وفقا للنظام القانوني الوطني، اعتبارها حقوقا يمكـن الاحتجاج بها أمام المحاكم." وأشارت اللجنة إلى أن عددا من مواد العهد يمكن للسلطة القضائية أن تتولى مباشـرةً صونها وإنفاذها، ومن بينها تلك التي تتعلق بعدم التمييز والمساواة بين الرجال والنساء في الحقوق

إن تكريس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية دستوريا بعد انضمام بلدنا إلى مختلف الاتفاقيات الدولية والإقليمية المتصلة بها والمصادقة عليها جعل مسألة تجسيد هذه الحقوق تحديا حقيقيا

هذه الحقوق غير المنفصلة وذات الصبغة الكونية تمثل إحدى أكبر اهتمامات المشرعين المعاصرين. وتعتبر بصفتها تلك جزءا لا يتجزأ من القانون الداخلي إن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أصبحت تمثل اليوم جزء مكتملا من قانوننا وتميل إلى أن أ تصبح الجزء الأكثر حراكا وبالتالي وجب العمل على تطبيقها ونشرها والتعريف بها لدى كل المتدخلين وبصفة خاصة ذوي المصلحة وهذا ما يمر حتما عبر التقاضي

ان القرارات القضائية تقييد الضوابط، وتفسر القوانين القائمة، وتسد الثغرات التشريعية، مما يسهم في ضمان حماية فعّالة للحقوق الأساسية لجميع الأفراد، بغض النظر عن وضعهم الجسدي أو العقلي. ويتجاوز تأثير المحاكم حل القضايا الفردية، بل تشكل السياسات العامة وتوجّه المجتمع نحو فهم أعمق وأكثر احترامًا لحقوق الأشخاص في وضع الإعاقة. من خلال تعزيز سيادة القانون، تلعب المحاكم دوراً حيوياً في بناء مجتمع شامل، عادل، ومحترم تماماً لكرامة الإنسان.



اقرأ أيضاً
يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الجمعة 16 مايو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة