ساحة

عدالة مصطفى الرميد.. بين حلويات خالد عليوة وثروات الكائنات الانتخابية بمراكش


كشـ24 نشر في: 10 مارس 2013

عدالة مصطفى الرميد.. بين حلويات خالد عليوة وثروات الكائنات الانتخابية بمراكش

أعترف أنني كنت، حتى حين، من المتحمسين المدافعين عن مقولة "عدم الإفلات من العقاب" بالنسبة لكل مسؤول امتدت يده بغير حق للمال العام، كيف ما كان حجم ومركز هذا الشخص، ومهما كان حجم تلك الأموال.

وأعترف، أيضا، أنني كنت من المطالبين بـ"القصاص" من خالد عليوة، القيادي السابق بحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والمدير الأسبق للقرض العقاري والسياحي، ومن المطالبين بتطبيق العدالة، دون مراعاة لتاريخ الشخص النضالي، وبعيدا عن تأثير بعض الشخصيات الوازنة من حزب القوات الشعبية.

أعترف، أنني راجعت مواقفي لحظة مشاهدتي وتأملي في صور العشرات من المسؤولين السياسيين، الذين سبق وأن تقلدوا مسؤوليات في بعض أجهزة الدولة، قبل أو بعد، خالد عليوة، واغتنوا وراكموا ثروات خيالية على حساب المال العام، وكانوا ضمن المشيعين و المعزين، دون أن تتجرأ يد المساءلة وتمتد إليهم.

وأعترف أخيرا، أن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة عن أجواء الجنازة والعزاء، وصور خالد عليوة، تحديدا، وهو يلقي النظرة الأخيرة على المرحومة والدته، او وهو يغطي جثمانها بالتراب، وخلال تلقيه التعازي... كلها صور، جعلتني أتوقف للحظة، وأراجع مواقفي السابقة وأنا أسائل نفسي:

لنفترض جدلا، أن التهم التي وجهت لخالد عليوة من قبل النيابة العامة لا يمكن الطعن أو الشك فيها قيد أنملة، من الناحية القانونية، ألا يتوفر هذا الشخص، على جميع الضمانات الكفيلة بالتحقيق معه في حالة سراح؟، بدل حبسه لما يربو عن سنة كاملة قبل إحالته على المحاكمة؟، وبالتالي حرمانه وحرمان المرحومة والدته من لحظة الوداع الأخيرة؟.

مناسبة هذا التساؤل، تزامنت مع مرور حوالي ست ساعات، من انتهاء، الأستاذ الزيتوني، قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة بمحكمة الاستئناف بمراكش، من الاستماع الأربعاء 6 مارس الجاري، لـ"عبد اللطيف أبدوح" البرلماني وعضو اللجنة التنفيذية السابق لحزب الإستقلال، بعد متابعته من قبل الوكيل العام بمراكش، بتهم الرشوة، التزوير، استغلال النفوذ، التزوير واستعماله، ضمن ما بات يعرف بملف "فضيحة كازينو فندق السعدي" بمراكش.

حضرتني صورة القيادي الإستقلالي، النائب الحالي لعمدة مراكش، ورئيس بلدية المنارة جليز سابقا، وهو يخرج من مكتب قاضي التحقيق رفقة محاميه مزهوا، كمن حقق نصرا مبينا، على جميع الحقوقيين والمتتبعين الذين كانوا يتوقعون اعتقاله من قبل قاضي التحقيق.
ولأنني واحد من أبناء المدينة الحمراء، بل إنني ابن نفس الحي(حي القصبة) الذي ترعرع فيه عبد اللطيف أبدوح، فإنه لا بأس بأن أذكر بجزء من تاريخ هذا القيادي الاستقلالي، الذي يتمتع الآن بالسراح المؤقت، ولنقارن بين الشخصين:
نشأ عبد اللطيف في أسرة متواضعة، مثل أسرتي، ومعظم أسر هذا الحي الشعبي بالمدينة العتيقة لمراكش، والذي يعود تاريخ نشأته إلى الزمن الموحدي.. وكانت أسرة "ابدوح" تسكن بيتا بدرب "عيوش" على سبيل الكراء.

شب وترعرع، أبدوح، كأغلب سكان حي القصبة، داخل مقر حزب الإستقلال بمراكش، الواقع بمدخل حي القصبة. وتدرج في صفوف الحزب، حيث كان مسؤولا بقطاع الطلبة الإستقلاليين، وبالشبيبة.

وكان والده "مخزني" يقوم بدور الحراسة بدار مولاي ادريس، قبل أن يتم إفراغ الأسرة من البيت، بسبب عدم تسديد واجبات الكراء، لتنتقل إلى "ديور الخيرية" بباب اغمات.

وبعد حصوله على شهادة الإجارة من كلية الآداب بمراكش، أصبح موظفا مرتبا في السلم العاشر بمؤسسة "ليراك" سابقا، العمران حاليا. وحتى حدود سنة 1996، كان عبد اللطيف أبدوح مجرد موظف بسيط، يعاني نفس معانات جميع الموظفين مثله، ويركب دراجة نارية من نوع "بوجو 103".
وخلال نفس السنة، والتي كانت سنة الاستفتاء على الدستور، وإجراء الانتخابات السابقة لأوانها، ترشح أبدوح للإنتخابات التشريعية ولم يتمكن من الفوز بالمقعد النيابي، ليدخل غمار الانتخابات الجماعية ويفوز بمقعد ببلدية المنارة-جليز، لينتخب بعدها رئيسا لذات البلدية.
قضى بعدها أبدوح ست سنوات في الرئاسة، وتمكن من الفوز بمقعد في مجلس المستشارين، وبعد انصرام هذه الولاية، كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بعمدة المدينة، لولا الخلاقات التي نشبت بينه وبين القيادي الإستقلالي محمد الخليفة على العمودية من جهة، وبين حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، واللذان فازا معا على التوالي بالمرتبتين الأولى والثانية في انتخابات 2003 الجماعية.

تمكن عبد اللطيف أبدوح من الفوز مرة أخرى بمقعد بمجلس المستشارين صيف 2006، ولازال حتى الآن عضوا به ويرأس احدى لجانه.
ما بين سنتي 1997 و2003، أصبح عبد اللطيف أبدوح يحتكم على ثورة تقدر بملايير السنتيمات، وتحول إلى أحد كبار المنعشين العقاريين بالمدينة الحمراء، وانتقل من بيته المتواضع بمنطقة أمرشيش، الذي اقتناه من مؤسسة "ليراك" بواسطة قرض بنكي، إلى السكن في "قصر" بالمنطقة السياحية المشهورة "ممر النخيل" التي تضم عشرات القصور والفيلات، لكبار القادة السياسيين العرب والأوربيين، والمشاهير من عوالم السينما، الموضة والرياضة...
خلال الفترة التي تحمل فيها عبد اللطيف أبدوح مسؤولية تدبير شؤون بلدية المنارة-جليز، تمكن أيضا من الاستثمار في مجالات آخرى غير العقار، نظير الحمامات التقليدية، كما أصبح مالك مدرسة خصوصية بحي المسيرة بمقاطعة المنارة، وهي المدرسة التي كان سيشيد عليها عمارات من خمس طوابق، قبل أن يحتج سكان المنطقة ويتحول المشروع إلى مدرسة.
وتختزل هذه المدرسة بعض الطرائف، لا بأس من سردها، ونحن نتحدث عن المال العام، وتفنن بعض المسؤولين في الاستيلاء عليه بـ"القانون".

كان العقار الذي شيدت عليه مدرسة أبدوح، خصصتها مؤسسة "ليراك-العمران" لبناء معهد للموسيقى، ووضعته رهن إشارة وزارة الثقافة، غير أن الأخيرة لم تعمل على اقتنائه، وبعد مرور أزيد من عشر سنوات، حسب القانون، أمكن للمؤسسة صاحبة العقار أن تعرضه للبيع على العموم.

توصلت مصالح ولاية مراكش، بتقارير تفيد أن هذا العقار، وتسع عقارات أخرى مماثلة بأحياء المسيرة الأولى والثانية والثالثة، لم يتم اقتنائها من الوزارات المعنية، وأصبحت تشكل نقطا سوداء بالمنقطة. وفي أعقاب ذلك، عقدت لجنة الاستثناء، على عهد الوالي السابق محمد حصاد، اجتماعا بحضور جميع المصالح المعنية: الوكالة الحضرية، بلدية المنارة برئاسة عبد اللطيف أبدوح، مؤسسة العمران، على عهد "لهبيل" عامل النواصر حاليا.. وتم السماح لصاحبة العقارات بعرضها للبيع، على أساس، أن تكون المشاريع التي ستقام عليها، قريبة من نفس الأنشطة المحددة في التصميم بالنسبة للوزارات التي لم تقم باقتناء العقارات.

اقتنى أحد المقاولين الكبار المعروفين بالمدينة الحمراء، والمتابع أيضا في ملف أبدوح ومن معه، هذا العقار بثمن لم يتجاوز 400 درهما للمتر المربع، على أساس أنه سينشأ مدرسة خصوصية، ولأن النشاط تعليمي تربوي، قريب من وظيفة معهد الموسيقى، فقد تمت الموافقة على عملية البيع. غير أن هذا المقاول، وفي ظروف غامضة تم الترخيص له من قبل بلدية المنارة التي يرأسها أبدوح، ببناء عمارات، بعدما "تعذر" على المقاول تشييد مدرسة فوق العقار، بمبرر وجود مدرسة خصوصية وثانوية عمومية بالمنطقة، ومن شأن إضافة مؤسسة أخرى، أن يتسبب ذلك في أزمة سير. وهكذا تم السماح للمقاول ببناء عمارات سكنية من خمس طوابق.
حصل المقاول على جميع التراخيص، والموقع عليها هو عبد اللطيف أبدوح رئيس المجلس، إلا أنه لم يعمل على بناء العمارات، حيث قام، في ظروف غامضة، ببيع العقار مرفوق بجميع التراخيص لشخص أخر، ولم يكن هذا الشخص، سوى عبد اللطيف أبدوح، رئيس المجلس البلدي.
انتظر الأخير حتى سنة 2007، وطلب ترخيصا جديدا بالبناء، بالنظر إلى أن رخصة البناء تنتهي صلاحيتها بعد انصرام سنة من تاريخ إصدارها، وتمكن عبد اللطيف أبدوح من الحصول على ترخيص جديد بالبناء من المجلس الجماعي، وشرع في حفر قبو العمارات، قبل أن يتصدى له سكان المنطقة، ويتم توقيف البناء بأمر قضائي. وفي ظروف غامضة، عادت آليات البناء للعمل من جديد، لكن هذه المرة من أجل بناء مدرسة خصوصية، وانتفت الشروط التي من أجلها تم تحويل المشروع من مدرسة إلى عمارات. علما أن أبدوح حصل على ترخيص ببناء مدرسة، بعدما فتحت مدرسة خصوصية أخرى، لتنضاف إلى المؤسستين التربويتين السالف ذكرهما، وانتفت مسألة "عرقة السير".

كيف تمكن أبدوح من التدرج، في ظرف ست سنوات، من موظف بسيط إلى مليادير؟ سؤال سبق لي أن طرحته عليه عندما كنت صحافيا بمكتب الأحداث المغربية بمراكش، خلال سنة 2007، ورد عليه أبدوح بقوله: لقد سبق وأن أشتغلت سنوات عديدة بمؤسسة ليراك، واكتسبت خبرة في مجال العقار، وتمكنت من كسب المال عبر نشاطي في هذا المجال". جواب أترك للقارئ المجال للتأمل فيه.
لست هنا بصدد اتهام عبد اللطيف أبدوح بشيء، ولكن أدعو معي كل مهتم بالدفاع عن المال العام، إلى إجراء مقارنة بسيطة، بين عبد اللطيف أبدوح، وخالد عليوة، والتأمل في ملف المتابعة بين النيابة العامة بالبيضاء ومثيلتها بمراكش، وموقف قاضي التحقيق هناك وقاضي التحقيق هنا.

أعترف الآن، وأنا أعيد تقليب النظر في موقفي من قضية متابعة خالد عليوة، أنني أسخر من نفسي، ومن الحماسة الزائدة في المطالبة بـ"القصاص" منه، خاصة وأنا أعيد استحضار ما جاء في بعض الصحف، والحديث عن اقتناء حلويات باسم خالد عليوة المدير العام للسياش... أستحضر ما جاء في تلك الصحف عما اقترفته يد خالد ، وأستحضر معها أسماء وصور بعض الكائنات الانتخابية، هنا في مدينة يوسف بن تاشفين، والتي يوجد من بينها من لا يخطه بيمينه، ومن كان حتى حين، يمتهن حرفا هامشية، ومن كان عاطلا عن العمل ويشحذ اللقمة قبل أن يتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي، و يصبح من كبار أعيان المدينة.. ومع ذلك لم تتجرأ أية جهة معنية على مساءلته، أو البحث في مصدر ثرواته، رغم أنه معلوم.

كم من عقار بالمدينة الحمراء تم منحه لبعض المستثمرين بثمن زهيد يتراوح ما بين 10 و100 درها للمتر المربع، باسم دعم الاستثمار السياحي، وبالرغم من أن التفويت، كان مشروطا بتشييد تلك المشاريع، إلا أن معظم المستفيدين خرقوا القانون، وقاموا، بعد مرور سنوات طوال، ببيع تلك العقارات بأثمان خيالية مستغلين فورة العقار بمراكش.
ملف تفويت كازينو السعدي، بـ600 درهم للمتر المربع، في منطقة يتجاوز فيها المتر المربع 20 ألف درهم، والذي يتابع اليوم من أجله أبدوح، ومستشارون جماعيون آخرون، يوجد فيه شريط صوتي، يفضح عملية توزيع "الكعكة" بين أبدوح ومستشارين جماعيين قبل تصويت المجلس على التفويت. وقد مرت الآن أزيد من سبع سنوات على الملف، قبل الاستماع إلى ابدوح من قبل قاضي التحقيق تفصيليا صباح الأربعاء الماضي.

أستحضر ملف متابعة عليوة ومعها الحديث عن الحلويات، وتحضرني الجرأة الزائدة لبعض منتخبي مدينة مراكش، وكيف أمكنهم الترخيص ببناء عمارات في منطقة محرمة، لا يسمح فيها ببناء غير الفيلات، وتم تزوير تصميم التهيئة، وأضيفت إليه عبارة "أو عمارات"، وشيدت العمارات ضدا على القانون، وفي حرم الإقامة الملكية "الجنان الكبير" بمراكش، وتقرر هدم العمارات، وتم فتح تحقيق قضائي مع العديد من الأسماء، وسحبت جوازات سفرهم، واستمعت الفرقة الوطنية لعدد من الأسماء المغمورة والمعروفة.. ومع ذلك، وحتى الآن لم يتم إيقاف أو اعتقال أي شخص. بالرغم من مرور أزيد من ثمان سنوات على الشكاية التي سبق وأن قدمها المرحوم محمد الناصري، محامي القصر الملكي، للوكيل العام السابق الأستاذ عبد الإله المستاري.

عديدة هي الشكايات التي سبق للهيئة الوطنية لحماية المال العام بمراكش أن تقدمت بها للوكيل العام، والتي ترتبط بنهب المال العام، والاغتناء الفاحش على حساب أموال مواطني مراكش، إلا أنه وحتى حدود هذه اللحظة، لازالت تلك الملفات تتعثر، ولا أحد حتى الآن بإمكانه التنبؤ بمصيرها، وحدها دروس التاريخ علمتنا أن سارق الدجاجة، في هذا البلد السعيد، تقطع يده من خلاف.

لا أريد، من خلال ما تقدم، اتهام أحد.. كما لا أبحث عن مبررات لخالد عليوة، ولكن أريد فقط إجراء مقارنة ما بين خالد وبعض الكائنات الإنتخابية بالمدينة الحمراء. ولا أريد أن تكون هذه المقارنة بين خالد واسم بارز من منتخبي مراكش، ولكن صدقوني إن أخبرتكم، وأستثني هنا ساكنة مراكش لأنهم على علم بالأمر، أن أصغر كائن انتخابي، هنا، في مراكش، ومن خلال استغلاله لموقعه في تدبير الشأن المحلي، يحتكم اليوم على ثروة، يمكن بها استكمال مشروع نفق أوريكا-وارززات، الذي من شأنه إيقاف حرب طريق "تيشكا" التي تطحن مئات الأبرياء سنويا.

صدقوني إن أخبرتكم، أنه لو تمت مصادرة الأموال العامة المنهوبة من قبل الكائنات الإنتخابية بالمدينة الحمراء، وتم استثمارها في مشاريع تنموية لأمكنها أن توقف شبح العطالة وسط شباب المدينة من حاملي الشهادات وحتى أولائك الذين لا يحملون سوى شهادة طبية تؤهلهم للعمل في "الكرفي".

صدقوني أأني بعد اليوم، لن أطالب باعتقال أي من مسؤولينا الذين امتدت أيديهم إلى المال العام، وأقول إنني اقتنعت، وآمنت إيمانا لا ريب فيه، بقناعة رمز الحمائم في حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، و بمقولته الشهيرة:"عفا الله عما سلف"، و لكن أدعو رمز الصقور، كما يحلو للبعض تسميته، في نفس الحزب، وزير العدل والحريات مصطفى الرميد إلى العمل على واجهة أخرى، وهي أن يتم التعامل مع المتورطين في نهب المال العام معاملة مغايرة. أن تتم مصادرة الممتلكات المسجلة باسمهم، هنا في المغرب وخارجه، والمسجلة باسم زوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم القاصرين، و الذين من بينهم من يمتلك عقارات بالملايير، وهو بعد في "القماط".

إعمال مسطرة من هذا القبيل، لا شك أن حلويات خالد عليوة، ستكون فيها آخر حبة في العنقود. ورحمة الله على الفقيدة زبيدة بنت أحمد، التي أنصفت ابنها خالد وهي على فراش الموت، حتى أمكنه استنشاق هواء الحرية ولو للحظات.
عدالة مصطفى الرميد.. بين حلويات خالد عليوة وثروات الكائنات الانتخابية بمراكش

عدالة مصطفى الرميد.. بين حلويات خالد عليوة وثروات الكائنات الانتخابية بمراكش

أعترف أنني كنت، حتى حين، من المتحمسين المدافعين عن مقولة "عدم الإفلات من العقاب" بالنسبة لكل مسؤول امتدت يده بغير حق للمال العام، كيف ما كان حجم ومركز هذا الشخص، ومهما كان حجم تلك الأموال.

وأعترف، أيضا، أنني كنت من المطالبين بـ"القصاص" من خالد عليوة، القيادي السابق بحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والمدير الأسبق للقرض العقاري والسياحي، ومن المطالبين بتطبيق العدالة، دون مراعاة لتاريخ الشخص النضالي، وبعيدا عن تأثير بعض الشخصيات الوازنة من حزب القوات الشعبية.

أعترف، أنني راجعت مواقفي لحظة مشاهدتي وتأملي في صور العشرات من المسؤولين السياسيين، الذين سبق وأن تقلدوا مسؤوليات في بعض أجهزة الدولة، قبل أو بعد، خالد عليوة، واغتنوا وراكموا ثروات خيالية على حساب المال العام، وكانوا ضمن المشيعين و المعزين، دون أن تتجرأ يد المساءلة وتمتد إليهم.

وأعترف أخيرا، أن الصور التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة عن أجواء الجنازة والعزاء، وصور خالد عليوة، تحديدا، وهو يلقي النظرة الأخيرة على المرحومة والدته، او وهو يغطي جثمانها بالتراب، وخلال تلقيه التعازي... كلها صور، جعلتني أتوقف للحظة، وأراجع مواقفي السابقة وأنا أسائل نفسي:

لنفترض جدلا، أن التهم التي وجهت لخالد عليوة من قبل النيابة العامة لا يمكن الطعن أو الشك فيها قيد أنملة، من الناحية القانونية، ألا يتوفر هذا الشخص، على جميع الضمانات الكفيلة بالتحقيق معه في حالة سراح؟، بدل حبسه لما يربو عن سنة كاملة قبل إحالته على المحاكمة؟، وبالتالي حرمانه وحرمان المرحومة والدته من لحظة الوداع الأخيرة؟.

مناسبة هذا التساؤل، تزامنت مع مرور حوالي ست ساعات، من انتهاء، الأستاذ الزيتوني، قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة بمحكمة الاستئناف بمراكش، من الاستماع الأربعاء 6 مارس الجاري، لـ"عبد اللطيف أبدوح" البرلماني وعضو اللجنة التنفيذية السابق لحزب الإستقلال، بعد متابعته من قبل الوكيل العام بمراكش، بتهم الرشوة، التزوير، استغلال النفوذ، التزوير واستعماله، ضمن ما بات يعرف بملف "فضيحة كازينو فندق السعدي" بمراكش.

حضرتني صورة القيادي الإستقلالي، النائب الحالي لعمدة مراكش، ورئيس بلدية المنارة جليز سابقا، وهو يخرج من مكتب قاضي التحقيق رفقة محاميه مزهوا، كمن حقق نصرا مبينا، على جميع الحقوقيين والمتتبعين الذين كانوا يتوقعون اعتقاله من قبل قاضي التحقيق.
ولأنني واحد من أبناء المدينة الحمراء، بل إنني ابن نفس الحي(حي القصبة) الذي ترعرع فيه عبد اللطيف أبدوح، فإنه لا بأس بأن أذكر بجزء من تاريخ هذا القيادي الاستقلالي، الذي يتمتع الآن بالسراح المؤقت، ولنقارن بين الشخصين:
نشأ عبد اللطيف في أسرة متواضعة، مثل أسرتي، ومعظم أسر هذا الحي الشعبي بالمدينة العتيقة لمراكش، والذي يعود تاريخ نشأته إلى الزمن الموحدي.. وكانت أسرة "ابدوح" تسكن بيتا بدرب "عيوش" على سبيل الكراء.

شب وترعرع، أبدوح، كأغلب سكان حي القصبة، داخل مقر حزب الإستقلال بمراكش، الواقع بمدخل حي القصبة. وتدرج في صفوف الحزب، حيث كان مسؤولا بقطاع الطلبة الإستقلاليين، وبالشبيبة.

وكان والده "مخزني" يقوم بدور الحراسة بدار مولاي ادريس، قبل أن يتم إفراغ الأسرة من البيت، بسبب عدم تسديد واجبات الكراء، لتنتقل إلى "ديور الخيرية" بباب اغمات.

وبعد حصوله على شهادة الإجارة من كلية الآداب بمراكش، أصبح موظفا مرتبا في السلم العاشر بمؤسسة "ليراك" سابقا، العمران حاليا. وحتى حدود سنة 1996، كان عبد اللطيف أبدوح مجرد موظف بسيط، يعاني نفس معانات جميع الموظفين مثله، ويركب دراجة نارية من نوع "بوجو 103".
وخلال نفس السنة، والتي كانت سنة الاستفتاء على الدستور، وإجراء الانتخابات السابقة لأوانها، ترشح أبدوح للإنتخابات التشريعية ولم يتمكن من الفوز بالمقعد النيابي، ليدخل غمار الانتخابات الجماعية ويفوز بمقعد ببلدية المنارة-جليز، لينتخب بعدها رئيسا لذات البلدية.
قضى بعدها أبدوح ست سنوات في الرئاسة، وتمكن من الفوز بمقعد في مجلس المستشارين، وبعد انصرام هذه الولاية، كان قاب قوسين أو أدنى من الفوز بعمدة المدينة، لولا الخلاقات التي نشبت بينه وبين القيادي الإستقلالي محمد الخليفة على العمودية من جهة، وبين حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، واللذان فازا معا على التوالي بالمرتبتين الأولى والثانية في انتخابات 2003 الجماعية.

تمكن عبد اللطيف أبدوح من الفوز مرة أخرى بمقعد بمجلس المستشارين صيف 2006، ولازال حتى الآن عضوا به ويرأس احدى لجانه.
ما بين سنتي 1997 و2003، أصبح عبد اللطيف أبدوح يحتكم على ثورة تقدر بملايير السنتيمات، وتحول إلى أحد كبار المنعشين العقاريين بالمدينة الحمراء، وانتقل من بيته المتواضع بمنطقة أمرشيش، الذي اقتناه من مؤسسة "ليراك" بواسطة قرض بنكي، إلى السكن في "قصر" بالمنطقة السياحية المشهورة "ممر النخيل" التي تضم عشرات القصور والفيلات، لكبار القادة السياسيين العرب والأوربيين، والمشاهير من عوالم السينما، الموضة والرياضة...
خلال الفترة التي تحمل فيها عبد اللطيف أبدوح مسؤولية تدبير شؤون بلدية المنارة-جليز، تمكن أيضا من الاستثمار في مجالات آخرى غير العقار، نظير الحمامات التقليدية، كما أصبح مالك مدرسة خصوصية بحي المسيرة بمقاطعة المنارة، وهي المدرسة التي كان سيشيد عليها عمارات من خمس طوابق، قبل أن يحتج سكان المنطقة ويتحول المشروع إلى مدرسة.
وتختزل هذه المدرسة بعض الطرائف، لا بأس من سردها، ونحن نتحدث عن المال العام، وتفنن بعض المسؤولين في الاستيلاء عليه بـ"القانون".

كان العقار الذي شيدت عليه مدرسة أبدوح، خصصتها مؤسسة "ليراك-العمران" لبناء معهد للموسيقى، ووضعته رهن إشارة وزارة الثقافة، غير أن الأخيرة لم تعمل على اقتنائه، وبعد مرور أزيد من عشر سنوات، حسب القانون، أمكن للمؤسسة صاحبة العقار أن تعرضه للبيع على العموم.

توصلت مصالح ولاية مراكش، بتقارير تفيد أن هذا العقار، وتسع عقارات أخرى مماثلة بأحياء المسيرة الأولى والثانية والثالثة، لم يتم اقتنائها من الوزارات المعنية، وأصبحت تشكل نقطا سوداء بالمنقطة. وفي أعقاب ذلك، عقدت لجنة الاستثناء، على عهد الوالي السابق محمد حصاد، اجتماعا بحضور جميع المصالح المعنية: الوكالة الحضرية، بلدية المنارة برئاسة عبد اللطيف أبدوح، مؤسسة العمران، على عهد "لهبيل" عامل النواصر حاليا.. وتم السماح لصاحبة العقارات بعرضها للبيع، على أساس، أن تكون المشاريع التي ستقام عليها، قريبة من نفس الأنشطة المحددة في التصميم بالنسبة للوزارات التي لم تقم باقتناء العقارات.

اقتنى أحد المقاولين الكبار المعروفين بالمدينة الحمراء، والمتابع أيضا في ملف أبدوح ومن معه، هذا العقار بثمن لم يتجاوز 400 درهما للمتر المربع، على أساس أنه سينشأ مدرسة خصوصية، ولأن النشاط تعليمي تربوي، قريب من وظيفة معهد الموسيقى، فقد تمت الموافقة على عملية البيع. غير أن هذا المقاول، وفي ظروف غامضة تم الترخيص له من قبل بلدية المنارة التي يرأسها أبدوح، ببناء عمارات، بعدما "تعذر" على المقاول تشييد مدرسة فوق العقار، بمبرر وجود مدرسة خصوصية وثانوية عمومية بالمنطقة، ومن شأن إضافة مؤسسة أخرى، أن يتسبب ذلك في أزمة سير. وهكذا تم السماح للمقاول ببناء عمارات سكنية من خمس طوابق.
حصل المقاول على جميع التراخيص، والموقع عليها هو عبد اللطيف أبدوح رئيس المجلس، إلا أنه لم يعمل على بناء العمارات، حيث قام، في ظروف غامضة، ببيع العقار مرفوق بجميع التراخيص لشخص أخر، ولم يكن هذا الشخص، سوى عبد اللطيف أبدوح، رئيس المجلس البلدي.
انتظر الأخير حتى سنة 2007، وطلب ترخيصا جديدا بالبناء، بالنظر إلى أن رخصة البناء تنتهي صلاحيتها بعد انصرام سنة من تاريخ إصدارها، وتمكن عبد اللطيف أبدوح من الحصول على ترخيص جديد بالبناء من المجلس الجماعي، وشرع في حفر قبو العمارات، قبل أن يتصدى له سكان المنطقة، ويتم توقيف البناء بأمر قضائي. وفي ظروف غامضة، عادت آليات البناء للعمل من جديد، لكن هذه المرة من أجل بناء مدرسة خصوصية، وانتفت الشروط التي من أجلها تم تحويل المشروع من مدرسة إلى عمارات. علما أن أبدوح حصل على ترخيص ببناء مدرسة، بعدما فتحت مدرسة خصوصية أخرى، لتنضاف إلى المؤسستين التربويتين السالف ذكرهما، وانتفت مسألة "عرقة السير".

كيف تمكن أبدوح من التدرج، في ظرف ست سنوات، من موظف بسيط إلى مليادير؟ سؤال سبق لي أن طرحته عليه عندما كنت صحافيا بمكتب الأحداث المغربية بمراكش، خلال سنة 2007، ورد عليه أبدوح بقوله: لقد سبق وأن أشتغلت سنوات عديدة بمؤسسة ليراك، واكتسبت خبرة في مجال العقار، وتمكنت من كسب المال عبر نشاطي في هذا المجال". جواب أترك للقارئ المجال للتأمل فيه.
لست هنا بصدد اتهام عبد اللطيف أبدوح بشيء، ولكن أدعو معي كل مهتم بالدفاع عن المال العام، إلى إجراء مقارنة بسيطة، بين عبد اللطيف أبدوح، وخالد عليوة، والتأمل في ملف المتابعة بين النيابة العامة بالبيضاء ومثيلتها بمراكش، وموقف قاضي التحقيق هناك وقاضي التحقيق هنا.

أعترف الآن، وأنا أعيد تقليب النظر في موقفي من قضية متابعة خالد عليوة، أنني أسخر من نفسي، ومن الحماسة الزائدة في المطالبة بـ"القصاص" منه، خاصة وأنا أعيد استحضار ما جاء في بعض الصحف، والحديث عن اقتناء حلويات باسم خالد عليوة المدير العام للسياش... أستحضر ما جاء في تلك الصحف عما اقترفته يد خالد ، وأستحضر معها أسماء وصور بعض الكائنات الانتخابية، هنا في مدينة يوسف بن تاشفين، والتي يوجد من بينها من لا يخطه بيمينه، ومن كان حتى حين، يمتهن حرفا هامشية، ومن كان عاطلا عن العمل ويشحذ اللقمة قبل أن يتحمل مسؤولية تدبير الشأن المحلي، و يصبح من كبار أعيان المدينة.. ومع ذلك لم تتجرأ أية جهة معنية على مساءلته، أو البحث في مصدر ثرواته، رغم أنه معلوم.

كم من عقار بالمدينة الحمراء تم منحه لبعض المستثمرين بثمن زهيد يتراوح ما بين 10 و100 درها للمتر المربع، باسم دعم الاستثمار السياحي، وبالرغم من أن التفويت، كان مشروطا بتشييد تلك المشاريع، إلا أن معظم المستفيدين خرقوا القانون، وقاموا، بعد مرور سنوات طوال، ببيع تلك العقارات بأثمان خيالية مستغلين فورة العقار بمراكش.
ملف تفويت كازينو السعدي، بـ600 درهم للمتر المربع، في منطقة يتجاوز فيها المتر المربع 20 ألف درهم، والذي يتابع اليوم من أجله أبدوح، ومستشارون جماعيون آخرون، يوجد فيه شريط صوتي، يفضح عملية توزيع "الكعكة" بين أبدوح ومستشارين جماعيين قبل تصويت المجلس على التفويت. وقد مرت الآن أزيد من سبع سنوات على الملف، قبل الاستماع إلى ابدوح من قبل قاضي التحقيق تفصيليا صباح الأربعاء الماضي.

أستحضر ملف متابعة عليوة ومعها الحديث عن الحلويات، وتحضرني الجرأة الزائدة لبعض منتخبي مدينة مراكش، وكيف أمكنهم الترخيص ببناء عمارات في منطقة محرمة، لا يسمح فيها ببناء غير الفيلات، وتم تزوير تصميم التهيئة، وأضيفت إليه عبارة "أو عمارات"، وشيدت العمارات ضدا على القانون، وفي حرم الإقامة الملكية "الجنان الكبير" بمراكش، وتقرر هدم العمارات، وتم فتح تحقيق قضائي مع العديد من الأسماء، وسحبت جوازات سفرهم، واستمعت الفرقة الوطنية لعدد من الأسماء المغمورة والمعروفة.. ومع ذلك، وحتى الآن لم يتم إيقاف أو اعتقال أي شخص. بالرغم من مرور أزيد من ثمان سنوات على الشكاية التي سبق وأن قدمها المرحوم محمد الناصري، محامي القصر الملكي، للوكيل العام السابق الأستاذ عبد الإله المستاري.

عديدة هي الشكايات التي سبق للهيئة الوطنية لحماية المال العام بمراكش أن تقدمت بها للوكيل العام، والتي ترتبط بنهب المال العام، والاغتناء الفاحش على حساب أموال مواطني مراكش، إلا أنه وحتى حدود هذه اللحظة، لازالت تلك الملفات تتعثر، ولا أحد حتى الآن بإمكانه التنبؤ بمصيرها، وحدها دروس التاريخ علمتنا أن سارق الدجاجة، في هذا البلد السعيد، تقطع يده من خلاف.

لا أريد، من خلال ما تقدم، اتهام أحد.. كما لا أبحث عن مبررات لخالد عليوة، ولكن أريد فقط إجراء مقارنة ما بين خالد وبعض الكائنات الإنتخابية بالمدينة الحمراء. ولا أريد أن تكون هذه المقارنة بين خالد واسم بارز من منتخبي مراكش، ولكن صدقوني إن أخبرتكم، وأستثني هنا ساكنة مراكش لأنهم على علم بالأمر، أن أصغر كائن انتخابي، هنا، في مراكش، ومن خلال استغلاله لموقعه في تدبير الشأن المحلي، يحتكم اليوم على ثروة، يمكن بها استكمال مشروع نفق أوريكا-وارززات، الذي من شأنه إيقاف حرب طريق "تيشكا" التي تطحن مئات الأبرياء سنويا.

صدقوني إن أخبرتكم، أنه لو تمت مصادرة الأموال العامة المنهوبة من قبل الكائنات الإنتخابية بالمدينة الحمراء، وتم استثمارها في مشاريع تنموية لأمكنها أن توقف شبح العطالة وسط شباب المدينة من حاملي الشهادات وحتى أولائك الذين لا يحملون سوى شهادة طبية تؤهلهم للعمل في "الكرفي".

صدقوني أأني بعد اليوم، لن أطالب باعتقال أي من مسؤولينا الذين امتدت أيديهم إلى المال العام، وأقول إنني اقتنعت، وآمنت إيمانا لا ريب فيه، بقناعة رمز الحمائم في حزب العدالة والتنمية، عبد الإله بن كيران، و بمقولته الشهيرة:"عفا الله عما سلف"، و لكن أدعو رمز الصقور، كما يحلو للبعض تسميته، في نفس الحزب، وزير العدل والحريات مصطفى الرميد إلى العمل على واجهة أخرى، وهي أن يتم التعامل مع المتورطين في نهب المال العام معاملة مغايرة. أن تتم مصادرة الممتلكات المسجلة باسمهم، هنا في المغرب وخارجه، والمسجلة باسم زوجاتهم وأمهاتهم وأبنائهم القاصرين، و الذين من بينهم من يمتلك عقارات بالملايير، وهو بعد في "القماط".

إعمال مسطرة من هذا القبيل، لا شك أن حلويات خالد عليوة، ستكون فيها آخر حبة في العنقود. ورحمة الله على الفقيدة زبيدة بنت أحمد، التي أنصفت ابنها خالد وهي على فراش الموت، حتى أمكنه استنشاق هواء الحرية ولو للحظات.
عدالة مصطفى الرميد.. بين حلويات خالد عليوة وثروات الكائنات الانتخابية بمراكش


ملصقات


اقرأ أيضاً
يدير اكيندي يكتب عن مافيا الماستر: حين تتحول الجامعة من منارة للعلم إلى سوق نخاسة لبيع الذمم
يدير اكيندي الفساد يضرب قلب التعليم العالي… ومصداقية الوطن على المحك مرة أخرى، يَطفو على السطح وجه بشع من وجوه الفساد في بلادنا، بعد تفجر فضيحة الاتجار بالشواهد الجامعية، وبالضبط شهادات الماستر، في واحدة من مؤسسات التعليم العالي التي يُفترض فيها أن تُخرّج نخبة النخبة. والكارثة أن هذه الشهادات ليست مجرد أوراق، بل مفاتيح لولوج مراكز القرار، ومسالك البحث العلمي، ومواقع المسؤولية في القضاء والإدارة والتعليم والثقافة. فماذا يعني أن تُباع هذه المفاتيح لمن يملك الثمن؟ وماذا تبقّى من الوطن إذا تساوى الحاذق والغشاش، والعالم والمزوّر، في فرص الصعود؟ فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان التعليم، أساس بناء الإنسان، يُباع ويُشترى؟ وكيف نضمن مستقبلاً وطنياً إذا كانت المناصب العليا تُمنح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق؟ما وقع في جامعة أكادير ليس حادثا معزولا، بل هو مؤشّر خطير على هشاشة منظومتنا القيمية، وعلى مدى تمدّد سرطان الغش والتدليس في جسد المجتمع. أن يصبح الغش “حقا مكتسبا” لدى بعض الفئات، فتلك بداية نهاية العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. من غير المعقول أن تنحصر المساءلة في الأستاذ المتهم وحده، بل إن كل من استفاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذه “التجارة اللاشرعية”، يجب أن يُحاسب ويُتابع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، والاحتيال على الدولة، والولوج إلى مواقع المسؤولية دون وجه حق ، مما يجعل الفساد التعليمي قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع بأكمله هنا تبرز ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يكفي معاقبة الأستاذ المتورط في فضيحة أكادير، بل يجب استدعاء كل من استفاد من هذه “الصفقات” وملاحقته بتهمة التزوير والتدليس.. إننا لا ننسى الضحايا الحقيقيين لهذه الفضيحة: أبناء وبنات هذا الوطن، الذين أُقصوا لأنهم لم يملكوا 250 ألف درهم لشراء شهادة، وليس لأنهم يفتقرون للكفاءة أو الجدارة. كم من طاقة وطنية شريفة حُرمت من فرصتها، ودُفنت أحلامها، وانهزمت ثقتها في مؤسسات الدولة! وكم من شاب وشابة حُرموا من الماستر والدكتوراه، لا لضعف مستواهم العلمي، بل فقط لأنهم لا يملكون رصيدًا بنكيًا محترمًا! أليس هذا هو الوجه الحقيقي لانهيار القيم، وبداية تصدع الوطن؟ هذه الممارسات لا تدمر الأفراد فحسب، بل تقتل روح الانتماء لدى الشباب، وتجعلهم يفقدون الثقة في الوطن. وكما قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته “الكيميائي”: “عندما تُحارب أحلامك، فإن الكون بأسره يتآمر لمساعدتك”، لكن ماذا لو كان الفساد هو من يحارب الأحلام؟ حينها لن يجد الشباب سوى اليأس أو الهجرة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة. فالوطن الذي نريده ليس مبنيًا على الريع والزبونية، بل على تكافؤ الفرص والاستحقاق. كما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، فإن بناء مغرب الغد يمر عبر بناء مجتمع قوي إلى جانب دولة قوية، مجتمع يؤمن بالعدل، والكرامة، والنزاهة، ويقاوم كل أشكال الغش والإفساد. فكيف تكون الدولة قوية إذا كان تعليمها ضعيفاً؟ وكيف يكون المجتمع قوياً إذا كان أفراده يعيشون على الوهم؟ ولعل ما قاله الكاتب البرازيلي باولو كويلو في رسالته إلى ابنه: “إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المدن، لكنه الأساس الحقيقي لأي حضارة”، ينطبق تمامًا على ما نحتاجه اليوم. فالتعليم هو حجر الزاوية لبناء الإنسان، والعبث به هو تقويض لكل إمكانيات النهوض. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” « وهل هناك عدل حين يحصل المزوّرون على مناصب ومسؤوليات، بينما يُقصى النجباء لأنهم لا يملكون المال؟ هل هناك دولة قانون، حين يتحول التعليم إلى مزاد علني؟ إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحرّك النيابة العامة بصرامة، ويُفتح تحقيق شامل يُحاسب فيه كل من تواطأ أو استفاد أو سكت عن هذا الفساد، أو أن نترك هذا الورم الخبيث يتفشى في جسد الدولة والمجتمع، ويُعمق فقدان الثقة، ويقضي على كل أمل في الإصلاح. إننا ننتظر من وزارة التعليم العالي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني في هذه القضية، وأن تُعلن حربا لا هوادة فيها على كل المتلاعبين بسمعة الجامعة المغربية. فالتعليم لا يجب أن يكون سلعة، ولا يجب أن يُترك للمفسدين ينشرون سمومهم بين الطلبة والأساتذة، ويهدمون ما تبقى من الأمل في غد نزيه وعادل. وحده العدل، وحدها المساواة، وحده القانون، يمكن أن يؤسسوا لوطن يسع الجميع. أما الاستسلام فليس خيارًا، والسكوت تواطؤ. فلننتفض، دفاعًا عن الكرامة، عن العدالة، عن مغرب يستحق أن نحلم به… لا أن نخجل منه. فضيحة شواهد الماستر ليست قضية أكاديمية عابرة، بل هي معركة وجودية ضد فسادٍ ينهش جسد الوطن. إن لم نتحرك اليوم، فسنواجه غداً جيلاً يعتقد أن الغش “إنجاز”، والتدليس “ذكاء”. الفساد الجامعي ليس مجرد جريمة أخلاقية، بل تهديد مباشر للأمن المجتمعي. عندما تتحول الجامعة إلى مصنع لشواهد مزورة، فإنها تنتج مسؤولين بلا كفاءة، وقضاة بلا ضمير، وأساتذة بلا علم. وحينها لا يمكن بناء مغرب الغد السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للأمل، وتواطؤ مع الفساد، ومساهمة في قتل طموحات شباب حُرموا من فرص حقيقية لأنهم لم يملكوا ما يكفي لشراء شهادة. إن ضحايا هذه المافيا معروفون: شباب اجتهدوا وكافحوا، لكنهم صُدوا لأنهم لم يكونوا جزءاً من لعبة النفوذ والرشوة * يدير اكيندي، أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية، خبير في التنمية الشاملة والإعاقة
ساحة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأحد 06 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة