ساحة

الصديق الصباحي يكتب: الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء: ملاحظات أولية


كشـ24 نشر في: 25 أغسطس 2020

الصديق الصباحي -مهندس باحث في الطاقات الجديدة والتنمية المستدامةبمجرد صدور مرسوم تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء بالجريدة الرسمية في عدد 10 غشت 2020، ثارت ضجة في أوساط المتتبعين للشأن السياسي، وذلك نظرا للانتماء السياسي للأعضاء الستة الذين يعينهم رئيسا غرفتي البرلمان، إذ أن كلا من هذين الأخيرين قد أصدر قرار تعيين الأعضاء الثلاثة من الحزب الذي ينتمي إليه، مما أعطى صورة سيئة جدا لهذه الهيأة ذات الدور الرئيس في تحرير سوق إنتاج الطاقة الكهربائية خاصة من مصادر متجددة تفعيلا للاستراتيجية الطاقية الوطنية، وقد طفا على السطح - إثر ضجة التعيينات - مرسوم تعويضات أعضاء مجلس الهيأة مما زاد الصورة سوداوية وأدى إلى تشكيك الرأي العام في جدوى إحداث هذه الهيئة من الأصل.إن كل متتبع لمسار تنفيذ الاستراتيجية الطاقية الوطنية التي أطلقت سنة 2009 يدرك الحاجة الملحة لتقنين سوق إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة ونقلها وتوزيعها لتمكين المستثمرين والمقاولات المختصة من ولوج سوق حرة لإنتاج الكهرباء. في هذا السياق صدرت ترسانة تشريعية أهمها قانون 13.09 الصادر في فبراير 2010 والمتعلق بالطاقات المتجددة، حيث خول لأول مرة لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص أو أشخاص ذاتيين إمكان إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة إضافة إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بعدما كان هذا الأخير - المكتب الوطني للكهرباء حين إحداثه - منفردا بتهيئة وسائل إنتاج الطاقة الكهربائية التي تفوق قوتها 300 كليوواط. كما صدرت قوانين أخرى لتعديل القانون المشار إليه - القانون رقم 58.15 ومسودة مشروع القانون رقم 40.19 - أو لإحداث المؤسسات المكلفة بتطوير مشاريع الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية وتنفيذها وتمويلها إضافة إلى مؤسسات البحث والابتكار.في هذا الإطار، صدر القانون رقم 48.15 في شهر ماي 2016 في قسمين، حيث خصصت مواد قسمه الأول لمبادئ ضبط قطاع الكهرباء وتضمنت تحديد مهام مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل ومسيري الشبكات الكهربائية للتوزيع - والتركيز هنا على شبكات الجهد المتوسط - إضافة إلى مواد تضبط الولوج للشبكات وموارد مسيري الشبكات ومحددات تعريفة استعمال شبكة النقل وشبكة التوزيع ذات الجهد المتوسط، أما القسم الثاني لذات القانون فقد خصص لإحداث "الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء" وتحديد مهامها وأجهزتها وتنظيمها المالي والمحاسباتي إضافة لمقتضيات أخرى، وقد حددت مهمتها الرئيسة في السهر على ضمان حسن سير السوق الحرة للكهرباء وتولي ضبط ولوج المنتجين الذاتيين إلى الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل.وبغض النظر عن معايير اختيار أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، فإنه باكتمال تعيين هياكل الهيئة يبدأ العمل الفعلي لتحرير سوق إنتاج الكهرباء الذي طالما انتظره الفاعلون في قطاع الطاقات المتجددة منذ إطلاق الاستراتيجية الطاقية الوطنية سنة 2009، ومع أهمية هذه المحطة التي تأخرت كثيرا، إذ أن عقدا واحدا يفصلنا عن سنة 2030 لبلوغ %52 من حصة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي الوطني، تشوب الصيغة التي خرجت بها الهيئة والنص القانوني لإحداثها نواقص تجدر الإشارة إليها على أمل اغتنام الفرصة الحالية لتعزيز الدور الضبطي المنوط بها والضروري لتحقيق رؤية الاستراتيجية الطاقية الوطنية، خاصة وأن هذه الأخيرة تحتاج لتحيين يناسب المرحلة الراهنة، فالحاجة صارت ملحة لبلورة مخطط جديد للانتقال الطاقي كما ورد في الوثيقة التي أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال شهر يونيو 2020 مبديا رأيه في "تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر".أولى هذه الملاحظات وأهمها تظهر في اسم الهيئة ومهامها التي حصرت أدوارها الضبطية في قطاع الكهرباء، ظل هذا الاختزال في الوقت التي يوصي فيه خبراء قطاع الطاقة وطنيا ودوليا بوضع مخططات لتحقيق انتقال طاقي شامل يضم جميع أنواع الطاقة المستخدمة كمواد أولية وكاستعمال نهائي بما فيها قطاع المحروقات، خاصة أن هذا الأخير يعرف اختلالات كبيرة على رأسها مشكل الأسعار وغياب شروط المنافسة بين فاعلي القطاع، الشيء الذي أدى بمجلس المنافسة إلى إصدار تقرير يتضمن غرامات جزائية لشركات المحروقات التي ثبتت في حقها ممارسات مخالفة لقانون حرية المنافسة والأسعار، هذا القرار الذي عرف خلافا بين رئيس المجلس وأعضائه أدى إلى تحكيم ملكي بتعيين للجنة متخصصة للنظر في هذا النزاع، وقد سبق لذات المجلس أن أصدر رأيا حول تسقيف هوامش ربح شركات المحروقات في فبراير 2019 بطلب من وزير الحكامة والشؤون الاقتصادية حينئذ تضمن توصية بوضع آلية لنظامة سوق المحروقات مع منح هذا الاختصاص "للهيئة الوطنية لتقنين الطاقة" كما سميت في تقرير مجلس المنافسة، توصية مماثلة جاءت في الرأي المشار إليه أعلاه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث أوصى هذا الأخير في الفقرة الخاصة بقطاع المحروقات بتوسیع نطاق اختصاصات "الھیئة الوطنیة لضبط الكھرباء" إلى "ھیئة ضبط الطاقة" بجمیع مكوناتھا لتشمل أيضا متطلبات النجاعة الطاقية في ميادين البناء والصناعة والنقل والإنارة وغيرها.الملاحظة الثانية متعلقة بجوانب هامة لم يشملها قانون ضبط قطاع الكهرباء، أهمها تخزين الطاقة الذي لا يزال يعاني من فراغ قانوني وضبطي باستثناء الإشارات النادرة التي وردت في المرسوم رقم 2-14-541 الذي يحدد اختصاصات وتنظيم قطاع الطاقة والمعادن بالوزارة الوصية لكنه لا يتعلق بالضرورة بتخزين الكهرباء، إضافة إلى معايير تقنية أصدرها المعهد المغربي للتقييس IMANOR، إلا أن مشاريع المنشآت الكبرى لتخزين الطاقة الكهربائية على نطاق واسع، والضرورية للمساهمة في توازن الإنتاج والطلب، تبقى في حاجة ملحة لإطار تشريعي يحدد مقتضيات الترخيص لها واستغلالها بتخزين الفائض في أوقات الذروة لاستخدامه في أوقات الحاجة أو ضخه في الشبكة الوطنية مع ضبط التسعيرة حسب الفترات المتفاوتة في الإنتاج والطلب. ينضاف إلى ذلك حصر مهام هيئة الضبط بالنسبة لشبكة توزيع الكهرباء ذات الجهد المتوسط مما يبقي شبكة الجهد المنخفض خارج التقنين - كما ورد في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي - رغم الحاجة لذلك لتشجيع الأفراد والمقاولات على الاستثمار في الطاقات المتجددة مع ضخ فائض إنتاجهم في شبكة التوزيع لربح الفارق في فاتورة الكهرباء.الملاحظة الثالثة متعلقة بالتعيينات في مجلس الهيئة من زاوية التخصصات المطلوبة، إذ أن القسم الثاني من القانون رقم 48.15 حدد أعضاء مجلس الهيئة في تسعة أعضاء، ثلاثة منهم يعينون بمرسوم مع اشتراط توفر الكفاءة القانونية في العضو الأول، والمالية في الثاني، والكفاءة في مجال الطاقة في الثالث، بينما الأعضاء الستة الذين يعينون مناصفة بقرار من رئيسي غرفتي البرلمان فقط اشترط فيهم التوفر على كفاءة في القانون أو المالية أو الطاقة، مما يفهم منه إمكان غياب كفاءة أو اثنتين في كل الأعضاء الستة نظرا للصيغة التي يفهم منها التخيير، وقد طرح بشأن التعيينات الأخيرة تساؤلات بشأن مدى إلمام بمجال الطاقة الكهربائية بين الأعضاء الستة، مما يضعف من حضور الكفاءة الطاقية في مجلس الهيئة المعنية بضبط الكهرباء - مع الأمل في ضبط كل قطاع الطاقة أخذا بالتوصيات المذكورة آنفا - علما أن التخصص في الطاقة في حد ذاته تخصصات، مما يتطلب خبرات في توليد الكهرباء من مصادر متجددة أو أحفورية بما فيه التوليد المتوزع (اللامركزي - décentralisé)، وأخرى في شبكات النقل والتوزيع بما فيها الشبكات الذكية (Smart grids)، وتخصصا في التخزين، إضافة إلى التوجه المستقبلي لإنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر متجددة الذي تتطلع فيه المملكة إلى الريادة فيه.تتعدد الملاحظات حول الصيغة التي خرجت بها الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الشيء الذي يتطلب فتح نقاش بين المتخصصين في المجال إلى جانب النقاش العمومي الذي يجري حاليا، كل ذلك يصب في مصلحة تقوية دور هذه الهيئة ونجاعة ضبط قطاع الكهرباء، والطاقة بمفهومها الأشمل، خاصة وأن المغرب بصدد مراجعة استراتيجيته الطاقية بعد مرور أكثر من عقد على انطلاقها، وذلك من أجل الخروج بمخطط طاقي شامل يضمن استمرار تحقيق الأهداف المحددة سالفا مع تعزيزها بمستجدات تفتح بابا واسعا لريادة المملكة في إنتاج الكهرباء النظيفة والجزيئات الخضراء لبلوغ نمو اقتصادي ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، مع تخطيط متآزر بين جميع القطاعات في نموذج تنموي جديد يجعل المواطن في مركز السياسات العمومية للبلاد.المراجع :1- الجريدة الرسمية عدد 6472 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2016 والمتضمن لمشروع القانون رقم 48.15 المتعلق بضبط قطاع الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.2- الجريدة الرسمية عدد 6831 الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 2019 والمتضمن للمرسوم رقم 2.19.873 بشأن التعويضات المخولة لفائدة أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.3- الجريدة الرسمية عدد 6907 الصادر بتاريخ 10 أغسطس 2019 والمتضمن للمرسوم رقم 2.20.564 بتعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.4- الجريدة الرسمية عدد 5822 الصادر بتاريخ 18 مارس 2010 والمتضمن للقانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة وقانوني إحداث الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والوكالة الوطنية للطاقة الشمسية.5- الجريدة الرسمية عدد 6433 الصادر بتاريخ 25 يناير 2016 والمتضمن للقانون رقم 58.15 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة.6- مسودة مشروع القانون رقم 40.19 المغير والمتمم للقانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة بموقع الأمنة العامة للحكومة.7- الجريدة الرسمية عدد 6502 الصادر بتاريخ 22 سبتمبر 2016 والمتضمن للقانون رقم 37.16 و38.16 و39.16 المتعلقة بتغيير في قوانين إحداث ا"لوكالة الوطنية للطاقة المستدامة" و"المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب" و"الوكالة الوطنية للنجاعة الطاقية".8- رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : "تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر"، يونيو 2020.9- رأي مجلس المنافسة حول مشروع قرار الحكومة بشأن تسقيف هوامش ربح المحروقات السائلة.10- مقال "Stockage d’énergie à grande échelle au maroc : état des lieux et perspectives"، الصديق الصباحي، منشور بتاريخ 7 يناير 2020 على موقع EcoActu.ma.11- مقال "Legislative framework for renewable energy in Morocco"، الصديق الصباحي، منشور بتاريخ 10 مارس 2019 على موقع Renewable Energy World.

الصديق الصباحي -مهندس باحث في الطاقات الجديدة والتنمية المستدامةبمجرد صدور مرسوم تعيين أعضاء الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء بالجريدة الرسمية في عدد 10 غشت 2020، ثارت ضجة في أوساط المتتبعين للشأن السياسي، وذلك نظرا للانتماء السياسي للأعضاء الستة الذين يعينهم رئيسا غرفتي البرلمان، إذ أن كلا من هذين الأخيرين قد أصدر قرار تعيين الأعضاء الثلاثة من الحزب الذي ينتمي إليه، مما أعطى صورة سيئة جدا لهذه الهيأة ذات الدور الرئيس في تحرير سوق إنتاج الطاقة الكهربائية خاصة من مصادر متجددة تفعيلا للاستراتيجية الطاقية الوطنية، وقد طفا على السطح - إثر ضجة التعيينات - مرسوم تعويضات أعضاء مجلس الهيأة مما زاد الصورة سوداوية وأدى إلى تشكيك الرأي العام في جدوى إحداث هذه الهيئة من الأصل.إن كل متتبع لمسار تنفيذ الاستراتيجية الطاقية الوطنية التي أطلقت سنة 2009 يدرك الحاجة الملحة لتقنين سوق إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة ونقلها وتوزيعها لتمكين المستثمرين والمقاولات المختصة من ولوج سوق حرة لإنتاج الكهرباء. في هذا السياق صدرت ترسانة تشريعية أهمها قانون 13.09 الصادر في فبراير 2010 والمتعلق بالطاقات المتجددة، حيث خول لأول مرة لأشخاص معنويين خاضعين للقانون العام أو القانون الخاص أو أشخاص ذاتيين إمكان إنتاج الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة إضافة إلى المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، بعدما كان هذا الأخير - المكتب الوطني للكهرباء حين إحداثه - منفردا بتهيئة وسائل إنتاج الطاقة الكهربائية التي تفوق قوتها 300 كليوواط. كما صدرت قوانين أخرى لتعديل القانون المشار إليه - القانون رقم 58.15 ومسودة مشروع القانون رقم 40.19 - أو لإحداث المؤسسات المكلفة بتطوير مشاريع الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية وتنفيذها وتمويلها إضافة إلى مؤسسات البحث والابتكار.في هذا الإطار، صدر القانون رقم 48.15 في شهر ماي 2016 في قسمين، حيث خصصت مواد قسمه الأول لمبادئ ضبط قطاع الكهرباء وتضمنت تحديد مهام مسير الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل ومسيري الشبكات الكهربائية للتوزيع - والتركيز هنا على شبكات الجهد المتوسط - إضافة إلى مواد تضبط الولوج للشبكات وموارد مسيري الشبكات ومحددات تعريفة استعمال شبكة النقل وشبكة التوزيع ذات الجهد المتوسط، أما القسم الثاني لذات القانون فقد خصص لإحداث "الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء" وتحديد مهامها وأجهزتها وتنظيمها المالي والمحاسباتي إضافة لمقتضيات أخرى، وقد حددت مهمتها الرئيسة في السهر على ضمان حسن سير السوق الحرة للكهرباء وتولي ضبط ولوج المنتجين الذاتيين إلى الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل.وبغض النظر عن معايير اختيار أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، فإنه باكتمال تعيين هياكل الهيئة يبدأ العمل الفعلي لتحرير سوق إنتاج الكهرباء الذي طالما انتظره الفاعلون في قطاع الطاقات المتجددة منذ إطلاق الاستراتيجية الطاقية الوطنية سنة 2009، ومع أهمية هذه المحطة التي تأخرت كثيرا، إذ أن عقدا واحدا يفصلنا عن سنة 2030 لبلوغ %52 من حصة الطاقات المتجددة في المزيج الطاقي الوطني، تشوب الصيغة التي خرجت بها الهيئة والنص القانوني لإحداثها نواقص تجدر الإشارة إليها على أمل اغتنام الفرصة الحالية لتعزيز الدور الضبطي المنوط بها والضروري لتحقيق رؤية الاستراتيجية الطاقية الوطنية، خاصة وأن هذه الأخيرة تحتاج لتحيين يناسب المرحلة الراهنة، فالحاجة صارت ملحة لبلورة مخطط جديد للانتقال الطاقي كما ورد في الوثيقة التي أصدرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي خلال شهر يونيو 2020 مبديا رأيه في "تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر".أولى هذه الملاحظات وأهمها تظهر في اسم الهيئة ومهامها التي حصرت أدوارها الضبطية في قطاع الكهرباء، ظل هذا الاختزال في الوقت التي يوصي فيه خبراء قطاع الطاقة وطنيا ودوليا بوضع مخططات لتحقيق انتقال طاقي شامل يضم جميع أنواع الطاقة المستخدمة كمواد أولية وكاستعمال نهائي بما فيها قطاع المحروقات، خاصة أن هذا الأخير يعرف اختلالات كبيرة على رأسها مشكل الأسعار وغياب شروط المنافسة بين فاعلي القطاع، الشيء الذي أدى بمجلس المنافسة إلى إصدار تقرير يتضمن غرامات جزائية لشركات المحروقات التي ثبتت في حقها ممارسات مخالفة لقانون حرية المنافسة والأسعار، هذا القرار الذي عرف خلافا بين رئيس المجلس وأعضائه أدى إلى تحكيم ملكي بتعيين للجنة متخصصة للنظر في هذا النزاع، وقد سبق لذات المجلس أن أصدر رأيا حول تسقيف هوامش ربح شركات المحروقات في فبراير 2019 بطلب من وزير الحكامة والشؤون الاقتصادية حينئذ تضمن توصية بوضع آلية لنظامة سوق المحروقات مع منح هذا الاختصاص "للهيئة الوطنية لتقنين الطاقة" كما سميت في تقرير مجلس المنافسة، توصية مماثلة جاءت في الرأي المشار إليه أعلاه للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، حيث أوصى هذا الأخير في الفقرة الخاصة بقطاع المحروقات بتوسیع نطاق اختصاصات "الھیئة الوطنیة لضبط الكھرباء" إلى "ھیئة ضبط الطاقة" بجمیع مكوناتھا لتشمل أيضا متطلبات النجاعة الطاقية في ميادين البناء والصناعة والنقل والإنارة وغيرها.الملاحظة الثانية متعلقة بجوانب هامة لم يشملها قانون ضبط قطاع الكهرباء، أهمها تخزين الطاقة الذي لا يزال يعاني من فراغ قانوني وضبطي باستثناء الإشارات النادرة التي وردت في المرسوم رقم 2-14-541 الذي يحدد اختصاصات وتنظيم قطاع الطاقة والمعادن بالوزارة الوصية لكنه لا يتعلق بالضرورة بتخزين الكهرباء، إضافة إلى معايير تقنية أصدرها المعهد المغربي للتقييس IMANOR، إلا أن مشاريع المنشآت الكبرى لتخزين الطاقة الكهربائية على نطاق واسع، والضرورية للمساهمة في توازن الإنتاج والطلب، تبقى في حاجة ملحة لإطار تشريعي يحدد مقتضيات الترخيص لها واستغلالها بتخزين الفائض في أوقات الذروة لاستخدامه في أوقات الحاجة أو ضخه في الشبكة الوطنية مع ضبط التسعيرة حسب الفترات المتفاوتة في الإنتاج والطلب. ينضاف إلى ذلك حصر مهام هيئة الضبط بالنسبة لشبكة توزيع الكهرباء ذات الجهد المتوسط مما يبقي شبكة الجهد المنخفض خارج التقنين - كما ورد في رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي - رغم الحاجة لذلك لتشجيع الأفراد والمقاولات على الاستثمار في الطاقات المتجددة مع ضخ فائض إنتاجهم في شبكة التوزيع لربح الفارق في فاتورة الكهرباء.الملاحظة الثالثة متعلقة بالتعيينات في مجلس الهيئة من زاوية التخصصات المطلوبة، إذ أن القسم الثاني من القانون رقم 48.15 حدد أعضاء مجلس الهيئة في تسعة أعضاء، ثلاثة منهم يعينون بمرسوم مع اشتراط توفر الكفاءة القانونية في العضو الأول، والمالية في الثاني، والكفاءة في مجال الطاقة في الثالث، بينما الأعضاء الستة الذين يعينون مناصفة بقرار من رئيسي غرفتي البرلمان فقط اشترط فيهم التوفر على كفاءة في القانون أو المالية أو الطاقة، مما يفهم منه إمكان غياب كفاءة أو اثنتين في كل الأعضاء الستة نظرا للصيغة التي يفهم منها التخيير، وقد طرح بشأن التعيينات الأخيرة تساؤلات بشأن مدى إلمام بمجال الطاقة الكهربائية بين الأعضاء الستة، مما يضعف من حضور الكفاءة الطاقية في مجلس الهيئة المعنية بضبط الكهرباء - مع الأمل في ضبط كل قطاع الطاقة أخذا بالتوصيات المذكورة آنفا - علما أن التخصص في الطاقة في حد ذاته تخصصات، مما يتطلب خبرات في توليد الكهرباء من مصادر متجددة أو أحفورية بما فيه التوليد المتوزع (اللامركزي - décentralisé)، وأخرى في شبكات النقل والتوزيع بما فيها الشبكات الذكية (Smart grids)، وتخصصا في التخزين، إضافة إلى التوجه المستقبلي لإنتاج الهيدروجين الأخضر من مصادر متجددة الذي تتطلع فيه المملكة إلى الريادة فيه.تتعدد الملاحظات حول الصيغة التي خرجت بها الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الشيء الذي يتطلب فتح نقاش بين المتخصصين في المجال إلى جانب النقاش العمومي الذي يجري حاليا، كل ذلك يصب في مصلحة تقوية دور هذه الهيئة ونجاعة ضبط قطاع الكهرباء، والطاقة بمفهومها الأشمل، خاصة وأن المغرب بصدد مراجعة استراتيجيته الطاقية بعد مرور أكثر من عقد على انطلاقها، وذلك من أجل الخروج بمخطط طاقي شامل يضمن استمرار تحقيق الأهداف المحددة سالفا مع تعزيزها بمستجدات تفتح بابا واسعا لريادة المملكة في إنتاج الكهرباء النظيفة والجزيئات الخضراء لبلوغ نمو اقتصادي ينسجم مع أهداف التنمية المستدامة، مع تخطيط متآزر بين جميع القطاعات في نموذج تنموي جديد يجعل المواطن في مركز السياسات العمومية للبلاد.المراجع :1- الجريدة الرسمية عدد 6472 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2016 والمتضمن لمشروع القانون رقم 48.15 المتعلق بضبط قطاع الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.2- الجريدة الرسمية عدد 6831 الصادر بتاريخ 18 نوفمبر 2019 والمتضمن للمرسوم رقم 2.19.873 بشأن التعويضات المخولة لفائدة أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.3- الجريدة الرسمية عدد 6907 الصادر بتاريخ 10 أغسطس 2019 والمتضمن للمرسوم رقم 2.20.564 بتعيين أعضاء مجلس الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء.4- الجريدة الرسمية عدد 5822 الصادر بتاريخ 18 مارس 2010 والمتضمن للقانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة وقانوني إحداث الوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والوكالة الوطنية للطاقة الشمسية.5- الجريدة الرسمية عدد 6433 الصادر بتاريخ 25 يناير 2016 والمتضمن للقانون رقم 58.15 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة.6- مسودة مشروع القانون رقم 40.19 المغير والمتمم للقانون رقم 13.09 المتعلق بالطاقات المتجددة بموقع الأمنة العامة للحكومة.7- الجريدة الرسمية عدد 6502 الصادر بتاريخ 22 سبتمبر 2016 والمتضمن للقانون رقم 37.16 و38.16 و39.16 المتعلقة بتغيير في قوانين إحداث ا"لوكالة الوطنية للطاقة المستدامة" و"المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب" و"الوكالة الوطنية للنجاعة الطاقية".8- رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي : "تسريع الانتقال الطاقي لوضع المغرب على مسار النمو الأخضر"، يونيو 2020.9- رأي مجلس المنافسة حول مشروع قرار الحكومة بشأن تسقيف هوامش ربح المحروقات السائلة.10- مقال "Stockage d’énergie à grande échelle au maroc : état des lieux et perspectives"، الصديق الصباحي، منشور بتاريخ 7 يناير 2020 على موقع EcoActu.ma.11- مقال "Legislative framework for renewable energy in Morocco"، الصديق الصباحي، منشور بتاريخ 10 مارس 2019 على موقع Renewable Energy World.



اقرأ أيضاً
يدير اكيندي يكتب عن مافيا الماستر: حين تتحول الجامعة من منارة للعلم إلى سوق نخاسة لبيع الذمم
يدير اكيندي الفساد يضرب قلب التعليم العالي… ومصداقية الوطن على المحك مرة أخرى، يَطفو على السطح وجه بشع من وجوه الفساد في بلادنا، بعد تفجر فضيحة الاتجار بالشواهد الجامعية، وبالضبط شهادات الماستر، في واحدة من مؤسسات التعليم العالي التي يُفترض فيها أن تُخرّج نخبة النخبة. والكارثة أن هذه الشهادات ليست مجرد أوراق، بل مفاتيح لولوج مراكز القرار، ومسالك البحث العلمي، ومواقع المسؤولية في القضاء والإدارة والتعليم والثقافة. فماذا يعني أن تُباع هذه المفاتيح لمن يملك الثمن؟ وماذا تبقّى من الوطن إذا تساوى الحاذق والغشاش، والعالم والمزوّر، في فرص الصعود؟ فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان التعليم، أساس بناء الإنسان، يُباع ويُشترى؟ وكيف نضمن مستقبلاً وطنياً إذا كانت المناصب العليا تُمنح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق؟ما وقع في جامعة أكادير ليس حادثا معزولا، بل هو مؤشّر خطير على هشاشة منظومتنا القيمية، وعلى مدى تمدّد سرطان الغش والتدليس في جسد المجتمع. أن يصبح الغش “حقا مكتسبا” لدى بعض الفئات، فتلك بداية نهاية العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. من غير المعقول أن تنحصر المساءلة في الأستاذ المتهم وحده، بل إن كل من استفاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذه “التجارة اللاشرعية”، يجب أن يُحاسب ويُتابع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، والاحتيال على الدولة، والولوج إلى مواقع المسؤولية دون وجه حق ، مما يجعل الفساد التعليمي قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع بأكمله هنا تبرز ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يكفي معاقبة الأستاذ المتورط في فضيحة أكادير، بل يجب استدعاء كل من استفاد من هذه “الصفقات” وملاحقته بتهمة التزوير والتدليس.. إننا لا ننسى الضحايا الحقيقيين لهذه الفضيحة: أبناء وبنات هذا الوطن، الذين أُقصوا لأنهم لم يملكوا 250 ألف درهم لشراء شهادة، وليس لأنهم يفتقرون للكفاءة أو الجدارة. كم من طاقة وطنية شريفة حُرمت من فرصتها، ودُفنت أحلامها، وانهزمت ثقتها في مؤسسات الدولة! وكم من شاب وشابة حُرموا من الماستر والدكتوراه، لا لضعف مستواهم العلمي، بل فقط لأنهم لا يملكون رصيدًا بنكيًا محترمًا! أليس هذا هو الوجه الحقيقي لانهيار القيم، وبداية تصدع الوطن؟ هذه الممارسات لا تدمر الأفراد فحسب، بل تقتل روح الانتماء لدى الشباب، وتجعلهم يفقدون الثقة في الوطن. وكما قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته “الكيميائي”: “عندما تُحارب أحلامك، فإن الكون بأسره يتآمر لمساعدتك”، لكن ماذا لو كان الفساد هو من يحارب الأحلام؟ حينها لن يجد الشباب سوى اليأس أو الهجرة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة. فالوطن الذي نريده ليس مبنيًا على الريع والزبونية، بل على تكافؤ الفرص والاستحقاق. كما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، فإن بناء مغرب الغد يمر عبر بناء مجتمع قوي إلى جانب دولة قوية، مجتمع يؤمن بالعدل، والكرامة، والنزاهة، ويقاوم كل أشكال الغش والإفساد. فكيف تكون الدولة قوية إذا كان تعليمها ضعيفاً؟ وكيف يكون المجتمع قوياً إذا كان أفراده يعيشون على الوهم؟ ولعل ما قاله الكاتب البرازيلي باولو كويلو في رسالته إلى ابنه: “إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المدن، لكنه الأساس الحقيقي لأي حضارة”، ينطبق تمامًا على ما نحتاجه اليوم. فالتعليم هو حجر الزاوية لبناء الإنسان، والعبث به هو تقويض لكل إمكانيات النهوض. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” « وهل هناك عدل حين يحصل المزوّرون على مناصب ومسؤوليات، بينما يُقصى النجباء لأنهم لا يملكون المال؟ هل هناك دولة قانون، حين يتحول التعليم إلى مزاد علني؟ إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحرّك النيابة العامة بصرامة، ويُفتح تحقيق شامل يُحاسب فيه كل من تواطأ أو استفاد أو سكت عن هذا الفساد، أو أن نترك هذا الورم الخبيث يتفشى في جسد الدولة والمجتمع، ويُعمق فقدان الثقة، ويقضي على كل أمل في الإصلاح. إننا ننتظر من وزارة التعليم العالي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني في هذه القضية، وأن تُعلن حربا لا هوادة فيها على كل المتلاعبين بسمعة الجامعة المغربية. فالتعليم لا يجب أن يكون سلعة، ولا يجب أن يُترك للمفسدين ينشرون سمومهم بين الطلبة والأساتذة، ويهدمون ما تبقى من الأمل في غد نزيه وعادل. وحده العدل، وحدها المساواة، وحده القانون، يمكن أن يؤسسوا لوطن يسع الجميع. أما الاستسلام فليس خيارًا، والسكوت تواطؤ. فلننتفض، دفاعًا عن الكرامة، عن العدالة، عن مغرب يستحق أن نحلم به… لا أن نخجل منه. فضيحة شواهد الماستر ليست قضية أكاديمية عابرة، بل هي معركة وجودية ضد فسادٍ ينهش جسد الوطن. إن لم نتحرك اليوم، فسنواجه غداً جيلاً يعتقد أن الغش “إنجاز”، والتدليس “ذكاء”. الفساد الجامعي ليس مجرد جريمة أخلاقية، بل تهديد مباشر للأمن المجتمعي. عندما تتحول الجامعة إلى مصنع لشواهد مزورة، فإنها تنتج مسؤولين بلا كفاءة، وقضاة بلا ضمير، وأساتذة بلا علم. وحينها لا يمكن بناء مغرب الغد السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للأمل، وتواطؤ مع الفساد، ومساهمة في قتل طموحات شباب حُرموا من فرص حقيقية لأنهم لم يملكوا ما يكفي لشراء شهادة. إن ضحايا هذه المافيا معروفون: شباب اجتهدوا وكافحوا، لكنهم صُدوا لأنهم لم يكونوا جزءاً من لعبة النفوذ والرشوة * يدير اكيندي، أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية، خبير في التنمية الشاملة والإعاقة
ساحة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الجمعة 04 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة