الكباص يكتب: حميد الزاهر.. خفيفا عَبَر من شقوق الفرح
كشـ24
نشر في: 12 ديسمبر 2018 كشـ24
في صباح الاثنين 10 دجنبر الجاري عبر حميد الزاهر بعيدا. عبر الذي ملأ قلوب المغاربة بالفرح، مخلفا وراءه أثره الجميل ، أغانيه التي ترددت في كل مكان من المغرب، و أسلوبه الذي ظل فريدا.حميد الزاهر، اسم آخر لتلك التلقائية التي من خلالها كان المراكشيون يتزودون بما يلزمهم من الخفة و البهجة، و تلك البساطة التي كونت فيما مضى رصيدهم الثمين من المقاومة التي تجعلهم يقفون باستماتة في وجه قساوة الحياة. كان صوته، و وتر عوده يصدح بالحب و يتغنى بالأشياء الأليفة، و يبعث برسائل الغبطة إلى قلوب عشاق فنه، من دون تكلف. لأنه خبر جيدا أن الفن الأصيل لا يحتاج إلى عملة أخرى غير الإنصات إلى حياة الشعب،و التفاعل مع إحساسه و وجدانه .جاء حميد الزاهر من عمق الحياة بمدينة البهجة، تشرب أسرارها. علمته كيف ينظر و يحلم. و أقنعته أن الفرح حق، و أن حرمان الناس منه هو أسوأ شر قد يصيبهم. فثابر على إهدائهم فضاء فسيحا للمرح في أغانيه، كاشفا في أعماقهم ضوء الأمل و الحب مهما تكالبت الهموم. من يستطيع أن يزيح من ذاكرة المغاربة عناوين من مثل " للازهيرو" و" أنا عندي ميعاد" و " آش داك تمشي للزين" و غيرها من الأغاني التي سحرت وجدانهم ببساطتها و خفتها و تلقائيتها ؟ كانت كلماته جوالة، تستهل مسيرتها من أي مكان، لأنه جعل من مراكش روحا لكل مكان يعمره الفرح. كما لو كان ينطق سرا بتلك الحكمة التي قالها ماريفي سانتياغو بولانيوس" إن أفضل البيوت و أكثرها سخاء، يصون صوت الأمل و يشاطره."ذكيا كان هذا الرجل عندما خدمته الصدف بأن لاقته ذات يوم مع رواد المسرح بمراكش، فالتقط هذه الصدفة كفرصة لا تعوض. كانت تلك انطلاقته الحقيقية. عندما احترقت القاعة الزجاجية بجنان الحارثي بمراكش في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. فأراد أعلام مسرح المدينة أن يخلدوا إعادة بنائها بعرض مسرحي يحضره ولي العهد مولاي الحسن. كان هذا العرض بعنوان زواج بلا إذن، و اقتضت الرؤية الإخراجية لمولاي عبد الواحد حسنين أن يكون المشهد الأخير حفل زفاف. فنادى على مطرب شعبي لكي يساهم في المشهد الأخير. لكن التفاصيل لم تكن مشبعة للمخرج، الذي رأى أنه ينبغي تعزيز هذا المشهد بحضور فنانين شعبيين يواكبان المغني بالتصفيق و الحركة و الرقص. فكان الاختيار من نصيب المختار عمي صاحب الأغنية الشهيرة " أنا و ياك يا بو عيون" و الفنان مهري. و أضاف إليهم المخرج أربع شابات بالزي التقليدي لكي يصير مشهد العرس كاملا.ما لم يكن يعرفه مولاي عبد الواحد حسنين، هو أنه لم يصنع حينها المشهد الأخير في المسرحية، و إنما خلق شكلا فنيا جديدا اسمه " حميد الزاهر" الذي أخذ شهرته منذ ذلك الحين بهذا الأسلوب. فما كان في بدايته رؤية إخراجية، أضحى نمطا فريدا لفنان يصعب استنساخه، رغم المحاولات الكثيرة لتقليده. بالطبع ما كان يلزمه لكي يحلق عاليا في أجواء الشهرة و المجد أكملته أغنيته " مراكش ياسيدي كل شي فارح بيك" التي غناها بمناسبة أول زيارة للحسن الثاني للمدينة الحمراء.لم يسمح حميد الزاهر للكدر و الحزن أن يسرق من المغاربة زمنهم، فشاطرهم القدرة على تملك ما يكفي من الضوء و التراب لكي لا يفوتوا سر الحياة. كان يكفيه أن ينصت و يغني، فاتحا بوابة كبيرة للثأر من الحزن ، كانت أغانيه تجعل كل شيء يرقص من حولها، مذكرة إيانا أن للبطولة سبلا أخرى غير المحن و الحروب و العذاب، يمكننا أن نكون أبطالا في الفرح.لم ينقطع نفس حميد الزاهر أبدا، لأن ما بدأ لم يكن لينتهي. واصل بإصرار. غنى للقصر و للبسطاء. غنى في مختلف مسارح العالم. و راكم محبة الجميع، كانت تلك ثروته التي لا تنضب. عبر بخفة من شقوق الفرح، لأنه كان من هذا الزمن. علمنا أنه حيث تكون البساطة يكون كل شيء. لم يترجل متعبا، و إنما حلق منتصرا، فاتحا في كل قلب أغنية. حميد الزاهر فرح أصيل لا يحتاج إلى تسمية.
عبد الصمد الكباص
في صباح الاثنين 10 دجنبر الجاري عبر حميد الزاهر بعيدا. عبر الذي ملأ قلوب المغاربة بالفرح، مخلفا وراءه أثره الجميل ، أغانيه التي ترددت في كل مكان من المغرب، و أسلوبه الذي ظل فريدا.حميد الزاهر، اسم آخر لتلك التلقائية التي من خلالها كان المراكشيون يتزودون بما يلزمهم من الخفة و البهجة، و تلك البساطة التي كونت فيما مضى رصيدهم الثمين من المقاومة التي تجعلهم يقفون باستماتة في وجه قساوة الحياة. كان صوته، و وتر عوده يصدح بالحب و يتغنى بالأشياء الأليفة، و يبعث برسائل الغبطة إلى قلوب عشاق فنه، من دون تكلف. لأنه خبر جيدا أن الفن الأصيل لا يحتاج إلى عملة أخرى غير الإنصات إلى حياة الشعب،و التفاعل مع إحساسه و وجدانه .جاء حميد الزاهر من عمق الحياة بمدينة البهجة، تشرب أسرارها. علمته كيف ينظر و يحلم. و أقنعته أن الفرح حق، و أن حرمان الناس منه هو أسوأ شر قد يصيبهم. فثابر على إهدائهم فضاء فسيحا للمرح في أغانيه، كاشفا في أعماقهم ضوء الأمل و الحب مهما تكالبت الهموم. من يستطيع أن يزيح من ذاكرة المغاربة عناوين من مثل " للازهيرو" و" أنا عندي ميعاد" و " آش داك تمشي للزين" و غيرها من الأغاني التي سحرت وجدانهم ببساطتها و خفتها و تلقائيتها ؟ كانت كلماته جوالة، تستهل مسيرتها من أي مكان، لأنه جعل من مراكش روحا لكل مكان يعمره الفرح. كما لو كان ينطق سرا بتلك الحكمة التي قالها ماريفي سانتياغو بولانيوس" إن أفضل البيوت و أكثرها سخاء، يصون صوت الأمل و يشاطره."ذكيا كان هذا الرجل عندما خدمته الصدف بأن لاقته ذات يوم مع رواد المسرح بمراكش، فالتقط هذه الصدفة كفرصة لا تعوض. كانت تلك انطلاقته الحقيقية. عندما احترقت القاعة الزجاجية بجنان الحارثي بمراكش في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي. فأراد أعلام مسرح المدينة أن يخلدوا إعادة بنائها بعرض مسرحي يحضره ولي العهد مولاي الحسن. كان هذا العرض بعنوان زواج بلا إذن، و اقتضت الرؤية الإخراجية لمولاي عبد الواحد حسنين أن يكون المشهد الأخير حفل زفاف. فنادى على مطرب شعبي لكي يساهم في المشهد الأخير. لكن التفاصيل لم تكن مشبعة للمخرج، الذي رأى أنه ينبغي تعزيز هذا المشهد بحضور فنانين شعبيين يواكبان المغني بالتصفيق و الحركة و الرقص. فكان الاختيار من نصيب المختار عمي صاحب الأغنية الشهيرة " أنا و ياك يا بو عيون" و الفنان مهري. و أضاف إليهم المخرج أربع شابات بالزي التقليدي لكي يصير مشهد العرس كاملا.ما لم يكن يعرفه مولاي عبد الواحد حسنين، هو أنه لم يصنع حينها المشهد الأخير في المسرحية، و إنما خلق شكلا فنيا جديدا اسمه " حميد الزاهر" الذي أخذ شهرته منذ ذلك الحين بهذا الأسلوب. فما كان في بدايته رؤية إخراجية، أضحى نمطا فريدا لفنان يصعب استنساخه، رغم المحاولات الكثيرة لتقليده. بالطبع ما كان يلزمه لكي يحلق عاليا في أجواء الشهرة و المجد أكملته أغنيته " مراكش ياسيدي كل شي فارح بيك" التي غناها بمناسبة أول زيارة للحسن الثاني للمدينة الحمراء.لم يسمح حميد الزاهر للكدر و الحزن أن يسرق من المغاربة زمنهم، فشاطرهم القدرة على تملك ما يكفي من الضوء و التراب لكي لا يفوتوا سر الحياة. كان يكفيه أن ينصت و يغني، فاتحا بوابة كبيرة للثأر من الحزن ، كانت أغانيه تجعل كل شيء يرقص من حولها، مذكرة إيانا أن للبطولة سبلا أخرى غير المحن و الحروب و العذاب، يمكننا أن نكون أبطالا في الفرح.لم ينقطع نفس حميد الزاهر أبدا، لأن ما بدأ لم يكن لينتهي. واصل بإصرار. غنى للقصر و للبسطاء. غنى في مختلف مسارح العالم. و راكم محبة الجميع، كانت تلك ثروته التي لا تنضب. عبر بخفة من شقوق الفرح، لأنه كان من هذا الزمن. علمنا أنه حيث تكون البساطة يكون كل شيء. لم يترجل متعبا، و إنما حلق منتصرا، فاتحا في كل قلب أغنية. حميد الزاهر فرح أصيل لا يحتاج إلى تسمية.