ساحة

مشكل العلاقة بين السياسة والأخلاق


كشـ24 نشر في: 25 أغسطس 2018

"مشكل العلاقة بين السياسة والأخلاق" (من خلال نقد الأستاذ محمد سبيلا).دخل أستاذ الفلسفة، محمد سبيلا، في حرب ضد كل ما هو «نضالي» أو «اشتراكي». وأخذ يُبشِّر باكتشافاته ”الفلسفية“ الجديدة. كأن محمد سبيلا وصل، في آخر حياته، إلى خلاصات ”منيرة“، أو ”حكيمة“. وخلال أكثر من شهر، فتحت جريدة "المساء" لمحمد سبيلا رُكْنًا متواصلًا على صفحتها الأخيرة، تستجوبه عن فتوحاته ”الفلسفية“ الخارقة.ويزعم محمد سبيلا أن ”المناضل الاشتراكي“ لا يختلف عن ”الإرهابي الإسلامي“، من زاوية مناهج التَّـفكير، والقِيم، والأهداف، والأساليب. [أنظر مقال رحمان النوضة، "نقد أنصار الرأسمالية"، (https://wordpress.com/read/blogs/19553947/posts/2431].ومعظم تصريحات محمد سبيلا تصبّ في نفس الاتجاه. حيث يقول: ”الاشتراكية هي أكبر كذبة“، و”الاشتراكية هي مجرد وهم“. و”المناضل الاشتراكي لا يختلف في جوهره عن الإرهابي الإسلامي“، إلى آخره. ومعظم المناضلين الاشتراكيين عبر العالم يعرفون جيدًا هذه الأطروحات القديمة. لأنها ظهرت منذ ظهور حلم التحرّر من الرأسمالية، أو الانتقال إلى الاشتراكية، خلال القرن الثامن عشر.أنا احترم السيد محمد سبيلا، وأعتبر أنه من حقّه أن يُدافع عن أفكاره وقناعاته. لكنني أختلف معه، وأعتبر أنه من حقّي أنا أيضًا أن أنتـقد أطروحاته.يتكلّم محمد سبيلا كأنه يُحلّل تجربة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، أو كأنه ينتـقد أفكاره، وتصوراته، وسلوكياته. لكن عندما يتمعّن القارئ في أطروحات محمد سبيلا، يجد أنها أطروحات يمينية، وأنها تُدَعِّم وتُنَظِّر لمواقف وسلوكيات تيار السيد إدريس لَشْكَر اليميني، الذي يُسيطر على هذا الحزب. ومحمد سبيلا يتبرَّأ من سلوكيات تِيَّار ادريس لشكر، لكنه يلتقي معه في العمق، على مستوى الأفكار والمبادئ السياسية. لأن ادريس لشكر يُطَبِّق بالضّبط الأطروحات السياسية التي يُبرِّرها محمد سبيلا.ويدافع صراحةً محمد سبيلا على منظور بورجوازي للعمل السياسي. ومعظم أعضاء ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وكذلك معظم أعضاء الأحزاب اليمينة، أو الرأسمالية، الموجودة في العالم، يقولون نفس الشيء الذي اكْتَشَفَه محمد سبيلا في آخر حياته. وهو أن «السياسة هي فن النفاق والانتهازية». ومعظم مناضلي البلدان الناطقة بالعربية، يدركون أن مثل هذه القِيَم والتصوّرات الانتهازية، هي التي خرّبت أوطانهم.ويدافع محمد سبيلا مرارًا عن «مرونة الفاعل السياسي الذي يمكن أن ينقلب 180 درجة، وأن يبرّر ذلك» (المصدر: جريدة "المساء"، العدد 3670). وأضاف محمد سبيلا: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي. و[الشخص] الذي لا يتوفّر على هذه الشروط، لا يمكنه أن يلج عالم الفعل السياسي» (نفس المصدر السابق). وزاد محمد سبيلا قائلا: «الكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». وكُلُّنا نعرف أن محمد سبيلا لا ينفرد بهذه الأطروحات، وإنما مجمل السياسيين الفاسدين أو المستبدّين، سواءً في بلادنا أم في بلدان أخرى، يمارسون مثل هذه السّلوكيات.ونتساءل: لمن يكتب محمد سبيلا هذه الأفكار؟ ولمن يوجّه هذه النصائح؟ هل يوجّهها إلى الفاعلين السياسيين الذين يهيمنون على المغرب ويفترسونه؟ هؤلاء السياسيين المُفْتَرِسِين، لا يحتاجون إلى الاكتشافات النظرية لمحمد سبيلا. فَغَرَائِزُهم الحيوانية تَكْفِيهِم لكي يُطَبِّقًوا هذا التوجُّه. وهل يوجّه محمد سبيلا نصائحه إلى المناضلين الثوريين الذين يرفضون كل سياسة تُعاكس العدل أو الأخلاق؟ التَمَعُّن في أطروحات محمد سبيلا يُبَيِّن أن اجتهاده هو عمل يميني، بل "رجعي"، ويضرّ بالمجتمع، ولا يفيده.عندما أَصف أفكار محمد سبيلا بِكونها «رجعية»، هل أمارس السبّ أو القذف؟ كلَّا! ولماذا؟ لعدّة أسباب. محمد سبيل يقول «المَكْر، وسوء النّية، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي... والكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». ومحمد سبيلا لا ينتقد، وإنما يُنظِّر خِصْلَةَ النِّفَاق، ويُبرّرها، ويمجّدها. كيف ذلك؟إذا فحصنا مختلف بلدان عالم اليوم، سنجد أنها نوعان: نوع من البلدان (مثل المغرب، والجزائر، ومصر، والعراق، والسعودية، والإمارات، إلى آخره)، تُمَارَسُ فيها ”السياسة“ فعلًا كَـ ”فن الكذب، والانتهازية، والنّفاق، والغش، والفساد“. ويوجد نوع ثان من بلدان العالم، تفرض فيها ”دولة الحق والقانون“ (ولو كانت نسبية) بأن يَـتَـقَيَّـد فيها كل الفاعلين السياسيين بالقوانين، وبالأخلاق. لهذا نجد مسؤولين كبار في هذه الدول، بما فيهم رؤساء دول، يُحاسبون في هذا النوع الثاني من البلدان، ويعاقبون على كل كذب، أو غشّ، أو فساد، ثَـبُـتَ ضدّهم. وكأمثلة على ذلك، نجد الرئيس "دُونَالْدْ تْرَامْب" في الولايات المتحدة الأمريكية مُتابع في قضايا تتعلق بالجنس، والغشّ في الانتخابات عبر تواطؤ مع جهات روسية، والتهرّب من بعض الضرائب. ونجد في فرنسا أن الرئيس الأسبق "جاك شيراك" تُوبِعَ وحوكم في عدّة قضايا، أبرزها قضية المَاس (diamants) عُمَر بَانْغُو. ونجد أن الرئيس "نِكُولًا ساركوزي" تُوبِعَ وحوكم في قضية تمويل جزء من حملاته الانتخابية بأموال غير شرعية. ونجد في كوريا الجنوبية أن البرلمان صوّت بالأغلبية المطلقة لصالح إقالة الرئيسة السابقة "بَارْكْ جُونْ هِي" [Park Geun-hye]، ثم وافقت المحكمة الدستورية على عزلها من منصب رئاسة الجمهورية، بعدما ثَبُتَ تورّطها في رَشَاوَى من شركة "سامسون". إلى آخره. ما معنى هذه الأحداث أو الأمثلة؟ معناها أن الدولة التي تكون ”دولة حق وقانون“ (ولو نسبيًّا)، لا يُسمح لأي فاعل سياسي فيها، ومَهْمَا عَلَى شأنه، بأن يخرق القانون، أو الأخلاق، أو أن يُمارس الكذب، أو الغشّ، أو الفساد! وأمام مثل هذا المشهد السياسي العالمي، نجد أن محمد سبيلا، بِتَنْظِيره للكذب والنفاق، يدفعنا إلى تقليد النوع الأول من البلدان المتخلّفة، بدلًا من أن يحثّنا على الاقتداء بالنوع الثاني المتقدّم من بلدان العالم. وعليه، فَدَعَوَات محمد سبيلا تكتسي طابعًا متخلِّفًا، أو "رجعيا".وعلى عكس ظنون محمد سبيلا، تبقى أفكاره متخلّفة حتى بالمقارنة مع أفكار ”مَاكْيَافِيلِّي“، لأن هذا الأخير، في بعض فقرات كتابه ”الأمير“، يشير إلى أن كل سياسة لا ترمي إلى تحقيق العدل في المجتمع، يكون مآلها حتمًا، وفي آخر المطاف، هو الفشل والزوال. [وقد فصّلتُ في ذلك في كتابييّ بالفرنسية: (Le Politique)، (L'Ethique politique)، ويمكن تحميله بالمجّان من مدوّنتي (https://LivresChauds.Wordpress.Com)].وأضاف محمد سبيلا: «من الصعب تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني»، أو عادل. ولو كان محمد سبيلا يعطي هنا لكلمة «صعب» معنى أن محاولة "تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني" أو عادل، هو عمل يتطلب جهدًا جَبَّارًا، ونضالات مجتمعية متواصلة، وطويلة الأمد، لَكُنْتُ قد اتـفـقتُ معه. لكن إذا اعتبرنا أطروحات محمد سبيلا الأخرى اليمينية، ندرك أن محمد سبيلا يعني أن تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني أو عادل، هو محاولة "مستحيلة". وإذا كانت أطروحة محمد سبيلا السابقة صحيحة، ماذا يبقى لنا إذن في هذه الحالة؟ لا يبقى لنا، حسب ”فلسفة“ محمد سبيلا، سوى القبول بواقع المجتمع كما هو، والقبول بالرأسمالية المتوحشة، والقبول بالاستبداد والفساد، وأن نرضى بأن نكون كلّنا حيوانات تفترس بعضها بعضا، بدون شفقة، ولا أخلاق، ولا عدل، ولا مبادئ، ولا حقوق إنسان. وإلى متى؟ إلى أن تؤدّي أنانية البشر، وانتهازيتهم، وحماقاتهم، إلى فناء البشرية.ولكي نسير في هذا التوجّه ”السًّبِيلَاوي“، لا نحتاج لِـ ”فلسفة“ محمد سبيلا، ولا إلى أية ثقافة، أو علم، أو تكوين. وإنما يكفي أن نطلق العِنَان لغرائزنا الحيوانية، وأبرزها الأنانية، والانتهازية، والنفاق، والغشّ، والغدر، والفساد، والاغتناء غير المشورع، وغير الأخلاقي. وهذا ما لا يقبله أي مواطن يتشبَّـثُ بالأخلاق، أو يطمح إلى العدل المُجتمعي. ومن منظورنا، لا يمكن أن يكون أي عمل سياسي محترمًا، أو نبيلًا، أو مقبولًا، إلَّا إذا كان مُلْتَزِمًا باحترام العدل والأخلاق. [أنظر كتاب رحمان النوضة: "L’Ethique politique"، ويمكن تحميله بالمجان من مدوّنته: (https://livreschauds.files.wordpress.com/…/livre-lc3a9thiqu…)].وكثير من المناضلين الحاليين بالمغرب (في سنة 2018)، لا يعرفون أنه من بين نقط الخلاف النظري والسياسي الذي كان موجودًا بين "الحركة الماركسية اللِّينِينِية" بالمغرب من جهة أولى، ومن جهة ثانية "الحركة الإتِّحَادية" (أي الحركة التابعة لحزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، ثم "حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية")، جوهر هذا الخلاف هو أن "الحركة الماركسية اللينينية" كانت تُصِرُّ على أن يلتزم كل فاعل سياسي باحترام الأخلاق (إذا كانت حميدة)، والقوانين (إذا كانت عادلة). بينما "الحركة الاتحادية" كانت تقبل الفصلَ بين السياسة والأخلاق. وكانت "الحركة الاتحادية" تزعم أن العمل السياسي يستوجب بالضرورة قدرًا محدّدًا من الكذب، أو التحايل، أو النِّفَاق، أو الغشّ، أو الانتهازية. بينما ترفض مبدئيًّا "الحركة الماركسية اللينينية" أي سلوك انتهازي في العمل السياسي. وقد خُضنا صراعات سياسية ونظرية، مريرة وحادّة، مع المناضلين "الاتحاديين". وكنا نقول لهم: كل عمل سياسي لا يلتزم بالأخلاق يتحول في آخر المطاف إلى جرائم. وكانت "الحركة الماركسية اللينينية" تقول "للإتحاديِّين": إن القبول بقدر قليل من الانتهازية في العمل السياسي يؤدي حَتْمًا إلى تلويث العمل السياسي كلّه بالغشّ، والنفاق، والخداع، والغدر، والاستبداد، والفساد، والاستلاب. وهو ما ليس في صالح الشعب.أنا لم أقصد أبدًا (كما تصوّر البعض) أن المناضلين "الاتحاديين" كانوا دائما يكذبون، أو يغشّون، أو يناورن. على عكس ذلك الظّن، كانت لنا علاقات متعدّدة ومتنوعة مع كثير من المناضلين "الاتحاديين"، وخاصة في أجنحته اليسارية. ونكنّ (في الماضي، وفي الحاضر) لكل هؤلاء المناضلين "الاتحاديين" التقدير والاحترام. وأنا لا أزعم أن مناضلي "الحركة الماركسية اللينينية" كانوا، أو ما زالوا، كلهم معصومين من الأخطاء. بل لنا نحن أيضا أخطاء، أو نقائص، أو نقط ضعف، أو حتى انحرافات (أنظر في هذا المجال كتابي النقدي تحت عنوان: "نقد أحزاب اليسار بالمغرب"، ويمكن تحميله من مدوّنتي الشخصية). وفي تقديري، أن ما يطرحه اليوم السيد المحترم محمد سبيلا، كمناضل هام سابق في "حزب الاتحاد"، لم ينزل فجأة من عدم، أو من السماء. وإنما هو امتداد لتلك الظاهرة التي أشرتُ لها سابقًا. وأطروحات محمد سبيلا هي تعبير عن آراء كانت (وما زالت) منتشرة داخل حزب "الاتحاد". وتاريخ "حزب الاتحاد" يشهد على ذلك ويؤكّده.ومعظم الانشقاقات والصراعات السياسية التي اشتعلت داخل "حزب الاتحاد"، كانت تُطرح فيها، ولو جزئيا، إشكالية الصراع حول مدى الالتزام بالأخلاق في العمل الحزبي أو السياسي. ويمكن لأي مهتم أن يبحث مثلا في مواقف، وممارسات، وأقوال، وكتابات، بعض المسؤولين الاتحاديين، خلال سنوات السبعينات، وخاصة في ما يجري "داخل" الاجتماعات الحزبية الداخلية، وسيكتشف أن الثقافة السائدة في "حزب الاتحاد" كانت تسمح، أو تتقبّل، ما يعبّر عنه اليوم السيد محمد سبيلا في مجال "العلاقة بين السياسة والأخلاق"، رغم أن محمد سبيلا يقدم هذا النوع من "العلاقة بين السياسة والأخلاق" كاكتشاف شخصي جديد، بينما هو في الواقع قديم.وقد قال محمد سبيلا مِرارًا وتكرارا أن «الاشتراكية هي مجرّد وهم»! لنفرض أن كلامه صحيح. وفي هذه الحالة، ما هي نتيجة هذا التصريح؟ نتيجته المباشرة هي أن الحقيقة الوحيدة القائمة، الحتمية، والأزلية، في العالم كلّه، هي الرأسمالية! بمعنى أن محمد سبيلا، المناضل السابق في "حزب الاتحاد الاشتراكي"، يقول لنا: "لا تحلموا بالوصول في مستقبل مجهول إلى الاشتراكية، إنها مستحيلة، وما عليكم سوى أن تخضعوا للرأسمالية، رغم كل ما فيها من استغلال، واستبداد، وفساد". هذا هو ”التبشير الفلسفي الجديد“ لمحمد سبيلا! وتَـتَّسِمُ هذه الأفكار، التي يُبشِّر بها أستاذ الفلسفة محمد سبيلا، بكونها محافظة، ويمينية، ومناصرة للرّأسمالية. ورغم أن محمد سبيلا اختلف مع قيادة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، ثم ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات، وذلك في إطار صيرورة تَـفَكُّك وانحلال هذا الحزب، فإن الأفكار اليمينية التي يُبشِّر بها محمد سبيلا تنتمي عضويًا لظاهرة انحلال ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وتعبّر جيّدًا عن التِّيه الفكري، أو الانحراف القِيمي، اللذين أصابا هذا الحزب.وفي العمق، فإن انحطاط أفكار محمد سبيلا ترتبط عضويا بالانحطاط السياسي والأخلاقي الذي سقط فيه "حزب الاتحاد الاشتراكي"، رغم أن محمد سبيلا ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات.وفي الختام، لنحاول توسيع تفكيرنا. إذا نحن أنهينا هذا المقال عند هذه النقطة، فإننا سنكون قد "ظلمنا" السيد محمد سبيلا. و"الظلم" مرفوض، لأنه يتنافى مع "الأخلاق"، حتّى ولو كانت المساطر "القانونية" القائمة لا تجرّم هذا "الظلم". فإذا أنهينا هذا المقال هنا، فإننا سَنُعطي للقارئ انطباعًا خاطئًا بأن كل شيء في بلاد المغرب هو على أحسن ما يُرام، وأن المشكل الأساسي في المغرب هو أن شخصا اسمه محمد سبيلا قال: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، والكذب ... [ضروريِّين] في العمل السياسي». لكن الحقيقة هي أن محمد سبيلا ليس حاكمًا، ولا وزيرًا، ولا مسؤولا كبيرا في الدولة، ولا منتخبا في البرلمان أو في المجالس المحلّية، ولا فاعلًا اقتصاديا هامًّا، ولا زعيمًا حزبيًّا. وإنما محمد سبيلا هو مجرد مواطن متواضع، يدرّس الفلسفة، ويتكلّم، ويخطب، ويكتب، وينشر. لكن محمد سبيلا لا يؤثّر لا في الحياة السياسية، ولا الاقتصادية. بل المشكل الأساسي في بلاد المغرب، هو أن معظم أفراد الطبقة الحاكمة، وكذلك أفراد الطبقة السياسية، ومعظم الفاعلين الاقتصاديين، ومعظم المسؤولين الحزبيين، معظمهم لا يتكلّمون، ولا يخطبون، ولا يكتبون، وإنما يمارسون يوميًا، في العَلَن أو في السِرِّ، يمارسون الكذب، والتحايل، والخداع، والغشّ، والنفاق، والتزوير، والنّهب، والفساد، والاستبداد. معظمهم يخرقون القانون، ويدوسون الأخلاق. هذا هو المشكل المجتمعي الحقيقي. ومأساتنا الكبيرة، هي أن غالبية شعبنا تسبح في الجهل، والتخلّف، والخضوع، والانحطاط. بل تُمارس غالبية أفراد شعبنا الأنانية، والغش، والانتهازية، في مجمل الميادين. لكن هذا موضوع آخر (حَلَّلْتُه في كتابي "نقد الشعب"). وواجبنا، ليس هو الانشغال بمواطن بسيط مثل محمد سبيلا، وإنما هو نـقد هؤلاء الأشخاص السائدين في المجتمع، وفضحهم، ومحاسبتهم. فمحمد سبيلا يتكلّم ولا يؤثّر، بينما أفراد الطبقات السائدة والمُسْتَغِلَّة، المستبدِّين والفاسدين، يُؤَثِّرُون، ويقرّرون، ويحدّدون مصيرنا، مصير الخضوع، والاستبداد، والاستغلال، والتّفـقير، والتخلُّف، والألم، والانحطاط المجتمعي. فالمشكل الهام يوجد هنا، وليس في محمد سبيلا. وبه نختم هذا المقال.رحمان النوضة (22 غشت 2018)

"مشكل العلاقة بين السياسة والأخلاق" (من خلال نقد الأستاذ محمد سبيلا).دخل أستاذ الفلسفة، محمد سبيلا، في حرب ضد كل ما هو «نضالي» أو «اشتراكي». وأخذ يُبشِّر باكتشافاته ”الفلسفية“ الجديدة. كأن محمد سبيلا وصل، في آخر حياته، إلى خلاصات ”منيرة“، أو ”حكيمة“. وخلال أكثر من شهر، فتحت جريدة "المساء" لمحمد سبيلا رُكْنًا متواصلًا على صفحتها الأخيرة، تستجوبه عن فتوحاته ”الفلسفية“ الخارقة.ويزعم محمد سبيلا أن ”المناضل الاشتراكي“ لا يختلف عن ”الإرهابي الإسلامي“، من زاوية مناهج التَّـفكير، والقِيم، والأهداف، والأساليب. [أنظر مقال رحمان النوضة، "نقد أنصار الرأسمالية"، (https://wordpress.com/read/blogs/19553947/posts/2431].ومعظم تصريحات محمد سبيلا تصبّ في نفس الاتجاه. حيث يقول: ”الاشتراكية هي أكبر كذبة“، و”الاشتراكية هي مجرد وهم“. و”المناضل الاشتراكي لا يختلف في جوهره عن الإرهابي الإسلامي“، إلى آخره. ومعظم المناضلين الاشتراكيين عبر العالم يعرفون جيدًا هذه الأطروحات القديمة. لأنها ظهرت منذ ظهور حلم التحرّر من الرأسمالية، أو الانتقال إلى الاشتراكية، خلال القرن الثامن عشر.أنا احترم السيد محمد سبيلا، وأعتبر أنه من حقّه أن يُدافع عن أفكاره وقناعاته. لكنني أختلف معه، وأعتبر أنه من حقّي أنا أيضًا أن أنتـقد أطروحاته.يتكلّم محمد سبيلا كأنه يُحلّل تجربة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، أو كأنه ينتـقد أفكاره، وتصوراته، وسلوكياته. لكن عندما يتمعّن القارئ في أطروحات محمد سبيلا، يجد أنها أطروحات يمينية، وأنها تُدَعِّم وتُنَظِّر لمواقف وسلوكيات تيار السيد إدريس لَشْكَر اليميني، الذي يُسيطر على هذا الحزب. ومحمد سبيلا يتبرَّأ من سلوكيات تِيَّار ادريس لشكر، لكنه يلتقي معه في العمق، على مستوى الأفكار والمبادئ السياسية. لأن ادريس لشكر يُطَبِّق بالضّبط الأطروحات السياسية التي يُبرِّرها محمد سبيلا.ويدافع صراحةً محمد سبيلا على منظور بورجوازي للعمل السياسي. ومعظم أعضاء ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وكذلك معظم أعضاء الأحزاب اليمينة، أو الرأسمالية، الموجودة في العالم، يقولون نفس الشيء الذي اكْتَشَفَه محمد سبيلا في آخر حياته. وهو أن «السياسة هي فن النفاق والانتهازية». ومعظم مناضلي البلدان الناطقة بالعربية، يدركون أن مثل هذه القِيَم والتصوّرات الانتهازية، هي التي خرّبت أوطانهم.ويدافع محمد سبيلا مرارًا عن «مرونة الفاعل السياسي الذي يمكن أن ينقلب 180 درجة، وأن يبرّر ذلك» (المصدر: جريدة "المساء"، العدد 3670). وأضاف محمد سبيلا: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي. و[الشخص] الذي لا يتوفّر على هذه الشروط، لا يمكنه أن يلج عالم الفعل السياسي» (نفس المصدر السابق). وزاد محمد سبيلا قائلا: «الكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». وكُلُّنا نعرف أن محمد سبيلا لا ينفرد بهذه الأطروحات، وإنما مجمل السياسيين الفاسدين أو المستبدّين، سواءً في بلادنا أم في بلدان أخرى، يمارسون مثل هذه السّلوكيات.ونتساءل: لمن يكتب محمد سبيلا هذه الأفكار؟ ولمن يوجّه هذه النصائح؟ هل يوجّهها إلى الفاعلين السياسيين الذين يهيمنون على المغرب ويفترسونه؟ هؤلاء السياسيين المُفْتَرِسِين، لا يحتاجون إلى الاكتشافات النظرية لمحمد سبيلا. فَغَرَائِزُهم الحيوانية تَكْفِيهِم لكي يُطَبِّقًوا هذا التوجُّه. وهل يوجّه محمد سبيلا نصائحه إلى المناضلين الثوريين الذين يرفضون كل سياسة تُعاكس العدل أو الأخلاق؟ التَمَعُّن في أطروحات محمد سبيلا يُبَيِّن أن اجتهاده هو عمل يميني، بل "رجعي"، ويضرّ بالمجتمع، ولا يفيده.عندما أَصف أفكار محمد سبيلا بِكونها «رجعية»، هل أمارس السبّ أو القذف؟ كلَّا! ولماذا؟ لعدّة أسباب. محمد سبيل يقول «المَكْر، وسوء النّية، من الشروط البنيوية العضوية الأساسية للعمل السياسي... والكذب فضيلة سياسية، بل إنه ضرورة سياسية». ومحمد سبيلا لا ينتقد، وإنما يُنظِّر خِصْلَةَ النِّفَاق، ويُبرّرها، ويمجّدها. كيف ذلك؟إذا فحصنا مختلف بلدان عالم اليوم، سنجد أنها نوعان: نوع من البلدان (مثل المغرب، والجزائر، ومصر، والعراق، والسعودية، والإمارات، إلى آخره)، تُمَارَسُ فيها ”السياسة“ فعلًا كَـ ”فن الكذب، والانتهازية، والنّفاق، والغش، والفساد“. ويوجد نوع ثان من بلدان العالم، تفرض فيها ”دولة الحق والقانون“ (ولو كانت نسبية) بأن يَـتَـقَيَّـد فيها كل الفاعلين السياسيين بالقوانين، وبالأخلاق. لهذا نجد مسؤولين كبار في هذه الدول، بما فيهم رؤساء دول، يُحاسبون في هذا النوع الثاني من البلدان، ويعاقبون على كل كذب، أو غشّ، أو فساد، ثَـبُـتَ ضدّهم. وكأمثلة على ذلك، نجد الرئيس "دُونَالْدْ تْرَامْب" في الولايات المتحدة الأمريكية مُتابع في قضايا تتعلق بالجنس، والغشّ في الانتخابات عبر تواطؤ مع جهات روسية، والتهرّب من بعض الضرائب. ونجد في فرنسا أن الرئيس الأسبق "جاك شيراك" تُوبِعَ وحوكم في عدّة قضايا، أبرزها قضية المَاس (diamants) عُمَر بَانْغُو. ونجد أن الرئيس "نِكُولًا ساركوزي" تُوبِعَ وحوكم في قضية تمويل جزء من حملاته الانتخابية بأموال غير شرعية. ونجد في كوريا الجنوبية أن البرلمان صوّت بالأغلبية المطلقة لصالح إقالة الرئيسة السابقة "بَارْكْ جُونْ هِي" [Park Geun-hye]، ثم وافقت المحكمة الدستورية على عزلها من منصب رئاسة الجمهورية، بعدما ثَبُتَ تورّطها في رَشَاوَى من شركة "سامسون". إلى آخره. ما معنى هذه الأحداث أو الأمثلة؟ معناها أن الدولة التي تكون ”دولة حق وقانون“ (ولو نسبيًّا)، لا يُسمح لأي فاعل سياسي فيها، ومَهْمَا عَلَى شأنه، بأن يخرق القانون، أو الأخلاق، أو أن يُمارس الكذب، أو الغشّ، أو الفساد! وأمام مثل هذا المشهد السياسي العالمي، نجد أن محمد سبيلا، بِتَنْظِيره للكذب والنفاق، يدفعنا إلى تقليد النوع الأول من البلدان المتخلّفة، بدلًا من أن يحثّنا على الاقتداء بالنوع الثاني المتقدّم من بلدان العالم. وعليه، فَدَعَوَات محمد سبيلا تكتسي طابعًا متخلِّفًا، أو "رجعيا".وعلى عكس ظنون محمد سبيلا، تبقى أفكاره متخلّفة حتى بالمقارنة مع أفكار ”مَاكْيَافِيلِّي“، لأن هذا الأخير، في بعض فقرات كتابه ”الأمير“، يشير إلى أن كل سياسة لا ترمي إلى تحقيق العدل في المجتمع، يكون مآلها حتمًا، وفي آخر المطاف، هو الفشل والزوال. [وقد فصّلتُ في ذلك في كتابييّ بالفرنسية: (Le Politique)، (L'Ethique politique)، ويمكن تحميله بالمجّان من مدوّنتي (https://LivresChauds.Wordpress.Com)].وأضاف محمد سبيلا: «من الصعب تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني»، أو عادل. ولو كان محمد سبيلا يعطي هنا لكلمة «صعب» معنى أن محاولة "تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني" أو عادل، هو عمل يتطلب جهدًا جَبَّارًا، ونضالات مجتمعية متواصلة، وطويلة الأمد، لَكُنْتُ قد اتـفـقتُ معه. لكن إذا اعتبرنا أطروحات محمد سبيلا الأخرى اليمينية، ندرك أن محمد سبيلا يعني أن تحويل الإنسان إلى كائن عقلاني أو عادل، هو محاولة "مستحيلة". وإذا كانت أطروحة محمد سبيلا السابقة صحيحة، ماذا يبقى لنا إذن في هذه الحالة؟ لا يبقى لنا، حسب ”فلسفة“ محمد سبيلا، سوى القبول بواقع المجتمع كما هو، والقبول بالرأسمالية المتوحشة، والقبول بالاستبداد والفساد، وأن نرضى بأن نكون كلّنا حيوانات تفترس بعضها بعضا، بدون شفقة، ولا أخلاق، ولا عدل، ولا مبادئ، ولا حقوق إنسان. وإلى متى؟ إلى أن تؤدّي أنانية البشر، وانتهازيتهم، وحماقاتهم، إلى فناء البشرية.ولكي نسير في هذا التوجّه ”السًّبِيلَاوي“، لا نحتاج لِـ ”فلسفة“ محمد سبيلا، ولا إلى أية ثقافة، أو علم، أو تكوين. وإنما يكفي أن نطلق العِنَان لغرائزنا الحيوانية، وأبرزها الأنانية، والانتهازية، والنفاق، والغشّ، والغدر، والفساد، والاغتناء غير المشورع، وغير الأخلاقي. وهذا ما لا يقبله أي مواطن يتشبَّـثُ بالأخلاق، أو يطمح إلى العدل المُجتمعي. ومن منظورنا، لا يمكن أن يكون أي عمل سياسي محترمًا، أو نبيلًا، أو مقبولًا، إلَّا إذا كان مُلْتَزِمًا باحترام العدل والأخلاق. [أنظر كتاب رحمان النوضة: "L’Ethique politique"، ويمكن تحميله بالمجان من مدوّنته: (https://livreschauds.files.wordpress.com/…/livre-lc3a9thiqu…)].وكثير من المناضلين الحاليين بالمغرب (في سنة 2018)، لا يعرفون أنه من بين نقط الخلاف النظري والسياسي الذي كان موجودًا بين "الحركة الماركسية اللِّينِينِية" بالمغرب من جهة أولى، ومن جهة ثانية "الحركة الإتِّحَادية" (أي الحركة التابعة لحزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، ثم "حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية")، جوهر هذا الخلاف هو أن "الحركة الماركسية اللينينية" كانت تُصِرُّ على أن يلتزم كل فاعل سياسي باحترام الأخلاق (إذا كانت حميدة)، والقوانين (إذا كانت عادلة). بينما "الحركة الاتحادية" كانت تقبل الفصلَ بين السياسة والأخلاق. وكانت "الحركة الاتحادية" تزعم أن العمل السياسي يستوجب بالضرورة قدرًا محدّدًا من الكذب، أو التحايل، أو النِّفَاق، أو الغشّ، أو الانتهازية. بينما ترفض مبدئيًّا "الحركة الماركسية اللينينية" أي سلوك انتهازي في العمل السياسي. وقد خُضنا صراعات سياسية ونظرية، مريرة وحادّة، مع المناضلين "الاتحاديين". وكنا نقول لهم: كل عمل سياسي لا يلتزم بالأخلاق يتحول في آخر المطاف إلى جرائم. وكانت "الحركة الماركسية اللينينية" تقول "للإتحاديِّين": إن القبول بقدر قليل من الانتهازية في العمل السياسي يؤدي حَتْمًا إلى تلويث العمل السياسي كلّه بالغشّ، والنفاق، والخداع، والغدر، والاستبداد، والفساد، والاستلاب. وهو ما ليس في صالح الشعب.أنا لم أقصد أبدًا (كما تصوّر البعض) أن المناضلين "الاتحاديين" كانوا دائما يكذبون، أو يغشّون، أو يناورن. على عكس ذلك الظّن، كانت لنا علاقات متعدّدة ومتنوعة مع كثير من المناضلين "الاتحاديين"، وخاصة في أجنحته اليسارية. ونكنّ (في الماضي، وفي الحاضر) لكل هؤلاء المناضلين "الاتحاديين" التقدير والاحترام. وأنا لا أزعم أن مناضلي "الحركة الماركسية اللينينية" كانوا، أو ما زالوا، كلهم معصومين من الأخطاء. بل لنا نحن أيضا أخطاء، أو نقائص، أو نقط ضعف، أو حتى انحرافات (أنظر في هذا المجال كتابي النقدي تحت عنوان: "نقد أحزاب اليسار بالمغرب"، ويمكن تحميله من مدوّنتي الشخصية). وفي تقديري، أن ما يطرحه اليوم السيد المحترم محمد سبيلا، كمناضل هام سابق في "حزب الاتحاد"، لم ينزل فجأة من عدم، أو من السماء. وإنما هو امتداد لتلك الظاهرة التي أشرتُ لها سابقًا. وأطروحات محمد سبيلا هي تعبير عن آراء كانت (وما زالت) منتشرة داخل حزب "الاتحاد". وتاريخ "حزب الاتحاد" يشهد على ذلك ويؤكّده.ومعظم الانشقاقات والصراعات السياسية التي اشتعلت داخل "حزب الاتحاد"، كانت تُطرح فيها، ولو جزئيا، إشكالية الصراع حول مدى الالتزام بالأخلاق في العمل الحزبي أو السياسي. ويمكن لأي مهتم أن يبحث مثلا في مواقف، وممارسات، وأقوال، وكتابات، بعض المسؤولين الاتحاديين، خلال سنوات السبعينات، وخاصة في ما يجري "داخل" الاجتماعات الحزبية الداخلية، وسيكتشف أن الثقافة السائدة في "حزب الاتحاد" كانت تسمح، أو تتقبّل، ما يعبّر عنه اليوم السيد محمد سبيلا في مجال "العلاقة بين السياسة والأخلاق"، رغم أن محمد سبيلا يقدم هذا النوع من "العلاقة بين السياسة والأخلاق" كاكتشاف شخصي جديد، بينما هو في الواقع قديم.وقد قال محمد سبيلا مِرارًا وتكرارا أن «الاشتراكية هي مجرّد وهم»! لنفرض أن كلامه صحيح. وفي هذه الحالة، ما هي نتيجة هذا التصريح؟ نتيجته المباشرة هي أن الحقيقة الوحيدة القائمة، الحتمية، والأزلية، في العالم كلّه، هي الرأسمالية! بمعنى أن محمد سبيلا، المناضل السابق في "حزب الاتحاد الاشتراكي"، يقول لنا: "لا تحلموا بالوصول في مستقبل مجهول إلى الاشتراكية، إنها مستحيلة، وما عليكم سوى أن تخضعوا للرأسمالية، رغم كل ما فيها من استغلال، واستبداد، وفساد". هذا هو ”التبشير الفلسفي الجديد“ لمحمد سبيلا! وتَـتَّسِمُ هذه الأفكار، التي يُبشِّر بها أستاذ الفلسفة محمد سبيلا، بكونها محافظة، ويمينية، ومناصرة للرّأسمالية. ورغم أن محمد سبيلا اختلف مع قيادة ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، ثم ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات، وذلك في إطار صيرورة تَـفَكُّك وانحلال هذا الحزب، فإن الأفكار اليمينية التي يُبشِّر بها محمد سبيلا تنتمي عضويًا لظاهرة انحلال ”حزب الاتحاد الاشتراكي“، وتعبّر جيّدًا عن التِّيه الفكري، أو الانحراف القِيمي، اللذين أصابا هذا الحزب.وفي العمق، فإن انحطاط أفكار محمد سبيلا ترتبط عضويا بالانحطاط السياسي والأخلاقي الذي سقط فيه "حزب الاتحاد الاشتراكي"، رغم أن محمد سبيلا ابتعد عن هذا الحزب منذ سنوات.وفي الختام، لنحاول توسيع تفكيرنا. إذا نحن أنهينا هذا المقال عند هذه النقطة، فإننا سنكون قد "ظلمنا" السيد محمد سبيلا. و"الظلم" مرفوض، لأنه يتنافى مع "الأخلاق"، حتّى ولو كانت المساطر "القانونية" القائمة لا تجرّم هذا "الظلم". فإذا أنهينا هذا المقال هنا، فإننا سَنُعطي للقارئ انطباعًا خاطئًا بأن كل شيء في بلاد المغرب هو على أحسن ما يُرام، وأن المشكل الأساسي في المغرب هو أن شخصا اسمه محمد سبيلا قال: «المَكْر، وسُوء النِّيَة، والكذب ... [ضروريِّين] في العمل السياسي». لكن الحقيقة هي أن محمد سبيلا ليس حاكمًا، ولا وزيرًا، ولا مسؤولا كبيرا في الدولة، ولا منتخبا في البرلمان أو في المجالس المحلّية، ولا فاعلًا اقتصاديا هامًّا، ولا زعيمًا حزبيًّا. وإنما محمد سبيلا هو مجرد مواطن متواضع، يدرّس الفلسفة، ويتكلّم، ويخطب، ويكتب، وينشر. لكن محمد سبيلا لا يؤثّر لا في الحياة السياسية، ولا الاقتصادية. بل المشكل الأساسي في بلاد المغرب، هو أن معظم أفراد الطبقة الحاكمة، وكذلك أفراد الطبقة السياسية، ومعظم الفاعلين الاقتصاديين، ومعظم المسؤولين الحزبيين، معظمهم لا يتكلّمون، ولا يخطبون، ولا يكتبون، وإنما يمارسون يوميًا، في العَلَن أو في السِرِّ، يمارسون الكذب، والتحايل، والخداع، والغشّ، والنفاق، والتزوير، والنّهب، والفساد، والاستبداد. معظمهم يخرقون القانون، ويدوسون الأخلاق. هذا هو المشكل المجتمعي الحقيقي. ومأساتنا الكبيرة، هي أن غالبية شعبنا تسبح في الجهل، والتخلّف، والخضوع، والانحطاط. بل تُمارس غالبية أفراد شعبنا الأنانية، والغش، والانتهازية، في مجمل الميادين. لكن هذا موضوع آخر (حَلَّلْتُه في كتابي "نقد الشعب"). وواجبنا، ليس هو الانشغال بمواطن بسيط مثل محمد سبيلا، وإنما هو نـقد هؤلاء الأشخاص السائدين في المجتمع، وفضحهم، ومحاسبتهم. فمحمد سبيلا يتكلّم ولا يؤثّر، بينما أفراد الطبقات السائدة والمُسْتَغِلَّة، المستبدِّين والفاسدين، يُؤَثِّرُون، ويقرّرون، ويحدّدون مصيرنا، مصير الخضوع، والاستبداد، والاستغلال، والتّفـقير، والتخلُّف، والألم، والانحطاط المجتمعي. فالمشكل الهام يوجد هنا، وليس في محمد سبيلا. وبه نختم هذا المقال.رحمان النوضة (22 غشت 2018)



اقرأ أيضاً
يدير اكيندي يكتب عن مافيا الماستر: حين تتحول الجامعة من منارة للعلم إلى سوق نخاسة لبيع الذمم
يدير اكيندي الفساد يضرب قلب التعليم العالي… ومصداقية الوطن على المحك مرة أخرى، يَطفو على السطح وجه بشع من وجوه الفساد في بلادنا، بعد تفجر فضيحة الاتجار بالشواهد الجامعية، وبالضبط شهادات الماستر، في واحدة من مؤسسات التعليم العالي التي يُفترض فيها أن تُخرّج نخبة النخبة. والكارثة أن هذه الشهادات ليست مجرد أوراق، بل مفاتيح لولوج مراكز القرار، ومسالك البحث العلمي، ومواقع المسؤولية في القضاء والإدارة والتعليم والثقافة. فماذا يعني أن تُباع هذه المفاتيح لمن يملك الثمن؟ وماذا تبقّى من الوطن إذا تساوى الحاذق والغشاش، والعالم والمزوّر، في فرص الصعود؟ فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان التعليم، أساس بناء الإنسان، يُباع ويُشترى؟ وكيف نضمن مستقبلاً وطنياً إذا كانت المناصب العليا تُمنح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق؟ما وقع في جامعة أكادير ليس حادثا معزولا، بل هو مؤشّر خطير على هشاشة منظومتنا القيمية، وعلى مدى تمدّد سرطان الغش والتدليس في جسد المجتمع. أن يصبح الغش “حقا مكتسبا” لدى بعض الفئات، فتلك بداية نهاية العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. من غير المعقول أن تنحصر المساءلة في الأستاذ المتهم وحده، بل إن كل من استفاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذه “التجارة اللاشرعية”، يجب أن يُحاسب ويُتابع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، والاحتيال على الدولة، والولوج إلى مواقع المسؤولية دون وجه حق ، مما يجعل الفساد التعليمي قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع بأكمله هنا تبرز ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يكفي معاقبة الأستاذ المتورط في فضيحة أكادير، بل يجب استدعاء كل من استفاد من هذه “الصفقات” وملاحقته بتهمة التزوير والتدليس.. إننا لا ننسى الضحايا الحقيقيين لهذه الفضيحة: أبناء وبنات هذا الوطن، الذين أُقصوا لأنهم لم يملكوا 250 ألف درهم لشراء شهادة، وليس لأنهم يفتقرون للكفاءة أو الجدارة. كم من طاقة وطنية شريفة حُرمت من فرصتها، ودُفنت أحلامها، وانهزمت ثقتها في مؤسسات الدولة! وكم من شاب وشابة حُرموا من الماستر والدكتوراه، لا لضعف مستواهم العلمي، بل فقط لأنهم لا يملكون رصيدًا بنكيًا محترمًا! أليس هذا هو الوجه الحقيقي لانهيار القيم، وبداية تصدع الوطن؟ هذه الممارسات لا تدمر الأفراد فحسب، بل تقتل روح الانتماء لدى الشباب، وتجعلهم يفقدون الثقة في الوطن. وكما قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته “الكيميائي”: “عندما تُحارب أحلامك، فإن الكون بأسره يتآمر لمساعدتك”، لكن ماذا لو كان الفساد هو من يحارب الأحلام؟ حينها لن يجد الشباب سوى اليأس أو الهجرة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة. فالوطن الذي نريده ليس مبنيًا على الريع والزبونية، بل على تكافؤ الفرص والاستحقاق. كما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، فإن بناء مغرب الغد يمر عبر بناء مجتمع قوي إلى جانب دولة قوية، مجتمع يؤمن بالعدل، والكرامة، والنزاهة، ويقاوم كل أشكال الغش والإفساد. فكيف تكون الدولة قوية إذا كان تعليمها ضعيفاً؟ وكيف يكون المجتمع قوياً إذا كان أفراده يعيشون على الوهم؟ ولعل ما قاله الكاتب البرازيلي باولو كويلو في رسالته إلى ابنه: “إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المدن، لكنه الأساس الحقيقي لأي حضارة”، ينطبق تمامًا على ما نحتاجه اليوم. فالتعليم هو حجر الزاوية لبناء الإنسان، والعبث به هو تقويض لكل إمكانيات النهوض. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” « وهل هناك عدل حين يحصل المزوّرون على مناصب ومسؤوليات، بينما يُقصى النجباء لأنهم لا يملكون المال؟ هل هناك دولة قانون، حين يتحول التعليم إلى مزاد علني؟ إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحرّك النيابة العامة بصرامة، ويُفتح تحقيق شامل يُحاسب فيه كل من تواطأ أو استفاد أو سكت عن هذا الفساد، أو أن نترك هذا الورم الخبيث يتفشى في جسد الدولة والمجتمع، ويُعمق فقدان الثقة، ويقضي على كل أمل في الإصلاح. إننا ننتظر من وزارة التعليم العالي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني في هذه القضية، وأن تُعلن حربا لا هوادة فيها على كل المتلاعبين بسمعة الجامعة المغربية. فالتعليم لا يجب أن يكون سلعة، ولا يجب أن يُترك للمفسدين ينشرون سمومهم بين الطلبة والأساتذة، ويهدمون ما تبقى من الأمل في غد نزيه وعادل. وحده العدل، وحدها المساواة، وحده القانون، يمكن أن يؤسسوا لوطن يسع الجميع. أما الاستسلام فليس خيارًا، والسكوت تواطؤ. فلننتفض، دفاعًا عن الكرامة، عن العدالة، عن مغرب يستحق أن نحلم به… لا أن نخجل منه. فضيحة شواهد الماستر ليست قضية أكاديمية عابرة، بل هي معركة وجودية ضد فسادٍ ينهش جسد الوطن. إن لم نتحرك اليوم، فسنواجه غداً جيلاً يعتقد أن الغش “إنجاز”، والتدليس “ذكاء”. الفساد الجامعي ليس مجرد جريمة أخلاقية، بل تهديد مباشر للأمن المجتمعي. عندما تتحول الجامعة إلى مصنع لشواهد مزورة، فإنها تنتج مسؤولين بلا كفاءة، وقضاة بلا ضمير، وأساتذة بلا علم. وحينها لا يمكن بناء مغرب الغد السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للأمل، وتواطؤ مع الفساد، ومساهمة في قتل طموحات شباب حُرموا من فرص حقيقية لأنهم لم يملكوا ما يكفي لشراء شهادة. إن ضحايا هذه المافيا معروفون: شباب اجتهدوا وكافحوا، لكنهم صُدوا لأنهم لم يكونوا جزءاً من لعبة النفوذ والرشوة * يدير اكيندي، أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية، خبير في التنمية الشاملة والإعاقة
ساحة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الثلاثاء 01 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة