مجدي يكتب: فيدرالية اليسار الديمقراطي وأوهام الإندماج – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
الأربعاء 23 أبريل 2025, 06:42

ساحة

مجدي يكتب: فيدرالية اليسار الديمقراطي وأوهام الإندماج


كشـ24 نشر في: 3 نوفمبر 2020

اجتمعت الهيئة التنفيذية الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي مؤخرا (24 أكتوبر 2020)، و كانت النقطة المهيمنة على أشغالها هي مسألة الاندماج، و كأن لا شيء غيرها يهم. و طبعا عكس النقاش اختلافا في التقدير بين الحزب الاشتراكي الموحد ممثلا بأمينته العامة الرفيقة نبيلة منيب من جهة، و حزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و المؤتمر الوطني الاتحادي من جهة أخرى. و إنني لا استطيع أن أستوعب جيدا إلحاح البعض على الاندماج الآن مهما احتدت الاختلافات و مهما أدى إليه من فشل بيّن في الأفق المنظور. فكما فشلت الفيدرالية في مهامها و في تحقيق أهدافها، فإن أي خطوة تُبنى عليها ستمُن علينا بفشل محقق أيضا.لم أكن أريد أن أعود إلى هذا الموضوع، لأنه شأن في الحقيقة داخلي و يهم بالأساس مناضلي الأحزاب الثلاث. و أستغرب محاولة إقحام المواطنين في هذا الأمر و إلهاؤهم بالخرجات الإعلامية التي كانت في غالبيتها مغرضة و تستعمل مختلف الوسائط الاجتماعية للضغط على الحزب الاشتراكي الموحد و كأن الأمر يتعلق بمسألة رأي عام. أن تندمج الأحزاب الثلاث أو لا تندمج، لا يهم المغاربة كثيرا، ما يهمهم هو عرض سياسي متميز و قادر على دمقرطة الدولة و المجتمع، و قادر على إحداث تغيير حقيقي في البلد لصالح الفئات الشعبية التي تعاني كثيرا، و التي من المفروض أن هذه الأحزاب تمثلها و تناضل من أجل مصالحها الآنية و المستقبلية.و من العجب العجاب، أن يلجأ أعضاء من المكتب السياسي (على رأسهم الرفيق عمر بلفريج) لمناقشة قضايا الحزب الاشتراكي الموحد و شؤون تدبيره الداخلي لوسائل الإعلام، عوضا عن أجهزته كما يحدث في جميع التنظيمات الديمقراطية، الحداثية و اليسارية. هم بموجب كل القوانين و الأعراف، أعضاء قياديون في المكتب السياسي و لازالوا يمارسون فيه مهامهم و يتحملون فيه كامل المسؤولية، و لا أحد منهم استقال أو طرد، أو حرم من حقه في الدفاع عن رأيه، و لا أحد قدم للمجلس الوطني (أعلى هيئة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر) شكواه أو اعتراضاته أو استيائه من هذا الطرف أو ذاك أو من هذا الجهاز أو ذاك.. !فما الذي نفهمه إذن من تحويل النقاش في شؤون الحزب الداخلية من مكانه الطبيعي (أجهزة الحزب) إلى وسائل الإعلام !؟هل يعنى اللجوء إلى الجرائد الورقية و الإلكترونية، و إلى أطراف لا تنتمي للحزب، استقواء على الذين يخالفونهم في الرأي و استقواء على الحزب، و محاولة لِلَيّ ذراع هذا الأخير و توجيهه كما يشتهون !؟ما الذي يعنونه بالتنظيم و قوانينه في هذه الحال، و ما قيمة الديمقراطية لديهم، التي يجب أن ندافع عنها جميعا و نحتكم لها في حال تعددت الرؤى و اختلفت؟؟!أعتقد أن محاولات فرض الرأي الواحد على مناضلي الحزب، و بأية وسيلة كانت و من خارج التنظيم، أمر لا يمت للأعراف الديمقراطية بأية صله.و ما دام النقاش حول الاندماج أخذ حيزا مهما في وسائل الإعلام، فسأكون مضطرا كعضو في المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد، و كممثل لأرضية التغيير الديمقراطي، استجلاء بعض الحقائق، و التعبير عن مواقفنا، و عما نعتقده صائبا في هذا الصدد:1. كما سبقت الإشارة إلى ذلك في كتابة سالفة، فإن اندماج الأحزاب بعضها مع بعض، يقتضي مجموعة من المقومات الضرورية من ضمنها، ألا يتم هذا الاندماج نفسه بشكل تعسفي و فوقي و مفروض كما أريد له اليوم أن يكون، و كما كان عليه الأمر عند تأسيس فيدرالية اليسار الديمقراطي و كان سببا في فشلها. و يتذكر المناضلون جيدا، كيف اختطف قرار الفيدرالية من القواعد و أطر الحزب سنة 2014، و أدى ذلك إلى ما أدى إليه من فشل ذريع. للأسف لدينا طينة من القادة و الأطر السياسية لا تؤمن بالديمقراطية الداخلية و إن ادّعت خلاف ذلك، و هذا إشكال اليسار، الحقيقي و الكبير. هذه الفئة لا تهمها وجهة نظر القواعد و إرادتها، و تتعامل معها على أساس أنها قاصرة و يجب أن تكون تابعة فقط.2. يتعمد دعاة الاندماج في تصريحاتهم العلنية، تغييب الأسئلة الحقيقية حول الاندماج الذي يسعون إليه قبل اكتمال شروطه. لم يتطرق و لا واحد منهم إلى التباين الذي لا يمكن حجبه بين الأحزاب الثلاث من حيث تكوينها و تنظيمها و تاريخها و أهدافها المختلفة. التأطير النظري و السياسي و التنظيمي و الجماهيري للحزب المندمج غير متفق عليه، و نحن مختلفون بصدده أشد الاختلاف.3. كيف يستقيم الاندماج و نحن مختلفون في أساسيات العمل السياسي منذ البداية: الاشتراكية التي نريد، الديمقراطية الداخلية، التنظيم، البرنامج الحزبي، التحالفات، الانتخابات، النقابة.. الخ. إن دعاة الاندماج السريع لا يتوفرون على رؤية واضحة و مشروع جاهز و جامع، و يتفادون الحديث للصحافة عن القضايا النظرية و العملية التي نختلف بشأنها.4. لقد عقد مؤخرا، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و حزب المؤتمر الوطني الاتحادي - بحسب الرفيق عبد السلام العزيز الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي - اجتماعا مع البديل الديمقراطي و رفاق احمد الزايدي، و مع إطارات يسارية أخرى، و فاعلين يساريين من مشارب مختلفة "للإعلان عن مبادرة وحدوية في غضون الأشهر القليلة المقبلة". و هذا مؤشر دال على النظرة الاستشرافية البرغماتية التي يتحرك فيها بعض أقطاب القوى اليسارية المنبثقة عن الحركة الوطنية، و سبب كاف يدفعنا للحذر مما يقودنا إليه هذا المسار الذي يبحث عن موقع قدم ضمن التشكيلة السياسية للدولة المخزنية. فنحن بكل وضوح نرفض، كأرضية للتغيير الديمقراطي - و نفس الموقف تتبناه غالبية أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد، و أعتقد -مجازفا- غالبية أعضاء حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي - التحالف أو الاندماج مع هذه الكيانات الانتخابية و المتياسرة (التي تدعي اليسار و الاشتراكية) و نرفض أن نحيد عن مسارنا النضالي. إن الاندماج بالشكل الذي تتم الدعوة إليه، بعيدا عن أقطاب اليسار الجذري الأخرى، و بالتقرب من يسار الحكومة، يراد منه الدخول في رهان سياسي بديل تقوده في النهاية السلطة السياسية للبلاد.5. إن أية مبادرة وحدوية لم تأخذ بعين الاعتبار، سقطات اليسار السابقة، و لم تقطع مع رهانات ما يسمى ب"الانتقال الديمقراطي" و لم تتخل عن محاولات التنسيق مع يسار الحكومة و استقطاب الأعيان، و لم تقم بتقييم تجاربها في التحالف و الفيدرالية و الانتخابات و النقابة.. ستؤثث المشهد السياسي ليس إلا.6. لا يمكن لأي وحدة يسار أن تنجح، و تردم الفجوة بينها و بين الجماهير الشعبية، ما لم تشمل جل قوى اليسار التي لم تشارك في الحكم، و المشتغلة في الساحة، على قاعدة رؤية جديدة تستمد مقوماتها من مشروعها الحداثي الديمقراطي بأفق اشتراكي.7. إن كل التحرك الآن من أجل "الاندماج و أي اندماج !"، و "الضجيج" الإعلامي المرافق له، هو من أجل تغيير مواقف الحزب الجذرية و تغيير عباءته اليسارية و قلب أسسه النضالية الأصيلة. يراد للحزب من خلال الضغط الشديد الذي يتعرض له من داخله و من خارجه، أن يتخذ منحى سياسيا ليبراليا، و يدخل غمار الحقل السياسي الرسمي، و يعتمد مثله مثل البقية على ما تجود له به حظوته الانتخابية.8. الاندماج الذي يراد لنا تأتيته، يهدف إلى طمس ما تبقى من معالم اليسار و من الاشتراكية كمشروع سياسي أصيل و بديل و متكامل، و يدعونا للقبول بسياسة الأمر الواقع و باقتصاد السوق الحرة، و العمل فقط على إصلاحهما، كما يفعل دعاة الرأسمالية أنفسهم.9. المبادرات الوحدوية تكون في الأدبيات السياسية الديمقراطية ناجمة عن العمل الميداني النضالي المشترك، و هو أمر شبه منعدم لدينا في الوقت الحالي. و كان يجب قبل أي شيء، مراجعة التدبير النقابي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي يتواجد فيها مناضلو الأحزاب الثلاث، و فتح نقاش جريء و نقدي حوله، باتجاه تقوية النقابة و دمقرطتها، و التوافق بشأنها بوضوح في كل الأمور المرتبطة بها.10. الاندماج غير الطبيعي الذي يتشبث به بعض رفاقنا، سيكون وبالا على اليساريين و على البلد، و سيجهض إلى حد كبير المبادرات الوحدوية المنسجمة و الحقيقية التي نتطلع إليها مستقبلا. أعتقد في النهاية أن شؤون الاندماج الذي لم يحدث بعد، شغلت القيادة أكثر بكثير من اللازم، و أهدرت فيها جهدا و وقتا كان لزاما أن يكون للحزب. لذلك يجب العودة الآن إلى الاشتراكي الموحد بحماس أكبر، و العمل على تقويته و عقلنة أشغاله و تنظيم شؤونه الداخلية. و هو أمر إن تم، سينتفع منه العمال و الكادحون، و شعب اليسار، و الفيدرالية، و ستنتفع منه أية مبادرة وحدوية مستقبلية.حميد مجدي: عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد و منسق أرضية التغيير الديمقراطي

اجتمعت الهيئة التنفيذية الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي مؤخرا (24 أكتوبر 2020)، و كانت النقطة المهيمنة على أشغالها هي مسألة الاندماج، و كأن لا شيء غيرها يهم. و طبعا عكس النقاش اختلافا في التقدير بين الحزب الاشتراكي الموحد ممثلا بأمينته العامة الرفيقة نبيلة منيب من جهة، و حزبي الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و المؤتمر الوطني الاتحادي من جهة أخرى. و إنني لا استطيع أن أستوعب جيدا إلحاح البعض على الاندماج الآن مهما احتدت الاختلافات و مهما أدى إليه من فشل بيّن في الأفق المنظور. فكما فشلت الفيدرالية في مهامها و في تحقيق أهدافها، فإن أي خطوة تُبنى عليها ستمُن علينا بفشل محقق أيضا.لم أكن أريد أن أعود إلى هذا الموضوع، لأنه شأن في الحقيقة داخلي و يهم بالأساس مناضلي الأحزاب الثلاث. و أستغرب محاولة إقحام المواطنين في هذا الأمر و إلهاؤهم بالخرجات الإعلامية التي كانت في غالبيتها مغرضة و تستعمل مختلف الوسائط الاجتماعية للضغط على الحزب الاشتراكي الموحد و كأن الأمر يتعلق بمسألة رأي عام. أن تندمج الأحزاب الثلاث أو لا تندمج، لا يهم المغاربة كثيرا، ما يهمهم هو عرض سياسي متميز و قادر على دمقرطة الدولة و المجتمع، و قادر على إحداث تغيير حقيقي في البلد لصالح الفئات الشعبية التي تعاني كثيرا، و التي من المفروض أن هذه الأحزاب تمثلها و تناضل من أجل مصالحها الآنية و المستقبلية.و من العجب العجاب، أن يلجأ أعضاء من المكتب السياسي (على رأسهم الرفيق عمر بلفريج) لمناقشة قضايا الحزب الاشتراكي الموحد و شؤون تدبيره الداخلي لوسائل الإعلام، عوضا عن أجهزته كما يحدث في جميع التنظيمات الديمقراطية، الحداثية و اليسارية. هم بموجب كل القوانين و الأعراف، أعضاء قياديون في المكتب السياسي و لازالوا يمارسون فيه مهامهم و يتحملون فيه كامل المسؤولية، و لا أحد منهم استقال أو طرد، أو حرم من حقه في الدفاع عن رأيه، و لا أحد قدم للمجلس الوطني (أعلى هيئة تقريرية في الحزب بعد المؤتمر) شكواه أو اعتراضاته أو استيائه من هذا الطرف أو ذاك أو من هذا الجهاز أو ذاك.. !فما الذي نفهمه إذن من تحويل النقاش في شؤون الحزب الداخلية من مكانه الطبيعي (أجهزة الحزب) إلى وسائل الإعلام !؟هل يعنى اللجوء إلى الجرائد الورقية و الإلكترونية، و إلى أطراف لا تنتمي للحزب، استقواء على الذين يخالفونهم في الرأي و استقواء على الحزب، و محاولة لِلَيّ ذراع هذا الأخير و توجيهه كما يشتهون !؟ما الذي يعنونه بالتنظيم و قوانينه في هذه الحال، و ما قيمة الديمقراطية لديهم، التي يجب أن ندافع عنها جميعا و نحتكم لها في حال تعددت الرؤى و اختلفت؟؟!أعتقد أن محاولات فرض الرأي الواحد على مناضلي الحزب، و بأية وسيلة كانت و من خارج التنظيم، أمر لا يمت للأعراف الديمقراطية بأية صله.و ما دام النقاش حول الاندماج أخذ حيزا مهما في وسائل الإعلام، فسأكون مضطرا كعضو في المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد، و كممثل لأرضية التغيير الديمقراطي، استجلاء بعض الحقائق، و التعبير عن مواقفنا، و عما نعتقده صائبا في هذا الصدد:1. كما سبقت الإشارة إلى ذلك في كتابة سالفة، فإن اندماج الأحزاب بعضها مع بعض، يقتضي مجموعة من المقومات الضرورية من ضمنها، ألا يتم هذا الاندماج نفسه بشكل تعسفي و فوقي و مفروض كما أريد له اليوم أن يكون، و كما كان عليه الأمر عند تأسيس فيدرالية اليسار الديمقراطي و كان سببا في فشلها. و يتذكر المناضلون جيدا، كيف اختطف قرار الفيدرالية من القواعد و أطر الحزب سنة 2014، و أدى ذلك إلى ما أدى إليه من فشل ذريع. للأسف لدينا طينة من القادة و الأطر السياسية لا تؤمن بالديمقراطية الداخلية و إن ادّعت خلاف ذلك، و هذا إشكال اليسار، الحقيقي و الكبير. هذه الفئة لا تهمها وجهة نظر القواعد و إرادتها، و تتعامل معها على أساس أنها قاصرة و يجب أن تكون تابعة فقط.2. يتعمد دعاة الاندماج في تصريحاتهم العلنية، تغييب الأسئلة الحقيقية حول الاندماج الذي يسعون إليه قبل اكتمال شروطه. لم يتطرق و لا واحد منهم إلى التباين الذي لا يمكن حجبه بين الأحزاب الثلاث من حيث تكوينها و تنظيمها و تاريخها و أهدافها المختلفة. التأطير النظري و السياسي و التنظيمي و الجماهيري للحزب المندمج غير متفق عليه، و نحن مختلفون بصدده أشد الاختلاف.3. كيف يستقيم الاندماج و نحن مختلفون في أساسيات العمل السياسي منذ البداية: الاشتراكية التي نريد، الديمقراطية الداخلية، التنظيم، البرنامج الحزبي، التحالفات، الانتخابات، النقابة.. الخ. إن دعاة الاندماج السريع لا يتوفرون على رؤية واضحة و مشروع جاهز و جامع، و يتفادون الحديث للصحافة عن القضايا النظرية و العملية التي نختلف بشأنها.4. لقد عقد مؤخرا، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي و حزب المؤتمر الوطني الاتحادي - بحسب الرفيق عبد السلام العزيز الأمين العام لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي - اجتماعا مع البديل الديمقراطي و رفاق احمد الزايدي، و مع إطارات يسارية أخرى، و فاعلين يساريين من مشارب مختلفة "للإعلان عن مبادرة وحدوية في غضون الأشهر القليلة المقبلة". و هذا مؤشر دال على النظرة الاستشرافية البرغماتية التي يتحرك فيها بعض أقطاب القوى اليسارية المنبثقة عن الحركة الوطنية، و سبب كاف يدفعنا للحذر مما يقودنا إليه هذا المسار الذي يبحث عن موقع قدم ضمن التشكيلة السياسية للدولة المخزنية. فنحن بكل وضوح نرفض، كأرضية للتغيير الديمقراطي - و نفس الموقف تتبناه غالبية أعضاء الحزب الاشتراكي الموحد، و أعتقد -مجازفا- غالبية أعضاء حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي - التحالف أو الاندماج مع هذه الكيانات الانتخابية و المتياسرة (التي تدعي اليسار و الاشتراكية) و نرفض أن نحيد عن مسارنا النضالي. إن الاندماج بالشكل الذي تتم الدعوة إليه، بعيدا عن أقطاب اليسار الجذري الأخرى، و بالتقرب من يسار الحكومة، يراد منه الدخول في رهان سياسي بديل تقوده في النهاية السلطة السياسية للبلاد.5. إن أية مبادرة وحدوية لم تأخذ بعين الاعتبار، سقطات اليسار السابقة، و لم تقطع مع رهانات ما يسمى ب"الانتقال الديمقراطي" و لم تتخل عن محاولات التنسيق مع يسار الحكومة و استقطاب الأعيان، و لم تقم بتقييم تجاربها في التحالف و الفيدرالية و الانتخابات و النقابة.. ستؤثث المشهد السياسي ليس إلا.6. لا يمكن لأي وحدة يسار أن تنجح، و تردم الفجوة بينها و بين الجماهير الشعبية، ما لم تشمل جل قوى اليسار التي لم تشارك في الحكم، و المشتغلة في الساحة، على قاعدة رؤية جديدة تستمد مقوماتها من مشروعها الحداثي الديمقراطي بأفق اشتراكي.7. إن كل التحرك الآن من أجل "الاندماج و أي اندماج !"، و "الضجيج" الإعلامي المرافق له، هو من أجل تغيير مواقف الحزب الجذرية و تغيير عباءته اليسارية و قلب أسسه النضالية الأصيلة. يراد للحزب من خلال الضغط الشديد الذي يتعرض له من داخله و من خارجه، أن يتخذ منحى سياسيا ليبراليا، و يدخل غمار الحقل السياسي الرسمي، و يعتمد مثله مثل البقية على ما تجود له به حظوته الانتخابية.8. الاندماج الذي يراد لنا تأتيته، يهدف إلى طمس ما تبقى من معالم اليسار و من الاشتراكية كمشروع سياسي أصيل و بديل و متكامل، و يدعونا للقبول بسياسة الأمر الواقع و باقتصاد السوق الحرة، و العمل فقط على إصلاحهما، كما يفعل دعاة الرأسمالية أنفسهم.9. المبادرات الوحدوية تكون في الأدبيات السياسية الديمقراطية ناجمة عن العمل الميداني النضالي المشترك، و هو أمر شبه منعدم لدينا في الوقت الحالي. و كان يجب قبل أي شيء، مراجعة التدبير النقابي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي يتواجد فيها مناضلو الأحزاب الثلاث، و فتح نقاش جريء و نقدي حوله، باتجاه تقوية النقابة و دمقرطتها، و التوافق بشأنها بوضوح في كل الأمور المرتبطة بها.10. الاندماج غير الطبيعي الذي يتشبث به بعض رفاقنا، سيكون وبالا على اليساريين و على البلد، و سيجهض إلى حد كبير المبادرات الوحدوية المنسجمة و الحقيقية التي نتطلع إليها مستقبلا. أعتقد في النهاية أن شؤون الاندماج الذي لم يحدث بعد، شغلت القيادة أكثر بكثير من اللازم، و أهدرت فيها جهدا و وقتا كان لزاما أن يكون للحزب. لذلك يجب العودة الآن إلى الاشتراكي الموحد بحماس أكبر، و العمل على تقويته و عقلنة أشغاله و تنظيم شؤونه الداخلية. و هو أمر إن تم، سينتفع منه العمال و الكادحون، و شعب اليسار، و الفيدرالية، و ستنتفع منه أية مبادرة وحدوية مستقبلية.حميد مجدي: عضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد و منسق أرضية التغيير الديمقراطي



اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأربعاء 23 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة