التعليقات مغلقة لهذا المنشور
ساحة
فنون ساحة “جامع الفنا” بمراكش بين الإستهجان ومخاطر الزوال
نشر في: 30 سبتمبر 2016
في حين يشكو بعض الفنانين المغاربة من الحصار المضروب عليهم بسبب مواقفهم السياسية، كما هو الشأن بالنسبة إلى المنشد رشيد غلام، والفنان الساخر أحمد السنوسي. هناك نوعية أخرى من الفنانين تعاني حصاراً من نوع آخر تماماً، حصار تضربه عليهم الجغرافيا والثقافة أولاً، والاقتصاد والسياسة ثانياً. يتعلق الأمر بزمرة الفنانين «العصاميين الفطريين» الذين نثروا وينثرون الفرجة في كل ربوع المغرب، ويكدّسون الأنغام والأشعار والحكايات على إسفلت «جامع الفنا»، الساحة الأشهر في المغرب، والمصنفة تراثاً إنسانياً من طرف اليونسكو، هؤلاء الذين يُطلق عليهم في اللغة المحكية المغربية «لْحْلَايْقِيَّة»، بحيث يتوسط الواحد منهم حلقة من المتفرجين، ويشرع مقدماً عروضه اليهم، ويقطع العرض بين الفينة والأخرى لاستخلاص «اجرة العرض».
مدينة مراكش وفضلاً عن موقعها الهام ضمن العواصم التي صنعت تاريخ العالم في العصور السابقة، هي أيضاً ذات مكانة في أذهان كل من زارها. فلا شك في أن ذلك الصخب المنبعث من ساحة جامع الفنا، الممزوج بروائح المطبوخات على الأسلوب المغربي، لا شك في أنه يمارس نوعاً من السحر على كل زائر، ويُغريه بالتقدم صوب لبّ الموضوع، اتجاه الفرجة. فساحة جامع الفنا تضم أنواعاً من الموسيقى، بحيث تجعل أذن السامع تحار بين طرب أهل المشرق وأهل الأندلس الفقيدة، وبين أهازيج الأفارقة وترانيم الأمازيغ. فكل ألوان الموسيقى موجودة هناك، تمتزج أحياناً في الغناء الشعبي المغربي وطرب الملحون، وتحتفظ بميزاتها الأصلية أحياناً أخرى في أغاني «كناوة» وفي الموسيقى الأمازيغية الأصلية.
أما فنون العرض الأخرى فلها مكانها، يجد الزائر ما يشاء، يجد الحكاية الشعبية، والحكي المتغني بالسيرة النبوية. ويجد أيضاً الدراما وفنون التمثيل، وعلاوة على ذلك يجد الألعاب المسلية بجميع أنواعها، وملاعبي القرود والأفاعي. كل ذلك فضلاً عن المطاعم المنثورة على جنبات ووسط الساحة، وعربات بيع المشروبات. كل ذلك موجود في الساحة يشكل سيمفونية تمسك آلاتها قرون طويلة، أو ثوباً بألوان زاهية نسجت خيوطه السنون. وتغذي الساحة عشرات الطرق الضيقة التي تخترق المدينة القديمة، وتربط أبوابها الكبرى بعضها ببعض، وكأني بمن خطط هذه المدينة يريد أن يقول لنا إن الربط بين الثقافات لا يحتاج أكثر من أسوار تحصّن تلك الثقافات من الغزاة، وطرق هي الشرايين التي تُضخ عبرها المعاني المختلفة.
لكن الغريب في كل هذا أن مَن يقدّمون كل أنواع تلك الفرجة هم فنانون من نوع مختلف، هؤلاء الذين لولا فنونهم لاستحالت الساحة مجرّد معبر فسيح تعضّ الدكاكين والمقاهي على جنباته. يسمّى هؤلاء في الدارجة المغربية «الحلايقية»، ومعناها أنهم يمتهنون عملاً قوامه جعل الناس يشكلون حلقة حول «الحلايقي»، وذلك لأنهم يقدمون نوعاً ما من أنواع الفرجة، الأمر الذي يثير فضول المارة أو الباحثين عن تزجية الوقت، وقانون الفرجة يقوم على تشكيل حلقة حول شخص يدعو إلى ذلك، ومن حين لآخر يطلب مقابلاً للفرجة التي يقدّمها، وهو شكل أشبه بما يُعرف في مصر بـ «الحاوي»، إلا أن «الحلايقي» في المغرب وفي مراكش تحديداً، لا يكون ملاعِب أفاعٍ فقط، وإنما قد يكون موسيقياً أو حكواتياً أو ممثلاً أو رياضياً أو مونولوجست، أو معالجاً روحانياً، أو غير ذلك.
وفي حقيقة الأمر هؤلاء الفنانون لا يتلقون تكويناً أكاديمياً في الفنون التي يمارسونها، وإنما يكون تكويناً تقليدياً نابعاً من ممارساتهم الهاوية في سنوات طفولتهم وشبابهم، إلى جانب أنهم يتدرّبون بشكل كبير على تقنيات جذب المشاهدين، فكل عملهم يقوم على المراهنة على جذب أكبر كمٍّ ممكن، وذلك لتحصيل اكبر عدد من التعويضات، إذ مهما كان عدد المتحلقين كبيراً فالقسم الأكبر منه يغادر بمجرد طلب «الحلايقي» تعويضاً عن الفرجة التي قدّمها. وزيادة على ذلك فهذه الفئة من الفنانين، تعيش وضعية خاصة فيما يتعلق بنظر المجتمع إليها، فسواء كان الواحد منهم ممتهناً لـ «الحلقة» وحدها، أم يزاوج بينها وبين تنشيط الأعراس والحفلات، أو يقصر امتهانه على هذه الأخيرة فقط، في جميع الأحوال، هم فئات من المجتمع المغربي تعيش نوعاً من الإقصاء الاجتماعي والثقافي، وينظر إليهم غالباً بازدراء وبدونية.
في حقيقة الأمر، لا يخلو مجتمع عربي من تلك النظرة لفئات شبيهة، لنا مثلاً أن نقيس تلك الحالة على نظرة المشارقة إلى الراقصة، والى «الأراجوز» أو «البلياتشو». وهي نظرة يصلح لفهمها استخدام النموذج التفسيري الذي ابتدعه الدكتور عبد الوهاب المسيري، يتعلق الأمر بما يسمّيه المفكر الراحل بـ «الجماعية الوظيفية». فالمجتمعات قد تكون في حاجة إلى جماعات معينة من الناس، لكنها تستهجنها وتقصيها وتنظر إليها بازدراء، وقد طبق الدكتور المسيري ذلك النموذج على الصهيونية، لكنه أشار إلى انه يصلح لفهم وضعيات جماعات كثيرة أخرى كالعاهرات مثلاً. ولذلك فالمجتمع المغربي بقدر حاجته إلى هؤلاء الفنانين بقدر ازدرائه لهم، شأن ازدراء المجتمعات الغربية القديمة لجماعات الغجر.
ومبعث ذلك الازدراء لهؤلاء الفنانين هو عدة أسباب متداخلة، بحيث منها الظاهر ومنها الخفي. فأسلوب التكسب من الفرجة، يعتبره المجتمع المغربي تسولاً، وهو من حيث المبدأ شبيه بدفع تذكرة العرض المسرحي أو السينمائي في شباك التذاكر قبل ولوج القاعة، لكن استهجان أسلوب «الحلايقي» في استخلاص أجرته، ربما هو ناجم عن شرخ حدث لدى المغربي بين بريق التنظيم الذي جاءت به الحداثة الغربية، ومن بين أوجهه أسلوب تسليع الفرجة المغاير لأسلوب «الحلايقي»، زيادة على جنوح المغربي إلى تبني الموقف الديني من التسوّل، وإسقاطه لاستهجان «اليد السفلى» على أسلوب استخلاص «الحلايقي» لأجرته. ولذلك يبقى استهجان المغربي، كما أي عربي مسلم، للفنانين المعاصرين مرتبطاً فقط باستهجان العري وخدش الحياء مع الإصرار على الاستمتاع بما ينتجه ذلك الفن.
وفضلاً عن أن ذلك الاستهجان مرتبط باستهجان التقليد الناتج عن انبهار بالحداثة، هو استهجان أيضاً آتٍ من موقف ملتبس وغير متفق عليه في الموروث الفقهي من الفن عموماً. أما بخصوص الخلفيات الاجتماعية لهؤلاء الفنانين، فالأكيد لولا أنهم في أغلبهم لم يتلقوا تعليماً عصرياً وفي كثير من الأحيان لم يتلقَّ الكثير منهم تعليماً من أي نوع، إضافة إلى الواقع الاجتماعي المزري، وبالطبع لولا ذلك الواقع زيادة على المواهب التي يتمتع بها هؤلاء لما كان في جامع الفنا فنان واحد. بل إنه يستحيل على أي بلد أن يستنسخ تجربة «جامع الفنا»، بما هي ساحة صامدة أمام الزمن، وهو صمود لا يهدّده سوى تآكل الجيل الحالي من «الحلايقية» وعدم وجود جيل يخلفهم، فأغلبهم يبعدون أبناءهم عن مزاولة مهنة «الحلقة» التي هي بالنسبة لهم مجرد تعب ومهانة وشح المردود، الأمر الذي يضع كل زخم الساحة على محك المقبل من الأيام.
يعود الفضل لبديع الزمان الهمذاني في جعل ممتهني «الكدية» أبطالاً، كبطولة أبي الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان، فقد كان الواقع الاجتماعي في تلك الفترة مُفرزاً لهذه الفئة من الفنانين والعباقرة ممن يبيعون الذهول مقابل المال، لكن لم يجرِ الاحتفاء بنضالهم المستميت لتفجير الفرجة من ألم المعيش، وإنما جرى استهجانهم والركض وراء ما يقدّمونه. وقياساً على ذلك بقيت «الحلقة» في المغرب مساحة مهجورة من الدولة، والتي إذا حسنت وضعية «الحلايقية» فهي تخشى تقاعسهم بعد زوال الدافع، ومهجورة من الدراسة الانثروبولوجية، ومتروكة لعوامل التعرية الثقافية والسوسيولوجية والاقتصادية، بما ينذر باضمحلال إرث إنساني، وكأنه جرى تصنيفه كذلك توقيعاً على شهادة وفاته.
مدينة مراكش وفضلاً عن موقعها الهام ضمن العواصم التي صنعت تاريخ العالم في العصور السابقة، هي أيضاً ذات مكانة في أذهان كل من زارها. فلا شك في أن ذلك الصخب المنبعث من ساحة جامع الفنا، الممزوج بروائح المطبوخات على الأسلوب المغربي، لا شك في أنه يمارس نوعاً من السحر على كل زائر، ويُغريه بالتقدم صوب لبّ الموضوع، اتجاه الفرجة. فساحة جامع الفنا تضم أنواعاً من الموسيقى، بحيث تجعل أذن السامع تحار بين طرب أهل المشرق وأهل الأندلس الفقيدة، وبين أهازيج الأفارقة وترانيم الأمازيغ. فكل ألوان الموسيقى موجودة هناك، تمتزج أحياناً في الغناء الشعبي المغربي وطرب الملحون، وتحتفظ بميزاتها الأصلية أحياناً أخرى في أغاني «كناوة» وفي الموسيقى الأمازيغية الأصلية.
أما فنون العرض الأخرى فلها مكانها، يجد الزائر ما يشاء، يجد الحكاية الشعبية، والحكي المتغني بالسيرة النبوية. ويجد أيضاً الدراما وفنون التمثيل، وعلاوة على ذلك يجد الألعاب المسلية بجميع أنواعها، وملاعبي القرود والأفاعي. كل ذلك فضلاً عن المطاعم المنثورة على جنبات ووسط الساحة، وعربات بيع المشروبات. كل ذلك موجود في الساحة يشكل سيمفونية تمسك آلاتها قرون طويلة، أو ثوباً بألوان زاهية نسجت خيوطه السنون. وتغذي الساحة عشرات الطرق الضيقة التي تخترق المدينة القديمة، وتربط أبوابها الكبرى بعضها ببعض، وكأني بمن خطط هذه المدينة يريد أن يقول لنا إن الربط بين الثقافات لا يحتاج أكثر من أسوار تحصّن تلك الثقافات من الغزاة، وطرق هي الشرايين التي تُضخ عبرها المعاني المختلفة.
لكن الغريب في كل هذا أن مَن يقدّمون كل أنواع تلك الفرجة هم فنانون من نوع مختلف، هؤلاء الذين لولا فنونهم لاستحالت الساحة مجرّد معبر فسيح تعضّ الدكاكين والمقاهي على جنباته. يسمّى هؤلاء في الدارجة المغربية «الحلايقية»، ومعناها أنهم يمتهنون عملاً قوامه جعل الناس يشكلون حلقة حول «الحلايقي»، وذلك لأنهم يقدمون نوعاً ما من أنواع الفرجة، الأمر الذي يثير فضول المارة أو الباحثين عن تزجية الوقت، وقانون الفرجة يقوم على تشكيل حلقة حول شخص يدعو إلى ذلك، ومن حين لآخر يطلب مقابلاً للفرجة التي يقدّمها، وهو شكل أشبه بما يُعرف في مصر بـ «الحاوي»، إلا أن «الحلايقي» في المغرب وفي مراكش تحديداً، لا يكون ملاعِب أفاعٍ فقط، وإنما قد يكون موسيقياً أو حكواتياً أو ممثلاً أو رياضياً أو مونولوجست، أو معالجاً روحانياً، أو غير ذلك.
وفي حقيقة الأمر هؤلاء الفنانون لا يتلقون تكويناً أكاديمياً في الفنون التي يمارسونها، وإنما يكون تكويناً تقليدياً نابعاً من ممارساتهم الهاوية في سنوات طفولتهم وشبابهم، إلى جانب أنهم يتدرّبون بشكل كبير على تقنيات جذب المشاهدين، فكل عملهم يقوم على المراهنة على جذب أكبر كمٍّ ممكن، وذلك لتحصيل اكبر عدد من التعويضات، إذ مهما كان عدد المتحلقين كبيراً فالقسم الأكبر منه يغادر بمجرد طلب «الحلايقي» تعويضاً عن الفرجة التي قدّمها. وزيادة على ذلك فهذه الفئة من الفنانين، تعيش وضعية خاصة فيما يتعلق بنظر المجتمع إليها، فسواء كان الواحد منهم ممتهناً لـ «الحلقة» وحدها، أم يزاوج بينها وبين تنشيط الأعراس والحفلات، أو يقصر امتهانه على هذه الأخيرة فقط، في جميع الأحوال، هم فئات من المجتمع المغربي تعيش نوعاً من الإقصاء الاجتماعي والثقافي، وينظر إليهم غالباً بازدراء وبدونية.
في حقيقة الأمر، لا يخلو مجتمع عربي من تلك النظرة لفئات شبيهة، لنا مثلاً أن نقيس تلك الحالة على نظرة المشارقة إلى الراقصة، والى «الأراجوز» أو «البلياتشو». وهي نظرة يصلح لفهمها استخدام النموذج التفسيري الذي ابتدعه الدكتور عبد الوهاب المسيري، يتعلق الأمر بما يسمّيه المفكر الراحل بـ «الجماعية الوظيفية». فالمجتمعات قد تكون في حاجة إلى جماعات معينة من الناس، لكنها تستهجنها وتقصيها وتنظر إليها بازدراء، وقد طبق الدكتور المسيري ذلك النموذج على الصهيونية، لكنه أشار إلى انه يصلح لفهم وضعيات جماعات كثيرة أخرى كالعاهرات مثلاً. ولذلك فالمجتمع المغربي بقدر حاجته إلى هؤلاء الفنانين بقدر ازدرائه لهم، شأن ازدراء المجتمعات الغربية القديمة لجماعات الغجر.
ومبعث ذلك الازدراء لهؤلاء الفنانين هو عدة أسباب متداخلة، بحيث منها الظاهر ومنها الخفي. فأسلوب التكسب من الفرجة، يعتبره المجتمع المغربي تسولاً، وهو من حيث المبدأ شبيه بدفع تذكرة العرض المسرحي أو السينمائي في شباك التذاكر قبل ولوج القاعة، لكن استهجان أسلوب «الحلايقي» في استخلاص أجرته، ربما هو ناجم عن شرخ حدث لدى المغربي بين بريق التنظيم الذي جاءت به الحداثة الغربية، ومن بين أوجهه أسلوب تسليع الفرجة المغاير لأسلوب «الحلايقي»، زيادة على جنوح المغربي إلى تبني الموقف الديني من التسوّل، وإسقاطه لاستهجان «اليد السفلى» على أسلوب استخلاص «الحلايقي» لأجرته. ولذلك يبقى استهجان المغربي، كما أي عربي مسلم، للفنانين المعاصرين مرتبطاً فقط باستهجان العري وخدش الحياء مع الإصرار على الاستمتاع بما ينتجه ذلك الفن.
وفضلاً عن أن ذلك الاستهجان مرتبط باستهجان التقليد الناتج عن انبهار بالحداثة، هو استهجان أيضاً آتٍ من موقف ملتبس وغير متفق عليه في الموروث الفقهي من الفن عموماً. أما بخصوص الخلفيات الاجتماعية لهؤلاء الفنانين، فالأكيد لولا أنهم في أغلبهم لم يتلقوا تعليماً عصرياً وفي كثير من الأحيان لم يتلقَّ الكثير منهم تعليماً من أي نوع، إضافة إلى الواقع الاجتماعي المزري، وبالطبع لولا ذلك الواقع زيادة على المواهب التي يتمتع بها هؤلاء لما كان في جامع الفنا فنان واحد. بل إنه يستحيل على أي بلد أن يستنسخ تجربة «جامع الفنا»، بما هي ساحة صامدة أمام الزمن، وهو صمود لا يهدّده سوى تآكل الجيل الحالي من «الحلايقية» وعدم وجود جيل يخلفهم، فأغلبهم يبعدون أبناءهم عن مزاولة مهنة «الحلقة» التي هي بالنسبة لهم مجرد تعب ومهانة وشح المردود، الأمر الذي يضع كل زخم الساحة على محك المقبل من الأيام.
يعود الفضل لبديع الزمان الهمذاني في جعل ممتهني «الكدية» أبطالاً، كبطولة أبي الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان، فقد كان الواقع الاجتماعي في تلك الفترة مُفرزاً لهذه الفئة من الفنانين والعباقرة ممن يبيعون الذهول مقابل المال، لكن لم يجرِ الاحتفاء بنضالهم المستميت لتفجير الفرجة من ألم المعيش، وإنما جرى استهجانهم والركض وراء ما يقدّمونه. وقياساً على ذلك بقيت «الحلقة» في المغرب مساحة مهجورة من الدولة، والتي إذا حسنت وضعية «الحلايقية» فهي تخشى تقاعسهم بعد زوال الدافع، ومهجورة من الدراسة الانثروبولوجية، ومتروكة لعوامل التعرية الثقافية والسوسيولوجية والاقتصادية، بما ينذر باضمحلال إرث إنساني، وكأنه جرى تصنيفه كذلك توقيعاً على شهادة وفاته.
في حين يشكو بعض الفنانين المغاربة من الحصار المضروب عليهم بسبب مواقفهم السياسية، كما هو الشأن بالنسبة إلى المنشد رشيد غلام، والفنان الساخر أحمد السنوسي. هناك نوعية أخرى من الفنانين تعاني حصاراً من نوع آخر تماماً، حصار تضربه عليهم الجغرافيا والثقافة أولاً، والاقتصاد والسياسة ثانياً. يتعلق الأمر بزمرة الفنانين «العصاميين الفطريين» الذين نثروا وينثرون الفرجة في كل ربوع المغرب، ويكدّسون الأنغام والأشعار والحكايات على إسفلت «جامع الفنا»، الساحة الأشهر في المغرب، والمصنفة تراثاً إنسانياً من طرف اليونسكو، هؤلاء الذين يُطلق عليهم في اللغة المحكية المغربية «لْحْلَايْقِيَّة»، بحيث يتوسط الواحد منهم حلقة من المتفرجين، ويشرع مقدماً عروضه اليهم، ويقطع العرض بين الفينة والأخرى لاستخلاص «اجرة العرض».
مدينة مراكش وفضلاً عن موقعها الهام ضمن العواصم التي صنعت تاريخ العالم في العصور السابقة، هي أيضاً ذات مكانة في أذهان كل من زارها. فلا شك في أن ذلك الصخب المنبعث من ساحة جامع الفنا، الممزوج بروائح المطبوخات على الأسلوب المغربي، لا شك في أنه يمارس نوعاً من السحر على كل زائر، ويُغريه بالتقدم صوب لبّ الموضوع، اتجاه الفرجة. فساحة جامع الفنا تضم أنواعاً من الموسيقى، بحيث تجعل أذن السامع تحار بين طرب أهل المشرق وأهل الأندلس الفقيدة، وبين أهازيج الأفارقة وترانيم الأمازيغ. فكل ألوان الموسيقى موجودة هناك، تمتزج أحياناً في الغناء الشعبي المغربي وطرب الملحون، وتحتفظ بميزاتها الأصلية أحياناً أخرى في أغاني «كناوة» وفي الموسيقى الأمازيغية الأصلية.
أما فنون العرض الأخرى فلها مكانها، يجد الزائر ما يشاء، يجد الحكاية الشعبية، والحكي المتغني بالسيرة النبوية. ويجد أيضاً الدراما وفنون التمثيل، وعلاوة على ذلك يجد الألعاب المسلية بجميع أنواعها، وملاعبي القرود والأفاعي. كل ذلك فضلاً عن المطاعم المنثورة على جنبات ووسط الساحة، وعربات بيع المشروبات. كل ذلك موجود في الساحة يشكل سيمفونية تمسك آلاتها قرون طويلة، أو ثوباً بألوان زاهية نسجت خيوطه السنون. وتغذي الساحة عشرات الطرق الضيقة التي تخترق المدينة القديمة، وتربط أبوابها الكبرى بعضها ببعض، وكأني بمن خطط هذه المدينة يريد أن يقول لنا إن الربط بين الثقافات لا يحتاج أكثر من أسوار تحصّن تلك الثقافات من الغزاة، وطرق هي الشرايين التي تُضخ عبرها المعاني المختلفة.
لكن الغريب في كل هذا أن مَن يقدّمون كل أنواع تلك الفرجة هم فنانون من نوع مختلف، هؤلاء الذين لولا فنونهم لاستحالت الساحة مجرّد معبر فسيح تعضّ الدكاكين والمقاهي على جنباته. يسمّى هؤلاء في الدارجة المغربية «الحلايقية»، ومعناها أنهم يمتهنون عملاً قوامه جعل الناس يشكلون حلقة حول «الحلايقي»، وذلك لأنهم يقدمون نوعاً ما من أنواع الفرجة، الأمر الذي يثير فضول المارة أو الباحثين عن تزجية الوقت، وقانون الفرجة يقوم على تشكيل حلقة حول شخص يدعو إلى ذلك، ومن حين لآخر يطلب مقابلاً للفرجة التي يقدّمها، وهو شكل أشبه بما يُعرف في مصر بـ «الحاوي»، إلا أن «الحلايقي» في المغرب وفي مراكش تحديداً، لا يكون ملاعِب أفاعٍ فقط، وإنما قد يكون موسيقياً أو حكواتياً أو ممثلاً أو رياضياً أو مونولوجست، أو معالجاً روحانياً، أو غير ذلك.
وفي حقيقة الأمر هؤلاء الفنانون لا يتلقون تكويناً أكاديمياً في الفنون التي يمارسونها، وإنما يكون تكويناً تقليدياً نابعاً من ممارساتهم الهاوية في سنوات طفولتهم وشبابهم، إلى جانب أنهم يتدرّبون بشكل كبير على تقنيات جذب المشاهدين، فكل عملهم يقوم على المراهنة على جذب أكبر كمٍّ ممكن، وذلك لتحصيل اكبر عدد من التعويضات، إذ مهما كان عدد المتحلقين كبيراً فالقسم الأكبر منه يغادر بمجرد طلب «الحلايقي» تعويضاً عن الفرجة التي قدّمها. وزيادة على ذلك فهذه الفئة من الفنانين، تعيش وضعية خاصة فيما يتعلق بنظر المجتمع إليها، فسواء كان الواحد منهم ممتهناً لـ «الحلقة» وحدها، أم يزاوج بينها وبين تنشيط الأعراس والحفلات، أو يقصر امتهانه على هذه الأخيرة فقط، في جميع الأحوال، هم فئات من المجتمع المغربي تعيش نوعاً من الإقصاء الاجتماعي والثقافي، وينظر إليهم غالباً بازدراء وبدونية.
في حقيقة الأمر، لا يخلو مجتمع عربي من تلك النظرة لفئات شبيهة، لنا مثلاً أن نقيس تلك الحالة على نظرة المشارقة إلى الراقصة، والى «الأراجوز» أو «البلياتشو». وهي نظرة يصلح لفهمها استخدام النموذج التفسيري الذي ابتدعه الدكتور عبد الوهاب المسيري، يتعلق الأمر بما يسمّيه المفكر الراحل بـ «الجماعية الوظيفية». فالمجتمعات قد تكون في حاجة إلى جماعات معينة من الناس، لكنها تستهجنها وتقصيها وتنظر إليها بازدراء، وقد طبق الدكتور المسيري ذلك النموذج على الصهيونية، لكنه أشار إلى انه يصلح لفهم وضعيات جماعات كثيرة أخرى كالعاهرات مثلاً. ولذلك فالمجتمع المغربي بقدر حاجته إلى هؤلاء الفنانين بقدر ازدرائه لهم، شأن ازدراء المجتمعات الغربية القديمة لجماعات الغجر.
ومبعث ذلك الازدراء لهؤلاء الفنانين هو عدة أسباب متداخلة، بحيث منها الظاهر ومنها الخفي. فأسلوب التكسب من الفرجة، يعتبره المجتمع المغربي تسولاً، وهو من حيث المبدأ شبيه بدفع تذكرة العرض المسرحي أو السينمائي في شباك التذاكر قبل ولوج القاعة، لكن استهجان أسلوب «الحلايقي» في استخلاص أجرته، ربما هو ناجم عن شرخ حدث لدى المغربي بين بريق التنظيم الذي جاءت به الحداثة الغربية، ومن بين أوجهه أسلوب تسليع الفرجة المغاير لأسلوب «الحلايقي»، زيادة على جنوح المغربي إلى تبني الموقف الديني من التسوّل، وإسقاطه لاستهجان «اليد السفلى» على أسلوب استخلاص «الحلايقي» لأجرته. ولذلك يبقى استهجان المغربي، كما أي عربي مسلم، للفنانين المعاصرين مرتبطاً فقط باستهجان العري وخدش الحياء مع الإصرار على الاستمتاع بما ينتجه ذلك الفن.
وفضلاً عن أن ذلك الاستهجان مرتبط باستهجان التقليد الناتج عن انبهار بالحداثة، هو استهجان أيضاً آتٍ من موقف ملتبس وغير متفق عليه في الموروث الفقهي من الفن عموماً. أما بخصوص الخلفيات الاجتماعية لهؤلاء الفنانين، فالأكيد لولا أنهم في أغلبهم لم يتلقوا تعليماً عصرياً وفي كثير من الأحيان لم يتلقَّ الكثير منهم تعليماً من أي نوع، إضافة إلى الواقع الاجتماعي المزري، وبالطبع لولا ذلك الواقع زيادة على المواهب التي يتمتع بها هؤلاء لما كان في جامع الفنا فنان واحد. بل إنه يستحيل على أي بلد أن يستنسخ تجربة «جامع الفنا»، بما هي ساحة صامدة أمام الزمن، وهو صمود لا يهدّده سوى تآكل الجيل الحالي من «الحلايقية» وعدم وجود جيل يخلفهم، فأغلبهم يبعدون أبناءهم عن مزاولة مهنة «الحلقة» التي هي بالنسبة لهم مجرد تعب ومهانة وشح المردود، الأمر الذي يضع كل زخم الساحة على محك المقبل من الأيام.
يعود الفضل لبديع الزمان الهمذاني في جعل ممتهني «الكدية» أبطالاً، كبطولة أبي الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان، فقد كان الواقع الاجتماعي في تلك الفترة مُفرزاً لهذه الفئة من الفنانين والعباقرة ممن يبيعون الذهول مقابل المال، لكن لم يجرِ الاحتفاء بنضالهم المستميت لتفجير الفرجة من ألم المعيش، وإنما جرى استهجانهم والركض وراء ما يقدّمونه. وقياساً على ذلك بقيت «الحلقة» في المغرب مساحة مهجورة من الدولة، والتي إذا حسنت وضعية «الحلايقية» فهي تخشى تقاعسهم بعد زوال الدافع، ومهجورة من الدراسة الانثروبولوجية، ومتروكة لعوامل التعرية الثقافية والسوسيولوجية والاقتصادية، بما ينذر باضمحلال إرث إنساني، وكأنه جرى تصنيفه كذلك توقيعاً على شهادة وفاته.
مدينة مراكش وفضلاً عن موقعها الهام ضمن العواصم التي صنعت تاريخ العالم في العصور السابقة، هي أيضاً ذات مكانة في أذهان كل من زارها. فلا شك في أن ذلك الصخب المنبعث من ساحة جامع الفنا، الممزوج بروائح المطبوخات على الأسلوب المغربي، لا شك في أنه يمارس نوعاً من السحر على كل زائر، ويُغريه بالتقدم صوب لبّ الموضوع، اتجاه الفرجة. فساحة جامع الفنا تضم أنواعاً من الموسيقى، بحيث تجعل أذن السامع تحار بين طرب أهل المشرق وأهل الأندلس الفقيدة، وبين أهازيج الأفارقة وترانيم الأمازيغ. فكل ألوان الموسيقى موجودة هناك، تمتزج أحياناً في الغناء الشعبي المغربي وطرب الملحون، وتحتفظ بميزاتها الأصلية أحياناً أخرى في أغاني «كناوة» وفي الموسيقى الأمازيغية الأصلية.
أما فنون العرض الأخرى فلها مكانها، يجد الزائر ما يشاء، يجد الحكاية الشعبية، والحكي المتغني بالسيرة النبوية. ويجد أيضاً الدراما وفنون التمثيل، وعلاوة على ذلك يجد الألعاب المسلية بجميع أنواعها، وملاعبي القرود والأفاعي. كل ذلك فضلاً عن المطاعم المنثورة على جنبات ووسط الساحة، وعربات بيع المشروبات. كل ذلك موجود في الساحة يشكل سيمفونية تمسك آلاتها قرون طويلة، أو ثوباً بألوان زاهية نسجت خيوطه السنون. وتغذي الساحة عشرات الطرق الضيقة التي تخترق المدينة القديمة، وتربط أبوابها الكبرى بعضها ببعض، وكأني بمن خطط هذه المدينة يريد أن يقول لنا إن الربط بين الثقافات لا يحتاج أكثر من أسوار تحصّن تلك الثقافات من الغزاة، وطرق هي الشرايين التي تُضخ عبرها المعاني المختلفة.
لكن الغريب في كل هذا أن مَن يقدّمون كل أنواع تلك الفرجة هم فنانون من نوع مختلف، هؤلاء الذين لولا فنونهم لاستحالت الساحة مجرّد معبر فسيح تعضّ الدكاكين والمقاهي على جنباته. يسمّى هؤلاء في الدارجة المغربية «الحلايقية»، ومعناها أنهم يمتهنون عملاً قوامه جعل الناس يشكلون حلقة حول «الحلايقي»، وذلك لأنهم يقدمون نوعاً ما من أنواع الفرجة، الأمر الذي يثير فضول المارة أو الباحثين عن تزجية الوقت، وقانون الفرجة يقوم على تشكيل حلقة حول شخص يدعو إلى ذلك، ومن حين لآخر يطلب مقابلاً للفرجة التي يقدّمها، وهو شكل أشبه بما يُعرف في مصر بـ «الحاوي»، إلا أن «الحلايقي» في المغرب وفي مراكش تحديداً، لا يكون ملاعِب أفاعٍ فقط، وإنما قد يكون موسيقياً أو حكواتياً أو ممثلاً أو رياضياً أو مونولوجست، أو معالجاً روحانياً، أو غير ذلك.
وفي حقيقة الأمر هؤلاء الفنانون لا يتلقون تكويناً أكاديمياً في الفنون التي يمارسونها، وإنما يكون تكويناً تقليدياً نابعاً من ممارساتهم الهاوية في سنوات طفولتهم وشبابهم، إلى جانب أنهم يتدرّبون بشكل كبير على تقنيات جذب المشاهدين، فكل عملهم يقوم على المراهنة على جذب أكبر كمٍّ ممكن، وذلك لتحصيل اكبر عدد من التعويضات، إذ مهما كان عدد المتحلقين كبيراً فالقسم الأكبر منه يغادر بمجرد طلب «الحلايقي» تعويضاً عن الفرجة التي قدّمها. وزيادة على ذلك فهذه الفئة من الفنانين، تعيش وضعية خاصة فيما يتعلق بنظر المجتمع إليها، فسواء كان الواحد منهم ممتهناً لـ «الحلقة» وحدها، أم يزاوج بينها وبين تنشيط الأعراس والحفلات، أو يقصر امتهانه على هذه الأخيرة فقط، في جميع الأحوال، هم فئات من المجتمع المغربي تعيش نوعاً من الإقصاء الاجتماعي والثقافي، وينظر إليهم غالباً بازدراء وبدونية.
في حقيقة الأمر، لا يخلو مجتمع عربي من تلك النظرة لفئات شبيهة، لنا مثلاً أن نقيس تلك الحالة على نظرة المشارقة إلى الراقصة، والى «الأراجوز» أو «البلياتشو». وهي نظرة يصلح لفهمها استخدام النموذج التفسيري الذي ابتدعه الدكتور عبد الوهاب المسيري، يتعلق الأمر بما يسمّيه المفكر الراحل بـ «الجماعية الوظيفية». فالمجتمعات قد تكون في حاجة إلى جماعات معينة من الناس، لكنها تستهجنها وتقصيها وتنظر إليها بازدراء، وقد طبق الدكتور المسيري ذلك النموذج على الصهيونية، لكنه أشار إلى انه يصلح لفهم وضعيات جماعات كثيرة أخرى كالعاهرات مثلاً. ولذلك فالمجتمع المغربي بقدر حاجته إلى هؤلاء الفنانين بقدر ازدرائه لهم، شأن ازدراء المجتمعات الغربية القديمة لجماعات الغجر.
ومبعث ذلك الازدراء لهؤلاء الفنانين هو عدة أسباب متداخلة، بحيث منها الظاهر ومنها الخفي. فأسلوب التكسب من الفرجة، يعتبره المجتمع المغربي تسولاً، وهو من حيث المبدأ شبيه بدفع تذكرة العرض المسرحي أو السينمائي في شباك التذاكر قبل ولوج القاعة، لكن استهجان أسلوب «الحلايقي» في استخلاص أجرته، ربما هو ناجم عن شرخ حدث لدى المغربي بين بريق التنظيم الذي جاءت به الحداثة الغربية، ومن بين أوجهه أسلوب تسليع الفرجة المغاير لأسلوب «الحلايقي»، زيادة على جنوح المغربي إلى تبني الموقف الديني من التسوّل، وإسقاطه لاستهجان «اليد السفلى» على أسلوب استخلاص «الحلايقي» لأجرته. ولذلك يبقى استهجان المغربي، كما أي عربي مسلم، للفنانين المعاصرين مرتبطاً فقط باستهجان العري وخدش الحياء مع الإصرار على الاستمتاع بما ينتجه ذلك الفن.
وفضلاً عن أن ذلك الاستهجان مرتبط باستهجان التقليد الناتج عن انبهار بالحداثة، هو استهجان أيضاً آتٍ من موقف ملتبس وغير متفق عليه في الموروث الفقهي من الفن عموماً. أما بخصوص الخلفيات الاجتماعية لهؤلاء الفنانين، فالأكيد لولا أنهم في أغلبهم لم يتلقوا تعليماً عصرياً وفي كثير من الأحيان لم يتلقَّ الكثير منهم تعليماً من أي نوع، إضافة إلى الواقع الاجتماعي المزري، وبالطبع لولا ذلك الواقع زيادة على المواهب التي يتمتع بها هؤلاء لما كان في جامع الفنا فنان واحد. بل إنه يستحيل على أي بلد أن يستنسخ تجربة «جامع الفنا»، بما هي ساحة صامدة أمام الزمن، وهو صمود لا يهدّده سوى تآكل الجيل الحالي من «الحلايقية» وعدم وجود جيل يخلفهم، فأغلبهم يبعدون أبناءهم عن مزاولة مهنة «الحلقة» التي هي بالنسبة لهم مجرد تعب ومهانة وشح المردود، الأمر الذي يضع كل زخم الساحة على محك المقبل من الأيام.
يعود الفضل لبديع الزمان الهمذاني في جعل ممتهني «الكدية» أبطالاً، كبطولة أبي الفتح الإسكندري في مقامات بديع الزمان، فقد كان الواقع الاجتماعي في تلك الفترة مُفرزاً لهذه الفئة من الفنانين والعباقرة ممن يبيعون الذهول مقابل المال، لكن لم يجرِ الاحتفاء بنضالهم المستميت لتفجير الفرجة من ألم المعيش، وإنما جرى استهجانهم والركض وراء ما يقدّمونه. وقياساً على ذلك بقيت «الحلقة» في المغرب مساحة مهجورة من الدولة، والتي إذا حسنت وضعية «الحلايقية» فهي تخشى تقاعسهم بعد زوال الدافع، ومهجورة من الدراسة الانثروبولوجية، ومتروكة لعوامل التعرية الثقافية والسوسيولوجية والاقتصادية، بما ينذر باضمحلال إرث إنساني، وكأنه جرى تصنيفه كذلك توقيعاً على شهادة وفاته.
ملصقات
اقرأ أيضاً
ادريس الاندلسي يكتب لـ”كشـ24″: ميناء ” الخزيرات” ومعركة منافسة طنجة المتوسط
ساحة
ساحة
نهضة بركان يفك ارتباطه بالمدرب أمين الكرمة
ساحة
ساحة
جعفر الكنسوسي يكتب.. المدينة العتيقة، ميراث من الماضي وكنز للمستقبل
ساحة
ساحة
المحطة الطرقية العزوزية.. مآل الإفتتاح ضائع بين حماس المتفائلين و أسئلة المتشائمين
ساحة
ساحة
الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تتوج أفضل رياضيي سنة 2023
ساحة
ساحة
في اليوم العالمي لذوي الإعاقة.. يدير اكيندي يكتب عن الاجتهادات القضائيّة بالمغرب
ساحة
ساحة
الدكتور حمضي يكشف تفاصيل عن الدواء الجديد لعلاج السمنة
ساحة
ساحة