علي أنوزلا يكتب: نفاق السلطة والمجتمع خلال شهر رمضان في المغرب
كشـ24
نشر في: 17 يونيو 2016 كشـ24
مع حلول كل شهر رمضان في المغرب يثار النقاش من جديد حول الإفطار العلني، ما بين دعاته وبين من يجرمونه وما بين الحقوقيين الذين يقفون بين الفريقين مدافعين عن الحق في حرية المعتقد وحماية الحرية الشخصية.
دعاة الإفطار العلني في رمضان هم السباقين إلى إثارة هذا النقاش، وأصبحت لهم حركة تمثلهم هي حركة "مالي"، غير معترف بها من طرف السلطة، تدافع عن الحريات الشخصية ومن بينها الحق في الإفطار العلني في شهر رمضان. ويعود الفضل في إثارة هذا النقاش إلى نشطاء هذه الحركة عندما أعلنوا عام 2009 على تنظيم رحلة للإفطار علانية في أحد الأماكن العمومية في بإحدى المدن المغربية، وهو ما رأى فيه مناهضو هذه الدعوة استفزازا لأغلبية الصائمين، فتدخلت الدولة مستعملة عصا القانون الذي يعاقب بالسجن كل من أفطر علانية.
أما مناهضو الإفطار علانية فهم أغلبية الصائمين، وعلى رأسهم بعض الفقهاء الغلاة الذين يرون في الإفطار العلني استفزازا لمشاعر المسلم وسخرية واستهزاء من عباداته، ويطالبون بتشديد أقسى العقوبات على المفطرين علانية، هذا إذا لم يسبقهم عموم الصائمين إلى تنزيل عقوبات يدوية مباشرة على المفطرين علانية.
وما بين الفريقين يقف الحقوقيين الذين يسعون إلى أن يكون القانون هو الفيصل بينهما. لكن القانون في هذه الحالة غير منصف فهو ينتصر لمناهضي الإفطار العلني من خلال مادة وضعها المستعمر الفرنسي في بداية القرن الماضي، كانت تخص جنوده والمعمرين الفرنسيين، تمنع عليهم الإفطار العلني في شهر الصيام حتى لا يستفزوا عموم الصائمين المغاربة، وبقيت هذه المادة، حتى بعد أن ذهب المستعمر، يحاكم بها كل أفطر علانية من المغاربة ولا تسري على السياح، مع أنها وضعت أصلا لدعوة الأجانب إلى احترام مشاعر الصائمين المغاربة.
وتتلخص مطالب الحقوقيين في إلغاء هذه المادة، والكف عن قمع المجاهرين بإفطارهم وتوفير الحماية القانونية لهم ليمارسوا حريتهم، وفي مقابل ذلك سن القوانين التي تحمي حرية المعتقد وتعاقب كل شخص يريد أن يفرض معتقداته على الآخرين أو يسعى إلى السخرية والتهكم من معتقداتهم.
لكن، وفي كل سنة ينزاح النقاش عن سكته الحقوقية من طرف متطرفين من الفريقين، ممن يحولون الإفطار العلني إلى حركات استفزازية لمشاعر عموم الصائمين، وممن يطالبون بتنزيل أقصى العقوبات بكل من أفطر علانية بل ويذهبون إلى حد تكفيره ووصفه بالضال والمارق عن الدين. وحتى هذا النقاش كان يمكن أن يعتبر طبيعيا بما أنه لا يمكن إقصاء الغلاة من إبداء آرائهم، في إطار حرية الرأي والتعبير، ما داموا لا يلجئون إلى استعمال العنف أو الاستفزاز لفرض آرائهم.
أما ما هو مستفز حقا فهو تصرف الدولة، التي تملك حق "العنف الشرعي"، عندما تستعمل هذا العنف مستندة على قانون متخلف ورثته عن المستعمر لملاحقة الناس في تصرفاتهم الفردية ومحاسبتهم على سلوكياتهم الشخصية خلال شهر الصيام، مسايرة للعامة وبعض الدهماء الذين يرون في كل مٌفطر "كافر" يجب قتله.
هذا التصرف الصادر عن الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية والقضائية وفي بعض خطباء مساجدها الرسمية، يكشف عن نفاق كبير في سلوكها. أليست هي نفس الدولة التي ترخص لبيع الخمر وفتح الحانات طيلة شهور السنة وتصدر أوامرها بإغلاقها خلال شهر الصيام، وكان بيع وشرب الخمر، حلال في الإسلام، خارج شهر الصيام؟
كما أن ردة فعل المجتمع أو على الأقل بعض أفراده، ينم عن نفاق كبير وانفصام خطير في الشخصية لدى أشخاص يكشفون عن سلوكيات عدوانية مرضية ضد أشخاص آخرين فقط لأنهم غير صائمين مثلهم. وهذا السلوك تحول في المغرب، في السنوات الأخيرة، إلى ظاهرة اجتماعية مرضية، بسبب التخلف الفكري والثقافي وقلة الوعي الحقوقي وأيضا بسبب التعليم الديني المحافظ الذي تسللت إلى برامجه أفكار متزمتة مستوردة من الخارج.
وإلا كيف نفسر حالة المجتمع الذي يسكت طيلة أشهر السنة عن ما يمكن اعتباره مخالفا لتعاليم الشريعة من بيع وشرب الخمور، وممارسة للدعارة بكل أنواعها، والفساد بكل تجلياته الأخلاقي والمالي والسياسي، ويقبل قمع السلطة وفساد رموزها، ويسكت على مصادرة حقوقه وحرياته الأساسية وتزوير إرادته السياسية.. ولا يرتفع صوته إلا عندما يقوم شاب بتدخين سيجارة في شرفة عمارة، أو تقوم شابة بتقبيل صديقها خلف سلم عمارتها!
إن ما يشجع على تنامي مثل هذه السلوكيات المرضية داخل المجتمع المغربي هي السلطة التي تجاريهم بتفعيل قوانينها المتخلفة، إنها نفس السلطة التي تحارب الإسلاميين عندما يعبرون عن آرائهم السياسية، تتحول إلى "هيئة للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف" خلال شهر رمضان. إنها نفس السلطة التي تدعى الحداثة طيلة السنة وتحمل عصا "المطوعين" خلال شهر رمضان.
لقد تحول الصيام في المغرب إلى طقوس وظاهرة اجتماعية أكثر مما هو عبادة. طقوس تتجسد في الأكل والشرب واللباس والهجوم على المساجد والمقاهي ليلا، وشد الأعصاب نهارا وتنامي منسوب العدوانية في السلوك الفردي مما يؤدى إلى ارتفاع مستوى الجريمة خلال هذا الشهر.. كل هذا يجري بتزكية وحماية من سلطة منافقة تلعب بالنار!
مع حلول كل شهر رمضان في المغرب يثار النقاش من جديد حول الإفطار العلني، ما بين دعاته وبين من يجرمونه وما بين الحقوقيين الذين يقفون بين الفريقين مدافعين عن الحق في حرية المعتقد وحماية الحرية الشخصية.
دعاة الإفطار العلني في رمضان هم السباقين إلى إثارة هذا النقاش، وأصبحت لهم حركة تمثلهم هي حركة "مالي"، غير معترف بها من طرف السلطة، تدافع عن الحريات الشخصية ومن بينها الحق في الإفطار العلني في شهر رمضان. ويعود الفضل في إثارة هذا النقاش إلى نشطاء هذه الحركة عندما أعلنوا عام 2009 على تنظيم رحلة للإفطار علانية في أحد الأماكن العمومية في بإحدى المدن المغربية، وهو ما رأى فيه مناهضو هذه الدعوة استفزازا لأغلبية الصائمين، فتدخلت الدولة مستعملة عصا القانون الذي يعاقب بالسجن كل من أفطر علانية.
أما مناهضو الإفطار علانية فهم أغلبية الصائمين، وعلى رأسهم بعض الفقهاء الغلاة الذين يرون في الإفطار العلني استفزازا لمشاعر المسلم وسخرية واستهزاء من عباداته، ويطالبون بتشديد أقسى العقوبات على المفطرين علانية، هذا إذا لم يسبقهم عموم الصائمين إلى تنزيل عقوبات يدوية مباشرة على المفطرين علانية.
وما بين الفريقين يقف الحقوقيين الذين يسعون إلى أن يكون القانون هو الفيصل بينهما. لكن القانون في هذه الحالة غير منصف فهو ينتصر لمناهضي الإفطار العلني من خلال مادة وضعها المستعمر الفرنسي في بداية القرن الماضي، كانت تخص جنوده والمعمرين الفرنسيين، تمنع عليهم الإفطار العلني في شهر الصيام حتى لا يستفزوا عموم الصائمين المغاربة، وبقيت هذه المادة، حتى بعد أن ذهب المستعمر، يحاكم بها كل أفطر علانية من المغاربة ولا تسري على السياح، مع أنها وضعت أصلا لدعوة الأجانب إلى احترام مشاعر الصائمين المغاربة.
وتتلخص مطالب الحقوقيين في إلغاء هذه المادة، والكف عن قمع المجاهرين بإفطارهم وتوفير الحماية القانونية لهم ليمارسوا حريتهم، وفي مقابل ذلك سن القوانين التي تحمي حرية المعتقد وتعاقب كل شخص يريد أن يفرض معتقداته على الآخرين أو يسعى إلى السخرية والتهكم من معتقداتهم.
لكن، وفي كل سنة ينزاح النقاش عن سكته الحقوقية من طرف متطرفين من الفريقين، ممن يحولون الإفطار العلني إلى حركات استفزازية لمشاعر عموم الصائمين، وممن يطالبون بتنزيل أقصى العقوبات بكل من أفطر علانية بل ويذهبون إلى حد تكفيره ووصفه بالضال والمارق عن الدين. وحتى هذا النقاش كان يمكن أن يعتبر طبيعيا بما أنه لا يمكن إقصاء الغلاة من إبداء آرائهم، في إطار حرية الرأي والتعبير، ما داموا لا يلجئون إلى استعمال العنف أو الاستفزاز لفرض آرائهم.
أما ما هو مستفز حقا فهو تصرف الدولة، التي تملك حق "العنف الشرعي"، عندما تستعمل هذا العنف مستندة على قانون متخلف ورثته عن المستعمر لملاحقة الناس في تصرفاتهم الفردية ومحاسبتهم على سلوكياتهم الشخصية خلال شهر الصيام، مسايرة للعامة وبعض الدهماء الذين يرون في كل مٌفطر "كافر" يجب قتله.
هذا التصرف الصادر عن الدولة ممثلة في أجهزتها الأمنية والقضائية وفي بعض خطباء مساجدها الرسمية، يكشف عن نفاق كبير في سلوكها. أليست هي نفس الدولة التي ترخص لبيع الخمر وفتح الحانات طيلة شهور السنة وتصدر أوامرها بإغلاقها خلال شهر الصيام، وكان بيع وشرب الخمر، حلال في الإسلام، خارج شهر الصيام؟
كما أن ردة فعل المجتمع أو على الأقل بعض أفراده، ينم عن نفاق كبير وانفصام خطير في الشخصية لدى أشخاص يكشفون عن سلوكيات عدوانية مرضية ضد أشخاص آخرين فقط لأنهم غير صائمين مثلهم. وهذا السلوك تحول في المغرب، في السنوات الأخيرة، إلى ظاهرة اجتماعية مرضية، بسبب التخلف الفكري والثقافي وقلة الوعي الحقوقي وأيضا بسبب التعليم الديني المحافظ الذي تسللت إلى برامجه أفكار متزمتة مستوردة من الخارج.
وإلا كيف نفسر حالة المجتمع الذي يسكت طيلة أشهر السنة عن ما يمكن اعتباره مخالفا لتعاليم الشريعة من بيع وشرب الخمور، وممارسة للدعارة بكل أنواعها، والفساد بكل تجلياته الأخلاقي والمالي والسياسي، ويقبل قمع السلطة وفساد رموزها، ويسكت على مصادرة حقوقه وحرياته الأساسية وتزوير إرادته السياسية.. ولا يرتفع صوته إلا عندما يقوم شاب بتدخين سيجارة في شرفة عمارة، أو تقوم شابة بتقبيل صديقها خلف سلم عمارتها!
إن ما يشجع على تنامي مثل هذه السلوكيات المرضية داخل المجتمع المغربي هي السلطة التي تجاريهم بتفعيل قوانينها المتخلفة، إنها نفس السلطة التي تحارب الإسلاميين عندما يعبرون عن آرائهم السياسية، تتحول إلى "هيئة للنهي عن المنكر والأمر بالمعروف" خلال شهر رمضان. إنها نفس السلطة التي تدعى الحداثة طيلة السنة وتحمل عصا "المطوعين" خلال شهر رمضان.
لقد تحول الصيام في المغرب إلى طقوس وظاهرة اجتماعية أكثر مما هو عبادة. طقوس تتجسد في الأكل والشرب واللباس والهجوم على المساجد والمقاهي ليلا، وشد الأعصاب نهارا وتنامي منسوب العدوانية في السلوك الفردي مما يؤدى إلى ارتفاع مستوى الجريمة خلال هذا الشهر.. كل هذا يجري بتزكية وحماية من سلطة منافقة تلعب بالنار!