“طْرْف دْيال لْخُبزْ”..عندما تَعبس مراكش في وجوه البسطاء
كشـ24
نشر في: 27 فبراير 2016 كشـ24
كثيرًا ما حضرت مراكش في الأفلام الوثائقية والدرامية، بوصفها أشهر مدينة سياحية في المغرب، يسافر إليها الآلاف سنويًا للاستمتاع بشمسها القوية وبمآثرها التاريخية وبتراثها الشعبي الآخاذ. غير أن المدينة الحمراء التي تقدم للزائر أجواء من ألف ليلة وليلة قد لا يعثر عليها في مكان آخر، ليست فقط عنوانًا للمتعة والأوقات الجميلة، بل تعدّ كذلك عنوانًا للفقر والحاجة.. ومساحة لمغاربة يقضون اليوم بطوله بحثًا عن "طرف ديال الخبز"
في هذا الفيلم الوثائقي الذي أخرجه المغربي هشام اللدقي تحت عنوان "طرف ديال لخبز" (بالفرنسية اختار له عنوان la route du pain)، يتعرّف المشاهد على مراكش أخرى ترتدي جبة البؤس والشقاء.. مغاربة يقضون اليوم كاملًا في بعض ساحاتها بحثًا عن فرصة عمل يومية تسمح لهم بجلب خبزة وقفة خضار لبيوتهم الصغيرة. بينهم عمال البناء والصباغة والنجارة والترصيص وخادمات البيوت. كلهم ينتظرون زبونًا ما ينادي عليهم فيتجمعون حوله مستعرضين مؤهلاتهم فيما يقومون به، حتى وإن ثمن العمل لا يتجاوز 60 أو 70 درهما.
الكثير من الصمت الناطق في هذا الفيلم، مَشاهد لمغاربة يغالبون الزمن ويعيشون يومًا بيوم، كل همهم هو قفة المساء وفي الغد حديث آخر. هناك منهم من يقضي الأسابيع دون أن يحظى بفرصة واحدة لإدخال بعض الدراهم إلى جيبه، ورغم ذلك، عندما يعود إلى منازله ليلًا، يلعب مع أطفالهم ويبتسم في وجوههم، بل وحتى يراجع معهم دروسهم بكثير من الحب.
في منازل الفقراء "العطاشة"، قنينة غاز صغيرة يُطهى فوقها قدر لا يحمل سوى البطاطس والماء والقليل من الزيتون، هو غذاء خمسة أفواه جائعة، يرسم الأب ابتسامة على شفاهه وهو يحاول أن يتناسى أن ابنه يحتاج إلى محفظة جديدة بعدما مُزقت آخر واحدة، وأن صاحب الكراء لن ينتظره أكثر وقد يُشهر في حقه البطاقة الحمراء، وأن فواتير الكهرباء تنتظر الأداء وإلّا فقد تعيش أسرته في ظلام الليل. ومع كل هذا، تكون ضحكة الطفل الصغير كافية كي ينسى الأب كل هذه الأوجاع.
في هذه البيوت الفقيرة التي يتحوّل فيها معجون الأسنان إلى دواء لكل الجروح، يستريح المعيل من تعب يوم قضاه كله في الانتظار، يتناول مع أبنائه ما تيّسر من طعام بعدما بقي اليوم بطوله جائعًا في الساحة. لا أحد من هؤلاء الفقراء يهتم للسياح أو يبحث في جيوبهم عن قطع أورو تساعد على الحياة، بل كل همهم أن ينادي عليهم مغربي أو مقيم ما، لإصلاح أو بناء جدار ما في بيته، أو في أحسن الأحوال، أن ينادي عليهم مقاول ما للمساهمة في تشييد شقق الشركات العقارية المعروفة.. تلك التي تبيع لك السعادة بالكثير من الملايين.
تميّز هذا الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى في الدورة السابعة من المهرجان الدولي للفيلم بأكادير، يظهر في تقديمه لمراكش من وجهة نظر مغايرة تمامًا.. ليست هي مدينة البهجة والفرحة والمتعة كما تقدم دائمًا.. هي كذلك مدينة الفقراء شأنها في ذلك شأن غالبية المدن المغربية.. خاصة أولئك الفقراء الذين لا تدافع عنهم نقابة أو جمعية حقوقية أو حزب سياسي، إنهم أولئك "العطاشة" الذين يقتاتون يوميًا على البركة.. منهم ذلك العجوز الذي يحمل فوق ظهره أكياس الإسمنت ويصعد بها في السلم.. منهم ذلك الكهل الذي تحوّل غصبًا عنه إلى نجار وحداد وعامل بناء.. منهم تلك المرأة التي تركت صغارها لوحدهم في البيت وجلست فوق حجر في ناحية الشارع، تنتظر زبونًا ما يحتاج لمن "تخمل" له منزله.
فيلم وثائقي واقعي أكثر من الواقعية.. لقطات يومية من معيش المغاربة دون الكثير من التدخل الفني، لا موسيقى تصويرية، لا توضيب متكرر، لا أسئلة من المعد.. كما لو أن هشام اللدقي شغّل الكاميرا وتركها تلتقط للمُشاهد تفاصيل وجع الكثير من أبناء مراكش بعدما حدّد زاوية معيّنة للاشتغال. ممّا يجعل من "طرف ديال لخبز" أحد الأعمال الوثائقية التي صفّق لها الجمهور كثيرًا في هذا الموعد السينمائي الذي تستضيفه مدينة أكادير.
عن هسبريس
كثيرًا ما حضرت مراكش في الأفلام الوثائقية والدرامية، بوصفها أشهر مدينة سياحية في المغرب، يسافر إليها الآلاف سنويًا للاستمتاع بشمسها القوية وبمآثرها التاريخية وبتراثها الشعبي الآخاذ. غير أن المدينة الحمراء التي تقدم للزائر أجواء من ألف ليلة وليلة قد لا يعثر عليها في مكان آخر، ليست فقط عنوانًا للمتعة والأوقات الجميلة، بل تعدّ كذلك عنوانًا للفقر والحاجة.. ومساحة لمغاربة يقضون اليوم بطوله بحثًا عن "طرف ديال الخبز"
في هذا الفيلم الوثائقي الذي أخرجه المغربي هشام اللدقي تحت عنوان "طرف ديال لخبز" (بالفرنسية اختار له عنوان la route du pain)، يتعرّف المشاهد على مراكش أخرى ترتدي جبة البؤس والشقاء.. مغاربة يقضون اليوم كاملًا في بعض ساحاتها بحثًا عن فرصة عمل يومية تسمح لهم بجلب خبزة وقفة خضار لبيوتهم الصغيرة. بينهم عمال البناء والصباغة والنجارة والترصيص وخادمات البيوت. كلهم ينتظرون زبونًا ما ينادي عليهم فيتجمعون حوله مستعرضين مؤهلاتهم فيما يقومون به، حتى وإن ثمن العمل لا يتجاوز 60 أو 70 درهما.
الكثير من الصمت الناطق في هذا الفيلم، مَشاهد لمغاربة يغالبون الزمن ويعيشون يومًا بيوم، كل همهم هو قفة المساء وفي الغد حديث آخر. هناك منهم من يقضي الأسابيع دون أن يحظى بفرصة واحدة لإدخال بعض الدراهم إلى جيبه، ورغم ذلك، عندما يعود إلى منازله ليلًا، يلعب مع أطفالهم ويبتسم في وجوههم، بل وحتى يراجع معهم دروسهم بكثير من الحب.
في منازل الفقراء "العطاشة"، قنينة غاز صغيرة يُطهى فوقها قدر لا يحمل سوى البطاطس والماء والقليل من الزيتون، هو غذاء خمسة أفواه جائعة، يرسم الأب ابتسامة على شفاهه وهو يحاول أن يتناسى أن ابنه يحتاج إلى محفظة جديدة بعدما مُزقت آخر واحدة، وأن صاحب الكراء لن ينتظره أكثر وقد يُشهر في حقه البطاقة الحمراء، وأن فواتير الكهرباء تنتظر الأداء وإلّا فقد تعيش أسرته في ظلام الليل. ومع كل هذا، تكون ضحكة الطفل الصغير كافية كي ينسى الأب كل هذه الأوجاع.
في هذه البيوت الفقيرة التي يتحوّل فيها معجون الأسنان إلى دواء لكل الجروح، يستريح المعيل من تعب يوم قضاه كله في الانتظار، يتناول مع أبنائه ما تيّسر من طعام بعدما بقي اليوم بطوله جائعًا في الساحة. لا أحد من هؤلاء الفقراء يهتم للسياح أو يبحث في جيوبهم عن قطع أورو تساعد على الحياة، بل كل همهم أن ينادي عليهم مغربي أو مقيم ما، لإصلاح أو بناء جدار ما في بيته، أو في أحسن الأحوال، أن ينادي عليهم مقاول ما للمساهمة في تشييد شقق الشركات العقارية المعروفة.. تلك التي تبيع لك السعادة بالكثير من الملايين.
تميّز هذا الفيلم الذي عُرض للمرة الأولى في الدورة السابعة من المهرجان الدولي للفيلم بأكادير، يظهر في تقديمه لمراكش من وجهة نظر مغايرة تمامًا.. ليست هي مدينة البهجة والفرحة والمتعة كما تقدم دائمًا.. هي كذلك مدينة الفقراء شأنها في ذلك شأن غالبية المدن المغربية.. خاصة أولئك الفقراء الذين لا تدافع عنهم نقابة أو جمعية حقوقية أو حزب سياسي، إنهم أولئك "العطاشة" الذين يقتاتون يوميًا على البركة.. منهم ذلك العجوز الذي يحمل فوق ظهره أكياس الإسمنت ويصعد بها في السلم.. منهم ذلك الكهل الذي تحوّل غصبًا عنه إلى نجار وحداد وعامل بناء.. منهم تلك المرأة التي تركت صغارها لوحدهم في البيت وجلست فوق حجر في ناحية الشارع، تنتظر زبونًا ما يحتاج لمن "تخمل" له منزله.
فيلم وثائقي واقعي أكثر من الواقعية.. لقطات يومية من معيش المغاربة دون الكثير من التدخل الفني، لا موسيقى تصويرية، لا توضيب متكرر، لا أسئلة من المعد.. كما لو أن هشام اللدقي شغّل الكاميرا وتركها تلتقط للمُشاهد تفاصيل وجع الكثير من أبناء مراكش بعدما حدّد زاوية معيّنة للاشتغال. ممّا يجعل من "طرف ديال لخبز" أحد الأعمال الوثائقية التي صفّق لها الجمهور كثيرًا في هذا الموعد السينمائي الذي تستضيفه مدينة أكادير.