لعل المتتبعين للشأن الأمني بالمغرب لاحظوا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في عدد الحوادث الأمنية سواء داخل الجهاز أو خارجه الشيء الذي يطرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع .
ومما لاشك فيه فالضغوطات المادية والنفسية تعتبر من بين أكبر المسببات في هذه الأخيرة، وحسب آخر الإحصائيات المتوفرة فقد أقدم أزيد من 10 رجال أمن بمختلف رتبهم من وضع حد لحياتهم بتفريغ مسدس الخدمة في رؤوسهم ما بين ماي 2010 ومارس2013 ، إذن فماهي الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث؟.
يعتبر الجهاز الأمني (بمختلف أسلاكه) من الأجهزة التي بواسطتها ومن خلالها يمكن حفظ أمن واستقرار وطن ما، فرغم المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق هؤلاء الرجال لم نصل بعد كأفراد أو مؤسسات إلى الاعتراف بخدماتهم الجليلة في ضمان أمن واستقرار الوطن رغم كل مايبذلونه من مجهودات محمودة، حيث أصبحت مهنة رجل الأمن من أصعب المهام، نظرا لما تكتسيه من خطورة مهنية، وما تجر من وراءها من أقاويل الناس "المغلوطة" التي ترمز لهم بالعمالة، والرشوة، وتلفيق التهم والزور.....وغيرها من الأوصاف.
فالصورة المرسومة لرجال الأمن في أوساط عامة الشعب تتراوح بين الشفقة والتشفي، فتجد طائفة تشفق لحال هؤلاء الناس نظرا لما يكابدونه من متاعب ومغامرات بأرواحهم وسهر وتفان في خدمة الشعب، بينما تجد الطائفة الأخرى تنتقد وتسب وتشتم لا لشئ سوى أنهم ذات يوم قاموا بواجبهم اتجاههم، هذا دون نسيان الجيل القديم من رجال الأمن الذي لايزال يحتفظ بمفهوم السلطة القديم داخل زنزانة دماغه، وهنا بالضبط يكمن مربط الفرس.
فالتسلط في الحقيقة يعتبر من الأمراض المزمنة التي تنخر الجسم الأمني بالمغرب وخير دليل على ذلك الحادث الأخير بمدينة مشرع بلقصيري الذي راح ضحيته 3 رجال أمن من رتب مختلفة، حيث أن المتهم اتصال بزوجته مخبرا إياها بارتكابه جريمة في حق زملائه في العمل فقال لها:«غير ثيقي، راني قتلت صحابي، وايلا استدعاوك اوسولوك، قولي ليهم مشكيلتي مع الرئيس»،
وظل يكرر «مشكيلتي مع الرئيس».هذا إضافة إلى ماتم تداوله في العديد من المنابر الإعلامية حول احتجازه لعناصر أخرى داخل المفوضية واضعا شرط إطلاق سراحهم بحضور مسؤول أمني من الإدارة المركزية، و يظهر جليا ومن الوهلة الأولى أن المتهم عانى الأمرين مع رئيسه أو رؤسائه السابقين، رغم شكاياته حول مايتعرض له، إلا أنه لم يجد آذانا صاغية لشكواه مما جعله يثير انتباه الجميع بارتكاب تلك الجريمة. فاقدا الثقة في كل من حوله من مسؤولين محليين ،إقليميين ،جهويين، الشيء الذي استدعاه للمطالبة بحضور مسؤول أمني مركزي، عله يجد فيه ضالته وأذنه الصاغية لمشاكله مع رؤسائه رغم فوات الأوان.
فمن هنا يتبين على أن العناصر الأمنية تعاني الأمرين مع رؤسائها خصوصا منهم ذوو العقليات القديمة سلطويا والتي تتشبت بالمقولة القديمة القائلة: «سربيس سربيس كامراد أبري ».
فرجل الأمن هو إنسان بالدرجة الأولى له أحاسيس، مشاعر، يتأثر كباقي بني جنسه، قبل أن يكون أمنيا. لكن الخطير في الأمر أنه لايجد البيئة المناسبة في عمله حتى يشعر بنفسه أنه إنسان يمتلك مايمتلكه بنو جلدته. فالإدارة المركزية للأمن تهمل الجانب النفسي لموظفيها بدرجة كبيرة جدا.
والحال أنها تعلم علم اليقين على أنهم يشتغلون في ظروف جد حساسة وخطيرة فمنهم من يشتغل على الجريمة بمختلف أنواعها، ومنهم من يشتغل على أمن وسلامة الوطن داخل وخارج الحدود. فعوض إخراج مشروع استباقي يهتم بالجانب النفسي لعناصر الأمن بمختلف رتبهم، يتم التفرج على الوضع على ماهو عليه إلى أن وصلنا إلى مثل هذه الحوادث المخيفة . آنذاك تسارع بإرسال متخصصين نفسانيين للوقوف على الأثر النفسي المتسبب في الحادث.
فإذا كان المواطن يأمن لحضور عناصر الأمن فقد أصبح من الصعب أن يبقى هذا الشعور متولدا لديه حيث ستراوده فكرة الحذر منه لأنه قد يفقد أعصابه في أية لحظة مستعملا سلاح الخدمة الناري. فبعد حالات الانتحار داخل مقرات العمل ومحاولات القتل والتهديد، والعراك، والضرب المتبادل داخل المفوضيات بين عناصر الأمن، تأتي حلقة القتل التي لم نعرف لها مثيلا منذ ثمانينيات القرن الماضي.الشيء الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام هل نحن أمام ضرورة خلق جهاز جديد داخل الجهاز الأمني يضطلع بمهمة مراقبة أمن وحفظ سلامة الشرطة ويتتبع مسارها المهني؟ أم أن مثل هذه الحالات عادية وناذرة جدا والناذر لا حكم له؟ .
لايختلف اثنان على أن التكوين المعتمد داخل المعاهد الخاصة بتكوين رجال الشرطة هو تكوين جامع مانع. بل على العكس من ذلك، تتخلله عدة أخطاء وكما يعلم الجميع فالتكوين في الميدان الأمني لا يحتمل الخطأ أبدا، لأن الخطأ الصغير يكلف خسارة كبيرة مادية كانت أو معنوية.
والمعروف أن التلميذ الشرطي قبل ولوجه لسك الشرطة يجتاز اختبارا كتابيا تقاس فيه مؤهلاته وقدراته التحليلية في مواضيع مختلفة وطريقة تعامله مع الموضوع الممتحن فيه وتوظيفه لمعلوماته. وبعد نجاحه لابد من اجتياز الفحص الطبي الذي يتم التركيز فيه على أدق تفاصيل الجانب الصحي وكذا الجسماني إضافة إلى الاختبار البدني ناهيك عن المرور أمام لجنة متخصصة تطرح أسئلة عادية جدا.
هذا دون إغفال جلسة مع أحد المحللين النفسانيين، الذي يطرح أسئلة في الحقيقة لايعرف المراد منها إلا هو(ماهو مستواك الدراسي؟ هل تدخن؟ إذا كان جوابك نعم يسألك، هل تدخن المخدرات أم السيجارة؟، هل تشرب الخمر؟، هل تزني؟.....الخ). إضافة إلى وضعك في مواقف محرجة واضعا سؤاله عن موقفك وطريقة رد فعلك. فهل في الحقيقة مثل هذه الأسئلة تسمح للمحلل النفسي معرفة مايجول بخاطر شرطي المستقبل؟ هل تسمح له تلك الأسئلة بالتنبؤ بصفاء سريرة التلميذ الشرطي؟ هل تمكنه فعلا إجابات التلاميذ من معرفة طريقة رد فعلهم مستقبلا بعد تخرجهم؟ أم أن الأمر ينحاز إلى جانب النسبية والتقدير(على الله أوعليهم صدقات أمين ماصدقاتش الغالب الله).
إن المفارقة العجيبة الغريبة في هذه الاختبارات هي التركيز على الجانب الصحي والبدني أكثر من الجانب النفسي بينما في دول أخرى تعطى أهمية قصوى للجانب النفسي حيث يجتاز المترشح لولوج سلك الشرطة اختبارا مصاغا بطريقة علمية حديثة تمكن من معرفة الخبايا النفسية للوالج لسلك الشرطة وقد صرح أحد الخبراء النفسيين الخاصين بالشرطة على أنه تتم الإجابة على مايزيد عن 1500 سؤال تقني- نفسي عبر الحاسوب الشيء الذي يسمح باستخراج الصورة الحقيقية للمترشح.
بعد ولوج التلميذ الشرطي سلك الشرطة للتكوين أول مايصطلح عليه بالتكوين العسكري الذي لا يعرف عنه إلا ماشاهده في التلفاز أو في إحدى المناسبات الوطنية خلال أداء تحية العلم. فالصرامة الزائدة والقسوة(البيزيطاج) التي يعامل بها حديثوا العهد بالشرطة لمن بين مايرسخ أثرا نفسيا سلبيا لدى شرطي المستقبل مما يجعلنا نشاهد شرطة تستخدم لغة السب والشتم والتخنزير في حواراتها سواء العادية أو المهنية. وكنتيجة لهذا تجد العديد من أبناءهم قد شربوا من نفس الينبوع. (تبع حرفة ابوك لايغلبوك) فبالإضافة إلى التكوين العسكري الذي يتلقاه التلميذ الشرطي نجده يتلقى تكوينا نظريا يخص التربية على المواطنة والقوانين التنظيمية لهيئات الشرطة والقانون المدني والقانون الجنائي.......ناهيك عن التدريب الخاص بفنون الحرب والقتال. لكن الجانب المهم والذي يغفل بشكل كبير هو الجانب التواصلي والذي يجب أن يدرس كمادة أساسية مستقلة خلال فترة التكوين يتسنى للمتدرب من خلالها معرفة طرق التواصل، كسب ثقة الآخر، ثم الانفتاح سواء على محيطه الداخلي أو الخارجي في ما تسمح به قوانين المهنة.
إن إعادة التكوين(روسيكلاج) والتكوين المستمر ليلعبان دورا هاما في إعادة القاطرة إلى السكة الصحيحة وتقويم كل اعوجاج أصاب الجسم الأمني. فالعقوبات والتنقيلات التأديبية ليست وحدها بقوة الردع أو الإجراءات الكفيلة بإعادة المعني بالأمر إلى جادة الصواب . لكن الأمر يتطلب جلسات استماع وإنصات وذلك بخلق مركز يهتم بهذا الشأن حتى يتسنى تقويم السلوك من خلال معرفة مايجول بالخاطر وكشف كل الأوراق على الطاولة. لقد أصبحت الظرفية الراهنة تقتضي التفكير في خلق مؤسسة تلعب دور الوساطة بين الإدارة والموظفين والحال أننا نعلم على أن الهيئات النقابية التي من شأنها الدفاع عن حقوق الموظفين ممنوعة من الاشتغال داخل هذه الإدارة بقوة القانون.لكن هذا ليس بالمستحيل بل يجب التفكير مليا في خلق مؤسسة موازية تعنى بهذا الشأن الحساس.
إن ضغط العمل وضغط المسؤولين و"ضغط الأسرة" لمن العوامل المساهمة في تأزم نفسية رجل الأمن الذي يجد نفسه يسخر حياته للعمل والرؤساء والعائلة (إلى شاط ليهم شي وقت) غير آبهين بما يلعبه الترويح النفسي وتكسير الروتين من دور مهم في تجديد حيويته ونشاطه سواء النفسي أو العملي إذن وجب التفكير مليا في دعم هذا الجانب رغم ماتفرضه ظروف العمل من إكراهات .
هذا إضافة إلى ضرورة تغيير العقلية المتحجرة سلطويا وضرورة تأقلمها أو أقلمتها مع المفهوم الجديد للسلطة خصوصا وأن زمن التجبر والتسلط واستعمال الشطط السلطوي قد ولى. فالإنسان لا يملك إلا كرامته وعزة نفسه كارها لها الذل والمهانة. وهذا مايجعلنا نستيقظ على مآسي مؤلمة خلال الآونة الأخيرة. ولا يمكن أن ننسى الدوائر الأمنية العليا التي هي الأخرى تضطلع بمسؤولية الإنصات والتحري قبل المحاسبة والعقاب. فكم من رجل أمن شريف ذهب ضحية شرفه وكرامته وضحية يده النقية لا لشئ سوى أنه أشهر ورقة الرفض في وجه رئيسه.فتم إعفاؤه أو تنقيله تأديبيا حتى يكون عبرة لمن سولت له نفسه أن يخدم وطنه بأمانة وصدق. وكم من متسخ اليد سار في طريق النجاح،تسلق الرتب والدرجات ونال المعالي بعد وضع كرامته وعزة نفسه تحت قدميه، غي آبه بما قد يصل إليه. لكن يومه أسود حين صحوة ضميره النائم. فلا أخطر من صحوة هذا الأخير الذي يلقي بأصحابه في مآسي وأحزان لايتم الخروج منها إلا بالموت والحياة مليئة بأمثلة من هذا النوع.
لعل المتتبعين للشأن الأمني بالمغرب لاحظوا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في عدد الحوادث الأمنية سواء داخل الجهاز أو خارجه الشيء الذي يطرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع .
ومما لاشك فيه فالضغوطات المادية والنفسية تعتبر من بين أكبر المسببات في هذه الأخيرة، وحسب آخر الإحصائيات المتوفرة فقد أقدم أزيد من 10 رجال أمن بمختلف رتبهم من وضع حد لحياتهم بتفريغ مسدس الخدمة في رؤوسهم ما بين ماي 2010 ومارس2013 ، إذن فماهي الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث؟.
يعتبر الجهاز الأمني (بمختلف أسلاكه) من الأجهزة التي بواسطتها ومن خلالها يمكن حفظ أمن واستقرار وطن ما، فرغم المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق هؤلاء الرجال لم نصل بعد كأفراد أو مؤسسات إلى الاعتراف بخدماتهم الجليلة في ضمان أمن واستقرار الوطن رغم كل مايبذلونه من مجهودات محمودة، حيث أصبحت مهنة رجل الأمن من أصعب المهام، نظرا لما تكتسيه من خطورة مهنية، وما تجر من وراءها من أقاويل الناس "المغلوطة" التي ترمز لهم بالعمالة، والرشوة، وتلفيق التهم والزور.....وغيرها من الأوصاف.
فالصورة المرسومة لرجال الأمن في أوساط عامة الشعب تتراوح بين الشفقة والتشفي، فتجد طائفة تشفق لحال هؤلاء الناس نظرا لما يكابدونه من متاعب ومغامرات بأرواحهم وسهر وتفان في خدمة الشعب، بينما تجد الطائفة الأخرى تنتقد وتسب وتشتم لا لشئ سوى أنهم ذات يوم قاموا بواجبهم اتجاههم، هذا دون نسيان الجيل القديم من رجال الأمن الذي لايزال يحتفظ بمفهوم السلطة القديم داخل زنزانة دماغه، وهنا بالضبط يكمن مربط الفرس.
فالتسلط في الحقيقة يعتبر من الأمراض المزمنة التي تنخر الجسم الأمني بالمغرب وخير دليل على ذلك الحادث الأخير بمدينة مشرع بلقصيري الذي راح ضحيته 3 رجال أمن من رتب مختلفة، حيث أن المتهم اتصال بزوجته مخبرا إياها بارتكابه جريمة في حق زملائه في العمل فقال لها:«غير ثيقي، راني قتلت صحابي، وايلا استدعاوك اوسولوك، قولي ليهم مشكيلتي مع الرئيس»،
وظل يكرر «مشكيلتي مع الرئيس».هذا إضافة إلى ماتم تداوله في العديد من المنابر الإعلامية حول احتجازه لعناصر أخرى داخل المفوضية واضعا شرط إطلاق سراحهم بحضور مسؤول أمني من الإدارة المركزية، و يظهر جليا ومن الوهلة الأولى أن المتهم عانى الأمرين مع رئيسه أو رؤسائه السابقين، رغم شكاياته حول مايتعرض له، إلا أنه لم يجد آذانا صاغية لشكواه مما جعله يثير انتباه الجميع بارتكاب تلك الجريمة. فاقدا الثقة في كل من حوله من مسؤولين محليين ،إقليميين ،جهويين، الشيء الذي استدعاه للمطالبة بحضور مسؤول أمني مركزي، عله يجد فيه ضالته وأذنه الصاغية لمشاكله مع رؤسائه رغم فوات الأوان.
فمن هنا يتبين على أن العناصر الأمنية تعاني الأمرين مع رؤسائها خصوصا منهم ذوو العقليات القديمة سلطويا والتي تتشبت بالمقولة القديمة القائلة: «سربيس سربيس كامراد أبري ».
فرجل الأمن هو إنسان بالدرجة الأولى له أحاسيس، مشاعر، يتأثر كباقي بني جنسه، قبل أن يكون أمنيا. لكن الخطير في الأمر أنه لايجد البيئة المناسبة في عمله حتى يشعر بنفسه أنه إنسان يمتلك مايمتلكه بنو جلدته. فالإدارة المركزية للأمن تهمل الجانب النفسي لموظفيها بدرجة كبيرة جدا.
والحال أنها تعلم علم اليقين على أنهم يشتغلون في ظروف جد حساسة وخطيرة فمنهم من يشتغل على الجريمة بمختلف أنواعها، ومنهم من يشتغل على أمن وسلامة الوطن داخل وخارج الحدود. فعوض إخراج مشروع استباقي يهتم بالجانب النفسي لعناصر الأمن بمختلف رتبهم، يتم التفرج على الوضع على ماهو عليه إلى أن وصلنا إلى مثل هذه الحوادث المخيفة . آنذاك تسارع بإرسال متخصصين نفسانيين للوقوف على الأثر النفسي المتسبب في الحادث.
فإذا كان المواطن يأمن لحضور عناصر الأمن فقد أصبح من الصعب أن يبقى هذا الشعور متولدا لديه حيث ستراوده فكرة الحذر منه لأنه قد يفقد أعصابه في أية لحظة مستعملا سلاح الخدمة الناري. فبعد حالات الانتحار داخل مقرات العمل ومحاولات القتل والتهديد، والعراك، والضرب المتبادل داخل المفوضيات بين عناصر الأمن، تأتي حلقة القتل التي لم نعرف لها مثيلا منذ ثمانينيات القرن الماضي.الشيء الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام هل نحن أمام ضرورة خلق جهاز جديد داخل الجهاز الأمني يضطلع بمهمة مراقبة أمن وحفظ سلامة الشرطة ويتتبع مسارها المهني؟ أم أن مثل هذه الحالات عادية وناذرة جدا والناذر لا حكم له؟ .
لايختلف اثنان على أن التكوين المعتمد داخل المعاهد الخاصة بتكوين رجال الشرطة هو تكوين جامع مانع. بل على العكس من ذلك، تتخلله عدة أخطاء وكما يعلم الجميع فالتكوين في الميدان الأمني لا يحتمل الخطأ أبدا، لأن الخطأ الصغير يكلف خسارة كبيرة مادية كانت أو معنوية.
والمعروف أن التلميذ الشرطي قبل ولوجه لسك الشرطة يجتاز اختبارا كتابيا تقاس فيه مؤهلاته وقدراته التحليلية في مواضيع مختلفة وطريقة تعامله مع الموضوع الممتحن فيه وتوظيفه لمعلوماته. وبعد نجاحه لابد من اجتياز الفحص الطبي الذي يتم التركيز فيه على أدق تفاصيل الجانب الصحي وكذا الجسماني إضافة إلى الاختبار البدني ناهيك عن المرور أمام لجنة متخصصة تطرح أسئلة عادية جدا.
هذا دون إغفال جلسة مع أحد المحللين النفسانيين، الذي يطرح أسئلة في الحقيقة لايعرف المراد منها إلا هو(ماهو مستواك الدراسي؟ هل تدخن؟ إذا كان جوابك نعم يسألك، هل تدخن المخدرات أم السيجارة؟، هل تشرب الخمر؟، هل تزني؟.....الخ). إضافة إلى وضعك في مواقف محرجة واضعا سؤاله عن موقفك وطريقة رد فعلك. فهل في الحقيقة مثل هذه الأسئلة تسمح للمحلل النفسي معرفة مايجول بخاطر شرطي المستقبل؟ هل تسمح له تلك الأسئلة بالتنبؤ بصفاء سريرة التلميذ الشرطي؟ هل تمكنه فعلا إجابات التلاميذ من معرفة طريقة رد فعلهم مستقبلا بعد تخرجهم؟ أم أن الأمر ينحاز إلى جانب النسبية والتقدير(على الله أوعليهم صدقات أمين ماصدقاتش الغالب الله).
إن المفارقة العجيبة الغريبة في هذه الاختبارات هي التركيز على الجانب الصحي والبدني أكثر من الجانب النفسي بينما في دول أخرى تعطى أهمية قصوى للجانب النفسي حيث يجتاز المترشح لولوج سلك الشرطة اختبارا مصاغا بطريقة علمية حديثة تمكن من معرفة الخبايا النفسية للوالج لسلك الشرطة وقد صرح أحد الخبراء النفسيين الخاصين بالشرطة على أنه تتم الإجابة على مايزيد عن 1500 سؤال تقني- نفسي عبر الحاسوب الشيء الذي يسمح باستخراج الصورة الحقيقية للمترشح.
بعد ولوج التلميذ الشرطي سلك الشرطة للتكوين أول مايصطلح عليه بالتكوين العسكري الذي لا يعرف عنه إلا ماشاهده في التلفاز أو في إحدى المناسبات الوطنية خلال أداء تحية العلم. فالصرامة الزائدة والقسوة(البيزيطاج) التي يعامل بها حديثوا العهد بالشرطة لمن بين مايرسخ أثرا نفسيا سلبيا لدى شرطي المستقبل مما يجعلنا نشاهد شرطة تستخدم لغة السب والشتم والتخنزير في حواراتها سواء العادية أو المهنية. وكنتيجة لهذا تجد العديد من أبناءهم قد شربوا من نفس الينبوع. (تبع حرفة ابوك لايغلبوك) فبالإضافة إلى التكوين العسكري الذي يتلقاه التلميذ الشرطي نجده يتلقى تكوينا نظريا يخص التربية على المواطنة والقوانين التنظيمية لهيئات الشرطة والقانون المدني والقانون الجنائي.......ناهيك عن التدريب الخاص بفنون الحرب والقتال. لكن الجانب المهم والذي يغفل بشكل كبير هو الجانب التواصلي والذي يجب أن يدرس كمادة أساسية مستقلة خلال فترة التكوين يتسنى للمتدرب من خلالها معرفة طرق التواصل، كسب ثقة الآخر، ثم الانفتاح سواء على محيطه الداخلي أو الخارجي في ما تسمح به قوانين المهنة.
إن إعادة التكوين(روسيكلاج) والتكوين المستمر ليلعبان دورا هاما في إعادة القاطرة إلى السكة الصحيحة وتقويم كل اعوجاج أصاب الجسم الأمني. فالعقوبات والتنقيلات التأديبية ليست وحدها بقوة الردع أو الإجراءات الكفيلة بإعادة المعني بالأمر إلى جادة الصواب . لكن الأمر يتطلب جلسات استماع وإنصات وذلك بخلق مركز يهتم بهذا الشأن حتى يتسنى تقويم السلوك من خلال معرفة مايجول بالخاطر وكشف كل الأوراق على الطاولة. لقد أصبحت الظرفية الراهنة تقتضي التفكير في خلق مؤسسة تلعب دور الوساطة بين الإدارة والموظفين والحال أننا نعلم على أن الهيئات النقابية التي من شأنها الدفاع عن حقوق الموظفين ممنوعة من الاشتغال داخل هذه الإدارة بقوة القانون.لكن هذا ليس بالمستحيل بل يجب التفكير مليا في خلق مؤسسة موازية تعنى بهذا الشأن الحساس.
إن ضغط العمل وضغط المسؤولين و"ضغط الأسرة" لمن العوامل المساهمة في تأزم نفسية رجل الأمن الذي يجد نفسه يسخر حياته للعمل والرؤساء والعائلة (إلى شاط ليهم شي وقت) غير آبهين بما يلعبه الترويح النفسي وتكسير الروتين من دور مهم في تجديد حيويته ونشاطه سواء النفسي أو العملي إذن وجب التفكير مليا في دعم هذا الجانب رغم ماتفرضه ظروف العمل من إكراهات .
هذا إضافة إلى ضرورة تغيير العقلية المتحجرة سلطويا وضرورة تأقلمها أو أقلمتها مع المفهوم الجديد للسلطة خصوصا وأن زمن التجبر والتسلط واستعمال الشطط السلطوي قد ولى. فالإنسان لا يملك إلا كرامته وعزة نفسه كارها لها الذل والمهانة. وهذا مايجعلنا نستيقظ على مآسي مؤلمة خلال الآونة الأخيرة. ولا يمكن أن ننسى الدوائر الأمنية العليا التي هي الأخرى تضطلع بمسؤولية الإنصات والتحري قبل المحاسبة والعقاب. فكم من رجل أمن شريف ذهب ضحية شرفه وكرامته وضحية يده النقية لا لشئ سوى أنه أشهر ورقة الرفض في وجه رئيسه.فتم إعفاؤه أو تنقيله تأديبيا حتى يكون عبرة لمن سولت له نفسه أن يخدم وطنه بأمانة وصدق. وكم من متسخ اليد سار في طريق النجاح،تسلق الرتب والدرجات ونال المعالي بعد وضع كرامته وعزة نفسه تحت قدميه، غي آبه بما قد يصل إليه. لكن يومه أسود حين صحوة ضميره النائم. فلا أخطر من صحوة هذا الأخير الذي يلقي بأصحابه في مآسي وأحزان لايتم الخروج منها إلا بالموت والحياة مليئة بأمثلة من هذا النوع.