شـرطـة الـشـرطـة – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
السبت 19 أبريل 2025, 00:22

ساحة

شـرطـة الـشـرطـة


كشـ24 نشر في: 19 مارس 2013

شـرطـة الـشـرطـة

لعل المتتبعين للشأن الأمني بالمغرب لاحظوا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في عدد الحوادث الأمنية سواء داخل الجهاز أو خارجه الشيء الذي يطرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع .

ومما لاشك فيه فالضغوطات المادية والنفسية تعتبر من بين أكبر المسببات في هذه الأخيرة، وحسب آخر الإحصائيات المتوفرة فقد أقدم أزيد من 10 رجال أمن بمختلف رتبهم من وضع حد لحياتهم بتفريغ مسدس الخدمة في رؤوسهم ما بين ماي 2010 ومارس2013 ، إذن فماهي الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث؟.

يعتبر الجهاز الأمني (بمختلف أسلاكه) من الأجهزة التي بواسطتها ومن خلالها يمكن حفظ أمن واستقرار وطن ما، فرغم المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق هؤلاء الرجال لم نصل بعد كأفراد أو مؤسسات إلى الاعتراف بخدماتهم الجليلة في ضمان أمن واستقرار الوطن رغم كل مايبذلونه من مجهودات محمودة، حيث أصبحت مهنة رجل الأمن من أصعب المهام، نظرا لما تكتسيه من خطورة مهنية، وما تجر من وراءها من أقاويل الناس "المغلوطة" التي ترمز لهم بالعمالة، والرشوة، وتلفيق التهم والزور.....وغيرها من الأوصاف.

فالصورة المرسومة لرجال الأمن في أوساط عامة الشعب تتراوح بين الشفقة والتشفي، فتجد طائفة تشفق لحال هؤلاء الناس نظرا لما يكابدونه من متاعب ومغامرات بأرواحهم وسهر وتفان في خدمة الشعب، بينما تجد الطائفة الأخرى تنتقد وتسب وتشتم لا لشئ سوى أنهم ذات يوم قاموا بواجبهم اتجاههم، هذا دون نسيان الجيل القديم من رجال الأمن الذي لايزال يحتفظ بمفهوم السلطة القديم داخل زنزانة دماغه، وهنا بالضبط يكمن مربط الفرس.

فالتسلط في الحقيقة يعتبر من الأمراض المزمنة التي تنخر الجسم الأمني بالمغرب وخير دليل على ذلك الحادث الأخير بمدينة مشرع بلقصيري الذي راح ضحيته 3 رجال أمن من رتب مختلفة، حيث أن المتهم اتصال بزوجته مخبرا إياها بارتكابه جريمة في حق زملائه في العمل فقال لها:«غير ثيقي، راني قتلت صحابي، وايلا استدعاوك اوسولوك، قولي ليهم مشكيلتي مع الرئيس»،

وظل يكرر «مشكيلتي مع الرئيس».هذا إضافة إلى ماتم تداوله في العديد من المنابر الإعلامية حول احتجازه لعناصر أخرى داخل المفوضية واضعا شرط إطلاق سراحهم بحضور مسؤول أمني من الإدارة المركزية، و يظهر جليا ومن الوهلة الأولى أن المتهم عانى الأمرين مع رئيسه أو رؤسائه السابقين، رغم شكاياته حول مايتعرض له، إلا أنه لم يجد آذانا صاغية لشكواه مما جعله يثير انتباه الجميع بارتكاب تلك الجريمة. فاقدا الثقة في كل من حوله من مسؤولين محليين ،إقليميين ،جهويين، الشيء الذي استدعاه للمطالبة بحضور مسؤول أمني مركزي، عله يجد فيه ضالته وأذنه الصاغية لمشاكله مع رؤسائه رغم فوات الأوان.

فمن هنا يتبين على أن العناصر الأمنية تعاني الأمرين مع رؤسائها خصوصا منهم ذوو العقليات القديمة سلطويا والتي تتشبت بالمقولة القديمة القائلة: «سربيس سربيس كامراد أبري ».

فرجل الأمن هو إنسان بالدرجة الأولى له أحاسيس، مشاعر، يتأثر كباقي بني جنسه، قبل أن يكون أمنيا. لكن الخطير في الأمر أنه لايجد البيئة المناسبة في عمله حتى يشعر بنفسه أنه إنسان يمتلك مايمتلكه بنو جلدته. فالإدارة المركزية للأمن تهمل الجانب النفسي لموظفيها بدرجة كبيرة جدا.

والحال أنها تعلم علم اليقين على أنهم يشتغلون في ظروف جد حساسة وخطيرة فمنهم من يشتغل على الجريمة بمختلف أنواعها، ومنهم من يشتغل على أمن وسلامة الوطن داخل وخارج الحدود. فعوض إخراج مشروع استباقي يهتم بالجانب النفسي لعناصر الأمن بمختلف رتبهم، يتم التفرج على الوضع على ماهو عليه إلى أن وصلنا إلى مثل هذه الحوادث المخيفة . آنذاك تسارع بإرسال متخصصين نفسانيين للوقوف على الأثر النفسي المتسبب في الحادث.

فإذا كان المواطن يأمن لحضور عناصر الأمن فقد أصبح من الصعب أن يبقى هذا الشعور متولدا لديه حيث ستراوده فكرة الحذر منه لأنه قد يفقد أعصابه في أية لحظة مستعملا سلاح الخدمة الناري. فبعد حالات الانتحار داخل مقرات العمل ومحاولات القتل والتهديد، والعراك، والضرب المتبادل داخل المفوضيات بين عناصر الأمن، تأتي حلقة القتل التي لم نعرف لها مثيلا منذ ثمانينيات القرن الماضي.الشيء الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام هل نحن أمام ضرورة خلق جهاز جديد داخل الجهاز الأمني يضطلع بمهمة مراقبة أمن وحفظ سلامة الشرطة ويتتبع مسارها المهني؟ أم أن مثل هذه الحالات عادية وناذرة جدا والناذر لا حكم له؟ .

لايختلف اثنان على أن التكوين المعتمد داخل المعاهد الخاصة بتكوين رجال الشرطة هو تكوين جامع مانع. بل على العكس من ذلك، تتخلله عدة أخطاء وكما يعلم الجميع فالتكوين في الميدان الأمني لا يحتمل الخطأ أبدا، لأن الخطأ الصغير يكلف خسارة كبيرة مادية كانت أو معنوية.

والمعروف أن التلميذ الشرطي قبل ولوجه لسك الشرطة يجتاز اختبارا كتابيا تقاس فيه مؤهلاته وقدراته التحليلية في مواضيع مختلفة وطريقة تعامله مع الموضوع الممتحن فيه وتوظيفه لمعلوماته. وبعد نجاحه لابد من اجتياز الفحص الطبي الذي يتم التركيز فيه على أدق تفاصيل الجانب الصحي وكذا الجسماني إضافة إلى الاختبار البدني ناهيك عن المرور أمام لجنة متخصصة تطرح أسئلة عادية جدا.

هذا دون إغفال جلسة مع أحد المحللين النفسانيين، الذي يطرح أسئلة في الحقيقة لايعرف المراد منها إلا هو(ماهو مستواك الدراسي؟ هل تدخن؟ إذا كان جوابك نعم يسألك، هل تدخن المخدرات أم السيجارة؟، هل تشرب الخمر؟، هل تزني؟.....الخ). إضافة إلى وضعك في مواقف محرجة واضعا سؤاله عن موقفك وطريقة رد فعلك. فهل في الحقيقة مثل هذه الأسئلة تسمح للمحلل النفسي معرفة مايجول بخاطر شرطي المستقبل؟ هل تسمح له تلك الأسئلة بالتنبؤ بصفاء سريرة التلميذ الشرطي؟ هل تمكنه فعلا إجابات التلاميذ من معرفة طريقة رد فعلهم مستقبلا بعد تخرجهم؟ أم أن الأمر ينحاز إلى جانب النسبية والتقدير(على الله أوعليهم صدقات أمين ماصدقاتش الغالب الله).

إن المفارقة العجيبة الغريبة في هذه الاختبارات هي التركيز على الجانب الصحي والبدني أكثر من الجانب النفسي بينما في دول أخرى تعطى أهمية قصوى للجانب النفسي حيث يجتاز المترشح لولوج سلك الشرطة اختبارا مصاغا بطريقة علمية حديثة تمكن من معرفة الخبايا النفسية للوالج لسلك الشرطة وقد صرح أحد الخبراء النفسيين الخاصين بالشرطة على أنه تتم الإجابة على مايزيد عن 1500 سؤال تقني- نفسي عبر الحاسوب الشيء الذي يسمح باستخراج الصورة الحقيقية للمترشح.

بعد ولوج التلميذ الشرطي سلك الشرطة للتكوين أول مايصطلح عليه بالتكوين العسكري الذي لا يعرف عنه إلا ماشاهده في التلفاز أو في إحدى المناسبات الوطنية خلال أداء تحية العلم. فالصرامة الزائدة والقسوة(البيزيطاج) التي يعامل بها حديثوا العهد بالشرطة لمن بين مايرسخ أثرا نفسيا سلبيا لدى شرطي المستقبل مما يجعلنا نشاهد شرطة تستخدم لغة السب والشتم والتخنزير في حواراتها سواء العادية أو المهنية. وكنتيجة لهذا تجد العديد من أبناءهم قد شربوا من نفس الينبوع. (تبع حرفة ابوك لايغلبوك) فبالإضافة إلى التكوين العسكري الذي يتلقاه التلميذ الشرطي نجده يتلقى تكوينا نظريا يخص التربية على المواطنة والقوانين التنظيمية لهيئات الشرطة والقانون المدني والقانون الجنائي.......ناهيك عن التدريب الخاص بفنون الحرب والقتال. لكن الجانب المهم والذي يغفل بشكل كبير هو الجانب التواصلي والذي يجب أن يدرس كمادة أساسية مستقلة خلال فترة التكوين يتسنى للمتدرب من خلالها معرفة طرق التواصل، كسب ثقة الآخر، ثم الانفتاح سواء على محيطه الداخلي أو الخارجي في ما تسمح به قوانين المهنة.

إن إعادة التكوين(روسيكلاج) والتكوين المستمر ليلعبان دورا هاما في إعادة القاطرة إلى السكة الصحيحة وتقويم كل اعوجاج أصاب الجسم الأمني. فالعقوبات والتنقيلات التأديبية ليست وحدها بقوة الردع أو الإجراءات الكفيلة بإعادة المعني بالأمر إلى جادة الصواب . لكن الأمر يتطلب جلسات استماع وإنصات وذلك بخلق مركز يهتم بهذا الشأن حتى يتسنى تقويم السلوك من خلال معرفة مايجول بالخاطر وكشف كل الأوراق على الطاولة. لقد أصبحت الظرفية الراهنة تقتضي التفكير في خلق مؤسسة تلعب دور الوساطة بين الإدارة والموظفين والحال أننا نعلم على أن الهيئات النقابية التي من شأنها الدفاع عن حقوق الموظفين ممنوعة من الاشتغال داخل هذه الإدارة بقوة القانون.لكن هذا ليس بالمستحيل بل يجب التفكير مليا في خلق مؤسسة موازية تعنى بهذا الشأن الحساس.

إن ضغط العمل وضغط المسؤولين و"ضغط الأسرة" لمن العوامل المساهمة في تأزم نفسية رجل الأمن الذي يجد نفسه يسخر حياته للعمل والرؤساء والعائلة (إلى شاط ليهم شي وقت) غير آبهين بما يلعبه الترويح النفسي وتكسير الروتين من دور مهم في تجديد حيويته ونشاطه سواء النفسي أو العملي إذن وجب التفكير مليا في دعم هذا الجانب رغم ماتفرضه ظروف العمل من إكراهات .

هذا إضافة إلى ضرورة تغيير العقلية المتحجرة سلطويا وضرورة تأقلمها أو أقلمتها مع المفهوم الجديد للسلطة خصوصا وأن زمن التجبر والتسلط واستعمال الشطط السلطوي قد ولى. فالإنسان لا يملك إلا كرامته وعزة نفسه كارها لها الذل والمهانة. وهذا مايجعلنا نستيقظ على مآسي مؤلمة خلال الآونة الأخيرة. ولا يمكن أن ننسى الدوائر الأمنية العليا التي هي الأخرى تضطلع بمسؤولية الإنصات والتحري قبل المحاسبة والعقاب. فكم من رجل أمن شريف ذهب ضحية شرفه وكرامته وضحية يده النقية لا لشئ سوى أنه أشهر ورقة الرفض في وجه رئيسه.فتم إعفاؤه أو تنقيله تأديبيا حتى يكون عبرة لمن سولت له نفسه أن يخدم وطنه بأمانة وصدق. وكم من متسخ اليد سار في طريق النجاح،تسلق الرتب والدرجات ونال المعالي بعد وضع كرامته وعزة نفسه تحت قدميه، غي آبه بما قد يصل إليه. لكن يومه أسود حين صحوة ضميره النائم. فلا أخطر من صحوة هذا الأخير الذي يلقي بأصحابه في مآسي وأحزان لايتم الخروج منها إلا بالموت والحياة مليئة بأمثلة من هذا النوع.
شـرطـة الـشـرطـة

شـرطـة الـشـرطـة

لعل المتتبعين للشأن الأمني بالمغرب لاحظوا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في عدد الحوادث الأمنية سواء داخل الجهاز أو خارجه الشيء الذي يطرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع .

ومما لاشك فيه فالضغوطات المادية والنفسية تعتبر من بين أكبر المسببات في هذه الأخيرة، وحسب آخر الإحصائيات المتوفرة فقد أقدم أزيد من 10 رجال أمن بمختلف رتبهم من وضع حد لحياتهم بتفريغ مسدس الخدمة في رؤوسهم ما بين ماي 2010 ومارس2013 ، إذن فماهي الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث؟.

يعتبر الجهاز الأمني (بمختلف أسلاكه) من الأجهزة التي بواسطتها ومن خلالها يمكن حفظ أمن واستقرار وطن ما، فرغم المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق هؤلاء الرجال لم نصل بعد كأفراد أو مؤسسات إلى الاعتراف بخدماتهم الجليلة في ضمان أمن واستقرار الوطن رغم كل مايبذلونه من مجهودات محمودة، حيث أصبحت مهنة رجل الأمن من أصعب المهام، نظرا لما تكتسيه من خطورة مهنية، وما تجر من وراءها من أقاويل الناس "المغلوطة" التي ترمز لهم بالعمالة، والرشوة، وتلفيق التهم والزور.....وغيرها من الأوصاف.

فالصورة المرسومة لرجال الأمن في أوساط عامة الشعب تتراوح بين الشفقة والتشفي، فتجد طائفة تشفق لحال هؤلاء الناس نظرا لما يكابدونه من متاعب ومغامرات بأرواحهم وسهر وتفان في خدمة الشعب، بينما تجد الطائفة الأخرى تنتقد وتسب وتشتم لا لشئ سوى أنهم ذات يوم قاموا بواجبهم اتجاههم، هذا دون نسيان الجيل القديم من رجال الأمن الذي لايزال يحتفظ بمفهوم السلطة القديم داخل زنزانة دماغه، وهنا بالضبط يكمن مربط الفرس.

فالتسلط في الحقيقة يعتبر من الأمراض المزمنة التي تنخر الجسم الأمني بالمغرب وخير دليل على ذلك الحادث الأخير بمدينة مشرع بلقصيري الذي راح ضحيته 3 رجال أمن من رتب مختلفة، حيث أن المتهم اتصال بزوجته مخبرا إياها بارتكابه جريمة في حق زملائه في العمل فقال لها:«غير ثيقي، راني قتلت صحابي، وايلا استدعاوك اوسولوك، قولي ليهم مشكيلتي مع الرئيس»،

وظل يكرر «مشكيلتي مع الرئيس».هذا إضافة إلى ماتم تداوله في العديد من المنابر الإعلامية حول احتجازه لعناصر أخرى داخل المفوضية واضعا شرط إطلاق سراحهم بحضور مسؤول أمني من الإدارة المركزية، و يظهر جليا ومن الوهلة الأولى أن المتهم عانى الأمرين مع رئيسه أو رؤسائه السابقين، رغم شكاياته حول مايتعرض له، إلا أنه لم يجد آذانا صاغية لشكواه مما جعله يثير انتباه الجميع بارتكاب تلك الجريمة. فاقدا الثقة في كل من حوله من مسؤولين محليين ،إقليميين ،جهويين، الشيء الذي استدعاه للمطالبة بحضور مسؤول أمني مركزي، عله يجد فيه ضالته وأذنه الصاغية لمشاكله مع رؤسائه رغم فوات الأوان.

فمن هنا يتبين على أن العناصر الأمنية تعاني الأمرين مع رؤسائها خصوصا منهم ذوو العقليات القديمة سلطويا والتي تتشبت بالمقولة القديمة القائلة: «سربيس سربيس كامراد أبري ».

فرجل الأمن هو إنسان بالدرجة الأولى له أحاسيس، مشاعر، يتأثر كباقي بني جنسه، قبل أن يكون أمنيا. لكن الخطير في الأمر أنه لايجد البيئة المناسبة في عمله حتى يشعر بنفسه أنه إنسان يمتلك مايمتلكه بنو جلدته. فالإدارة المركزية للأمن تهمل الجانب النفسي لموظفيها بدرجة كبيرة جدا.

والحال أنها تعلم علم اليقين على أنهم يشتغلون في ظروف جد حساسة وخطيرة فمنهم من يشتغل على الجريمة بمختلف أنواعها، ومنهم من يشتغل على أمن وسلامة الوطن داخل وخارج الحدود. فعوض إخراج مشروع استباقي يهتم بالجانب النفسي لعناصر الأمن بمختلف رتبهم، يتم التفرج على الوضع على ماهو عليه إلى أن وصلنا إلى مثل هذه الحوادث المخيفة . آنذاك تسارع بإرسال متخصصين نفسانيين للوقوف على الأثر النفسي المتسبب في الحادث.

فإذا كان المواطن يأمن لحضور عناصر الأمن فقد أصبح من الصعب أن يبقى هذا الشعور متولدا لديه حيث ستراوده فكرة الحذر منه لأنه قد يفقد أعصابه في أية لحظة مستعملا سلاح الخدمة الناري. فبعد حالات الانتحار داخل مقرات العمل ومحاولات القتل والتهديد، والعراك، والضرب المتبادل داخل المفوضيات بين عناصر الأمن، تأتي حلقة القتل التي لم نعرف لها مثيلا منذ ثمانينيات القرن الماضي.الشيء الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام هل نحن أمام ضرورة خلق جهاز جديد داخل الجهاز الأمني يضطلع بمهمة مراقبة أمن وحفظ سلامة الشرطة ويتتبع مسارها المهني؟ أم أن مثل هذه الحالات عادية وناذرة جدا والناذر لا حكم له؟ .

لايختلف اثنان على أن التكوين المعتمد داخل المعاهد الخاصة بتكوين رجال الشرطة هو تكوين جامع مانع. بل على العكس من ذلك، تتخلله عدة أخطاء وكما يعلم الجميع فالتكوين في الميدان الأمني لا يحتمل الخطأ أبدا، لأن الخطأ الصغير يكلف خسارة كبيرة مادية كانت أو معنوية.

والمعروف أن التلميذ الشرطي قبل ولوجه لسك الشرطة يجتاز اختبارا كتابيا تقاس فيه مؤهلاته وقدراته التحليلية في مواضيع مختلفة وطريقة تعامله مع الموضوع الممتحن فيه وتوظيفه لمعلوماته. وبعد نجاحه لابد من اجتياز الفحص الطبي الذي يتم التركيز فيه على أدق تفاصيل الجانب الصحي وكذا الجسماني إضافة إلى الاختبار البدني ناهيك عن المرور أمام لجنة متخصصة تطرح أسئلة عادية جدا.

هذا دون إغفال جلسة مع أحد المحللين النفسانيين، الذي يطرح أسئلة في الحقيقة لايعرف المراد منها إلا هو(ماهو مستواك الدراسي؟ هل تدخن؟ إذا كان جوابك نعم يسألك، هل تدخن المخدرات أم السيجارة؟، هل تشرب الخمر؟، هل تزني؟.....الخ). إضافة إلى وضعك في مواقف محرجة واضعا سؤاله عن موقفك وطريقة رد فعلك. فهل في الحقيقة مثل هذه الأسئلة تسمح للمحلل النفسي معرفة مايجول بخاطر شرطي المستقبل؟ هل تسمح له تلك الأسئلة بالتنبؤ بصفاء سريرة التلميذ الشرطي؟ هل تمكنه فعلا إجابات التلاميذ من معرفة طريقة رد فعلهم مستقبلا بعد تخرجهم؟ أم أن الأمر ينحاز إلى جانب النسبية والتقدير(على الله أوعليهم صدقات أمين ماصدقاتش الغالب الله).

إن المفارقة العجيبة الغريبة في هذه الاختبارات هي التركيز على الجانب الصحي والبدني أكثر من الجانب النفسي بينما في دول أخرى تعطى أهمية قصوى للجانب النفسي حيث يجتاز المترشح لولوج سلك الشرطة اختبارا مصاغا بطريقة علمية حديثة تمكن من معرفة الخبايا النفسية للوالج لسلك الشرطة وقد صرح أحد الخبراء النفسيين الخاصين بالشرطة على أنه تتم الإجابة على مايزيد عن 1500 سؤال تقني- نفسي عبر الحاسوب الشيء الذي يسمح باستخراج الصورة الحقيقية للمترشح.

بعد ولوج التلميذ الشرطي سلك الشرطة للتكوين أول مايصطلح عليه بالتكوين العسكري الذي لا يعرف عنه إلا ماشاهده في التلفاز أو في إحدى المناسبات الوطنية خلال أداء تحية العلم. فالصرامة الزائدة والقسوة(البيزيطاج) التي يعامل بها حديثوا العهد بالشرطة لمن بين مايرسخ أثرا نفسيا سلبيا لدى شرطي المستقبل مما يجعلنا نشاهد شرطة تستخدم لغة السب والشتم والتخنزير في حواراتها سواء العادية أو المهنية. وكنتيجة لهذا تجد العديد من أبناءهم قد شربوا من نفس الينبوع. (تبع حرفة ابوك لايغلبوك) فبالإضافة إلى التكوين العسكري الذي يتلقاه التلميذ الشرطي نجده يتلقى تكوينا نظريا يخص التربية على المواطنة والقوانين التنظيمية لهيئات الشرطة والقانون المدني والقانون الجنائي.......ناهيك عن التدريب الخاص بفنون الحرب والقتال. لكن الجانب المهم والذي يغفل بشكل كبير هو الجانب التواصلي والذي يجب أن يدرس كمادة أساسية مستقلة خلال فترة التكوين يتسنى للمتدرب من خلالها معرفة طرق التواصل، كسب ثقة الآخر، ثم الانفتاح سواء على محيطه الداخلي أو الخارجي في ما تسمح به قوانين المهنة.

إن إعادة التكوين(روسيكلاج) والتكوين المستمر ليلعبان دورا هاما في إعادة القاطرة إلى السكة الصحيحة وتقويم كل اعوجاج أصاب الجسم الأمني. فالعقوبات والتنقيلات التأديبية ليست وحدها بقوة الردع أو الإجراءات الكفيلة بإعادة المعني بالأمر إلى جادة الصواب . لكن الأمر يتطلب جلسات استماع وإنصات وذلك بخلق مركز يهتم بهذا الشأن حتى يتسنى تقويم السلوك من خلال معرفة مايجول بالخاطر وكشف كل الأوراق على الطاولة. لقد أصبحت الظرفية الراهنة تقتضي التفكير في خلق مؤسسة تلعب دور الوساطة بين الإدارة والموظفين والحال أننا نعلم على أن الهيئات النقابية التي من شأنها الدفاع عن حقوق الموظفين ممنوعة من الاشتغال داخل هذه الإدارة بقوة القانون.لكن هذا ليس بالمستحيل بل يجب التفكير مليا في خلق مؤسسة موازية تعنى بهذا الشأن الحساس.

إن ضغط العمل وضغط المسؤولين و"ضغط الأسرة" لمن العوامل المساهمة في تأزم نفسية رجل الأمن الذي يجد نفسه يسخر حياته للعمل والرؤساء والعائلة (إلى شاط ليهم شي وقت) غير آبهين بما يلعبه الترويح النفسي وتكسير الروتين من دور مهم في تجديد حيويته ونشاطه سواء النفسي أو العملي إذن وجب التفكير مليا في دعم هذا الجانب رغم ماتفرضه ظروف العمل من إكراهات .

هذا إضافة إلى ضرورة تغيير العقلية المتحجرة سلطويا وضرورة تأقلمها أو أقلمتها مع المفهوم الجديد للسلطة خصوصا وأن زمن التجبر والتسلط واستعمال الشطط السلطوي قد ولى. فالإنسان لا يملك إلا كرامته وعزة نفسه كارها لها الذل والمهانة. وهذا مايجعلنا نستيقظ على مآسي مؤلمة خلال الآونة الأخيرة. ولا يمكن أن ننسى الدوائر الأمنية العليا التي هي الأخرى تضطلع بمسؤولية الإنصات والتحري قبل المحاسبة والعقاب. فكم من رجل أمن شريف ذهب ضحية شرفه وكرامته وضحية يده النقية لا لشئ سوى أنه أشهر ورقة الرفض في وجه رئيسه.فتم إعفاؤه أو تنقيله تأديبيا حتى يكون عبرة لمن سولت له نفسه أن يخدم وطنه بأمانة وصدق. وكم من متسخ اليد سار في طريق النجاح،تسلق الرتب والدرجات ونال المعالي بعد وضع كرامته وعزة نفسه تحت قدميه، غي آبه بما قد يصل إليه. لكن يومه أسود حين صحوة ضميره النائم. فلا أخطر من صحوة هذا الأخير الذي يلقي بأصحابه في مآسي وأحزان لايتم الخروج منها إلا بالموت والحياة مليئة بأمثلة من هذا النوع.
شـرطـة الـشـرطـة


ملصقات


اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

السبت 19 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة