كلما قدم لنا شخص مرآة لنرى حقيقتنا فيها كما هي… عراة دون أقنعة، نثور و يكثر لغطنا… و السبب كوننا قوم لا يحب الاعتراف بقبحه بعد تعود طال زمنه على مساحيق التجميل التي تغطي العيوب، و الأقنعة التي تجعلنا كل ما شئنا إلا ما نحن فعلا عليه. هذه المرة و كسابقاتها، بمجرد تداول مقاطع من فيلم الزين للي فيك لنبيل عيوش، قامت دنيانا و لم تقعد فالكل أصبح يتحدث عن السينما، رغم ان الفيلم لم يشاهده إلا من تواجد بكان، موجة سخط واستهجان كأن ما جاء في اللقطات هو فقط من نسج خيال صاحب الشريط، و لا علاقة له بواقع معيش؟؟؟ أليست قمة التنكر للذات هي أن نستنكر تصوير الواقع، و نتعامى عن الحقيقة حين نشاهدها أمام أعيننا؟؟؟
من حق أي كان الانتقاد والإدلاء بالرأي، فالاختلاف ظاهرة صحية تولد النقاش و تدفع المجتمع نحو طريق التقدم، لكن حين يصبح السلاح في النقد التشهير و السباب هنا يجب أن نعترف بوجود خلل ما. لن أدافع عن الفيلم أو صانعيه لأنني لم اشاهده بعد، كما لن أنتقده كوني أعلم جيدا انه تعبير فني عن موجود بيننا، بغض النظر عن مدى اقتراب المخرج من ذلك أو لا (و هذا نقاش يتطلب نوعا من التأني بعد المشاهدة)، لكن سأتوقف لحظات أمام هذا التنكر في العلن لما ندافع عنه و نعزز وجوده في الخفاء.
حسب عديد من التقارير، مراتب متأخرة يتواجد بها المغرب سواء في التعليم والصحة والاقتصاد والحريات… وأخرى متقدمة نتبوؤها بجدارة: مشاهدة الأفلام “الإباحية”، العنف، الهشاشة، الفساد، السياحة الجنسية، الأمية، والتخلف… فلماذا إذن لا نوجه جهودنا مادمنا نتوفر على جرأة الاعتراف به كما نفعل حين نهرب للأمام ونتعايش معه؟؟ فلماذا إذن لا نوجه جهودنا مادمنا نتوفر على هذه الغيرة التي ظهرت فجأة بسبب عمل سينيمائي؟ لماذا لا نعلي أصواتنا حتى نغير معطيات الترتيب، ونقضي على السلبي من جذوره باستئصاله ما دمنا لا نتوفر على جرأة الاعتراف به كما نفعل حين نهرب للأمام ونتعايش معه؟
إذا كنا جميعا آثرنا الاختباء وراء قناع العفة من منا يشوه صورة المغرب؟ أسئلة وأخرى ستبقى دون جواب لأننا نخاف كثيرا الاعتراف بالحقائق، بل أكثر من ذلك، ما إن يكثر الحديث حتى نسارع لدفن الرؤوس في الرمال، والبحث عن طاقية الإخفاء، لنستعير “نا” الدالة عن الجماعة ونقول نحن مسلمون وهذه استثناءات لا تمثلنا أوتعبر عنا…
عذرا يا زملائي في هذا الوطن، انا لست مسلما، فأنا لا أؤدي فرائضي، ولا أمتثل للأوامر كما لا أبتعد عن النواهي، أنا كغيري أعاقر الخمر فخمر الأرض ألذ واحسن طعما و مفعولا من كل تلك الأنهار الموعودة، أعاشر النساء، لأني لا أنتظر حورا عينا في عالم آخر، أكذب مثلكم كذبا أبيض حينا واسود احيانا أخرى، أستمتع بوقتي، أغني، أرقص، وكلي وعي انها أمور مصنفة في خانة التحريم، لا أنافق نفسي وأخدع غيري بعبارة “الله غفور رحيم” أو “باب التوبة مفتوح”، لا اشرعنها في السر لأندد بها في العلن، أقوم بأمور مقتنع بها وكفى، لا أحتاج للانخراط في مسيرة التنديد حتى أسلم من نبذكم للمختلف…
زملائي في هذا الوطن، تشبعت بشعارات كمغرب التسامح والانفتاح والحداثة والتعدد كلها صدقتها، لكنني صدمت في كونها فقط عبارات للاسترزاق تلوكونها متى شئتم تبوء منصب أو حصد أصوات، او كسب تعاطف. زملائي، في هذا الوطن، ليس لي الحق في محاكمة أحد، فالإنسان أقوى من تصنيفاته الدينية والاديولوجية والإثنية والعرقية وبالتالي أطالب بحقي في مكان في هذا الوطن، لأنني لا انوي أبدا تركه والارتماء في أحضان أخرى لا تعبأ إلا بالعقل وكفاءته كمعيار للاندماج، فمن حقي البقاء هنا، والعيش وفقا لقناعاتي دون خوف من أحد، و دون العيش وسط هواجس النبذ و الرفض.
زملائي في هذا الوطن، لقد اخترت من سنين إسقاط ورقة التوت عن عورتي، و التأمل مليا في صورتي المنعكسة على المرآة أمامي، هكذا تجاهلت مميزات أعتقد انها قليلة، و ركزت على عيوبي الكثيرة حاولت إصلاح بعضها، و مازلت أحاول تجاوز البعض الآخر منها. زملائي في وطني، أعملوا منطق العقل، و دعوا الأحكام للمختص إن كنتم فعلا تؤمنون بأن الله وحده الحسيب و الرقيب، دعوا للتعبير عن الرأي مكانا بيننا، و حاولوا بدل الجهد، كل الجهد للتخلَص من عقدة النقص و الشعور بالذنب حين يتعلق الأمر بنفاقكم، فأول الدواء معرفة الداء و الاعتراف به، هكذا لن يبقى للعنف حيز، و لن يصير سلاحكم نبذ كل رأي مختلف و إن كان حقيقة، هكذا سنتخلص لا محالة من مرض الفصام…