ساحة

رشيد نيني يكتب: التَّعالُف الحكومي


كشـ24 نشر في: 8 مارس 2016

إذا كانت هناك مناصفة حقيقية في السياسة المغربية، فهي تلك التي تتجسد في كوارث وزراء الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة.

فالتحالف الحكومي يتقاسم بشكل يكاد يكون متساويا الفضائح السياسية المجلجلة، وكل حزب ينسيك في الحزب الآخر.

فإذا كان وزراء الحركة الشعبية قد اشتهروا بالكراطة والشكلاطة ومعجزة النوم لساعتين فقط والاشتغال 22 ساعة في اليوم، دون أن نتحدث عن وزيرهم بوطحشة الذي لا يملك شهادة الباك ومع ذلك سجل نفسه في الماستر، فإن حزب العدالة والتنمية قد اشتهر بفضيحة الوزير الخلفي الذي اعترف رئيسه في الحكومة بارتكابه لفساد واضح عندما توسط لابن الحمداوي لكي يشتغل في بنك عمومي، واشتهر بفضيحة الوزيرة سوسو والوزير شوشو، وبفضيحة الوزير العثماني الذي استغل زيارة حكومية إلى الكويت لكي يلتقي قيادات من تنظيم الإخوان المسلمين، فخرج على حقيبته وعلى منصب «بلاصة» السفير ولد الجنرال الراحل بناني، الذي منذ عودته من السفارة لم «يعتبها» في مكان آخر.

كل هذا كوم، كما يقول المصريون، وما يقترفه وزراء الرفيق الحاج نبيل بنعبد الله، كوم ثاني.

فبعد زلة الوزيرة شرفات أفيلال حول معاشات البرلمانيين، وزلة الصديقي وزير قلة الشغل الذي قال إنه يسرحنا نحن المغاربة، ومهزلة مجيء وزير الشغل السابق سكران إلى البرلمان، مما عجل بإقالته بواسطة رسالة قصيرة تلقاها من نبيل بنعبد الله على هاتفه، هاهو الوردي وزير قلة الصحة يحطم كل الأرقام القياسية في النفاق السياسي.
وآخر ما قام به سعادته زيارته إلى بيت عبد الجبار الوزير لكي يعوده في مرضه، لكن عيادة المرضى- يا عباد الله- تكون في الستر، لا بجلب الكاميرات لتصوير معالي الوزير يعود المريض طريح الفراش للرفع من شعبيته.

هؤلاء السياسيون لن يترددوا في التقاط صور مع الجثث لو تطلب الأمر، فقط من أجل تلميع صورتهم أمام الرأي العام.

والمصيبة مع هذا الوزير الذي يحمل سهوا اسم وزير الصحة، والذي أصبح الذهاب إلى المستشفيات على عهده يحتاج حماية أمنية مشددة، هو أنه يستغل أي شيء للدعاية لنفسه.

فقد استغل ملف خفض سعر الأدوية ونسبه لنفسه، علما أن لجنة برلمانية اتحادية هي من كانت وراء هذا المشروع.

ويستغل يوميا استعمال مروحية الوزارة لنقل المرضى في المناطق النائية لإرسال بلاغات للصحف يتبجح من خلالها بإنقاذ الناس بالمروحيات. كما لو أنه يؤدي تكاليف ذلك من جيبه وليس من أموال دافعي الضرائب.

وهاهو اليوم يقول في كل مكان إنه وفر لمرضى الالتهاب الكبدي دواء لا يتعدى سعره 8.000 درهم بعدما كان سعره يصل إلى سبعين مليونا.

والحقيقة أن من سعى للحصول على هذا الدواء هو ملياردير اسمه لحلو يملك مختبر أدوية اشترى «موليكيل» الدواء من ماله وحصل على رخصة بتجنيسه وبيعه بسعر زهيد.
وعندما يقول وزير الصحة لمرضى التهاب الكبد الفيروسي إن الدواء جاهز فهو يكذب عليهم، لأن الدواء الذي منحته مديرية الدواء رخصة البيع غير كاف لوحده من أجل تحقيق العلاج النهائي، بل يلزم دواء إضافي لازال لم يحصل على رخصة مديرية الدواء.

وإلى غاية اليوم هناك «موليكيل» اسمها Daclatasvir وأخرى اسمها Ribaverine لازالتا لم تحصلا على الترخيص، ويعلم الله متى ستحصلان عليه من مديرية الدواء بوزارة الوردي.

والواقع أن أكبر حزب سياسي مشارك في الحكومة يمارس الريع كبرنامج حزبي وكبيان إيديولوجي، هو حزب التقدم والاشتراكية بقيادة نبيل بنعبد الله.

فمنذ دخوله إلى حكومة بنكيران، نجح الحاج الرفيق نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في «تبليص» عدد من القياديين بحزبه في المناصب السامية، مستفيدا من الخبرة التي راكمها «إخوانه» في العدالة والتنمية في هذا المجال، حيث تحولت اجتماعات المجلس الحكومي إلى موعد أسبوعي لتوزيع «كعكة» المناصب السامية على المقربين من وزراء حكومة عبد الإله بنكيران، وأصبحت ظاهرة اقتسام «الوزيعة» بمثابة طقس أسبوعي يتكرر كل يوم خميس بمباركة بنكيران، يأتي بعدها بوصندالة الناطق الرسمي مهرولا إلى مقر وزارته لتلاوة لائحة بأسماء المنعم عليهم بالمناصب من قادة أحزاب «التعالف» الحكومي.

ومن أوجه الريع الذي استفاد منه حزب التقدم والاشتراكية، تعيين سعيد فكاك، عضو الديوان السياسي، في منصب مدير مؤسسة الأعمال الاجتماعية لوزارة الصحة، بدون توفر الشروط المطلوبة لهذا المنصب، سوى أنه رفيق وزير الصحة، الحسين الوردي، وشغل منصب مدير ديوانه.

ثم تعيين أنس الدكالي، عضو الديوان السياسي للحزب، مديرا للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، دون أن يتوفر على أي شرط سوى أنه رفيق الوزير الوصي على القطاع، «السراح» عبد السلام الصديقي، وتنازل عن منصبه البرلماني لفائدة إدريس الرضواني، الكاتب العام السابق لشبيبة الحزب، الذي دخل لاستكمال ما تبقى من الولاية البرلمانية والحصول على تقاعد مريح مدى الحياة.

ولم يخرج الحاج الرفيق نبيل عن القاعدة، واستغل المجلس الحكومي لاقتراح مدير ديوانه، وعضو الديوان السياسي لحزبه، كريم التاج، في منصب المفتش العام لوزارة السكنى وسياسة المدينة، التي يوجد على رأسها، وسارع بنكيران إلى مباركة هذا التعيين، رغم أن المرشح لم يمارس الإدارة قط في حياته، والخبرة الوحيدة التي يملكها هي كونه رفيق الرفيق بنعبد الله.

والعجيب أن قرار الإعلان عن شغل المنصب تضمن شروطا مفصلة على مقاس القيادي بحزب الوزير، ومن بينها عدم اشتراط «الدبلوم» أو شهادة جامعية عليا، وكذلك عدم اشتراط ضرورة تقلد منصب المسؤولية بالوظيفة العمومية، كما ينص على ذلك قانون التعيين في المناصب العليا.

وفي إطار لعبة «عطيني نعطيك»، سارع بنكيران إلى تبليص «بو فم» امحمد الهلالي، القيادي الثرثار بحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، والذي عينه الحاج الشيوعي في منصب مدير الشؤون القانونية بوزارة السكنى وسياسة المدينة، مقابل موافقة بنكيران على تعيين الدكالي في منصب مدير «لانابيك».

وبدوره شرع الدكالي، بمجرد «تبليصه»، على توزيع المناصب على «الرفاق» و«الرفيقات»، وأعلن عن مباراة لتوظيف 8 مستشارين، وبطبيعة الحال تقدم الآلاف من أبناء الشعب العاطلين، ليتم استدعاء 125 منهم لاجتياز الامتحان الكتابي، بقي منهم 50 في الامتحان الشفوي، وأثناء الإعلان عن لائحة النتائج، نجحت، ويا للمصادفة، أخت مستشار شرفات، وزيرة «جوج فرنك»، ونجح مستشار الوزيرة وعضو اللجنة المركزية للحزب، كما فرض أحد أعيان الحزب بآسفي باقي الناجحين في اللائحة.

أما «السارح»، وزير قلة الشغل، فقد حطم الرقم القياسي في تعيين «الرفاق» وزوجاتهم وأبنائهم في مناصب المسؤولية بوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وبعد اعتراض وزارة المالية على تعيينات مخالفة للقانون، قام في اجتماع المجلس الحكومي المنعقد قبل أسابيع، على «تتياك الكارطة» داخل وزارته، بتبادل المناصب بين المقربين منه، وقام بتعيين مديرة التعاون على رأس مديرية الشغل، وقام بتبادل بين المفتش العام الذي عينه في منصب مدير الموارد البشرية والميزانية والشؤون العامة، مكان موظفة عينها الصديقي مفتشة عامة للوزارة.

وقبلها، تم تعيين أستاذ متقاعد في منصب الكاتب العام لوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، خلفا للكاتب العام السابق، ميمون بنطالب، الذي أعفاه الصديقي على خلفية سلسلة من الفضائح التي هزت وزارته، وكان الأستاذ المتقاعد يشغل مهمة مدير ديوان الصديقي، وزير الشغل، السابق، قبل أن يثبته في منصب الكاتب العام، رغم مشاركة 17 مرشحا تنافسوا على المنصب، منهم أطر إدارية من الوزارة وخارجها، لكن بنكيران وافق في المجلس الحكومي على مكافأة رفاق نبيل بنعبد الله، بتعيين أستاذ جامعي متقاعد، يتحدر من نفس منطقة الوزير، بلدة «أكنول» بنواحي تازة، ولا يتوفر على أي تجربة في التسيير الإداري التي يتطلبها منصب الكاتب العام.

وبمجرد تعيينه في اجتماع المجلس الحكومي المنعقد يوم 23 أكتوبر 2014، شرع في توزيع المناصب على المقربين، لكونه يترأس جميع لجان الانتقاء في مناصب المسؤولية التي توزع في كواليس ديوان الوزير، والتي لن تخرج بجديد غير تعيين من ينتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية أو إلى إقليم تازة ونواحيه، وفتح التباري على 10 مناصب رؤساء المصالح أو ما يماثلها، كذلك تم توزيعها باعتماد نفس المنطق، رغم أنها عرفت مشاركة 57 مترشحا ومترشحة.

ومؤخرا، وجهت مصالح وزارة المالية صفعة قوية إلى الوزير الصديقي، برفضها نتائج المقابلات الانتقائية لتقلد مهام رؤساء الأقسام بوزارته، وخاصة منصب رئيسة قسم تشغيل المهاجرين، بسبب الخروقات المسطرية والقانونية التي شابت هذه المقابلات، والتي توجت بتعيين مقربين من قادة حزب التقدم والاشتراكية الذي ينتمي إليه الوزير، ورغم اعتراض وزارة المالية أصر الصديقي على إعادة تعيين زوجة قيادي بحزب التقدم والاشتراكية يشتغل مديرا مركزيا بوزارة الطاقة والمعادن، في نفس المنصب، بعد سنة من تعيينها في هذا المنصب ضدا على القانون وتجاوزا لقرار الوزير نفسه، حيث لم يتم احترام الشروط القانونية التي جاءت في قرار الوزير رقم 300 بتاريخ 7 نونبر 2014، خاصة شرط ممارسة مهام رئيس مصلحة، وقام بفتح باب الترشيح من جديد لشغل هذا المنصب بعد أن تم التحايل على القانون بإصدار قرار جديد تحت رقم 303 بتاريخ 10 نونبر 2015، تنطبق مواصفاته على مقاس المرشحة المعنية، وذلك بإلغاء شرط ممارسة مهام رئيس مصلحة، لضرورة المصلحة، مصلحة الوزير والحزب طبعا.

من «إنجازات» الوزير الصديقي تعيينه ابنة عضو المكتب السياسي للحزب ورئيس الفريق البرلماني السابق للحزب بمجلس المستشارين، في منصب مديرة الحماية الاجتماعية للعمال، بعدما أعفى المديرة السابقة بطريقة غير إنسانية، خصوصا أنها كانت حاملا، ما يتعارض مع الاتفاقية الدولية للشغل رقم 3 لسنة 1919، بشأن حماية الأمومة، وكذلك التوصية رقم 191 لمنظمة العمل الدولية بشأن حماية الأمومة لسنة 2000، والتي تحرم- في مادتها الثامنة- على رئيس الإدارة أن ينهي استخدام أي امرأة أثناء حملها.

كما أن رئيس الحكومة ووزيره السارح في التشغيل، مطالبان بالكشف عن مصير 800 مليون سنتيم التي خصصتها الحكومة لانتخابات ممثلي المأجورين، وتم صرفها من الصندوق الأسود لرئيس الحكومة، علما أن هذه الانتخابات تتكلف بها المؤسسات العمومية والشركات الخاصة التي تجرى بها الانتخابات، لكن أيادي تحركت لصرف المبلغ في شكل تعويضات. لذلك فالمجلس الأعلى للحسابات مطالب باستعمال آلياته الدستورية للتحقيق في صرف هذا المبلغ.

وإذا كان الوزير الذي يسرحنا يرتكب كل هذه الفضائح علانية، فإن رفيقه ولد الباشا الصبيحي، وزير «الشقافة»، يرتكب أفظع منها في السر، معتقدا أن لا أحد يراه.

فبعد الفضيحة التي فجرتها «الأخبار»، بحصول مطبعة «طوب بريس» التي كانت في ملكية رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على صفقات من وزارات يوجد على رأسها أعضاء بحزب العدالة والتنمية، نحن اليوم أمام فضيحة جديدة تتجلى في حصول المطبعة التي أصبحت في ملكية حركة التوحيد والإصلاح على دعم من وزارة الثقافة، وكذلك تمويل مجلة تابعة للحركة من المال العام قدمته لها نفس الوزارة التي يوجد على رأسها أمين الصبيحي، القيادي بحزب التقدم والاشتراكية.

وقد بلغ مجموع دعم وزارة الثقافة المخصص لطبع الكتب بمطبعة «طوب بريس»، خلال سنتين، 32 مليون سنتيم.

كما أن بنكيران يمول طبع مجلة حركته الدعوية من المال العام، منذ وصوله إلى الحكومة، بمعدل 20 ألف درهم في كل دورة.

فخلال السنة الثانية من عمر الحكومة، أي سنة 2013، قررت وزارة «ولد الباشا الصبيحي»، توزيع المال العام على الناشرين والمطابع، ومنها طبعا مطبعة رئيسه في الحكومة، وخصصت الوزارة آلية للدعم يستفيد منها الكتاب والناشرون ومكتبات البيع والجمعيات والمقاولات الثقافية، في شكل طلبات عروض مشاريع بغلاف مالي قدره مليار سنتيم سنويا، وتم إصدار قرار مشترك بين وزير الثقافة ووزير الاقتصاد والمالية، تنفيذا لمقتضيات المرسوم رقم 2.12.513، الصادر في 2 رجب 1434، الموافق لـ13 ماي 2013، والمتعلق بدعم المشاريع الثقافية والفنية، على شكل طلبات عروض مشاريع، توضح عبره بالإضافة إلى الأهداف والمجالات والمستفيدين والشروط والمعايير والمبالغ وطرق الصرف، طبيعة وشروط الحصول على هذا الدعم. وحدد القرار المستفيدين من الدعم في المقاولات الصحفية والجمعيات الثقافية، لكن مع ظهور نتائج الدورة الأولى للدعم التي تم الإعلان عنها سنة 2014، تبين أن المستفيد الأول من العملية، هي حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، ومطبعة «طوب بريس» التي كانت مسجلة باسم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قبل أن يصحح وضعيتها بعد تفجر فضيحة استفادتها من صفقات من وزارات يوجد على رأسها وزراء من العدالة والتنمية. فحسب السجل التجاري رقم 1170 بالمحكمة التجارية بالرباط، فإن مطبعة «طوب بريس» أصبحت مسجلة في اسم محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، عوض عبد الإله بنكيران، الذي كانت مسجلة باسمه منذ 8 ماي 1998.

لائحة المستفيدين من دعم طبع ونشر الكتب والمؤلفات، برسم الدورة الأولى من سنة 2014، كشفت عن وجود أسماء برلمانيين وقياديين بحزب العدالة والتنمية ضمن المستفيدين من دعم الدولة، إلى جانب كتاب ومؤلفين آخرين. وأبانت نتائج دراسة الملفات المرشحة لدعم المشاريع الثقافية والفنية، في مجال النشر والكتاب، حصول مطبعة «طوب بريس» على 16 مليون سنتيم، لطبع كتب لمؤلفين جلهم ينتمون إلى الحزب وذراعه الدعوية، وعلى رأسهم محمد يتيم، وهو برلماني نائب رئيس مجلس النواب، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، بحصوله على مبلغ 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابه الذي يحمل عنوان «مسارات في تاريخ الحركة الإسلامية». كما استفادت من أموال وزارة الثقافة، جميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وحصلت على مبلغ 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابها الذي يحمل عنوان «المرأة في الاتفاقيات الدولية»، واستفاد بلال التليدي، القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، من دعم قيمته 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابه «مراجعات الحركة الإسلامية المغربية».

وبدوره استفاد زميله امحمد طلابي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، من مبلغ 20 ألف درهم لتمويل مجلة «الفرقان» التي يصدرها. كما تم طبع أربعة كتب أخرى، بدعم مجموعه 60 ألف درهم، بمعدل 15 ألف درهم لكل كتاب، ويتعلق الأمر بكتاب «آفاق الحوار الإسلامي العلماني»، لمحمد جبرون، وكتاب «الإعلام الجديد وتحديات القيم»، لمؤلفه هشام المكي، وكتاب «مقاربات في المسألة اللغوية» لفؤاد أبو علي، وكتاب «في الموقف من العلمانية» لصاحبه سلمان بونعمان، بالإضافة إلى طبع عددين من المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يصدرها البرلماني حسن طارق، بمبلغ 30 ألف درهم. وفي الدورة الثانية حصلت المطبعة على 6 آلاف درهم لطبع كتاب تحت عنوان «هل مات منبهي» لمؤلفه عزيز حجي.

وخلال سنة 2015 التي ودعناها، نالت كذلك المطبعة نصيبها من «كعكة» الدعم، ومجموع الدعم بلغ 17 مليون سنتيم موزعة على مرحلتين. وحسب نتائج الدورة الأولى لدعم طبع الكتب خلال سنة 2015، حصلت مطبعة «طوب بريس» بعدما أصبحت في اسم محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، على مبلغ 88 ألف درهم، من أجل طبع ستة كتب لقياديين بحزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، من بينها كتاب يحمل عنوان «تأملات في الحريات الفردية»، لمؤلفه المقرئ الإدريسي أبو زيد، برلماني حزب العدالة والتنمية، الذي حصل على مبلغ دعم قدره 10 آلاف درهم، وكتاب «قضايا تربوية ولسانية» لمؤلفه المصطفى بنان، بمبلغ 10 آلاف درهم، وكتاب «القيم والإنسان في ضوء التدافع الحضاري المعاصر» لمؤلفه الحسان شهيد، بمبلغ 8 آلاف درهم، وكتاب «الأمازيغية: تحولات الخطاب والفاعلين والعلاقات في المغرب الراهن» لمؤلفه محمد مصباح، بمبلغ 12 ألف درهم، وكتاب «انشقاق الهوية:

جدل الهوية ولغة التعليم بالمغرب»، لمؤلفه محمد جبرون، بمبلغ 8 آلاف درهم، وكتاب «الأسرة والقيم بين المقاربتين الوضعية والمرجعية» لمؤلفه محمد ابراهيمي، بمبلغ 10 آلاف درهم. وحصلت المطبعة على 30 ألف درهم لطبع المجلة المغربية للسياسات العمومية، لصاحبها البرلماني حسن طارق.

كما حصلت المطبعة نفسها في الدورة الثانية، برسم السنة الجارية على مبلغ 82 ألف درهم، من أجل طبع أربعة كتب لقياديين بالحزب والحركة، منها ثلاثة مؤلفات لسمية البوغافرية تحمل عناوين «الأمير المفقود» و«عاشقة اللبن» و«الطفل الطائر»، بمبلغ مجموعه 28 ألف درهم، وكتاب «أثر التلقي»، لمؤلفته نوال بنبراهيم، بمبلغ 12 ألف درهم، بالإضافة إلى طبع المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يصدرها البرلماني الاتحادي، حسن طارق، بمبلغ 22 ألفا و500 درهم، ومجلة «الفرقان» التي تصدرها حركة التوحيد والإصلاح، ويديرها القيادي امحمد طلابي، بمبلغ 20 ألف درهم.

علما أن دعم طبع مجلة «الفرقان»، التابعة لحركة التوحيد والإصلاح، يتعارض مع دفتر تحملات الدعم المخصص للمجلات الثقافية، خاصة أن العدد الأخير الذي حظي بدعم قدره 20 ألف درهم، مخصص حصريا للتعريف بحركة التوحيد والإصلاح، في حين لا يتم دعم المجلات والكتب الثقافية الجادة.

وحسب دفتر التحملات، فإن المجلات التي تحصل على الدعم هي المجلات المتخصصة في أدب الأطفال واليافعين، والمجلات المتخصصة في الأدب والنقد، والمجلات المتخصصة في الدراسات الفنية، والمتخصصة في التراث الثقافي، والمتخصصة في الدراسات اللغوية، والمتخصصة في الترجمة، والمتخصصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

كما أن دفتر التحملات يشترط أن تشمل الكتب المدعمة، الأعمال الأدبية والدراسات الأدبية والفنية واللغوية والمؤلفات المندرجة في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية، والأعمال المترجمة من وإلى اللغة العربية أو الأمازيغية، والكتب الأولى للأدباء الشبان المغاربة، والكتب الموجهة لفئة ضعاف البصر والمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، والمشاريع الكبرى وتشمل الأعمال الموسوعية والكتب الراقية والأعمال الكاملة للكتاب المغاربة والمشاريع التي تزاوج بين الطبعات الورقية والوسائط المتعددة، ومشاريع النشر والنشر المشترك التي تسعى من حيث حجم سحبها ومستوى توزيعها وموضوعاتها، إلى الوصول إلى أكبر عدد من القراء، وكذلك مشاريع إعادة طبع نفائس المكتبة المغربية. ويحدد مبلغ الدعم المالي المخصص لمجال نشر الكتاب في حدود 25 في المائة من مبلغ الدعم الإجمالي المخصص لدعم المشاريع الثقافية والفنية في قطاع الكتاب والنشر.

إذا كانت هناك مناصفة حقيقية في السياسة المغربية، فهي تلك التي تتجسد في كوارث وزراء الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة.

فالتحالف الحكومي يتقاسم بشكل يكاد يكون متساويا الفضائح السياسية المجلجلة، وكل حزب ينسيك في الحزب الآخر.

فإذا كان وزراء الحركة الشعبية قد اشتهروا بالكراطة والشكلاطة ومعجزة النوم لساعتين فقط والاشتغال 22 ساعة في اليوم، دون أن نتحدث عن وزيرهم بوطحشة الذي لا يملك شهادة الباك ومع ذلك سجل نفسه في الماستر، فإن حزب العدالة والتنمية قد اشتهر بفضيحة الوزير الخلفي الذي اعترف رئيسه في الحكومة بارتكابه لفساد واضح عندما توسط لابن الحمداوي لكي يشتغل في بنك عمومي، واشتهر بفضيحة الوزيرة سوسو والوزير شوشو، وبفضيحة الوزير العثماني الذي استغل زيارة حكومية إلى الكويت لكي يلتقي قيادات من تنظيم الإخوان المسلمين، فخرج على حقيبته وعلى منصب «بلاصة» السفير ولد الجنرال الراحل بناني، الذي منذ عودته من السفارة لم «يعتبها» في مكان آخر.

كل هذا كوم، كما يقول المصريون، وما يقترفه وزراء الرفيق الحاج نبيل بنعبد الله، كوم ثاني.

فبعد زلة الوزيرة شرفات أفيلال حول معاشات البرلمانيين، وزلة الصديقي وزير قلة الشغل الذي قال إنه يسرحنا نحن المغاربة، ومهزلة مجيء وزير الشغل السابق سكران إلى البرلمان، مما عجل بإقالته بواسطة رسالة قصيرة تلقاها من نبيل بنعبد الله على هاتفه، هاهو الوردي وزير قلة الصحة يحطم كل الأرقام القياسية في النفاق السياسي.
وآخر ما قام به سعادته زيارته إلى بيت عبد الجبار الوزير لكي يعوده في مرضه، لكن عيادة المرضى- يا عباد الله- تكون في الستر، لا بجلب الكاميرات لتصوير معالي الوزير يعود المريض طريح الفراش للرفع من شعبيته.

هؤلاء السياسيون لن يترددوا في التقاط صور مع الجثث لو تطلب الأمر، فقط من أجل تلميع صورتهم أمام الرأي العام.

والمصيبة مع هذا الوزير الذي يحمل سهوا اسم وزير الصحة، والذي أصبح الذهاب إلى المستشفيات على عهده يحتاج حماية أمنية مشددة، هو أنه يستغل أي شيء للدعاية لنفسه.

فقد استغل ملف خفض سعر الأدوية ونسبه لنفسه، علما أن لجنة برلمانية اتحادية هي من كانت وراء هذا المشروع.

ويستغل يوميا استعمال مروحية الوزارة لنقل المرضى في المناطق النائية لإرسال بلاغات للصحف يتبجح من خلالها بإنقاذ الناس بالمروحيات. كما لو أنه يؤدي تكاليف ذلك من جيبه وليس من أموال دافعي الضرائب.

وهاهو اليوم يقول في كل مكان إنه وفر لمرضى الالتهاب الكبدي دواء لا يتعدى سعره 8.000 درهم بعدما كان سعره يصل إلى سبعين مليونا.

والحقيقة أن من سعى للحصول على هذا الدواء هو ملياردير اسمه لحلو يملك مختبر أدوية اشترى «موليكيل» الدواء من ماله وحصل على رخصة بتجنيسه وبيعه بسعر زهيد.
وعندما يقول وزير الصحة لمرضى التهاب الكبد الفيروسي إن الدواء جاهز فهو يكذب عليهم، لأن الدواء الذي منحته مديرية الدواء رخصة البيع غير كاف لوحده من أجل تحقيق العلاج النهائي، بل يلزم دواء إضافي لازال لم يحصل على رخصة مديرية الدواء.

وإلى غاية اليوم هناك «موليكيل» اسمها Daclatasvir وأخرى اسمها Ribaverine لازالتا لم تحصلا على الترخيص، ويعلم الله متى ستحصلان عليه من مديرية الدواء بوزارة الوردي.

والواقع أن أكبر حزب سياسي مشارك في الحكومة يمارس الريع كبرنامج حزبي وكبيان إيديولوجي، هو حزب التقدم والاشتراكية بقيادة نبيل بنعبد الله.

فمنذ دخوله إلى حكومة بنكيران، نجح الحاج الرفيق نبيل بنعبد الله، وزير السكنى وسياسة المدينة، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في «تبليص» عدد من القياديين بحزبه في المناصب السامية، مستفيدا من الخبرة التي راكمها «إخوانه» في العدالة والتنمية في هذا المجال، حيث تحولت اجتماعات المجلس الحكومي إلى موعد أسبوعي لتوزيع «كعكة» المناصب السامية على المقربين من وزراء حكومة عبد الإله بنكيران، وأصبحت ظاهرة اقتسام «الوزيعة» بمثابة طقس أسبوعي يتكرر كل يوم خميس بمباركة بنكيران، يأتي بعدها بوصندالة الناطق الرسمي مهرولا إلى مقر وزارته لتلاوة لائحة بأسماء المنعم عليهم بالمناصب من قادة أحزاب «التعالف» الحكومي.

ومن أوجه الريع الذي استفاد منه حزب التقدم والاشتراكية، تعيين سعيد فكاك، عضو الديوان السياسي، في منصب مدير مؤسسة الأعمال الاجتماعية لوزارة الصحة، بدون توفر الشروط المطلوبة لهذا المنصب، سوى أنه رفيق وزير الصحة، الحسين الوردي، وشغل منصب مدير ديوانه.

ثم تعيين أنس الدكالي، عضو الديوان السياسي للحزب، مديرا للوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، دون أن يتوفر على أي شرط سوى أنه رفيق الوزير الوصي على القطاع، «السراح» عبد السلام الصديقي، وتنازل عن منصبه البرلماني لفائدة إدريس الرضواني، الكاتب العام السابق لشبيبة الحزب، الذي دخل لاستكمال ما تبقى من الولاية البرلمانية والحصول على تقاعد مريح مدى الحياة.

ولم يخرج الحاج الرفيق نبيل عن القاعدة، واستغل المجلس الحكومي لاقتراح مدير ديوانه، وعضو الديوان السياسي لحزبه، كريم التاج، في منصب المفتش العام لوزارة السكنى وسياسة المدينة، التي يوجد على رأسها، وسارع بنكيران إلى مباركة هذا التعيين، رغم أن المرشح لم يمارس الإدارة قط في حياته، والخبرة الوحيدة التي يملكها هي كونه رفيق الرفيق بنعبد الله.

والعجيب أن قرار الإعلان عن شغل المنصب تضمن شروطا مفصلة على مقاس القيادي بحزب الوزير، ومن بينها عدم اشتراط «الدبلوم» أو شهادة جامعية عليا، وكذلك عدم اشتراط ضرورة تقلد منصب المسؤولية بالوظيفة العمومية، كما ينص على ذلك قانون التعيين في المناصب العليا.

وفي إطار لعبة «عطيني نعطيك»، سارع بنكيران إلى تبليص «بو فم» امحمد الهلالي، القيادي الثرثار بحركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، والذي عينه الحاج الشيوعي في منصب مدير الشؤون القانونية بوزارة السكنى وسياسة المدينة، مقابل موافقة بنكيران على تعيين الدكالي في منصب مدير «لانابيك».

وبدوره شرع الدكالي، بمجرد «تبليصه»، على توزيع المناصب على «الرفاق» و«الرفيقات»، وأعلن عن مباراة لتوظيف 8 مستشارين، وبطبيعة الحال تقدم الآلاف من أبناء الشعب العاطلين، ليتم استدعاء 125 منهم لاجتياز الامتحان الكتابي، بقي منهم 50 في الامتحان الشفوي، وأثناء الإعلان عن لائحة النتائج، نجحت، ويا للمصادفة، أخت مستشار شرفات، وزيرة «جوج فرنك»، ونجح مستشار الوزيرة وعضو اللجنة المركزية للحزب، كما فرض أحد أعيان الحزب بآسفي باقي الناجحين في اللائحة.

أما «السارح»، وزير قلة الشغل، فقد حطم الرقم القياسي في تعيين «الرفاق» وزوجاتهم وأبنائهم في مناصب المسؤولية بوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وبعد اعتراض وزارة المالية على تعيينات مخالفة للقانون، قام في اجتماع المجلس الحكومي المنعقد قبل أسابيع، على «تتياك الكارطة» داخل وزارته، بتبادل المناصب بين المقربين منه، وقام بتعيين مديرة التعاون على رأس مديرية الشغل، وقام بتبادل بين المفتش العام الذي عينه في منصب مدير الموارد البشرية والميزانية والشؤون العامة، مكان موظفة عينها الصديقي مفتشة عامة للوزارة.

وقبلها، تم تعيين أستاذ متقاعد في منصب الكاتب العام لوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، خلفا للكاتب العام السابق، ميمون بنطالب، الذي أعفاه الصديقي على خلفية سلسلة من الفضائح التي هزت وزارته، وكان الأستاذ المتقاعد يشغل مهمة مدير ديوان الصديقي، وزير الشغل، السابق، قبل أن يثبته في منصب الكاتب العام، رغم مشاركة 17 مرشحا تنافسوا على المنصب، منهم أطر إدارية من الوزارة وخارجها، لكن بنكيران وافق في المجلس الحكومي على مكافأة رفاق نبيل بنعبد الله، بتعيين أستاذ جامعي متقاعد، يتحدر من نفس منطقة الوزير، بلدة «أكنول» بنواحي تازة، ولا يتوفر على أي تجربة في التسيير الإداري التي يتطلبها منصب الكاتب العام.

وبمجرد تعيينه في اجتماع المجلس الحكومي المنعقد يوم 23 أكتوبر 2014، شرع في توزيع المناصب على المقربين، لكونه يترأس جميع لجان الانتقاء في مناصب المسؤولية التي توزع في كواليس ديوان الوزير، والتي لن تخرج بجديد غير تعيين من ينتمي إلى حزب التقدم والاشتراكية أو إلى إقليم تازة ونواحيه، وفتح التباري على 10 مناصب رؤساء المصالح أو ما يماثلها، كذلك تم توزيعها باعتماد نفس المنطق، رغم أنها عرفت مشاركة 57 مترشحا ومترشحة.

ومؤخرا، وجهت مصالح وزارة المالية صفعة قوية إلى الوزير الصديقي، برفضها نتائج المقابلات الانتقائية لتقلد مهام رؤساء الأقسام بوزارته، وخاصة منصب رئيسة قسم تشغيل المهاجرين، بسبب الخروقات المسطرية والقانونية التي شابت هذه المقابلات، والتي توجت بتعيين مقربين من قادة حزب التقدم والاشتراكية الذي ينتمي إليه الوزير، ورغم اعتراض وزارة المالية أصر الصديقي على إعادة تعيين زوجة قيادي بحزب التقدم والاشتراكية يشتغل مديرا مركزيا بوزارة الطاقة والمعادن، في نفس المنصب، بعد سنة من تعيينها في هذا المنصب ضدا على القانون وتجاوزا لقرار الوزير نفسه، حيث لم يتم احترام الشروط القانونية التي جاءت في قرار الوزير رقم 300 بتاريخ 7 نونبر 2014، خاصة شرط ممارسة مهام رئيس مصلحة، وقام بفتح باب الترشيح من جديد لشغل هذا المنصب بعد أن تم التحايل على القانون بإصدار قرار جديد تحت رقم 303 بتاريخ 10 نونبر 2015، تنطبق مواصفاته على مقاس المرشحة المعنية، وذلك بإلغاء شرط ممارسة مهام رئيس مصلحة، لضرورة المصلحة، مصلحة الوزير والحزب طبعا.

من «إنجازات» الوزير الصديقي تعيينه ابنة عضو المكتب السياسي للحزب ورئيس الفريق البرلماني السابق للحزب بمجلس المستشارين، في منصب مديرة الحماية الاجتماعية للعمال، بعدما أعفى المديرة السابقة بطريقة غير إنسانية، خصوصا أنها كانت حاملا، ما يتعارض مع الاتفاقية الدولية للشغل رقم 3 لسنة 1919، بشأن حماية الأمومة، وكذلك التوصية رقم 191 لمنظمة العمل الدولية بشأن حماية الأمومة لسنة 2000، والتي تحرم- في مادتها الثامنة- على رئيس الإدارة أن ينهي استخدام أي امرأة أثناء حملها.

كما أن رئيس الحكومة ووزيره السارح في التشغيل، مطالبان بالكشف عن مصير 800 مليون سنتيم التي خصصتها الحكومة لانتخابات ممثلي المأجورين، وتم صرفها من الصندوق الأسود لرئيس الحكومة، علما أن هذه الانتخابات تتكلف بها المؤسسات العمومية والشركات الخاصة التي تجرى بها الانتخابات، لكن أيادي تحركت لصرف المبلغ في شكل تعويضات. لذلك فالمجلس الأعلى للحسابات مطالب باستعمال آلياته الدستورية للتحقيق في صرف هذا المبلغ.

وإذا كان الوزير الذي يسرحنا يرتكب كل هذه الفضائح علانية، فإن رفيقه ولد الباشا الصبيحي، وزير «الشقافة»، يرتكب أفظع منها في السر، معتقدا أن لا أحد يراه.

فبعد الفضيحة التي فجرتها «الأخبار»، بحصول مطبعة «طوب بريس» التي كانت في ملكية رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، على صفقات من وزارات يوجد على رأسها أعضاء بحزب العدالة والتنمية، نحن اليوم أمام فضيحة جديدة تتجلى في حصول المطبعة التي أصبحت في ملكية حركة التوحيد والإصلاح على دعم من وزارة الثقافة، وكذلك تمويل مجلة تابعة للحركة من المال العام قدمته لها نفس الوزارة التي يوجد على رأسها أمين الصبيحي، القيادي بحزب التقدم والاشتراكية.

وقد بلغ مجموع دعم وزارة الثقافة المخصص لطبع الكتب بمطبعة «طوب بريس»، خلال سنتين، 32 مليون سنتيم.

كما أن بنكيران يمول طبع مجلة حركته الدعوية من المال العام، منذ وصوله إلى الحكومة، بمعدل 20 ألف درهم في كل دورة.

فخلال السنة الثانية من عمر الحكومة، أي سنة 2013، قررت وزارة «ولد الباشا الصبيحي»، توزيع المال العام على الناشرين والمطابع، ومنها طبعا مطبعة رئيسه في الحكومة، وخصصت الوزارة آلية للدعم يستفيد منها الكتاب والناشرون ومكتبات البيع والجمعيات والمقاولات الثقافية، في شكل طلبات عروض مشاريع بغلاف مالي قدره مليار سنتيم سنويا، وتم إصدار قرار مشترك بين وزير الثقافة ووزير الاقتصاد والمالية، تنفيذا لمقتضيات المرسوم رقم 2.12.513، الصادر في 2 رجب 1434، الموافق لـ13 ماي 2013، والمتعلق بدعم المشاريع الثقافية والفنية، على شكل طلبات عروض مشاريع، توضح عبره بالإضافة إلى الأهداف والمجالات والمستفيدين والشروط والمعايير والمبالغ وطرق الصرف، طبيعة وشروط الحصول على هذا الدعم. وحدد القرار المستفيدين من الدعم في المقاولات الصحفية والجمعيات الثقافية، لكن مع ظهور نتائج الدورة الأولى للدعم التي تم الإعلان عنها سنة 2014، تبين أن المستفيد الأول من العملية، هي حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوية لحزب العدالة والتنمية، ومطبعة «طوب بريس» التي كانت مسجلة باسم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، قبل أن يصحح وضعيتها بعد تفجر فضيحة استفادتها من صفقات من وزارات يوجد على رأسها وزراء من العدالة والتنمية. فحسب السجل التجاري رقم 1170 بالمحكمة التجارية بالرباط، فإن مطبعة «طوب بريس» أصبحت مسجلة في اسم محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، عوض عبد الإله بنكيران، الذي كانت مسجلة باسمه منذ 8 ماي 1998.

لائحة المستفيدين من دعم طبع ونشر الكتب والمؤلفات، برسم الدورة الأولى من سنة 2014، كشفت عن وجود أسماء برلمانيين وقياديين بحزب العدالة والتنمية ضمن المستفيدين من دعم الدولة، إلى جانب كتاب ومؤلفين آخرين. وأبانت نتائج دراسة الملفات المرشحة لدعم المشاريع الثقافية والفنية، في مجال النشر والكتاب، حصول مطبعة «طوب بريس» على 16 مليون سنتيم، لطبع كتب لمؤلفين جلهم ينتمون إلى الحزب وذراعه الدعوية، وعلى رأسهم محمد يتيم، وهو برلماني نائب رئيس مجلس النواب، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وعضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، بحصوله على مبلغ 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابه الذي يحمل عنوان «مسارات في تاريخ الحركة الإسلامية». كما استفادت من أموال وزارة الثقافة، جميلة المصلي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي، وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وحصلت على مبلغ 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابها الذي يحمل عنوان «المرأة في الاتفاقيات الدولية»، واستفاد بلال التليدي، القيادي بحركة التوحيد والإصلاح، من دعم قيمته 15 ألف درهم لطبع ونشر كتابه «مراجعات الحركة الإسلامية المغربية».

وبدوره استفاد زميله امحمد طلابي، عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح، من مبلغ 20 ألف درهم لتمويل مجلة «الفرقان» التي يصدرها. كما تم طبع أربعة كتب أخرى، بدعم مجموعه 60 ألف درهم، بمعدل 15 ألف درهم لكل كتاب، ويتعلق الأمر بكتاب «آفاق الحوار الإسلامي العلماني»، لمحمد جبرون، وكتاب «الإعلام الجديد وتحديات القيم»، لمؤلفه هشام المكي، وكتاب «مقاربات في المسألة اللغوية» لفؤاد أبو علي، وكتاب «في الموقف من العلمانية» لصاحبه سلمان بونعمان، بالإضافة إلى طبع عددين من المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يصدرها البرلماني حسن طارق، بمبلغ 30 ألف درهم. وفي الدورة الثانية حصلت المطبعة على 6 آلاف درهم لطبع كتاب تحت عنوان «هل مات منبهي» لمؤلفه عزيز حجي.

وخلال سنة 2015 التي ودعناها، نالت كذلك المطبعة نصيبها من «كعكة» الدعم، ومجموع الدعم بلغ 17 مليون سنتيم موزعة على مرحلتين. وحسب نتائج الدورة الأولى لدعم طبع الكتب خلال سنة 2015، حصلت مطبعة «طوب بريس» بعدما أصبحت في اسم محمد الحمداوي، الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، على مبلغ 88 ألف درهم، من أجل طبع ستة كتب لقياديين بحزب العدالة والتنمية وذراعه الدعوية، من بينها كتاب يحمل عنوان «تأملات في الحريات الفردية»، لمؤلفه المقرئ الإدريسي أبو زيد، برلماني حزب العدالة والتنمية، الذي حصل على مبلغ دعم قدره 10 آلاف درهم، وكتاب «قضايا تربوية ولسانية» لمؤلفه المصطفى بنان، بمبلغ 10 آلاف درهم، وكتاب «القيم والإنسان في ضوء التدافع الحضاري المعاصر» لمؤلفه الحسان شهيد، بمبلغ 8 آلاف درهم، وكتاب «الأمازيغية: تحولات الخطاب والفاعلين والعلاقات في المغرب الراهن» لمؤلفه محمد مصباح، بمبلغ 12 ألف درهم، وكتاب «انشقاق الهوية:

جدل الهوية ولغة التعليم بالمغرب»، لمؤلفه محمد جبرون، بمبلغ 8 آلاف درهم، وكتاب «الأسرة والقيم بين المقاربتين الوضعية والمرجعية» لمؤلفه محمد ابراهيمي، بمبلغ 10 آلاف درهم. وحصلت المطبعة على 30 ألف درهم لطبع المجلة المغربية للسياسات العمومية، لصاحبها البرلماني حسن طارق.

كما حصلت المطبعة نفسها في الدورة الثانية، برسم السنة الجارية على مبلغ 82 ألف درهم، من أجل طبع أربعة كتب لقياديين بالحزب والحركة، منها ثلاثة مؤلفات لسمية البوغافرية تحمل عناوين «الأمير المفقود» و«عاشقة اللبن» و«الطفل الطائر»، بمبلغ مجموعه 28 ألف درهم، وكتاب «أثر التلقي»، لمؤلفته نوال بنبراهيم، بمبلغ 12 ألف درهم، بالإضافة إلى طبع المجلة المغربية للسياسات العمومية، التي يصدرها البرلماني الاتحادي، حسن طارق، بمبلغ 22 ألفا و500 درهم، ومجلة «الفرقان» التي تصدرها حركة التوحيد والإصلاح، ويديرها القيادي امحمد طلابي، بمبلغ 20 ألف درهم.

علما أن دعم طبع مجلة «الفرقان»، التابعة لحركة التوحيد والإصلاح، يتعارض مع دفتر تحملات الدعم المخصص للمجلات الثقافية، خاصة أن العدد الأخير الذي حظي بدعم قدره 20 ألف درهم، مخصص حصريا للتعريف بحركة التوحيد والإصلاح، في حين لا يتم دعم المجلات والكتب الثقافية الجادة.

وحسب دفتر التحملات، فإن المجلات التي تحصل على الدعم هي المجلات المتخصصة في أدب الأطفال واليافعين، والمجلات المتخصصة في الأدب والنقد، والمجلات المتخصصة في الدراسات الفنية، والمتخصصة في التراث الثقافي، والمتخصصة في الدراسات اللغوية، والمتخصصة في الترجمة، والمتخصصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

كما أن دفتر التحملات يشترط أن تشمل الكتب المدعمة، الأعمال الأدبية والدراسات الأدبية والفنية واللغوية والمؤلفات المندرجة في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية، والأعمال المترجمة من وإلى اللغة العربية أو الأمازيغية، والكتب الأولى للأدباء الشبان المغاربة، والكتب الموجهة لفئة ضعاف البصر والمكفوفين وذوي الاحتياجات الخاصة، والمشاريع الكبرى وتشمل الأعمال الموسوعية والكتب الراقية والأعمال الكاملة للكتاب المغاربة والمشاريع التي تزاوج بين الطبعات الورقية والوسائط المتعددة، ومشاريع النشر والنشر المشترك التي تسعى من حيث حجم سحبها ومستوى توزيعها وموضوعاتها، إلى الوصول إلى أكبر عدد من القراء، وكذلك مشاريع إعادة طبع نفائس المكتبة المغربية. ويحدد مبلغ الدعم المالي المخصص لمجال نشر الكتاب في حدود 25 في المائة من مبلغ الدعم الإجمالي المخصص لدعم المشاريع الثقافية والفنية في قطاع الكتاب والنشر.


ملصقات


اقرأ أيضاً
يدير اكيندي يكتب عن مافيا الماستر: حين تتحول الجامعة من منارة للعلم إلى سوق نخاسة لبيع الذمم
يدير اكيندي الفساد يضرب قلب التعليم العالي… ومصداقية الوطن على المحك مرة أخرى، يَطفو على السطح وجه بشع من وجوه الفساد في بلادنا، بعد تفجر فضيحة الاتجار بالشواهد الجامعية، وبالضبط شهادات الماستر، في واحدة من مؤسسات التعليم العالي التي يُفترض فيها أن تُخرّج نخبة النخبة. والكارثة أن هذه الشهادات ليست مجرد أوراق، بل مفاتيح لولوج مراكز القرار، ومسالك البحث العلمي، ومواقع المسؤولية في القضاء والإدارة والتعليم والثقافة. فماذا يعني أن تُباع هذه المفاتيح لمن يملك الثمن؟ وماذا تبقّى من الوطن إذا تساوى الحاذق والغشاش، والعالم والمزوّر، في فرص الصعود؟ فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان التعليم، أساس بناء الإنسان، يُباع ويُشترى؟ وكيف نضمن مستقبلاً وطنياً إذا كانت المناصب العليا تُمنح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق؟ما وقع في جامعة أكادير ليس حادثا معزولا، بل هو مؤشّر خطير على هشاشة منظومتنا القيمية، وعلى مدى تمدّد سرطان الغش والتدليس في جسد المجتمع. أن يصبح الغش “حقا مكتسبا” لدى بعض الفئات، فتلك بداية نهاية العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. من غير المعقول أن تنحصر المساءلة في الأستاذ المتهم وحده، بل إن كل من استفاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذه “التجارة اللاشرعية”، يجب أن يُحاسب ويُتابع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، والاحتيال على الدولة، والولوج إلى مواقع المسؤولية دون وجه حق ، مما يجعل الفساد التعليمي قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع بأكمله هنا تبرز ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يكفي معاقبة الأستاذ المتورط في فضيحة أكادير، بل يجب استدعاء كل من استفاد من هذه “الصفقات” وملاحقته بتهمة التزوير والتدليس.. إننا لا ننسى الضحايا الحقيقيين لهذه الفضيحة: أبناء وبنات هذا الوطن، الذين أُقصوا لأنهم لم يملكوا 250 ألف درهم لشراء شهادة، وليس لأنهم يفتقرون للكفاءة أو الجدارة. كم من طاقة وطنية شريفة حُرمت من فرصتها، ودُفنت أحلامها، وانهزمت ثقتها في مؤسسات الدولة! وكم من شاب وشابة حُرموا من الماستر والدكتوراه، لا لضعف مستواهم العلمي، بل فقط لأنهم لا يملكون رصيدًا بنكيًا محترمًا! أليس هذا هو الوجه الحقيقي لانهيار القيم، وبداية تصدع الوطن؟ هذه الممارسات لا تدمر الأفراد فحسب، بل تقتل روح الانتماء لدى الشباب، وتجعلهم يفقدون الثقة في الوطن. وكما قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته “الكيميائي”: “عندما تُحارب أحلامك، فإن الكون بأسره يتآمر لمساعدتك”، لكن ماذا لو كان الفساد هو من يحارب الأحلام؟ حينها لن يجد الشباب سوى اليأس أو الهجرة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة. فالوطن الذي نريده ليس مبنيًا على الريع والزبونية، بل على تكافؤ الفرص والاستحقاق. كما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، فإن بناء مغرب الغد يمر عبر بناء مجتمع قوي إلى جانب دولة قوية، مجتمع يؤمن بالعدل، والكرامة، والنزاهة، ويقاوم كل أشكال الغش والإفساد. فكيف تكون الدولة قوية إذا كان تعليمها ضعيفاً؟ وكيف يكون المجتمع قوياً إذا كان أفراده يعيشون على الوهم؟ ولعل ما قاله الكاتب البرازيلي باولو كويلو في رسالته إلى ابنه: “إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المدن، لكنه الأساس الحقيقي لأي حضارة”، ينطبق تمامًا على ما نحتاجه اليوم. فالتعليم هو حجر الزاوية لبناء الإنسان، والعبث به هو تقويض لكل إمكانيات النهوض. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” « وهل هناك عدل حين يحصل المزوّرون على مناصب ومسؤوليات، بينما يُقصى النجباء لأنهم لا يملكون المال؟ هل هناك دولة قانون، حين يتحول التعليم إلى مزاد علني؟ إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحرّك النيابة العامة بصرامة، ويُفتح تحقيق شامل يُحاسب فيه كل من تواطأ أو استفاد أو سكت عن هذا الفساد، أو أن نترك هذا الورم الخبيث يتفشى في جسد الدولة والمجتمع، ويُعمق فقدان الثقة، ويقضي على كل أمل في الإصلاح. إننا ننتظر من وزارة التعليم العالي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني في هذه القضية، وأن تُعلن حربا لا هوادة فيها على كل المتلاعبين بسمعة الجامعة المغربية. فالتعليم لا يجب أن يكون سلعة، ولا يجب أن يُترك للمفسدين ينشرون سمومهم بين الطلبة والأساتذة، ويهدمون ما تبقى من الأمل في غد نزيه وعادل. وحده العدل، وحدها المساواة، وحده القانون، يمكن أن يؤسسوا لوطن يسع الجميع. أما الاستسلام فليس خيارًا، والسكوت تواطؤ. فلننتفض، دفاعًا عن الكرامة، عن العدالة، عن مغرب يستحق أن نحلم به… لا أن نخجل منه. فضيحة شواهد الماستر ليست قضية أكاديمية عابرة، بل هي معركة وجودية ضد فسادٍ ينهش جسد الوطن. إن لم نتحرك اليوم، فسنواجه غداً جيلاً يعتقد أن الغش “إنجاز”، والتدليس “ذكاء”. الفساد الجامعي ليس مجرد جريمة أخلاقية، بل تهديد مباشر للأمن المجتمعي. عندما تتحول الجامعة إلى مصنع لشواهد مزورة، فإنها تنتج مسؤولين بلا كفاءة، وقضاة بلا ضمير، وأساتذة بلا علم. وحينها لا يمكن بناء مغرب الغد السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للأمل، وتواطؤ مع الفساد، ومساهمة في قتل طموحات شباب حُرموا من فرص حقيقية لأنهم لم يملكوا ما يكفي لشراء شهادة. إن ضحايا هذه المافيا معروفون: شباب اجتهدوا وكافحوا، لكنهم صُدوا لأنهم لم يكونوا جزءاً من لعبة النفوذ والرشوة * يدير اكيندي، أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية، خبير في التنمية الشاملة والإعاقة
ساحة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الثلاثاء 01 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة