جمال المحافظ يكتب عن إشكالية ضعف القراءة في الزمن الرقمي – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
الأربعاء 16 أبريل 2025, 11:54

ساحة

جمال المحافظ يكتب عن إشكالية ضعف القراءة في الزمن الرقمي


كشـ24 نشر في: 18 يونيو 2023

جمال المحافظ

تضاعفت في الآونة الأخيرة، التساؤلات حول مستقبل التكنولوجيا في العصر الرقمي خاصة على مستوى استخدامها في ميدان التربية والتعليم والمعرفة، وتجدد الجدل حولها على ضوء قرار السويد أخيرا العودة إلى الاعتماد الكتب والدفاتر الورقية في التدريس بالمؤسسات التعليمية، بدلاً من الشاشات والألواح و الحواسب.

وجاءت المبادرة غير المتوقعة، بعدما سجل ضعف ملحوظ في مهارات التلاميذ في مجال الكتابة والقراءة، بعد الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، كأداة أساسية في التعليم، بدلاً من الكتب والدفاتر، حسب ما جاء على لسان لوتا إيدهولم وزيرة التربية السويدية، وزميلتها باريسا ليليستراند، وزيرة الثقافة اللتين كشفتا أن المعطيات، أظهرت تراجعا في مهارات التلاميذ في القراءة، وهو ما يشكل خطورة ليس فقط على مستقبلهم ولكن على مستقبل البلاد برمتها.

 وفي معرض رصدها لوضعية التعليم بالسويد، لاحظت لوتا إيدهولم ، " إن قدرة الأطفال على القراءة ساءت، كما ضعفت مهارات الكتابة لديهم". وعزت الوزيرة ذلك لعدة أسباب منها زيادة الاعتماد على الأجهزة اللوحية وقضاء وقت طويل أمام الشاشات، وهو ما يعد مشكلة وطنية يتطلب معالجتها، لما لها من مخاطر على مستقبل البلاد، خاصة وأن الضعف في القراءة والكتابة، يعني أن التلاميذ عاجزين عن الوصول إلى المعلومات أو التواصل مع الآخرين.

العودة للورق والأقلام

ونتيجة ذلك، قررت السويد التي تعد من بين أولى البلدان اسوة بنظيراتها الاسكندنافية الواقعة شمال أوروبا التي ربطت المؤسسات التعليمية بالإنترنيت، اعداد خطة حكومية للعودة لوسائل التعليم التقليدية للتلقين في مدارسها، بتكلفة مالية بأكثر من 60 مليون دولار.

ويلاحظ أن الأبحاث والدراسات التي اهتمت بالعلاقة بين المدرسة والإعلام في ظل الثورة الرقمية ما زالت محدودة جدا، مقارنة بتواتر الدعوات إلى تجسير العلاقة بين المؤسسات التعليمية والتربوية والتكنولوجيا والتفكير في السبل الكفيلة بتفاعل المدرسة مع ثورة الإعلام والاتصال، وذلك اعتبارا لدور الإعلام التربوي والمدرسي كوسيلة تواصل اجتماعي في اكساب المتعلمين المهارات لتطبيق أجناس الإعلام بوسائطه المختلفة.

لكن لم تقتصر إشكالية التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، على مجال التربية والتعليم، بل لها تأثير على العديد من القطاعات والمهن في مقدمتها قطاع الصحافة والاعلام والاتصال، الذي لوحظ في الآونة الأخيرة لجوء متزايد ممن يطلق عليهم " المؤثرون" بالفضاء الأزرق في مجال الحصول على المعلومات في الوقت الذي يفقد فيه الصحافيون تدريجيا التحكم في نشر الإخبار والمعلومات .

وكشف دراسة حديثة أن الأجيال الأكثر شبابا التي تربت على الشبكات الاجتماعية، غالبا ما تولي المؤثرين أو المشاهير اهتماما أكبر مما توليه للصحافيين، حتى في ما يتعلق بالأخبار.

 المؤثرون مصدر للمعلومات

وفي استطلاع للرأي عبر الإنترنت أجرته شركة "يوغوف" للأبحاث وتحليل المعطيات، لفائدة " معهد رويترز لدراسة الصحافة"، فإن غالبية مستخدمي "تيك توك" و"سناب تشات" و" إنستغرام" صرحوا بأن اهتمامهم الأكبر ينصب على" المؤثرين والمشاهير"، كمصدر للمعلومات موضحا أن كلمة "أخبار" بالنسبة لجيل "تيك توك" لها معنى أوسع بكثير من مفهومها التقليدي المرتبط بالسياسة والعلاقات الدولية.

كما أن الاستطلاع الذي شمل 94 ألف فرد ب 46 بلدا، كشف كذلك أن الأخبار بنظر الشبان " تعني أي جديد في أي قطاع كان، كالرياضة والترفيه، وأخبار المشاهير وأحداث الساعة، والثقافة والفنون والتكنولوجيا وسواها". وأشار معهد رويترز إلى أن طغيان المؤثرين، يعد " أبرز نتيجة لانقلاب ترتيب الأهمية بين شبكات التواصل الاجتماعي، حيث باتت " المواقع التقليدية، مثل فيسبوك تبدو متقادمة وفي تراجع أمام التطبيقات والشبكات القائمة على الفيديو مثل تيك توك ويوتيوب" المملوكة لمجموعة ألفابيت، الشركة الأم للعملاق الأمريكي "غوغل"، و"إنستغرام" و"سناب تشات".

هل تهدد التكنولوجيا الديمقراطية؟

وعلى صعيد آخر تطرح عدة أسئلة من بينها " كيف تهدد تكنولوجيا المعلومات الديمقراطية؟" كما انتبه الى ذلك كوفي عنان الأمين العام للأمم الأمم المتحدة السابق، في عنوان ورقة نشرها عام 2018، سجل فيها، أن شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كانت محل إشادة، لأنها تخلق فرصا جديدة لنشر الديمقراطية والحرية، وقامت وسائل التواصل الاجتماعي، منها "تويتر" و"فيس بوك" بدور أساسي في الحركات الاحتجاجية، بعدد من البلدان، وكانت تغريدة على " تويتر"، "أمضى من حد السيف" حسب عنان الذي لاحظ أن الأنظمة الاستبدادية سرعان ما بدأت تشن حملة صارمة ضد حرية الإنترنت، وتوجسا من العصر الرقمي الجديد.

لكن غالبية الانتفاضات الشعبية التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي، " فشلت بسبب الافتقار إلى قيادة فعّالة"، وحافظت التنظيمات السياسية والعسكرية على موقعها بوصفها صاحبة اليد العليا، وبدأت هذه الأنظمة فيما بعد تمارس السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي وتوظفها لتحقيق أهدافها الخاصة يقول كوفي عنان الذي استدرك بالقول: لكن هذه الوسائل ليست أول ثورة اتصالات تتحدى الأنظمة السياسية، بل كان" الاعلام التقليدي" من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون وسينما " وسائل ثورية" وقت ظهورها. معتبر " لا يجوز لنا أن نبقى خاملين؛ فهناك قِلة من اللاعبين الأساسيين، في وادي السيلكون وأماكن أخرى- يتحكمون في مصائرنا. ولكن إذا تمكنا من إشراكهم، فسيصبح بوسعنا معالجة أوجه القصور التي تعيب النظام الحالي".

التكنولوجيا والسراب

وفي " زمن للايقين" والذكاء الاصطناعي، من المؤكد أن لقرار السويد إيجابيات وسلبيات منها أن الألواح والشاشات الالكترونية قد " لا يعزز مهارة القراءة.. ويضيع الانتباه والتركيز" خاصة بالنسبة للفئات الناشئة. بيد أن من يظن أن الشركات التكنولوجية " بريئة من اللعبة، وأنها لا تروج لمنتجاتها وكأنها الخلاص الأكبر، يكون مخطئاً" مما يجعل المراجعة السريعة واجبة، وأن المبالغة في تعليق الآمال على الآلات والذكاء الصناعي، وعبقرية التطبيقات لتغيير وجه الحياة، لا تعدو أن تكون " مجرد سراب وأضغاث أحلام"، كما ترى الصحافية اللبنانية سوسن الأبطح في مقال بعنوان " الرعب من التخلف" نشرته إحدى الصحف العربية الصادرة في لندن، لاحظت فيه كذلك بأن "غالبية تلامذتنا، يقرأون بتعثر ويكتبون، كما لو أنهم لم يغادروا الصفوف الابتدائية، حتى وهم يستعدون للحصول على الثانوية، وتلك كارثة تنبهت لها السويد، فيما نرفض نحن كعرب الإقرار بأن من يتعثر بلغته كتابة وقراءة، هو أمي رسمياً، حتى وإن أجاد كتابة الخوارزميات وتشغيل التطبيقات".

بيد أن مجمل هذه المتغيرات المتسارعة، تجري في ظل " زمن اللايقين" أو الارتياب، الذي أصبح مفهوما أكثر تداولا وتحول إلى نموذج تفسيري وبراديغم ارشادي جديد. وانتقل بعد تشكله في دائرة الفيزياء، الى الحياة السياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية.

تقنية للهيمنة

وجعلت التحولات التكنولوجية، الحدود تنهار، ما بين وسائل الاعلام ووسائط التواصل التي أضحت موجها لطريقة تمثلنا للعالم، وأصبحت العلاقات، لا تتم وفق التجربة المباشرة للأفراد والجماعات، بل تتم وفق ما تقدمه وسائل الإعلام والاتصال لنا جاهزة. وإذا كانت التكنولوجيا، أتاحت فرص الحصول على المعلومات ومضاعفة التبادل والتفاعل، فإنها أدت بالمقابل الى تغيير جذري في البيئة الإعلامية، ومهنة الصحافة.

وتجسد شركات التكنولوجيا الواسعة الانتشار (..غوغل وأمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت.. )، العلاقة القائمة ما بين عالم المال والصحافة عبر جسرِ التقنية التي وظيفتها لبناء تقنية للهيمنة للتأثير على استهلاك الصحافة ، كما جاء في  كتاب جايسون واتاكر بعنوان " عمالقة التقنية والذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة" الصادر سنة 2019. ويثير صاحب الكتاب الانتباه الى تحديات رقمنة الصحافة، وهيمنة الخوارزميات عليها، وهو ما يتطلب وعيا أكبر، وتأهيلا للعنصر البشري، للتفاعل مع التحديات التي يفرضها تغول التقنية، مع جعل البرمجة، وسيلة لمساعدة الذكاء البشري في فهم العالم وتحويله لما يمكنُ أن ينفع البشرية بدلا من تركه، يتحول إلى أداة لن تكون ضد الصحافة فقط، ولكن ضد البشرية كذلك.

غير أن التكنولوجيات الرقمية، لا تعدو، إلا أن تكون انعكاسا للاستعمال الذي يقوم به المرء، فهي لم تضع حدا لعدم المساواة في الاستخدام، ولم تخفف من سوء التفاهم بين البشر، ولم تقلص كذلك من النزاعات والحروب، لكنها بالمقابل وفرت ولوجا غير محدود للمعرفة، ورفعت من القدرة على التبادل والمشاركة، وأصبح الفضاء الرمزي -كالقراءة - لا يخضع للرقابة. لكن يظل السؤال مطروحا حول مدى إيجابية وسلبية الذكاء الاصطناعي وهل هو نعمة أم نقمة وتلك قصة أخرى؟.

جمال المحافظ

تضاعفت في الآونة الأخيرة، التساؤلات حول مستقبل التكنولوجيا في العصر الرقمي خاصة على مستوى استخدامها في ميدان التربية والتعليم والمعرفة، وتجدد الجدل حولها على ضوء قرار السويد أخيرا العودة إلى الاعتماد الكتب والدفاتر الورقية في التدريس بالمؤسسات التعليمية، بدلاً من الشاشات والألواح و الحواسب.

وجاءت المبادرة غير المتوقعة، بعدما سجل ضعف ملحوظ في مهارات التلاميذ في مجال الكتابة والقراءة، بعد الاعتماد على الأجهزة الإلكترونية، كأداة أساسية في التعليم، بدلاً من الكتب والدفاتر، حسب ما جاء على لسان لوتا إيدهولم وزيرة التربية السويدية، وزميلتها باريسا ليليستراند، وزيرة الثقافة اللتين كشفتا أن المعطيات، أظهرت تراجعا في مهارات التلاميذ في القراءة، وهو ما يشكل خطورة ليس فقط على مستقبلهم ولكن على مستقبل البلاد برمتها.

 وفي معرض رصدها لوضعية التعليم بالسويد، لاحظت لوتا إيدهولم ، " إن قدرة الأطفال على القراءة ساءت، كما ضعفت مهارات الكتابة لديهم". وعزت الوزيرة ذلك لعدة أسباب منها زيادة الاعتماد على الأجهزة اللوحية وقضاء وقت طويل أمام الشاشات، وهو ما يعد مشكلة وطنية يتطلب معالجتها، لما لها من مخاطر على مستقبل البلاد، خاصة وأن الضعف في القراءة والكتابة، يعني أن التلاميذ عاجزين عن الوصول إلى المعلومات أو التواصل مع الآخرين.

العودة للورق والأقلام

ونتيجة ذلك، قررت السويد التي تعد من بين أولى البلدان اسوة بنظيراتها الاسكندنافية الواقعة شمال أوروبا التي ربطت المؤسسات التعليمية بالإنترنيت، اعداد خطة حكومية للعودة لوسائل التعليم التقليدية للتلقين في مدارسها، بتكلفة مالية بأكثر من 60 مليون دولار.

ويلاحظ أن الأبحاث والدراسات التي اهتمت بالعلاقة بين المدرسة والإعلام في ظل الثورة الرقمية ما زالت محدودة جدا، مقارنة بتواتر الدعوات إلى تجسير العلاقة بين المؤسسات التعليمية والتربوية والتكنولوجيا والتفكير في السبل الكفيلة بتفاعل المدرسة مع ثورة الإعلام والاتصال، وذلك اعتبارا لدور الإعلام التربوي والمدرسي كوسيلة تواصل اجتماعي في اكساب المتعلمين المهارات لتطبيق أجناس الإعلام بوسائطه المختلفة.

لكن لم تقتصر إشكالية التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي، على مجال التربية والتعليم، بل لها تأثير على العديد من القطاعات والمهن في مقدمتها قطاع الصحافة والاعلام والاتصال، الذي لوحظ في الآونة الأخيرة لجوء متزايد ممن يطلق عليهم " المؤثرون" بالفضاء الأزرق في مجال الحصول على المعلومات في الوقت الذي يفقد فيه الصحافيون تدريجيا التحكم في نشر الإخبار والمعلومات .

وكشف دراسة حديثة أن الأجيال الأكثر شبابا التي تربت على الشبكات الاجتماعية، غالبا ما تولي المؤثرين أو المشاهير اهتماما أكبر مما توليه للصحافيين، حتى في ما يتعلق بالأخبار.

 المؤثرون مصدر للمعلومات

وفي استطلاع للرأي عبر الإنترنت أجرته شركة "يوغوف" للأبحاث وتحليل المعطيات، لفائدة " معهد رويترز لدراسة الصحافة"، فإن غالبية مستخدمي "تيك توك" و"سناب تشات" و" إنستغرام" صرحوا بأن اهتمامهم الأكبر ينصب على" المؤثرين والمشاهير"، كمصدر للمعلومات موضحا أن كلمة "أخبار" بالنسبة لجيل "تيك توك" لها معنى أوسع بكثير من مفهومها التقليدي المرتبط بالسياسة والعلاقات الدولية.

كما أن الاستطلاع الذي شمل 94 ألف فرد ب 46 بلدا، كشف كذلك أن الأخبار بنظر الشبان " تعني أي جديد في أي قطاع كان، كالرياضة والترفيه، وأخبار المشاهير وأحداث الساعة، والثقافة والفنون والتكنولوجيا وسواها". وأشار معهد رويترز إلى أن طغيان المؤثرين، يعد " أبرز نتيجة لانقلاب ترتيب الأهمية بين شبكات التواصل الاجتماعي، حيث باتت " المواقع التقليدية، مثل فيسبوك تبدو متقادمة وفي تراجع أمام التطبيقات والشبكات القائمة على الفيديو مثل تيك توك ويوتيوب" المملوكة لمجموعة ألفابيت، الشركة الأم للعملاق الأمريكي "غوغل"، و"إنستغرام" و"سناب تشات".

هل تهدد التكنولوجيا الديمقراطية؟

وعلى صعيد آخر تطرح عدة أسئلة من بينها " كيف تهدد تكنولوجيا المعلومات الديمقراطية؟" كما انتبه الى ذلك كوفي عنان الأمين العام للأمم الأمم المتحدة السابق، في عنوان ورقة نشرها عام 2018، سجل فيها، أن شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، كانت محل إشادة، لأنها تخلق فرصا جديدة لنشر الديمقراطية والحرية، وقامت وسائل التواصل الاجتماعي، منها "تويتر" و"فيس بوك" بدور أساسي في الحركات الاحتجاجية، بعدد من البلدان، وكانت تغريدة على " تويتر"، "أمضى من حد السيف" حسب عنان الذي لاحظ أن الأنظمة الاستبدادية سرعان ما بدأت تشن حملة صارمة ضد حرية الإنترنت، وتوجسا من العصر الرقمي الجديد.

لكن غالبية الانتفاضات الشعبية التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي، " فشلت بسبب الافتقار إلى قيادة فعّالة"، وحافظت التنظيمات السياسية والعسكرية على موقعها بوصفها صاحبة اليد العليا، وبدأت هذه الأنظمة فيما بعد تمارس السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي وتوظفها لتحقيق أهدافها الخاصة يقول كوفي عنان الذي استدرك بالقول: لكن هذه الوسائل ليست أول ثورة اتصالات تتحدى الأنظمة السياسية، بل كان" الاعلام التقليدي" من صحافة مكتوبة وإذاعة وتلفزيون وسينما " وسائل ثورية" وقت ظهورها. معتبر " لا يجوز لنا أن نبقى خاملين؛ فهناك قِلة من اللاعبين الأساسيين، في وادي السيلكون وأماكن أخرى- يتحكمون في مصائرنا. ولكن إذا تمكنا من إشراكهم، فسيصبح بوسعنا معالجة أوجه القصور التي تعيب النظام الحالي".

التكنولوجيا والسراب

وفي " زمن للايقين" والذكاء الاصطناعي، من المؤكد أن لقرار السويد إيجابيات وسلبيات منها أن الألواح والشاشات الالكترونية قد " لا يعزز مهارة القراءة.. ويضيع الانتباه والتركيز" خاصة بالنسبة للفئات الناشئة. بيد أن من يظن أن الشركات التكنولوجية " بريئة من اللعبة، وأنها لا تروج لمنتجاتها وكأنها الخلاص الأكبر، يكون مخطئاً" مما يجعل المراجعة السريعة واجبة، وأن المبالغة في تعليق الآمال على الآلات والذكاء الصناعي، وعبقرية التطبيقات لتغيير وجه الحياة، لا تعدو أن تكون " مجرد سراب وأضغاث أحلام"، كما ترى الصحافية اللبنانية سوسن الأبطح في مقال بعنوان " الرعب من التخلف" نشرته إحدى الصحف العربية الصادرة في لندن، لاحظت فيه كذلك بأن "غالبية تلامذتنا، يقرأون بتعثر ويكتبون، كما لو أنهم لم يغادروا الصفوف الابتدائية، حتى وهم يستعدون للحصول على الثانوية، وتلك كارثة تنبهت لها السويد، فيما نرفض نحن كعرب الإقرار بأن من يتعثر بلغته كتابة وقراءة، هو أمي رسمياً، حتى وإن أجاد كتابة الخوارزميات وتشغيل التطبيقات".

بيد أن مجمل هذه المتغيرات المتسارعة، تجري في ظل " زمن اللايقين" أو الارتياب، الذي أصبح مفهوما أكثر تداولا وتحول إلى نموذج تفسيري وبراديغم ارشادي جديد. وانتقل بعد تشكله في دائرة الفيزياء، الى الحياة السياسية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية.

تقنية للهيمنة

وجعلت التحولات التكنولوجية، الحدود تنهار، ما بين وسائل الاعلام ووسائط التواصل التي أضحت موجها لطريقة تمثلنا للعالم، وأصبحت العلاقات، لا تتم وفق التجربة المباشرة للأفراد والجماعات، بل تتم وفق ما تقدمه وسائل الإعلام والاتصال لنا جاهزة. وإذا كانت التكنولوجيا، أتاحت فرص الحصول على المعلومات ومضاعفة التبادل والتفاعل، فإنها أدت بالمقابل الى تغيير جذري في البيئة الإعلامية، ومهنة الصحافة.

وتجسد شركات التكنولوجيا الواسعة الانتشار (..غوغل وأمازون وآبل وفيسبوك ومايكروسوفت.. )، العلاقة القائمة ما بين عالم المال والصحافة عبر جسرِ التقنية التي وظيفتها لبناء تقنية للهيمنة للتأثير على استهلاك الصحافة ، كما جاء في  كتاب جايسون واتاكر بعنوان " عمالقة التقنية والذكاء الاصطناعي ومستقبل الصحافة" الصادر سنة 2019. ويثير صاحب الكتاب الانتباه الى تحديات رقمنة الصحافة، وهيمنة الخوارزميات عليها، وهو ما يتطلب وعيا أكبر، وتأهيلا للعنصر البشري، للتفاعل مع التحديات التي يفرضها تغول التقنية، مع جعل البرمجة، وسيلة لمساعدة الذكاء البشري في فهم العالم وتحويله لما يمكنُ أن ينفع البشرية بدلا من تركه، يتحول إلى أداة لن تكون ضد الصحافة فقط، ولكن ضد البشرية كذلك.

غير أن التكنولوجيات الرقمية، لا تعدو، إلا أن تكون انعكاسا للاستعمال الذي يقوم به المرء، فهي لم تضع حدا لعدم المساواة في الاستخدام، ولم تخفف من سوء التفاهم بين البشر، ولم تقلص كذلك من النزاعات والحروب، لكنها بالمقابل وفرت ولوجا غير محدود للمعرفة، ورفعت من القدرة على التبادل والمشاركة، وأصبح الفضاء الرمزي -كالقراءة - لا يخضع للرقابة. لكن يظل السؤال مطروحا حول مدى إيجابية وسلبية الذكاء الاصطناعي وهل هو نعمة أم نقمة وتلك قصة أخرى؟.



اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأربعاء 16 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة