جمال المحافظ : انفتاح محتشم لنقابة الصحافة – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
السبت 19 أبريل 2025, 21:18

ساحة

جمال المحافظ : انفتاح محتشم لنقابة الصحافة


كشـ24 نشر في: 19 يناير 2023

ظلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية طيلة 17 سنة أي من 1984 الى غاية 1993، المرحلة التي كان خلالها محمد اليازغي كاتبا عاما لها، محافظة على نفس التركيبة كنقابة للمديرين، لكن بمجرد إدخال تعديل على الفصل الخامس من القانون الأساسي للنقابة، الذى أصبح  منذ سنة1980   ينص لأول مرة على فتح باب العضوية لكل محرر أي صحفي، مسجل في صحيفة عضو بالنقابة، وبالتالي اتخذ هذا التوسيع شكله القانوني، بعد أن تكرس على أرض الواقع.   وشكل الجمع العام الأول للنقابة في أبريل 1984، محطة هامة في مسار النقابة التي شهدت بعده أكبر تحول تنظيمي في بنيتها منذ تأسيسها، وأعطت انطلاقة مسلسل التفكير في إعادة النظر في هياكل النقابة وتوجهاتها، خاصة في أفق الانتقال من نقابة المدراء إلى نقابة الصحفيين، في الوقت الذي كانت خاضت قبيل انعقاد جمعها العام بأيام قليلة معركة أخرى، ضد طبع الصحف الأجنبية بالمغرب بعد الترخيص لها من قبل الدولة.يوم بدون صحف احتجاج على طبع وإصدار صحف أجنبيةواحتجاجا على السماح للصحف الأجنبية بالطبع في المغرب الذي يعد أول سابقة في البلاد، قررت الصحف المغربية بناءا على دعوة من النقابة، الاحتجاب عن الصدور يوم 13 أبريل 1984، بدعوى أن طبع وإصدار صحف أجنبية وإغراق السوق المغربية بها، "يعد تهديدا لحرية التعبير والرأي التي تناضل الصحافة الوطنية من أجل تثبيتها وتوسيعها".​وحسب نقابة الصحافة فإن هذا التهديد يكمن في تهميش القضايا الوطنية المطروحة، مثل قضية الديمقراطية والوحدة الترابية، والأزمة المتعددة الأشكال والمظاهر التي يعاني منها المغرب والمجتمع، لكون الصحف الأجنبية التي تغرق السوق الوطني لا تحمل هموم واهتمامات الرأي العام الوطني. واعتبرت أنه عندما تتمكن الصحف الأجنبية من بسط هيمنتها التجارية على حساب الصحافة الوطنية، تصبح بالتالي الأخبار المتعلقة بالوطن وبقضاياه مهمشة ومعتم عليها، الشيء الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى إفقاد الرأي العام ذاكرته التاريخية وحسه النقدي، وتصبح قضية الديمقراطية مثلا شيئا ثانويا، لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف الرأي العام الوطني الذي يجد نفسه أكثر ارتباطا بالأحداث، التي تجري خارج بلاده. ولم تكتف النقابة بالاحتجاج، بل لجأت في ماي 1984 إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي، يرمي إلغاء المرسوم القاضي بالإذن بطبع جريدة "الشرق الأوسط" بالمغرب. وفي الجمع العام الأول الذي انعقد في  14 أبريل 1984 سطرت النقابة، الخطوط الكبرى للملف المطلبي إذ بالإضافة إلى المطالبة بمنع طبع الصحف الأجنبية بالمغرب، أكدت أيضا على أن "الصحف بدون حرية صحافة، وبدون دعم، تصبح مجرد أوراق تتقاذفها الرياح ولا قيمة لها".لهذا فإن المطالب كانت تهدف إلى تحسين الوضع العام للصحافة الوطنية، والاستفادة من التطورات التكنولوجية، لمحدودية الوسائل والامكانيات التي تتوفر عليها الصحافة المغربية، حتى تكون في مستوى أداء رسالتها.    التحاق صحافة " الأحزاب الإدارية" بالنقابة بيد أن سنة 1984 أشرت لالتحاق مكون صحافي جديد بصفوف النقابة يتمثل في مديري ومسؤولي صحف تأسست في بداية الثمانينيات كلسان هيئات سياسية حديثة النشأة، كانت تصفها أحزاب المعارضة وصحافتها بـ " الأحزاب الإدارية "، في الوقت الذي كانت فيه قيادة النقابة تضم في صفوفها مديري صحف الأحزاب الوطنية، أو الصف الديمقراطي حسب تعبيرات تلك الحقبة، فالغاية الأساسية من انضمام هذه الصحف، كان على مايبدو، جعل النقابة الوطية للصحافة المغربية، نقابة تشمل كافة الصحف بغض النظر عن توجهاتها وميولها.وباطلالة على تشكيلة المكتب الوطني الذي أفرزه الجمع العام لسنة 1984، يلاحظ بأن هذا الجهاز لم يعد يقتصر فقط على صحافة الاحزاب الوطنية، بل اصبحت ممثلة فيه أيضا صحف ما كان يسمى بـ" الأحزاب الادارية "، من قبيل الاتحاد الدستوري (رسالة الامة، ولوميساج دو لاناسيون) والأحرار (الميثاق الوطني والمغرب)، وبذلك تحولت النقابة الى هيئة تضم كافة الصحف بغض النظر عن توجهاتها الحزبية ومرجعيتها الفكرية والعقائدية، لكن باستثناء " صحافة مولاي أحمد العلوي، لأنها كانت تعتبر امتدادا لصحافة " ماس " الاستعمارية، وحافظت على نفس الخط التحريري الذي كان سائدا آنذاك، حيث كان من بين الملتحقين بالنقابة ممثلون لهذه الصحف". وبذلك أصبحت جميع الصحف بمجرد تأسيسها تنخرط في النقابة الوطنية للصحافة المغربية. كما زاد من توسع هذه المنظمة وشمولها لجل الصحف، تفاعلات قضية الصحراء التي كانت من بين المسائل التي ساعدت على جمع شمل الجسم الصحفي، وهو ما خلق دينامية جديدة في داخل الوسط الصحفي.  التمييز بين الموقف السياسي والصحفيوقد مكن أول جمع عام للنقابة  بعد التأسيس، الصحفيين من مديرين ومحررين، التداول في المشاكل التي تعترض مهنتهم، في الوقت الذي كان المغرب " يعرف نوعا من الانفتاح النسبي " منذ سنة 1983، فكانت هناك محاولة لجمع كافة الأطياف السياسية في النقابة التي عملت خلال هذه المرحلة، على أن يكون هناك تمييز بين الموقف السياسي للأحزاب والجانب الصحفي الذي يهم الجميع، وبالتالي كان التساؤل ينصب على البحث عن سبل توحيد الجميع  للدفاع عن حرية الصحافة، خاصة مواجهة الرقابة المسبقة، ومشكل منع الصحف، وقضية الدعم المقدم للصحافة، وهي المشاكل كانت تعاني منها جميع الصحف.وعلى الرغم من الوضع المرتبط بالحاق الاعلام بالداخلية، عرفت نقابة الصحافة خلال هذه المرحلة توسعا منذ جمعها العام الاول، وانعكس ذلك على الجسم الصحفي الذي يلاحظ أنه بدأ يتقوى ويعرف بعض الاستقرار النسبي، وهو ماعجل بإثارة النقاش داخل أوساط الصحفيين، حول ضرورة إيجاد إطار ملائم لممارسة العمل الصحفي بمعزل عن الإكراهات السياسية والتوجهات الحزبية، وممارسة العمل النقابي الصحفي دفاعا عن القضايا المادية والمهنية.كما عرف الجمع العام لسنة 1984، تحولا ملحوظا تمثل في تبنى النقابة لبعض مطالب الصحافيين، وخاصة ما يتعلق بوضعهم القانوني والمادي، من قبيل تحديد الأجور ووضع مقاييس ضبط الترقيات والتعويضات على الساعات الإضافية، والاستفادة من بعض الخدمات الاجتماعية.الانشغال بتنظيم المهنة وفتحت النقابة بذلك أفقا لمعركة جديدة تمثلت في المطالبة بإنجاز مشروع لقانون المهنة لتعديل القانون العتيق لسنة 1942، المعدل في سنة 1956، والانكباب على الأوضاع الاجتماعية للصحافيين، مما تبلورت معه ملامح جديدة لعملها النقابة منها الاهتمام بتنظيم المهنة، من خلال ضبط المقاييس التي تمنح على أساسها بطاقة الصحافة.وإذا كان الجمع العام لسنة 1984 قد فتح الباب على مصراعيه  لنزوع نحو ثقافة مطلبية ذات مضمون جديد، بفضل الأجيال الجديدة من الصحفيين التي التحقت بصفوف النقابة الوطنية للصحافة المغربية خاصة خلال نهاية السبعينيات وبداية الثمانيات، فإن  النفس الملحمي، السياسي أو الحزبي، الذي طغى على خطاب الجيل الأول من المؤسسين استمر في أدبيات النقابة خلال فترة الثمانينات.​وتشهد على ذلك الكثير من العبارات الواردة في البيان الختامي الذي أصدره الجمع العام الاول، وفيه نقرأ " إن الجمع العام يسجل .. أن الصحافة الوطنية في المغرب، منذ كانت، وهي تعبير عن ضمير الأمة الحي وعنوانه اليومي المكتوب، على أن الصحافة هي رسالة القوات الحية، التي تعيش قضايا المواطنين وتحس بمشاكلهم وتفصح عن آمالهم وطموحاتهم. "  الحاق اللاعلام بالداخلية النقابة واجهة للنضال السياسيفالخطاب المتداول في النقابة كان، إلى حدود انعقاد الجمع العام سنة 1984، يمتح من قاموس سياسي وإيديولوجي واضح، يدفع إلى القول بأن نقابة الصحافة كانت تعتبر بشكل من الأشكال، واجهة رئيسية للنضال السياسي، ومنبرا إضافيا كان بمثابة امتداد للأحزاب السياسية، وبصفة خاصة المعارضة منها، للتعبير عن المطالب التي كانت تتبناها هذه الأخيرة. فالقيادات التي كانت توجه عمل النقابة ما بين التأسيس والجمع العام لسنة 1984، كانت أيضا قيادات في "الأحزاب الوطنية "، إما كأمناء عامين أو من رجالات الصف الأول لهذه الأحزاب. بيد أن التوجه الجديد للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، تم في ظل نزوع جنيني بدأ يلوح في أفق النقابة، لمحاولة القطع مع الوصاية الحزبية، والانتقال من مرحلة المناضل الصحفي إلى مرحلة الصحفي المهني، وتزامن هذا التحول مع توسع النقابة في بدايات التسعينيات أفقيا، بتأسيس أول فرع لها بمدينة الرباط ثم بعد ذلك بالدار البيضاء بعد أن كانت تتمركز في العاصمة.غير أن تأسيس فروع تابعة للنقابة رافقه، "مبادرات من طرف السلطة لخلق نوادي إعلامية بمختلف الجهات" كان ينظر إليها في قيادة النقابة، على أنها تدخل في سياق سياسي يرمي إلى تطويق والالتفاف على الدينامية التي بدأت تعرفها النقابة، بفضل تولى مناصب قيادية وتقريرية لجيل جديد من الصحفيين الحزبيين، يمكن نعتهم برجالات الصف الثاني أو الثالث لأحزاب المعارضة، أو المتعاطفين معهم.

ظلت النقابة الوطنية للصحافة المغربية طيلة 17 سنة أي من 1984 الى غاية 1993، المرحلة التي كان خلالها محمد اليازغي كاتبا عاما لها، محافظة على نفس التركيبة كنقابة للمديرين، لكن بمجرد إدخال تعديل على الفصل الخامس من القانون الأساسي للنقابة، الذى أصبح  منذ سنة1980   ينص لأول مرة على فتح باب العضوية لكل محرر أي صحفي، مسجل في صحيفة عضو بالنقابة، وبالتالي اتخذ هذا التوسيع شكله القانوني، بعد أن تكرس على أرض الواقع.   وشكل الجمع العام الأول للنقابة في أبريل 1984، محطة هامة في مسار النقابة التي شهدت بعده أكبر تحول تنظيمي في بنيتها منذ تأسيسها، وأعطت انطلاقة مسلسل التفكير في إعادة النظر في هياكل النقابة وتوجهاتها، خاصة في أفق الانتقال من نقابة المدراء إلى نقابة الصحفيين، في الوقت الذي كانت خاضت قبيل انعقاد جمعها العام بأيام قليلة معركة أخرى، ضد طبع الصحف الأجنبية بالمغرب بعد الترخيص لها من قبل الدولة.يوم بدون صحف احتجاج على طبع وإصدار صحف أجنبيةواحتجاجا على السماح للصحف الأجنبية بالطبع في المغرب الذي يعد أول سابقة في البلاد، قررت الصحف المغربية بناءا على دعوة من النقابة، الاحتجاب عن الصدور يوم 13 أبريل 1984، بدعوى أن طبع وإصدار صحف أجنبية وإغراق السوق المغربية بها، "يعد تهديدا لحرية التعبير والرأي التي تناضل الصحافة الوطنية من أجل تثبيتها وتوسيعها".​وحسب نقابة الصحافة فإن هذا التهديد يكمن في تهميش القضايا الوطنية المطروحة، مثل قضية الديمقراطية والوحدة الترابية، والأزمة المتعددة الأشكال والمظاهر التي يعاني منها المغرب والمجتمع، لكون الصحف الأجنبية التي تغرق السوق الوطني لا تحمل هموم واهتمامات الرأي العام الوطني. واعتبرت أنه عندما تتمكن الصحف الأجنبية من بسط هيمنتها التجارية على حساب الصحافة الوطنية، تصبح بالتالي الأخبار المتعلقة بالوطن وبقضاياه مهمشة ومعتم عليها، الشيء الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى إفقاد الرأي العام ذاكرته التاريخية وحسه النقدي، وتصبح قضية الديمقراطية مثلا شيئا ثانويا، لا يحظى بالاهتمام الكافي من طرف الرأي العام الوطني الذي يجد نفسه أكثر ارتباطا بالأحداث، التي تجري خارج بلاده. ولم تكتف النقابة بالاحتجاج، بل لجأت في ماي 1984 إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي، يرمي إلغاء المرسوم القاضي بالإذن بطبع جريدة "الشرق الأوسط" بالمغرب. وفي الجمع العام الأول الذي انعقد في  14 أبريل 1984 سطرت النقابة، الخطوط الكبرى للملف المطلبي إذ بالإضافة إلى المطالبة بمنع طبع الصحف الأجنبية بالمغرب، أكدت أيضا على أن "الصحف بدون حرية صحافة، وبدون دعم، تصبح مجرد أوراق تتقاذفها الرياح ولا قيمة لها".لهذا فإن المطالب كانت تهدف إلى تحسين الوضع العام للصحافة الوطنية، والاستفادة من التطورات التكنولوجية، لمحدودية الوسائل والامكانيات التي تتوفر عليها الصحافة المغربية، حتى تكون في مستوى أداء رسالتها.    التحاق صحافة " الأحزاب الإدارية" بالنقابة بيد أن سنة 1984 أشرت لالتحاق مكون صحافي جديد بصفوف النقابة يتمثل في مديري ومسؤولي صحف تأسست في بداية الثمانينيات كلسان هيئات سياسية حديثة النشأة، كانت تصفها أحزاب المعارضة وصحافتها بـ " الأحزاب الإدارية "، في الوقت الذي كانت فيه قيادة النقابة تضم في صفوفها مديري صحف الأحزاب الوطنية، أو الصف الديمقراطي حسب تعبيرات تلك الحقبة، فالغاية الأساسية من انضمام هذه الصحف، كان على مايبدو، جعل النقابة الوطية للصحافة المغربية، نقابة تشمل كافة الصحف بغض النظر عن توجهاتها وميولها.وباطلالة على تشكيلة المكتب الوطني الذي أفرزه الجمع العام لسنة 1984، يلاحظ بأن هذا الجهاز لم يعد يقتصر فقط على صحافة الاحزاب الوطنية، بل اصبحت ممثلة فيه أيضا صحف ما كان يسمى بـ" الأحزاب الادارية "، من قبيل الاتحاد الدستوري (رسالة الامة، ولوميساج دو لاناسيون) والأحرار (الميثاق الوطني والمغرب)، وبذلك تحولت النقابة الى هيئة تضم كافة الصحف بغض النظر عن توجهاتها الحزبية ومرجعيتها الفكرية والعقائدية، لكن باستثناء " صحافة مولاي أحمد العلوي، لأنها كانت تعتبر امتدادا لصحافة " ماس " الاستعمارية، وحافظت على نفس الخط التحريري الذي كان سائدا آنذاك، حيث كان من بين الملتحقين بالنقابة ممثلون لهذه الصحف". وبذلك أصبحت جميع الصحف بمجرد تأسيسها تنخرط في النقابة الوطنية للصحافة المغربية. كما زاد من توسع هذه المنظمة وشمولها لجل الصحف، تفاعلات قضية الصحراء التي كانت من بين المسائل التي ساعدت على جمع شمل الجسم الصحفي، وهو ما خلق دينامية جديدة في داخل الوسط الصحفي.  التمييز بين الموقف السياسي والصحفيوقد مكن أول جمع عام للنقابة  بعد التأسيس، الصحفيين من مديرين ومحررين، التداول في المشاكل التي تعترض مهنتهم، في الوقت الذي كان المغرب " يعرف نوعا من الانفتاح النسبي " منذ سنة 1983، فكانت هناك محاولة لجمع كافة الأطياف السياسية في النقابة التي عملت خلال هذه المرحلة، على أن يكون هناك تمييز بين الموقف السياسي للأحزاب والجانب الصحفي الذي يهم الجميع، وبالتالي كان التساؤل ينصب على البحث عن سبل توحيد الجميع  للدفاع عن حرية الصحافة، خاصة مواجهة الرقابة المسبقة، ومشكل منع الصحف، وقضية الدعم المقدم للصحافة، وهي المشاكل كانت تعاني منها جميع الصحف.وعلى الرغم من الوضع المرتبط بالحاق الاعلام بالداخلية، عرفت نقابة الصحافة خلال هذه المرحلة توسعا منذ جمعها العام الاول، وانعكس ذلك على الجسم الصحفي الذي يلاحظ أنه بدأ يتقوى ويعرف بعض الاستقرار النسبي، وهو ماعجل بإثارة النقاش داخل أوساط الصحفيين، حول ضرورة إيجاد إطار ملائم لممارسة العمل الصحفي بمعزل عن الإكراهات السياسية والتوجهات الحزبية، وممارسة العمل النقابي الصحفي دفاعا عن القضايا المادية والمهنية.كما عرف الجمع العام لسنة 1984، تحولا ملحوظا تمثل في تبنى النقابة لبعض مطالب الصحافيين، وخاصة ما يتعلق بوضعهم القانوني والمادي، من قبيل تحديد الأجور ووضع مقاييس ضبط الترقيات والتعويضات على الساعات الإضافية، والاستفادة من بعض الخدمات الاجتماعية.الانشغال بتنظيم المهنة وفتحت النقابة بذلك أفقا لمعركة جديدة تمثلت في المطالبة بإنجاز مشروع لقانون المهنة لتعديل القانون العتيق لسنة 1942، المعدل في سنة 1956، والانكباب على الأوضاع الاجتماعية للصحافيين، مما تبلورت معه ملامح جديدة لعملها النقابة منها الاهتمام بتنظيم المهنة، من خلال ضبط المقاييس التي تمنح على أساسها بطاقة الصحافة.وإذا كان الجمع العام لسنة 1984 قد فتح الباب على مصراعيه  لنزوع نحو ثقافة مطلبية ذات مضمون جديد، بفضل الأجيال الجديدة من الصحفيين التي التحقت بصفوف النقابة الوطنية للصحافة المغربية خاصة خلال نهاية السبعينيات وبداية الثمانيات، فإن  النفس الملحمي، السياسي أو الحزبي، الذي طغى على خطاب الجيل الأول من المؤسسين استمر في أدبيات النقابة خلال فترة الثمانينات.​وتشهد على ذلك الكثير من العبارات الواردة في البيان الختامي الذي أصدره الجمع العام الاول، وفيه نقرأ " إن الجمع العام يسجل .. أن الصحافة الوطنية في المغرب، منذ كانت، وهي تعبير عن ضمير الأمة الحي وعنوانه اليومي المكتوب، على أن الصحافة هي رسالة القوات الحية، التي تعيش قضايا المواطنين وتحس بمشاكلهم وتفصح عن آمالهم وطموحاتهم. "  الحاق اللاعلام بالداخلية النقابة واجهة للنضال السياسيفالخطاب المتداول في النقابة كان، إلى حدود انعقاد الجمع العام سنة 1984، يمتح من قاموس سياسي وإيديولوجي واضح، يدفع إلى القول بأن نقابة الصحافة كانت تعتبر بشكل من الأشكال، واجهة رئيسية للنضال السياسي، ومنبرا إضافيا كان بمثابة امتداد للأحزاب السياسية، وبصفة خاصة المعارضة منها، للتعبير عن المطالب التي كانت تتبناها هذه الأخيرة. فالقيادات التي كانت توجه عمل النقابة ما بين التأسيس والجمع العام لسنة 1984، كانت أيضا قيادات في "الأحزاب الوطنية "، إما كأمناء عامين أو من رجالات الصف الأول لهذه الأحزاب. بيد أن التوجه الجديد للنقابة الوطنية للصحافة المغربية، تم في ظل نزوع جنيني بدأ يلوح في أفق النقابة، لمحاولة القطع مع الوصاية الحزبية، والانتقال من مرحلة المناضل الصحفي إلى مرحلة الصحفي المهني، وتزامن هذا التحول مع توسع النقابة في بدايات التسعينيات أفقيا، بتأسيس أول فرع لها بمدينة الرباط ثم بعد ذلك بالدار البيضاء بعد أن كانت تتمركز في العاصمة.غير أن تأسيس فروع تابعة للنقابة رافقه، "مبادرات من طرف السلطة لخلق نوادي إعلامية بمختلف الجهات" كان ينظر إليها في قيادة النقابة، على أنها تدخل في سياق سياسي يرمي إلى تطويق والالتفاف على الدينامية التي بدأت تعرفها النقابة، بفضل تولى مناصب قيادية وتقريرية لجيل جديد من الصحفيين الحزبيين، يمكن نعتهم برجالات الصف الثاني أو الثالث لأحزاب المعارضة، أو المتعاطفين معهم.



اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

السبت 19 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة