ساحة

جزائري يرسم مشاهد الصدمة والاعجاب بعد زيارة للمغرب العميق


كشـ24 نشر في: 30 نوفمبر 2018

بعد انتهاء مرحلة التعليم الجامعي في شهر يونيو سنة 2018 فكرت في تنظيم رحلة سياحية الى خارج الوطن، فشاءت حكمة الله أن أزور لأول مرة في حياتي البلد المجاور لدولة الجزائر وهي دولة المغرب الشقيق، وكان ذلك في إطار نشاط الرابطة الدولية للطلاب في الاقتصاد والأعمال وهو ما يعرف ب AIESEC التي توفر المجال للطلاب الموهوبين المتحمسين لتحقيق نمو شخصي وتطوير قدراتهم الريادية من خلال إشراكهم في البرامج التدريبية أو برامج التبادل الطلابي العالمي للمنظمات التي تعمل على تحقيق إحدى أهداف التنمية المستدامة العالمية التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة.مقر إقامتي كان في مدينة مراكش، التي تقع وسط المملكة المغربية، وهي تعد من أشهر الوجهات السياحية في المغرب، بسبب مناخها اللطيف وطبيعتها الخلابة ومبانيها التي يغلب عليها اللون الأحمر مما أكسبها لقب "المدينة الحمراء"اعتبارا لمخطط برنامج الإيزيك المتمثل في اكتشاف مدينة مراكش من خلال العمل التطوعي مع إحدى المنظمات الغير ربحية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لبرنامج الأمم المتحدة، كانت فرصة للعمل مع مؤسسة الأطلس الكبير وهي منظمة تطوعية أمريكية مغربية تأسست من طرف متطوعين سابقين من هيئة السلام في سنة 2000 بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي مؤسسة تسعى إلى تكريس التنمية المحلية المستدامة في المغرب، بالاعتماد على المقاربة التشاركية كما تعمل على إنشاء مشاريع تنموية، تقوم بتصميمها المجتمعات المحلية.

كان لي شرف اللقاء مع الدكتور يوسف بن مير باعتباره رئيس المؤسسة وقد أبدى سعادته الكبيرة بقدومي الى المغرب حيث قال كلمة جميلة "إن المغرب ليس هو المغرب بل هو المغرب الكبير وأننا كلنا أبناء المغرب الكبير فنحن في بلد واحد"، حيث جعلني لا أحس بأنني غريب في هذا البلد وقد فتح لي المجال للعمل معه في المؤسسة ومساعدته لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقديم المساعدات للمحتاجين والقضاء على الفقر والتهميش في الأرياف، وقد ذكر لي مصطلح المقاربة التشاركية حيث كان لي فيه بعض الغموض في البداية و تركت الأمر للاستفسار عنه في مستقبل الأيام.أول زيارة لي مع المؤسسة كانت مساء يوم الثلاثاء 6 نوفمبر 2018 في إطار الاحتفال بالذكرى الثالثة والأربعون للمسيرة الخضراء الذي نظمته دار إيما بالشراكة مع الطائفة اليهودية بجهة مراكش آسفي بمنطقة "لالة تكركوست" وهي قرية أمازيغية صغيرة تقع على بعد 37كم جنوب مدينة مراكش، تتميز بطبيعتها الخضراء وجبالها العالية ومبانيها القديمة كما تحتوي على أحد السدود المغربية الكبرى وهو سد " لالة تكركوست" مما يعطيها رونقا وجمالا.

كان من بين الحضور كل من السلطات الرسمية والإدارية للمنطقة بالإضافة إلى حضور رجال الدين الذين يمثلون الديانات السماوية الثلاث، وهم رئيس الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، وأحد أئمة المسلمين، وقد تخلل هذا الحفل وصلات فنية حماسية من تقديم فرقة الأصيل للفن، حيث شهد الحفل تفاعلا كبيرا من الجمهور خاصة مع النشيد الوطني المغربي ونشيد نداء الحسن للمسيرة الخضراء مما يعكس حبهم للوطن وتعزيز روح الولاء والانتماء له فرحا بالعيد الوطني ، كما تم عرض مقطوعات فنية إسلامية و يهودية و مسيحية ترسخ للمبادئ المغربية المتمثلة في احترام الأديان و التسامح العقدي.من خلال كلمات المشاركين في هذا المحفل لكل من رئيس الكنيسة الكاثوليكية، ورئيس الطائفة اليهودية، وأحد أئمة المسلمين يتبين أن مسألة التعايش بين الأديان في المغرب هي ظاهرة متوارثة عبر الأجيال منذ القدم مما يبعث استقرارا وتعايشا سلميا بين مختلف الديانات والثقافات المكونة للنسيج الاجتماعي المغربي، وقد تبين لي جليا أن المغرب يُعدُّ فيه التعايش بين الأديان واقعا فعليا، كما تشهد على ذلك الحياة اليومية في هذا البلد المسلم، على عكس ما نعيشه في الجزائر حيث أن اليهود والمسيحيين يخشون على حياتهم في الجزائر، رغم أن قوانينها تسمح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية، طالما أنهم يحترمون النظام العام والأخلاق، والحقوق والحريات الأساسية للآخرين، ويبتعد اليهود والمسيحيين في الجزائر عن الأضواء، بسبب مخاوف على سلامتهم الجسدية، واحتمال التعرض للمشاكل، وقد انتابني هذا الخوف حينما علمت في الوهلة الأولى أن رئيس الطائفة اليهودية سينتقل معنا على متن السيارة الى مكان الحفل اعتبارا للخلفية التي كنت أعتقدها حول التوتر الحاصل بين اليهود والمسلمين في الجزائر وفي الشرق الأوسط، لكن الواقع كان عكس ذلك حيث كان هناك احترام متبادل رفيع المستوى مع جاكي كادوش، وأبدى سعادته الكبيرة خاصة حين علم أنني من الجزائر.

في يوم الأربعاء 7 نوفمبر 2018 ذهبت في ثاني زيارة عملية مع مؤسسة الأطلس الكبير والوجهة هذه المرة إلى مدينة آسفي التي تبعد عن مدينة مراكش ب 160كم، تقع على ساحل المحيط الأطلسي، تعني بالأمازيغية "مصب النهر"، يوجد بها أكبر معمل للفوسفاط بالمغرب، وكانت هذه الزيارة في إطار الدورة التكوينية التي نظمتها مؤسسة الأطلس الكبير بالتنسيق مع المكتب الشريف للفوسفاط، ونظمت الدورة لفائدة مدراء المؤسسات التربوية لمدن وقرى آسفي بحضور بعض عمال المكتب الشريف الفوسفاط.وكان الهدف من الدورة هو دراسة الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها المؤسسات التربوية لمنطقة آسفي والمناطق المجاورة لها، ووضع خطة عمل لتجسيد هذه الاحتياجات على أرض الواقع بمشاركة كل الأطراف المعنية من مدراء مؤسسات ومتطوعين وتلاميذ وفق منهج المقاربة التشاركية.وفي أول تدخل لرئيس مؤسسة الأطلس الكبير السيد يوسف بن مير خلال الدورة الذي تطرق فيها إلى مفهوم المقاربة التشاركية اتضح لي جليا مفهوم هذا المصطلح الذي كان يبدو لي غامضا في بادئ الأمر، فهو يعني المشاركة في الفعل الجماعي من كل الجهات المعنية حيث يهدف إلى إشراك المستفيدين في تحديد وتشخيص مشاكلهم الحقيقية بمساهمة كل الأطراف الفاعلة والمستفيدين دون إقصاء لأي طرف من الأطراف في صياغة وإنجاز وتقييم المشاريع، باعتبار أن الإستفادة من نتائج هذا العمل تعود على الجميع، كما تتخذ التشاركية مبدأ اللامركزية في التسيير لجعل المشاريع أكثر ديناميكية ومرونة وسهلة التنفيذ على الواقع.وبما أن هذا المشروع يمس المناطق الريفية فإن المقاربة التشاركية مجسدة في معيشة سكان البادية من خلال تعاون العائلات في إنجاز الأعمال التطوعية الجماعية التي يعود فضلها على أهل تلك البادية، إلا أن المقاربة التشاركية حاليا تم إعطاؤها صبغة عالمية يتم تطبيقها على مستوى المنظمات التنموية الدولية.وقد تم تقسيم الحاضرين الى مجموعات ثلاثية كل مجموعة تتكون من مدير مؤسسة ومتطوعين اثنين من المكتب الشريف للفوسفاط، يقومون بالتعاون والتشارك فيما بينهم لوضع خريطة عمل لتلك المدرسة من خلال الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها، والآفاق المستقبلية التي تطمح الى بلوغها، واستمرت هذه الورشات لمدة ساعة من الزمن من تأطير المنشطة أمينة حجامي، لتقوم بعدها كل مجموعة بعرض خريطة العمل التي تم وضعها ومن بين أهم المشاكل التي تعاني منها هذه المؤسسات ما يلي:عدم توفر المدرسة على الحارس الليلي. قصر سور المدرسة مما يهدد أمن وعتاد التدريس. عدم توفر المدرسة على عنصرين مهمين هما الكهرباء والماء. عدم توفر المدرسة على الماء الصالح للشرب مما يستلزم على الأساتذة والتلاميذ بإحضار قارورات الماء.-عدم توفر المدرسة على قاعة الأساتذة. -عدم توفر المدرسة على دورة المياه للتلاميذ وللمعلمين. -عدم امتلاك بعض التلاميذ لوثائق الحالة المدنية. -عدم توفر المدرسة على طاقم اداري يقف الى جانب المدير لأداء المهام الإدارية المتعددة. -غياب الإرادة السياسية في دعم المؤسسات التربوية. -عدم توفر الطريق المعبد الذي يؤدي الى المدرسة -عدم توفر المدرسة على اقسام من الصلب والاكتفاء بأقسام من البلاستيك قديمة الصنع والتي --تمثل خطرا على صحة التلاميذ.بعد عرض هذه المشاكل تم تحديد الاحتياجات المشتركة بين كل من المؤسسات الحضرية والمؤسسات الريفية وترتيبها حسب الأولوية باستعمال طريقة التصويت، وقد تمثلت الاحتياجات المشتركة بين المؤسسات الحضرية حسب الأولوية في النقاط التالية:1ـ توفير الحارس الليلي. 2ـ الزيادة في علو سور المدرسة. 3ـ توفير التعليم الأولي. 4ـ توفير الدعم التربوي. 5ـ تدبير النفايات وإصلاح سور المدرسة.أما الاحتياجات المشتركة بين المؤسسات الريفية فقد تم ترتيبها حسب الأولوية على النحو التالي:1ـ توفير الماء الصالح للشرب. 2ـ توفير الكهرباء. 3ـ توفير الأمن. 4ـ تنظيم مختلف النشاطات الثقافية والرياضية.وفي قراءة تحليلية من وجهة نظر جزائرية لنتائج هذا اللقاء، يتضح أن المغرب بالرغم من مكانته الرائدة في المجال السياحي الذي يستقطب آلاف السياح من مختلف الدول الأوروبية والأمريكية، خاصة في المدن الكبرى باعتبارها قطب سياحي ممتاز، إلا أن المناطق الريفية في المغرب تعاني التهميش من حيث التنمية الاجتماعية وسوء التسيير من طرف الجماعات القروية، والدليل على ذلك الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها المؤسسات التربوية في تلك المناطق، على سبيل المثال: عدم توفر المدرسة على عنصر الحياة وهو الماء ـ عدم توفر المدرسة على الكهرباء ـ عدم توفر المدرسة على دورات المياه، عدم امتلاك بعض التلاميذ على وثائق الحالة المدنية، وهي من أغرب النقائص التي صدمتني عند سماعها للوهلة الأولى، حيث لم يخطر ببالي ولو للحظة أنه في سنة 2018 توجد مدارس في المغرب تعاني مثل هذه النقائص، حينها ادركت الوجه الآخر للمجتمع المغربي، والفوارق الطبقية السائدة في هذا البلد.وفي مقابل ذلك ورغم كل هذه الظروف القاسية والمعاناة الصعبة التي تمس هذه الشريحة تتجلى رغبة مدراء المؤسسات في تحسين وضعيتهم من خلال عقد شراكات مع المؤسسات الاقتصادية وجمعيات المجتمع المدني مثل مؤسسة الأطلس الكبير والمكتب الشريف للفوسفاط وذلك من اجل النهوض بالتعليم وضمان جيل واع ومستقبل واعد للابناء وهي مبادرة جد رائعة، تستحق التقدير، وآمل أن أنقلها إلى الجزائر.وقد خُتم اللقاء بكلمة من رئيس مؤسسة الأطلس الكبير حث فيها على ضرورة تجسيد توصيات هذا اللقاء على أرض الواقع، مع مراعاة عامل الوقت الذي يمضي بشكل سريع، مما يستلزم علينا تكثيف الجهود والعمل بوتيرة أسرع، فاحترام الوقت يعد عاملا أساسيا للنجاح والإستمرار. 

ابراهيم بحماني الراعي

بعد انتهاء مرحلة التعليم الجامعي في شهر يونيو سنة 2018 فكرت في تنظيم رحلة سياحية الى خارج الوطن، فشاءت حكمة الله أن أزور لأول مرة في حياتي البلد المجاور لدولة الجزائر وهي دولة المغرب الشقيق، وكان ذلك في إطار نشاط الرابطة الدولية للطلاب في الاقتصاد والأعمال وهو ما يعرف ب AIESEC التي توفر المجال للطلاب الموهوبين المتحمسين لتحقيق نمو شخصي وتطوير قدراتهم الريادية من خلال إشراكهم في البرامج التدريبية أو برامج التبادل الطلابي العالمي للمنظمات التي تعمل على تحقيق إحدى أهداف التنمية المستدامة العالمية التي وضعتها هيئة الأمم المتحدة.مقر إقامتي كان في مدينة مراكش، التي تقع وسط المملكة المغربية، وهي تعد من أشهر الوجهات السياحية في المغرب، بسبب مناخها اللطيف وطبيعتها الخلابة ومبانيها التي يغلب عليها اللون الأحمر مما أكسبها لقب "المدينة الحمراء"اعتبارا لمخطط برنامج الإيزيك المتمثل في اكتشاف مدينة مراكش من خلال العمل التطوعي مع إحدى المنظمات الغير ربحية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة لبرنامج الأمم المتحدة، كانت فرصة للعمل مع مؤسسة الأطلس الكبير وهي منظمة تطوعية أمريكية مغربية تأسست من طرف متطوعين سابقين من هيئة السلام في سنة 2000 بالولايات المتحدة الأمريكية، وهي مؤسسة تسعى إلى تكريس التنمية المحلية المستدامة في المغرب، بالاعتماد على المقاربة التشاركية كما تعمل على إنشاء مشاريع تنموية، تقوم بتصميمها المجتمعات المحلية.

كان لي شرف اللقاء مع الدكتور يوسف بن مير باعتباره رئيس المؤسسة وقد أبدى سعادته الكبيرة بقدومي الى المغرب حيث قال كلمة جميلة "إن المغرب ليس هو المغرب بل هو المغرب الكبير وأننا كلنا أبناء المغرب الكبير فنحن في بلد واحد"، حيث جعلني لا أحس بأنني غريب في هذا البلد وقد فتح لي المجال للعمل معه في المؤسسة ومساعدته لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتقديم المساعدات للمحتاجين والقضاء على الفقر والتهميش في الأرياف، وقد ذكر لي مصطلح المقاربة التشاركية حيث كان لي فيه بعض الغموض في البداية و تركت الأمر للاستفسار عنه في مستقبل الأيام.أول زيارة لي مع المؤسسة كانت مساء يوم الثلاثاء 6 نوفمبر 2018 في إطار الاحتفال بالذكرى الثالثة والأربعون للمسيرة الخضراء الذي نظمته دار إيما بالشراكة مع الطائفة اليهودية بجهة مراكش آسفي بمنطقة "لالة تكركوست" وهي قرية أمازيغية صغيرة تقع على بعد 37كم جنوب مدينة مراكش، تتميز بطبيعتها الخضراء وجبالها العالية ومبانيها القديمة كما تحتوي على أحد السدود المغربية الكبرى وهو سد " لالة تكركوست" مما يعطيها رونقا وجمالا.

كان من بين الحضور كل من السلطات الرسمية والإدارية للمنطقة بالإضافة إلى حضور رجال الدين الذين يمثلون الديانات السماوية الثلاث، وهم رئيس الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، وأحد أئمة المسلمين، وقد تخلل هذا الحفل وصلات فنية حماسية من تقديم فرقة الأصيل للفن، حيث شهد الحفل تفاعلا كبيرا من الجمهور خاصة مع النشيد الوطني المغربي ونشيد نداء الحسن للمسيرة الخضراء مما يعكس حبهم للوطن وتعزيز روح الولاء والانتماء له فرحا بالعيد الوطني ، كما تم عرض مقطوعات فنية إسلامية و يهودية و مسيحية ترسخ للمبادئ المغربية المتمثلة في احترام الأديان و التسامح العقدي.من خلال كلمات المشاركين في هذا المحفل لكل من رئيس الكنيسة الكاثوليكية، ورئيس الطائفة اليهودية، وأحد أئمة المسلمين يتبين أن مسألة التعايش بين الأديان في المغرب هي ظاهرة متوارثة عبر الأجيال منذ القدم مما يبعث استقرارا وتعايشا سلميا بين مختلف الديانات والثقافات المكونة للنسيج الاجتماعي المغربي، وقد تبين لي جليا أن المغرب يُعدُّ فيه التعايش بين الأديان واقعا فعليا، كما تشهد على ذلك الحياة اليومية في هذا البلد المسلم، على عكس ما نعيشه في الجزائر حيث أن اليهود والمسيحيين يخشون على حياتهم في الجزائر، رغم أن قوانينها تسمح لغير المسلمين بممارسة شعائرهم الدينية، طالما أنهم يحترمون النظام العام والأخلاق، والحقوق والحريات الأساسية للآخرين، ويبتعد اليهود والمسيحيين في الجزائر عن الأضواء، بسبب مخاوف على سلامتهم الجسدية، واحتمال التعرض للمشاكل، وقد انتابني هذا الخوف حينما علمت في الوهلة الأولى أن رئيس الطائفة اليهودية سينتقل معنا على متن السيارة الى مكان الحفل اعتبارا للخلفية التي كنت أعتقدها حول التوتر الحاصل بين اليهود والمسلمين في الجزائر وفي الشرق الأوسط، لكن الواقع كان عكس ذلك حيث كان هناك احترام متبادل رفيع المستوى مع جاكي كادوش، وأبدى سعادته الكبيرة خاصة حين علم أنني من الجزائر.

في يوم الأربعاء 7 نوفمبر 2018 ذهبت في ثاني زيارة عملية مع مؤسسة الأطلس الكبير والوجهة هذه المرة إلى مدينة آسفي التي تبعد عن مدينة مراكش ب 160كم، تقع على ساحل المحيط الأطلسي، تعني بالأمازيغية "مصب النهر"، يوجد بها أكبر معمل للفوسفاط بالمغرب، وكانت هذه الزيارة في إطار الدورة التكوينية التي نظمتها مؤسسة الأطلس الكبير بالتنسيق مع المكتب الشريف للفوسفاط، ونظمت الدورة لفائدة مدراء المؤسسات التربوية لمدن وقرى آسفي بحضور بعض عمال المكتب الشريف الفوسفاط.وكان الهدف من الدورة هو دراسة الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها المؤسسات التربوية لمنطقة آسفي والمناطق المجاورة لها، ووضع خطة عمل لتجسيد هذه الاحتياجات على أرض الواقع بمشاركة كل الأطراف المعنية من مدراء مؤسسات ومتطوعين وتلاميذ وفق منهج المقاربة التشاركية.وفي أول تدخل لرئيس مؤسسة الأطلس الكبير السيد يوسف بن مير خلال الدورة الذي تطرق فيها إلى مفهوم المقاربة التشاركية اتضح لي جليا مفهوم هذا المصطلح الذي كان يبدو لي غامضا في بادئ الأمر، فهو يعني المشاركة في الفعل الجماعي من كل الجهات المعنية حيث يهدف إلى إشراك المستفيدين في تحديد وتشخيص مشاكلهم الحقيقية بمساهمة كل الأطراف الفاعلة والمستفيدين دون إقصاء لأي طرف من الأطراف في صياغة وإنجاز وتقييم المشاريع، باعتبار أن الإستفادة من نتائج هذا العمل تعود على الجميع، كما تتخذ التشاركية مبدأ اللامركزية في التسيير لجعل المشاريع أكثر ديناميكية ومرونة وسهلة التنفيذ على الواقع.وبما أن هذا المشروع يمس المناطق الريفية فإن المقاربة التشاركية مجسدة في معيشة سكان البادية من خلال تعاون العائلات في إنجاز الأعمال التطوعية الجماعية التي يعود فضلها على أهل تلك البادية، إلا أن المقاربة التشاركية حاليا تم إعطاؤها صبغة عالمية يتم تطبيقها على مستوى المنظمات التنموية الدولية.وقد تم تقسيم الحاضرين الى مجموعات ثلاثية كل مجموعة تتكون من مدير مؤسسة ومتطوعين اثنين من المكتب الشريف للفوسفاط، يقومون بالتعاون والتشارك فيما بينهم لوضع خريطة عمل لتلك المدرسة من خلال الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها، والآفاق المستقبلية التي تطمح الى بلوغها، واستمرت هذه الورشات لمدة ساعة من الزمن من تأطير المنشطة أمينة حجامي، لتقوم بعدها كل مجموعة بعرض خريطة العمل التي تم وضعها ومن بين أهم المشاكل التي تعاني منها هذه المؤسسات ما يلي:عدم توفر المدرسة على الحارس الليلي. قصر سور المدرسة مما يهدد أمن وعتاد التدريس. عدم توفر المدرسة على عنصرين مهمين هما الكهرباء والماء. عدم توفر المدرسة على الماء الصالح للشرب مما يستلزم على الأساتذة والتلاميذ بإحضار قارورات الماء.-عدم توفر المدرسة على قاعة الأساتذة. -عدم توفر المدرسة على دورة المياه للتلاميذ وللمعلمين. -عدم امتلاك بعض التلاميذ لوثائق الحالة المدنية. -عدم توفر المدرسة على طاقم اداري يقف الى جانب المدير لأداء المهام الإدارية المتعددة. -غياب الإرادة السياسية في دعم المؤسسات التربوية. -عدم توفر الطريق المعبد الذي يؤدي الى المدرسة -عدم توفر المدرسة على اقسام من الصلب والاكتفاء بأقسام من البلاستيك قديمة الصنع والتي --تمثل خطرا على صحة التلاميذ.بعد عرض هذه المشاكل تم تحديد الاحتياجات المشتركة بين كل من المؤسسات الحضرية والمؤسسات الريفية وترتيبها حسب الأولوية باستعمال طريقة التصويت، وقد تمثلت الاحتياجات المشتركة بين المؤسسات الحضرية حسب الأولوية في النقاط التالية:1ـ توفير الحارس الليلي. 2ـ الزيادة في علو سور المدرسة. 3ـ توفير التعليم الأولي. 4ـ توفير الدعم التربوي. 5ـ تدبير النفايات وإصلاح سور المدرسة.أما الاحتياجات المشتركة بين المؤسسات الريفية فقد تم ترتيبها حسب الأولوية على النحو التالي:1ـ توفير الماء الصالح للشرب. 2ـ توفير الكهرباء. 3ـ توفير الأمن. 4ـ تنظيم مختلف النشاطات الثقافية والرياضية.وفي قراءة تحليلية من وجهة نظر جزائرية لنتائج هذا اللقاء، يتضح أن المغرب بالرغم من مكانته الرائدة في المجال السياحي الذي يستقطب آلاف السياح من مختلف الدول الأوروبية والأمريكية، خاصة في المدن الكبرى باعتبارها قطب سياحي ممتاز، إلا أن المناطق الريفية في المغرب تعاني التهميش من حيث التنمية الاجتماعية وسوء التسيير من طرف الجماعات القروية، والدليل على ذلك الاحتياجات الضرورية التي تعاني منها المؤسسات التربوية في تلك المناطق، على سبيل المثال: عدم توفر المدرسة على عنصر الحياة وهو الماء ـ عدم توفر المدرسة على الكهرباء ـ عدم توفر المدرسة على دورات المياه، عدم امتلاك بعض التلاميذ على وثائق الحالة المدنية، وهي من أغرب النقائص التي صدمتني عند سماعها للوهلة الأولى، حيث لم يخطر ببالي ولو للحظة أنه في سنة 2018 توجد مدارس في المغرب تعاني مثل هذه النقائص، حينها ادركت الوجه الآخر للمجتمع المغربي، والفوارق الطبقية السائدة في هذا البلد.وفي مقابل ذلك ورغم كل هذه الظروف القاسية والمعاناة الصعبة التي تمس هذه الشريحة تتجلى رغبة مدراء المؤسسات في تحسين وضعيتهم من خلال عقد شراكات مع المؤسسات الاقتصادية وجمعيات المجتمع المدني مثل مؤسسة الأطلس الكبير والمكتب الشريف للفوسفاط وذلك من اجل النهوض بالتعليم وضمان جيل واع ومستقبل واعد للابناء وهي مبادرة جد رائعة، تستحق التقدير، وآمل أن أنقلها إلى الجزائر.وقد خُتم اللقاء بكلمة من رئيس مؤسسة الأطلس الكبير حث فيها على ضرورة تجسيد توصيات هذا اللقاء على أرض الواقع، مع مراعاة عامل الوقت الذي يمضي بشكل سريع، مما يستلزم علينا تكثيف الجهود والعمل بوتيرة أسرع، فاحترام الوقت يعد عاملا أساسيا للنجاح والإستمرار. 

ابراهيم بحماني الراعي



اقرأ أيضاً
يدير اكيندي يكتب عن مافيا الماستر: حين تتحول الجامعة من منارة للعلم إلى سوق نخاسة لبيع الذمم
يدير اكيندي الفساد يضرب قلب التعليم العالي… ومصداقية الوطن على المحك مرة أخرى، يَطفو على السطح وجه بشع من وجوه الفساد في بلادنا، بعد تفجر فضيحة الاتجار بالشواهد الجامعية، وبالضبط شهادات الماستر، في واحدة من مؤسسات التعليم العالي التي يُفترض فيها أن تُخرّج نخبة النخبة. والكارثة أن هذه الشهادات ليست مجرد أوراق، بل مفاتيح لولوج مراكز القرار، ومسالك البحث العلمي، ومواقع المسؤولية في القضاء والإدارة والتعليم والثقافة. فماذا يعني أن تُباع هذه المفاتيح لمن يملك الثمن؟ وماذا تبقّى من الوطن إذا تساوى الحاذق والغشاش، والعالم والمزوّر، في فرص الصعود؟ فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان التعليم، أساس بناء الإنسان، يُباع ويُشترى؟ وكيف نضمن مستقبلاً وطنياً إذا كانت المناصب العليا تُمنح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق؟ما وقع في جامعة أكادير ليس حادثا معزولا، بل هو مؤشّر خطير على هشاشة منظومتنا القيمية، وعلى مدى تمدّد سرطان الغش والتدليس في جسد المجتمع. أن يصبح الغش “حقا مكتسبا” لدى بعض الفئات، فتلك بداية نهاية العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. من غير المعقول أن تنحصر المساءلة في الأستاذ المتهم وحده، بل إن كل من استفاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذه “التجارة اللاشرعية”، يجب أن يُحاسب ويُتابع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، والاحتيال على الدولة، والولوج إلى مواقع المسؤولية دون وجه حق ، مما يجعل الفساد التعليمي قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع بأكمله هنا تبرز ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يكفي معاقبة الأستاذ المتورط في فضيحة أكادير، بل يجب استدعاء كل من استفاد من هذه “الصفقات” وملاحقته بتهمة التزوير والتدليس.. إننا لا ننسى الضحايا الحقيقيين لهذه الفضيحة: أبناء وبنات هذا الوطن، الذين أُقصوا لأنهم لم يملكوا 250 ألف درهم لشراء شهادة، وليس لأنهم يفتقرون للكفاءة أو الجدارة. كم من طاقة وطنية شريفة حُرمت من فرصتها، ودُفنت أحلامها، وانهزمت ثقتها في مؤسسات الدولة! وكم من شاب وشابة حُرموا من الماستر والدكتوراه، لا لضعف مستواهم العلمي، بل فقط لأنهم لا يملكون رصيدًا بنكيًا محترمًا! أليس هذا هو الوجه الحقيقي لانهيار القيم، وبداية تصدع الوطن؟ هذه الممارسات لا تدمر الأفراد فحسب، بل تقتل روح الانتماء لدى الشباب، وتجعلهم يفقدون الثقة في الوطن. وكما قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته “الكيميائي”: “عندما تُحارب أحلامك، فإن الكون بأسره يتآمر لمساعدتك”، لكن ماذا لو كان الفساد هو من يحارب الأحلام؟ حينها لن يجد الشباب سوى اليأس أو الهجرة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة. فالوطن الذي نريده ليس مبنيًا على الريع والزبونية، بل على تكافؤ الفرص والاستحقاق. كما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، فإن بناء مغرب الغد يمر عبر بناء مجتمع قوي إلى جانب دولة قوية، مجتمع يؤمن بالعدل، والكرامة، والنزاهة، ويقاوم كل أشكال الغش والإفساد. فكيف تكون الدولة قوية إذا كان تعليمها ضعيفاً؟ وكيف يكون المجتمع قوياً إذا كان أفراده يعيشون على الوهم؟ ولعل ما قاله الكاتب البرازيلي باولو كويلو في رسالته إلى ابنه: “إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المدن، لكنه الأساس الحقيقي لأي حضارة”، ينطبق تمامًا على ما نحتاجه اليوم. فالتعليم هو حجر الزاوية لبناء الإنسان، والعبث به هو تقويض لكل إمكانيات النهوض. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” « وهل هناك عدل حين يحصل المزوّرون على مناصب ومسؤوليات، بينما يُقصى النجباء لأنهم لا يملكون المال؟ هل هناك دولة قانون، حين يتحول التعليم إلى مزاد علني؟ إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحرّك النيابة العامة بصرامة، ويُفتح تحقيق شامل يُحاسب فيه كل من تواطأ أو استفاد أو سكت عن هذا الفساد، أو أن نترك هذا الورم الخبيث يتفشى في جسد الدولة والمجتمع، ويُعمق فقدان الثقة، ويقضي على كل أمل في الإصلاح. إننا ننتظر من وزارة التعليم العالي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني في هذه القضية، وأن تُعلن حربا لا هوادة فيها على كل المتلاعبين بسمعة الجامعة المغربية. فالتعليم لا يجب أن يكون سلعة، ولا يجب أن يُترك للمفسدين ينشرون سمومهم بين الطلبة والأساتذة، ويهدمون ما تبقى من الأمل في غد نزيه وعادل. وحده العدل، وحدها المساواة، وحده القانون، يمكن أن يؤسسوا لوطن يسع الجميع. أما الاستسلام فليس خيارًا، والسكوت تواطؤ. فلننتفض، دفاعًا عن الكرامة، عن العدالة، عن مغرب يستحق أن نحلم به… لا أن نخجل منه. فضيحة شواهد الماستر ليست قضية أكاديمية عابرة، بل هي معركة وجودية ضد فسادٍ ينهش جسد الوطن. إن لم نتحرك اليوم، فسنواجه غداً جيلاً يعتقد أن الغش “إنجاز”، والتدليس “ذكاء”. الفساد الجامعي ليس مجرد جريمة أخلاقية، بل تهديد مباشر للأمن المجتمعي. عندما تتحول الجامعة إلى مصنع لشواهد مزورة، فإنها تنتج مسؤولين بلا كفاءة، وقضاة بلا ضمير، وأساتذة بلا علم. وحينها لا يمكن بناء مغرب الغد السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للأمل، وتواطؤ مع الفساد، ومساهمة في قتل طموحات شباب حُرموا من فرص حقيقية لأنهم لم يملكوا ما يكفي لشراء شهادة. إن ضحايا هذه المافيا معروفون: شباب اجتهدوا وكافحوا، لكنهم صُدوا لأنهم لم يكونوا جزءاً من لعبة النفوذ والرشوة * يدير اكيندي، أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية، خبير في التنمية الشاملة والإعاقة
ساحة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الثلاثاء 08 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة