ساحة
بدر الدين البوعمري يكتب.. ضيوف الرحمان
حين تقسو عليك مشاهد البؤس والجحود، وتعصر فؤادك صور العقوق والخذلان، وأنت تلمح عبرات مسن تتدلى من مقلتيه المترهلتين بعدما ألفى نفسه بين عشية وضحاها رهين حجرة وسط دار للعجزة، أو منظر أم مكلومة جفت دموعها من فرط انتظار وحيدها، الذي سولت له نفسه الخبيثة أن يضعها ذات أحد ربيعي مشمس كأثاث بال بمحاذاة الطوار؛ ثم راح يستمتع بملذات الحياة دون أن يرف له جفن.حين تخنقك مثل هذه المشاهد المقززة. و تجثم على صدرك صور، حتى الحيوان يأبى إتيانها. تغمض عينيك، و تمتطي صهوة الزمن عائدا إلى عهود قد خلت، و أيام قد ولت. و أوقات تعبق بطيب المروءة المفقودة، و الشهامة الموءودة.كانت البيوت زوايا ضيوف تحل، وأخرى ترحل.. أبواب مشرعة لا تقفل.. وقلوب دافئة حالمة يغشوها الأمل. لم يكد يكون هناك بيت يخلو من شيخ أو عجوز. ربما مت بصلة للعائلة. و قد تصدم أحيانا حين تعلم أن ذاك العجوز، أو تلك السيدة الطاعنة في السن مجرد جارة، أو صديقة أفنت زهرة عمرها بين أفراد العائلة.تقاسمهم الأفراح والأقراح. حتى إذا بلغت من الكبر عتيا، ووهن العظم منها، و ابيضت شعيرات رأسها، و ألمت بها النائبات؛ استحالت العائلة عشا دافئا يحضنها، و صار الأهل درعا واقيا يحميها، تلبث بين ظهرانيهم مهابة الجانب، عزيزة الشأن، معظمة مكرمة.يدعوها الكبار و الصغار بالجدة ، أو العمة. و منهم من يخالها كذلك. فلا يطيب لهم مقام إلا بوجودها، ولا يحلو لهم سمر إلا في حضرتها. تلازمهم في حلهم و ترحالهم. تؤثث مجالسهم، و تحفظ آثارهم، وتكتم أسرارهم.و تظل بلا منازع بيت الحكمة، والمرجع الأول. فالجلوس إليها متعة بلا حدود، و الحديث إليها عبر وشجون. لا يمل أحد من قصصها، ولا يكل إنسان من أحاجيها. إن حزنت آنسوها حتى تسلى. وإن مرضت رعوها حتى تشفى. و إن أسلمت الروح لبارئها أكرموها بالدفن والدعاء.بدر الدين البوعمري كاتب من مراكش
حين تقسو عليك مشاهد البؤس والجحود، وتعصر فؤادك صور العقوق والخذلان، وأنت تلمح عبرات مسن تتدلى من مقلتيه المترهلتين بعدما ألفى نفسه بين عشية وضحاها رهين حجرة وسط دار للعجزة، أو منظر أم مكلومة جفت دموعها من فرط انتظار وحيدها، الذي سولت له نفسه الخبيثة أن يضعها ذات أحد ربيعي مشمس كأثاث بال بمحاذاة الطوار؛ ثم راح يستمتع بملذات الحياة دون أن يرف له جفن.حين تخنقك مثل هذه المشاهد المقززة. و تجثم على صدرك صور، حتى الحيوان يأبى إتيانها. تغمض عينيك، و تمتطي صهوة الزمن عائدا إلى عهود قد خلت، و أيام قد ولت. و أوقات تعبق بطيب المروءة المفقودة، و الشهامة الموءودة.كانت البيوت زوايا ضيوف تحل، وأخرى ترحل.. أبواب مشرعة لا تقفل.. وقلوب دافئة حالمة يغشوها الأمل. لم يكد يكون هناك بيت يخلو من شيخ أو عجوز. ربما مت بصلة للعائلة. و قد تصدم أحيانا حين تعلم أن ذاك العجوز، أو تلك السيدة الطاعنة في السن مجرد جارة، أو صديقة أفنت زهرة عمرها بين أفراد العائلة.تقاسمهم الأفراح والأقراح. حتى إذا بلغت من الكبر عتيا، ووهن العظم منها، و ابيضت شعيرات رأسها، و ألمت بها النائبات؛ استحالت العائلة عشا دافئا يحضنها، و صار الأهل درعا واقيا يحميها، تلبث بين ظهرانيهم مهابة الجانب، عزيزة الشأن، معظمة مكرمة.يدعوها الكبار و الصغار بالجدة ، أو العمة. و منهم من يخالها كذلك. فلا يطيب لهم مقام إلا بوجودها، ولا يحلو لهم سمر إلا في حضرتها. تلازمهم في حلهم و ترحالهم. تؤثث مجالسهم، و تحفظ آثارهم، وتكتم أسرارهم.و تظل بلا منازع بيت الحكمة، والمرجع الأول. فالجلوس إليها متعة بلا حدود، و الحديث إليها عبر وشجون. لا يمل أحد من قصصها، ولا يكل إنسان من أحاجيها. إن حزنت آنسوها حتى تسلى. وإن مرضت رعوها حتى تشفى. و إن أسلمت الروح لبارئها أكرموها بالدفن والدعاء.بدر الدين البوعمري كاتب من مراكش