الكَمري يكتب: حان الوقت ليسحب المغرب مقترح الحكم الذاتي في الصحراء
كشـ24
نشر في: 19 مارس 2016 كشـ24
حين قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، كان هدفه من ذلك وضع حد لهذا النزاع المفتعل حول جزء لا يتجزأ من ترابه، بعد أن انتهت الحرب الباردة، لتترك لنا هذا الملف مشتعلا، حتى لا ينسى العالم كل تلك الحرائق التي أشعلتها القوى العظمى، في صراعها المحموم حول النفوذ، في كل ركن من أركان الأرض.
لقد أراد المغرب من خلال هذا التنازل الكبير الذي أقدم عليه، أن يظهر للعالم انحيازه الذي لا رجعة فيه لخيار السلام، كخيار استراتيجي لفض النزاعات وتدبير الاختلافات، وأن يظهر لجيرانه في الجزائر حسن نواياه، ورغبته الصادقة في طي صفحة الخلاف، وتجاوز منطق الحسابات السياسوية الضيقة، للتأسيس لكيان الاتحاد المغاربي على أساس وحدة المصير وتقاطع المصالح، وهو الاتحاد الذي في ظل جموده يضيع على البلدين سنويا 2% من إنتاجهما الداخلي الخام، مع كل ما يعني ذلك من هدر لآمال شعوب المنطقة في تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة الفقر والهشاشة.
لكن يبدو أن هذا المقترح قد اعتبره أعداء وحدتنا الترابية ضعفا وتنازلا، ينم عن عدم الثقة في النفس وفي عدالة القضية، وهو الشيء الذي جعلهم يعتقدون أن استمرار الضغط على الدولة المغربية، لا بد وأنه سيأتي في نهاية المطاف، بالنتيجة التي طالما سعوا من أجل الوصول إليها، أي تفتيت المغرب ومعه دول المنطقة إلى كيانات صغيرة يسهل السيطرة عليها واستغلال ثرواتها.
وفي هذا الإطار جاءت زيارة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة لموريتانيا والجزائر يومي 04 و05 مارس 2016، وتجرؤه على الذهاب لمنطقة “بئر الحلو” حيث التقى هناك بقيادات البوليساريو وانحنى لعلم الجمهورية الصحراوية الوهمية، ليطلق في نهاية المطاف تصريحه الخطير الذي وصف فيه المغرب ب “المحتل”، متخليا عن الحياد المفروض فيه كأمين عام للأمم المتحدة، وواضعا وحدة المغرب على المحك.
إن خطورة ما قام به بان كي مون تتجاوز حدود التصريح، فالمغرب بحسن نية جعل من منطقة “بئر الحلو” وهي جزء من أراضيه منطقة عازلة، وذلك ضمانا لديمومة وقف إطلاق النار حتى تأخذ المفاوضات بينه وبين الجزائر والبوليساريو طريقها نحو النجاح، وهو الشيء الذي ضرب به بان كي مون عرض الحائط، حين ساير طرح البوليساريو بأنها مناطق محررة خاضعة لسيطرتها، عوض خضوعها لمراقبة قوات بعثة المينورسو كما ينص على ذلك القرار الأممي رقم 690 القاضي بإنشائها في أبريل 1991.
إن ما أقدم عليه بان كي مون يجب أن يشكل درسا للدولة المغربية، فالتنازل في العلاقات الدولية يعتبر ضعفا يجعل الخصوم يطمعون في تنازل تلو الآخر، خصوصا حين يكون هذا التنازل في مسائل لا تقبل المساومة من قبيل الوحدة الترابية وسيادة البلدان على أراضيها. فلا أحد في العالم يمكنه أن يفهم كيف لدولة تدعي سيادتها على جزء من الأرض، أن تقدم مقترحا بحكم ذاتي لسكان تلك الأرض، دون أن تكون لهم مقومات ذلك، لمجرد الرغبة في السلام.
إن مقومات الحكم الذاتي تنعدم كليا في ساكنة الصحراء المغربية، فعرقيا فهم عرب وأمازيغ مثلهم مثل باقي سكان المغرب، وليسوا مثلا ذوو جذور عرقية مختلفة كالأكراد الذين يتمتعون بحكم ذاتي في علاقتهم بالعرب في العراق. ولغويا فهم يتكلمون العربية والأمازيغية مثلهم مثل باقي المغاربة، وليسوا مثلا كالكتالونيين الذين يتحدثون لغة تختلف كليا عن اللغة الاسبانية التي يتكلمها باقي الإسبان، وهو الشيء الذي يبرر تمتعهم بحكم ذاتي في برشلونة. وجغرافيا فالصحراء ملتصقة ترابيا بباقي أراضي المغرب، وليست جزيرة معزولة تفصلها عن باقي أراضي الوطن الأم آلاف الكيلومترات… وبالتالي فإن كل مبررات الحكم الذاتي تنتفي في حالة الصحراء المغربية في علاقتها مع العاصمة الرباط، وهو ما يجعل تقديم المغرب لهذا المقترح ينطوي على تنازل كبير، لا يفهمه العالم سوى بضعف الدولة وعدم ثقتها في عدالة قضيتها.
إن الدستور المغربي في بابه التاسع الخاص بالجهات والجماعات الترابية لا يعترف بشيء اسمه الحكم الذاتي لمنطقة من مناطق المغرب، ولا بامتياز لجهة على حساب أخرى. كما أن الفصل السابع منه يمنع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة على أي أساس من التمييز، وهو الشيء الذي يعني ضمنيا عدم اعترافه بالحكم الذاتي في أي جزء من أراضيه، لاستحالة تصور حكم ذاتي لأي جهة من الجهات، دون أحزاب تميزها. وعلى هذا الأساس فمقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب لحل النزاع حول الصحراء هو مقترح غير دستوري، ما يعني أنه يضرب بعرض الحائط إرادة 98.50% من المغاربة الذين صوتوا لصالح دستور فاتح يوليوز 2011.
لقد حان الوقت ليسحب المغرب مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، وأن يبقي على خيار المفاوضات بينه وبين كل الأطراف المعنية دون شروط مسبقة، على أن يعمل بالتوازي مع ذلك على تقوية جبهته الداخلية، من خلال تحقيق معدلات عالية للتنمية، وتوزيع عادل للثروات، واحترام تام لحقوق الإنسان، وترسيخ أركان دولة الحق والقانون، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتصدي لكل مؤامرات التقسيم.
مصطفى الكمري رئيس مركز الحريات والحقوق
حين قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، كان هدفه من ذلك وضع حد لهذا النزاع المفتعل حول جزء لا يتجزأ من ترابه، بعد أن انتهت الحرب الباردة، لتترك لنا هذا الملف مشتعلا، حتى لا ينسى العالم كل تلك الحرائق التي أشعلتها القوى العظمى، في صراعها المحموم حول النفوذ، في كل ركن من أركان الأرض.
لقد أراد المغرب من خلال هذا التنازل الكبير الذي أقدم عليه، أن يظهر للعالم انحيازه الذي لا رجعة فيه لخيار السلام، كخيار استراتيجي لفض النزاعات وتدبير الاختلافات، وأن يظهر لجيرانه في الجزائر حسن نواياه، ورغبته الصادقة في طي صفحة الخلاف، وتجاوز منطق الحسابات السياسوية الضيقة، للتأسيس لكيان الاتحاد المغاربي على أساس وحدة المصير وتقاطع المصالح، وهو الاتحاد الذي في ظل جموده يضيع على البلدين سنويا 2% من إنتاجهما الداخلي الخام، مع كل ما يعني ذلك من هدر لآمال شعوب المنطقة في تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة الفقر والهشاشة.
لكن يبدو أن هذا المقترح قد اعتبره أعداء وحدتنا الترابية ضعفا وتنازلا، ينم عن عدم الثقة في النفس وفي عدالة القضية، وهو الشيء الذي جعلهم يعتقدون أن استمرار الضغط على الدولة المغربية، لا بد وأنه سيأتي في نهاية المطاف، بالنتيجة التي طالما سعوا من أجل الوصول إليها، أي تفتيت المغرب ومعه دول المنطقة إلى كيانات صغيرة يسهل السيطرة عليها واستغلال ثرواتها.
وفي هذا الإطار جاءت زيارة بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة لموريتانيا والجزائر يومي 04 و05 مارس 2016، وتجرؤه على الذهاب لمنطقة “بئر الحلو” حيث التقى هناك بقيادات البوليساريو وانحنى لعلم الجمهورية الصحراوية الوهمية، ليطلق في نهاية المطاف تصريحه الخطير الذي وصف فيه المغرب ب “المحتل”، متخليا عن الحياد المفروض فيه كأمين عام للأمم المتحدة، وواضعا وحدة المغرب على المحك.
إن خطورة ما قام به بان كي مون تتجاوز حدود التصريح، فالمغرب بحسن نية جعل من منطقة “بئر الحلو” وهي جزء من أراضيه منطقة عازلة، وذلك ضمانا لديمومة وقف إطلاق النار حتى تأخذ المفاوضات بينه وبين الجزائر والبوليساريو طريقها نحو النجاح، وهو الشيء الذي ضرب به بان كي مون عرض الحائط، حين ساير طرح البوليساريو بأنها مناطق محررة خاضعة لسيطرتها، عوض خضوعها لمراقبة قوات بعثة المينورسو كما ينص على ذلك القرار الأممي رقم 690 القاضي بإنشائها في أبريل 1991.
إن ما أقدم عليه بان كي مون يجب أن يشكل درسا للدولة المغربية، فالتنازل في العلاقات الدولية يعتبر ضعفا يجعل الخصوم يطمعون في تنازل تلو الآخر، خصوصا حين يكون هذا التنازل في مسائل لا تقبل المساومة من قبيل الوحدة الترابية وسيادة البلدان على أراضيها. فلا أحد في العالم يمكنه أن يفهم كيف لدولة تدعي سيادتها على جزء من الأرض، أن تقدم مقترحا بحكم ذاتي لسكان تلك الأرض، دون أن تكون لهم مقومات ذلك، لمجرد الرغبة في السلام.
إن مقومات الحكم الذاتي تنعدم كليا في ساكنة الصحراء المغربية، فعرقيا فهم عرب وأمازيغ مثلهم مثل باقي سكان المغرب، وليسوا مثلا ذوو جذور عرقية مختلفة كالأكراد الذين يتمتعون بحكم ذاتي في علاقتهم بالعرب في العراق. ولغويا فهم يتكلمون العربية والأمازيغية مثلهم مثل باقي المغاربة، وليسوا مثلا كالكتالونيين الذين يتحدثون لغة تختلف كليا عن اللغة الاسبانية التي يتكلمها باقي الإسبان، وهو الشيء الذي يبرر تمتعهم بحكم ذاتي في برشلونة. وجغرافيا فالصحراء ملتصقة ترابيا بباقي أراضي المغرب، وليست جزيرة معزولة تفصلها عن باقي أراضي الوطن الأم آلاف الكيلومترات… وبالتالي فإن كل مبررات الحكم الذاتي تنتفي في حالة الصحراء المغربية في علاقتها مع العاصمة الرباط، وهو ما يجعل تقديم المغرب لهذا المقترح ينطوي على تنازل كبير، لا يفهمه العالم سوى بضعف الدولة وعدم ثقتها في عدالة قضيتها.
إن الدستور المغربي في بابه التاسع الخاص بالجهات والجماعات الترابية لا يعترف بشيء اسمه الحكم الذاتي لمنطقة من مناطق المغرب، ولا بامتياز لجهة على حساب أخرى. كما أن الفصل السابع منه يمنع تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة على أي أساس من التمييز، وهو الشيء الذي يعني ضمنيا عدم اعترافه بالحكم الذاتي في أي جزء من أراضيه، لاستحالة تصور حكم ذاتي لأي جهة من الجهات، دون أحزاب تميزها. وعلى هذا الأساس فمقترح الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب لحل النزاع حول الصحراء هو مقترح غير دستوري، ما يعني أنه يضرب بعرض الحائط إرادة 98.50% من المغاربة الذين صوتوا لصالح دستور فاتح يوليوز 2011.
لقد حان الوقت ليسحب المغرب مقترح الحكم الذاتي في الصحراء، وأن يبقي على خيار المفاوضات بينه وبين كل الأطراف المعنية دون شروط مسبقة، على أن يعمل بالتوازي مع ذلك على تقوية جبهته الداخلية، من خلال تحقيق معدلات عالية للتنمية، وتوزيع عادل للثروات، واحترام تام لحقوق الإنسان، وترسيخ أركان دولة الحق والقانون، لأن ذلك هو السبيل الوحيد للتصدي لكل مؤامرات التقسيم.