“الطاحونة” للروائي محمد البريني تكشف متاعب صحافة مغرب الستينيات والسبعينيات
كشـ24
نشر في: 20 يوليو 2017 كشـ24
عمل إبداعي ينتقد واقع الإعلام والسلطة
صدر للكاتب محمد البريني عمل إبداعي، وهو في الأصل رواية من الحجم المتوسط، تحمل عنوان "الطاحونة".
عنوان الرواية بصفته عتبة للدخول للنص ومفتاحا للاستئناس بما يجول في ذاكرة الكاتب، وفي تضاعيف الرواية، يدفع القارئ والباحث معا إلى التمعن مليا في العنوان، الذي جاء في كلمة واحدة، لكنه يحمل أكثر من معنى ومبنى.
لا يجد القارئ أدنى صعوبة لخلق حوار صامت والإنصات بعمق للشخصية الرئيسية والمركزية سفيان اليحياوي، الذي اكتوى بحرقة الإعلام والسياسة لينخرط رفقة رفاقة في إصدار يومية تغطي الاحداث بأشهى تفاصيلها. اليحياوي يجد نفسه في حمأة المتناقضات والصراعات الخفية والمعلنة التي يشهدها واقع الإعلام في تلك الفترة.
فعن مطبعة دار النشر المغربية الدارالبيضاء، وفي ازيد من 260 صفحة شرّح البريني واقعا سياسيا يستحضر زمنا يمتد من منتصف الستينيات إلى السبعينيات من القرن المنصرم. اعتمدت الرواية في تحليلها للواقع على شخوص كلها من ذلك الزمن، زمن ما بعد الاستقلال، حيث المغرب يتلمس طريقه نحو التنمية رغم الصراعات والمثبطات التي فرضتها المرحلة.
في أفق سياسي وثقافي معا يستدرج الكاتب محمد البريني المعنى إلى كلماته، فلا شك أن خصوصية " الطاحونة" تنهض من كل جملة فيها، ومن كل شخصية وفكرة، إذ جسد صاحب "المحاكمة" و"قصص من زمان الرقابة" وعيا مختلفا لعلاقة السلطة بالناس، فالسلطة في أفقها المجالي والمديني عنوان كبير للوعي الجمعي والفردي معا.
الرواية جسورة في رصدها للواقع، إذ امتهن صاحبها لغة الكشف والمكاشفة، بأسلوب بليغ بلا إطناب وبعيدا عن المحسنات اللفظية، واعتمد البريني في منجزه الإبداعي لغة لا تهادن، ولا تستصغر الأشياء مهما كبر شأنها أو صغر، ديدنها في ذلك أسلوب مباشر، وكأني به ينساق مع بول ريكور، صاحب "الأنا- أكتب"، فالصريح والضمني في أي" نص أدبي يتماهى بمستوى معين لواقع مواضعاتي، من خلاله تتمفصل الرؤى المتعددة للواقع في الغيريات، التي ليس الواقع المواضعاتي الا أحد مستوياتها".
البريني، حسب اعتقادنا، يصور في طاحونته، التي هي بالفعل والقوة طاحونة مجتمع مخروم بلا امتداد ولا أفق، يعيش التناقضات جميعها، (يصور) بكل دقة واقعا سياسيا على لسان الشخصية المحورية في الرواية، حيث النص الروائي يجمع تيمات متكاملة، تشد القارئ والمتيم بالنفس الروائي شدا ذهنيا وجماليا معا، وهكذا تتوالى الأحداث، في شريط سياسي يتعقب الحالات النفسية والمزاجية لسفيان اليحياوي ومحيطه الإنساني.
تطالعنا الرواية بقوتها وانفعالها، أيضا، وبالأحلام الصغيرة والكبيرة لشخوصها الثائرين، وتذكرنا بأن الكتابة مرآة المجتمع، والأديب عقل المجتمع، بل عينه الثالثة التي يرى بها الأشياء التي تختفي عن الآخرين.
على المستوى الإيحائي تفوق الكاتب محمد البريني في رصد الواقع بكل حمولاته السياسية والعاطفية والاقتصادية، من خلال فصول بنفس طويل وقصير معا، ويكفي أن نذكر أن أطوار الرواية تنتقل بين متغيرات متعددة، خصص الكاتب لكل واحدة منها عنوانا "المراقبة الأمنية" تصدّر طليعة المنجز الروائي، و"بعد نفي الحكيم"، و"صباح ليس ككل الصباحات"، و"الحكيم بناصر"، و" الصدمة"، و "المواجهة مع الصحافة الأجنبية"، و"الخطاب"، و"الحقيقة" و"الاستيقاظ"، إلى جانب "زمان في ما يلي نصه"، و"وصية الحكيم"، و"السي بوشعيب الواعر"، و"الجواب".
وتتطرق الرواية، حسب ما جاء في دفتها، لـ"مقاومة اليحياوي لضغوطات من داخل تنظيمات حزبه التي كانت ترى في كل تغيير يمس الجريدة تنكرا لإرث حزبها التاريخي ولتقاليده الثورية، إذ كان يصطدم أيضا بنرجسية وغرور بعض القيادات التي كانت تعتبر أن خدمة صورتها وسلطتها هي أولوية الأولويات، وبعد رحيل الحكيم بناصر الزعيم الكاريزمي والمدافع عن التغيير والتحديث تسارعت حركة(الطاحونة)".
ومن أجل إضاءة هادئة نقتطف من فضاء الرواية بعضا من شذراتها الغنية بالدلالات والإيحاءات، يقول البريني في فصل من الرواية "لعل من أقسى حالات العجز التي يمكن أن تعتري المرء في حياته، هي إحساسه بأنه مستهدف لعداوة، أو لخطر، أو لمكروه، في حين يكون هو جاهلا جهلا تاما سبب استهدافه، وبالتالي يعدم القدرة على الدفاع عن نفسه"، ويضيف الكاتب في موضع آخر"يكون العجز أكثر إيلاما لما تكون الجهة التي تستهدفه هي رفاقه أو أصدقاؤه، أو رؤساؤه، ثم يصبح العجز أشد تعذيبا للنفس حين لا يعلم المستهدف من أين ستأتيه الضربة، أو كيف سيتصرف مع من يستهدفه، وحين لا يدري شيئا عن الخطة التي سينفذ بها المتربص به نواياه، كل ما يدركه هو النظرات الشزراء التي توجه إليه، والحركات العدوانية التي يلمسها" . مجمل القول إن البريني حمل في عمله "الطاحونة" نفسا روائيا عميقا منطلقا من رؤى داخلية وخارجية، وتمكن من رصد كل مظاهر الانكسارات والألم الإنساني في أزيد من 260 صفحة تشد القارئ من العنوان إلى آخر فقرة في الرواية.
يشار إلى أن الكاتب محمد البريني صدرت له، أيضا، رواية "المحاكمة" سنة 1997، و"قصص من زمان الرقابة" سنة 2016، كما أصدر باللغة الفرنسية أعمالا روائية: "لالانغ كوبي" سنة 1991، و"لاشين دو باسي" سنة 1976.
عمل إبداعي ينتقد واقع الإعلام والسلطة
صدر للكاتب محمد البريني عمل إبداعي، وهو في الأصل رواية من الحجم المتوسط، تحمل عنوان "الطاحونة".
عنوان الرواية بصفته عتبة للدخول للنص ومفتاحا للاستئناس بما يجول في ذاكرة الكاتب، وفي تضاعيف الرواية، يدفع القارئ والباحث معا إلى التمعن مليا في العنوان، الذي جاء في كلمة واحدة، لكنه يحمل أكثر من معنى ومبنى.
لا يجد القارئ أدنى صعوبة لخلق حوار صامت والإنصات بعمق للشخصية الرئيسية والمركزية سفيان اليحياوي، الذي اكتوى بحرقة الإعلام والسياسة لينخرط رفقة رفاقة في إصدار يومية تغطي الاحداث بأشهى تفاصيلها. اليحياوي يجد نفسه في حمأة المتناقضات والصراعات الخفية والمعلنة التي يشهدها واقع الإعلام في تلك الفترة.
فعن مطبعة دار النشر المغربية الدارالبيضاء، وفي ازيد من 260 صفحة شرّح البريني واقعا سياسيا يستحضر زمنا يمتد من منتصف الستينيات إلى السبعينيات من القرن المنصرم. اعتمدت الرواية في تحليلها للواقع على شخوص كلها من ذلك الزمن، زمن ما بعد الاستقلال، حيث المغرب يتلمس طريقه نحو التنمية رغم الصراعات والمثبطات التي فرضتها المرحلة.
في أفق سياسي وثقافي معا يستدرج الكاتب محمد البريني المعنى إلى كلماته، فلا شك أن خصوصية " الطاحونة" تنهض من كل جملة فيها، ومن كل شخصية وفكرة، إذ جسد صاحب "المحاكمة" و"قصص من زمان الرقابة" وعيا مختلفا لعلاقة السلطة بالناس، فالسلطة في أفقها المجالي والمديني عنوان كبير للوعي الجمعي والفردي معا.
الرواية جسورة في رصدها للواقع، إذ امتهن صاحبها لغة الكشف والمكاشفة، بأسلوب بليغ بلا إطناب وبعيدا عن المحسنات اللفظية، واعتمد البريني في منجزه الإبداعي لغة لا تهادن، ولا تستصغر الأشياء مهما كبر شأنها أو صغر، ديدنها في ذلك أسلوب مباشر، وكأني به ينساق مع بول ريكور، صاحب "الأنا- أكتب"، فالصريح والضمني في أي" نص أدبي يتماهى بمستوى معين لواقع مواضعاتي، من خلاله تتمفصل الرؤى المتعددة للواقع في الغيريات، التي ليس الواقع المواضعاتي الا أحد مستوياتها".
البريني، حسب اعتقادنا، يصور في طاحونته، التي هي بالفعل والقوة طاحونة مجتمع مخروم بلا امتداد ولا أفق، يعيش التناقضات جميعها، (يصور) بكل دقة واقعا سياسيا على لسان الشخصية المحورية في الرواية، حيث النص الروائي يجمع تيمات متكاملة، تشد القارئ والمتيم بالنفس الروائي شدا ذهنيا وجماليا معا، وهكذا تتوالى الأحداث، في شريط سياسي يتعقب الحالات النفسية والمزاجية لسفيان اليحياوي ومحيطه الإنساني.
تطالعنا الرواية بقوتها وانفعالها، أيضا، وبالأحلام الصغيرة والكبيرة لشخوصها الثائرين، وتذكرنا بأن الكتابة مرآة المجتمع، والأديب عقل المجتمع، بل عينه الثالثة التي يرى بها الأشياء التي تختفي عن الآخرين.
على المستوى الإيحائي تفوق الكاتب محمد البريني في رصد الواقع بكل حمولاته السياسية والعاطفية والاقتصادية، من خلال فصول بنفس طويل وقصير معا، ويكفي أن نذكر أن أطوار الرواية تنتقل بين متغيرات متعددة، خصص الكاتب لكل واحدة منها عنوانا "المراقبة الأمنية" تصدّر طليعة المنجز الروائي، و"بعد نفي الحكيم"، و"صباح ليس ككل الصباحات"، و"الحكيم بناصر"، و" الصدمة"، و "المواجهة مع الصحافة الأجنبية"، و"الخطاب"، و"الحقيقة" و"الاستيقاظ"، إلى جانب "زمان في ما يلي نصه"، و"وصية الحكيم"، و"السي بوشعيب الواعر"، و"الجواب".
وتتطرق الرواية، حسب ما جاء في دفتها، لـ"مقاومة اليحياوي لضغوطات من داخل تنظيمات حزبه التي كانت ترى في كل تغيير يمس الجريدة تنكرا لإرث حزبها التاريخي ولتقاليده الثورية، إذ كان يصطدم أيضا بنرجسية وغرور بعض القيادات التي كانت تعتبر أن خدمة صورتها وسلطتها هي أولوية الأولويات، وبعد رحيل الحكيم بناصر الزعيم الكاريزمي والمدافع عن التغيير والتحديث تسارعت حركة(الطاحونة)".
ومن أجل إضاءة هادئة نقتطف من فضاء الرواية بعضا من شذراتها الغنية بالدلالات والإيحاءات، يقول البريني في فصل من الرواية "لعل من أقسى حالات العجز التي يمكن أن تعتري المرء في حياته، هي إحساسه بأنه مستهدف لعداوة، أو لخطر، أو لمكروه، في حين يكون هو جاهلا جهلا تاما سبب استهدافه، وبالتالي يعدم القدرة على الدفاع عن نفسه"، ويضيف الكاتب في موضع آخر"يكون العجز أكثر إيلاما لما تكون الجهة التي تستهدفه هي رفاقه أو أصدقاؤه، أو رؤساؤه، ثم يصبح العجز أشد تعذيبا للنفس حين لا يعلم المستهدف من أين ستأتيه الضربة، أو كيف سيتصرف مع من يستهدفه، وحين لا يدري شيئا عن الخطة التي سينفذ بها المتربص به نواياه، كل ما يدركه هو النظرات الشزراء التي توجه إليه، والحركات العدوانية التي يلمسها" . مجمل القول إن البريني حمل في عمله "الطاحونة" نفسا روائيا عميقا منطلقا من رؤى داخلية وخارجية، وتمكن من رصد كل مظاهر الانكسارات والألم الإنساني في أزيد من 260 صفحة تشد القارئ من العنوان إلى آخر فقرة في الرواية.
يشار إلى أن الكاتب محمد البريني صدرت له، أيضا، رواية "المحاكمة" سنة 1997، و"قصص من زمان الرقابة" سنة 2016، كما أصدر باللغة الفرنسية أعمالا روائية: "لالانغ كوبي" سنة 1991، و"لاشين دو باسي" سنة 1976.