المتحدث عن الإرهاب و التطرف و العنف و كل مظاهر الانحراف الفكري و العقدي و السلوكي ، لا ينبغي له أن يرصد واقع الدول العربية و ما يحدث فيها من صراعات و تطاحنات و اقتتال فقط ، كما لا ينبغي له أن يربط هذا الواقع بالانحراف المنهجي و الفكري الذي تتبناه طوائف عديدة من الإرهابيين و المتشددين و التكفيرين ، بل لابد ان يبدأ رصده لظاهرة الإرهاب و التشدد و فقدان الحس الإنساني و موت الوازع الوجداني ، من ابسط مظاهر الحياة العامة ، بدأ من الفرد و تكوينه التربوي و مرورا بواقع الاسرة و المدرسة و الشارع و الإعلام إلى ان يصل إلى الطائفة و التكتل الذي يصبح كارثة و وبالا على الجميع فيما بعد .
كلنا يعيش حياته الطبيعية مع اسرته ، و في حيه ومع أصدقائه ، و في الشارع و المدرسة ، و كلنا يتناقل احداثا و وقائع عن صراعات بين الناس حول قضايا شخصية قد تكون تافهة في الغالب ، و قد تكون ناشئة عن قضايا عميقة و متجدرة واقعيا ، لكن من منا يلاحظ مدى الاحتقان الخطير لذي يعيشه افراد المجتمع و مدى الغضب الداخلي و التسخط الذي سرعان ما ينفجر لأتفه الاسباب ؟؟ من منا لم يلاحظ أن بعض الناس لا يطيق سماع النصيحة ؟؟ و انهم سرعان ما تسوء اخلاقهم لمجرد سماع كلمة حق أو توجيه أو لوم ؟ كم من مرة حدثت صراعات و مشاجرات خطيرة بسبب ان أحدهم لم يحترم حق الاسبقية في الطريق مثلا و لو عن طريق السهو و الخطأ ؟؟؟ فينزل هذا و ذاك ليتبادلا السباب و الشتائم و اللكمات ، و لا يعودان إلى وعيهما إلا واحدهما في المستشفى و الآخر في قبضة الشرطة ؟؟ من منا لا يلاحظ بشاعة الصراعات داخل الاسواق بين الباعة حول مكان معين في السوق ؟؟ من منا لم يسمع عن شاب قتل اباه أو أمه من أجل المال ليشتري به المخدرات أو الخمور ؟ من منا لم يسمع عن تخلي فتاة عن وليدها و رميه في حاويات القمامة بعدما تعرضت للاغتصاب أو لنقل بعدما أخطأت و وقعت في الفاحشة ؟؟ من و من و من ... ؟؟
لماذا يحدث كل هذا في لحظة من الثانية ، تلك اللحظة التي من المفروض ان ينبع فيها الخير و التسامح و العذر بدل الحقد و الشر و الغضب ؟؟ هل هو خلل تربوي يعيشه المجتمع افرادا و جماعات ؟؟ هل هو نوع من النفاق الاجتماعي ، بحيث نبطن خلاف ما نظهر من الحديث عن الأخوة و التسامح و الرحمة ثم عند أول امتحان لا يعز المرئ بل يهان ؟؟.
تكون الشخصية العنيفة و القابلة للتطرف و التشدد تبدأ من هذه الحيثيات مهما بدت للناظر أنها عابرة ، فإن النار الملتهبة مبدأها من متسصغر الشرر كما يقال .
إن الذي يجد في نفسه القابلية للتصارع و السب و الشتم و الضرب في واقع يسدوه القانون و تحكمه العدالة ، لكنه يصر على بسط يديه بالسوء ، فهذا لا يؤمن منه ما هو اكبر من ذلك إذا ارتفعت سلطة القانون أو خفت يد العدالة ، فالعنف ليس وليد اللحظة ، بل هو نتاج تراكمات سوء التربية و التوجيه ، يضاف إليه الشعور بالدونية و الحرمان و الاستضعاف الذي تمارسه الدول و المجتمعات من قبيل التمييز الطبقي و الحرمان من مقومات العيش الكريم و الحياة السعيدة ، ثم هو نتاج مباشر لمناهج التعليم العقيمة من كل حديث عن التسامح و الرحمة و التعاون و الحب ، بل في اكثرها احاديث تزرع الفتنة و التطرف و الإقصاء لكل فكر إنساني أو فعل أخلاقي .
عندما أرى طفلا يعذب قطة بجرها من ذيلها و هي تصرخ ، أو يقذف كلبا بالحجارة و يستمتع بذلك ، أو عندما ارى مجموعة من الأطفال ينهالون بالضرب على صديق لهم و هو يبكي و يستجدي و لا يجد فيهم رحمة أو كف أذى ، عندما ارى هذه التصرفات يحز في قلبي انهم جميعا لم يسمعوا يوما عن رحمة الضعيف و لو كان حيوانا ، يحز في قلبي أنهم لا يدركون أن أفعالهم تتراكم و تعمل على تشكيل شخصياتهم المستقبيلة و التي سوف تحمل من سماتها بكل تأكيد صفة العنف و القسوة و عدم النظر في افعالهم على أنها افعال محرمة و مذمومة ، لأنهم للأسف الشديد ايضا لم يسمعوا عن ذلك في المدرسة أو البيت أو الإذاعة و التلفزة .
إن دق ناقوس الخطر اليوم للتنبيه على خطور العنف و التشدد قد يكون متأخرا شيئا ما إذا ما نظرنا في واقع التربية المجتمعية اليوم ، لاننا أهملنا النظر في الاخلاقيات البسيطة التي تشكل سمات مجتمع معين ، و لم نحاول استنباط صورة مستقبلية عن واقعنا و عن تجلياته الفكرية و الاخلاقية ، حتى ظهر المارد من القمقم ، فصرنا نبحث له عن التعاويذ و الوصفات السحرية ليكف أذاه أو يرجع إلى سردابه .
بقلم: مصطفى أمجكال
المتحدث عن الإرهاب و التطرف و العنف و كل مظاهر الانحراف الفكري و العقدي و السلوكي ، لا ينبغي له أن يرصد واقع الدول العربية و ما يحدث فيها من صراعات و تطاحنات و اقتتال فقط ، كما لا ينبغي له أن يربط هذا الواقع بالانحراف المنهجي و الفكري الذي تتبناه طوائف عديدة من الإرهابيين و المتشددين و التكفيرين ، بل لابد ان يبدأ رصده لظاهرة الإرهاب و التشدد و فقدان الحس الإنساني و موت الوازع الوجداني ، من ابسط مظاهر الحياة العامة ، بدأ من الفرد و تكوينه التربوي و مرورا بواقع الاسرة و المدرسة و الشارع و الإعلام إلى ان يصل إلى الطائفة و التكتل الذي يصبح كارثة و وبالا على الجميع فيما بعد .
كلنا يعيش حياته الطبيعية مع اسرته ، و في حيه ومع أصدقائه ، و في الشارع و المدرسة ، و كلنا يتناقل احداثا و وقائع عن صراعات بين الناس حول قضايا شخصية قد تكون تافهة في الغالب ، و قد تكون ناشئة عن قضايا عميقة و متجدرة واقعيا ، لكن من منا يلاحظ مدى الاحتقان الخطير لذي يعيشه افراد المجتمع و مدى الغضب الداخلي و التسخط الذي سرعان ما ينفجر لأتفه الاسباب ؟؟ من منا لم يلاحظ أن بعض الناس لا يطيق سماع النصيحة ؟؟ و انهم سرعان ما تسوء اخلاقهم لمجرد سماع كلمة حق أو توجيه أو لوم ؟ كم من مرة حدثت صراعات و مشاجرات خطيرة بسبب ان أحدهم لم يحترم حق الاسبقية في الطريق مثلا و لو عن طريق السهو و الخطأ ؟؟؟ فينزل هذا و ذاك ليتبادلا السباب و الشتائم و اللكمات ، و لا يعودان إلى وعيهما إلا واحدهما في المستشفى و الآخر في قبضة الشرطة ؟؟ من منا لا يلاحظ بشاعة الصراعات داخل الاسواق بين الباعة حول مكان معين في السوق ؟؟ من منا لم يسمع عن شاب قتل اباه أو أمه من أجل المال ليشتري به المخدرات أو الخمور ؟ من منا لم يسمع عن تخلي فتاة عن وليدها و رميه في حاويات القمامة بعدما تعرضت للاغتصاب أو لنقل بعدما أخطأت و وقعت في الفاحشة ؟؟ من و من و من ... ؟؟
لماذا يحدث كل هذا في لحظة من الثانية ، تلك اللحظة التي من المفروض ان ينبع فيها الخير و التسامح و العذر بدل الحقد و الشر و الغضب ؟؟ هل هو خلل تربوي يعيشه المجتمع افرادا و جماعات ؟؟ هل هو نوع من النفاق الاجتماعي ، بحيث نبطن خلاف ما نظهر من الحديث عن الأخوة و التسامح و الرحمة ثم عند أول امتحان لا يعز المرئ بل يهان ؟؟.
تكون الشخصية العنيفة و القابلة للتطرف و التشدد تبدأ من هذه الحيثيات مهما بدت للناظر أنها عابرة ، فإن النار الملتهبة مبدأها من متسصغر الشرر كما يقال .
إن الذي يجد في نفسه القابلية للتصارع و السب و الشتم و الضرب في واقع يسدوه القانون و تحكمه العدالة ، لكنه يصر على بسط يديه بالسوء ، فهذا لا يؤمن منه ما هو اكبر من ذلك إذا ارتفعت سلطة القانون أو خفت يد العدالة ، فالعنف ليس وليد اللحظة ، بل هو نتاج تراكمات سوء التربية و التوجيه ، يضاف إليه الشعور بالدونية و الحرمان و الاستضعاف الذي تمارسه الدول و المجتمعات من قبيل التمييز الطبقي و الحرمان من مقومات العيش الكريم و الحياة السعيدة ، ثم هو نتاج مباشر لمناهج التعليم العقيمة من كل حديث عن التسامح و الرحمة و التعاون و الحب ، بل في اكثرها احاديث تزرع الفتنة و التطرف و الإقصاء لكل فكر إنساني أو فعل أخلاقي .
عندما أرى طفلا يعذب قطة بجرها من ذيلها و هي تصرخ ، أو يقذف كلبا بالحجارة و يستمتع بذلك ، أو عندما ارى مجموعة من الأطفال ينهالون بالضرب على صديق لهم و هو يبكي و يستجدي و لا يجد فيهم رحمة أو كف أذى ، عندما ارى هذه التصرفات يحز في قلبي انهم جميعا لم يسمعوا يوما عن رحمة الضعيف و لو كان حيوانا ، يحز في قلبي أنهم لا يدركون أن أفعالهم تتراكم و تعمل على تشكيل شخصياتهم المستقبيلة و التي سوف تحمل من سماتها بكل تأكيد صفة العنف و القسوة و عدم النظر في افعالهم على أنها افعال محرمة و مذمومة ، لأنهم للأسف الشديد ايضا لم يسمعوا عن ذلك في المدرسة أو البيت أو الإذاعة و التلفزة .
إن دق ناقوس الخطر اليوم للتنبيه على خطور العنف و التشدد قد يكون متأخرا شيئا ما إذا ما نظرنا في واقع التربية المجتمعية اليوم ، لاننا أهملنا النظر في الاخلاقيات البسيطة التي تشكل سمات مجتمع معين ، و لم نحاول استنباط صورة مستقبلية عن واقعنا و عن تجلياته الفكرية و الاخلاقية ، حتى ظهر المارد من القمقم ، فصرنا نبحث له عن التعاويذ و الوصفات السحرية ليكف أذاه أو يرجع إلى سردابه .