رمضانيات : سوق اللبادين … تحول الدكاكين إلى بازارات – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
الأحد 20 أبريل 2025, 02:34

ساحة

رمضانيات : سوق اللبادين … تحول الدكاكين إلى بازارات


كشـ24 نشر في: 6 يوليو 2014

رمضانيات : سوق اللبادين ... تحول الدكاكين إلى بازارات
 
اللبدة هي تشابك شعيرات الصوف فيما بينها ومزجها بالماء والصابون الأسود (البلدي)، ثم فركه بقماش مبلل يمزج بالماء والصابون حتى تصير جزرا واحدا أو قطعة واحدة، بعد غسل المتوج الملبد يمكن أن يصبغ أو يحتفظ بلونه الأصلي بعد أن يعرض لأشعة الشمس ليجف، لا يعرف بالتحديد أصل هذه المهنة والتي يبدو أنها من مخلفات الحضارة العثمانية بدول جنوب البحر الأبيض المتوسط ومن هنا يبدو أن ممارسة هذه الحرفة تفوق 100سنة من الأقدمية.
 
كان عدد الصناع يتجاوز60 صانعا إلى أن تقلص العدد ليصل 4 صناع فقط.
 
يقول أحد " لمعلمين" القدامى:" تتأثر هذه الحرفة بالتقلبات المناخية حيث تفوق نسبة الكسور أحيانا27 في المائة من وزن الصوف الذي يتأثر بالرطوبة خلال فصل الشتاء، مما يؤثر على وزنها صيفا بعد تعرضها للحرارة مما يؤثر على هذه المادة ذات الأصل الحيواني.ويتراوح ثمن الصوف بعد خضوعه لكل العمليات ما بين"6 و35 درهما حسب الأنواع التي يحددها أحد الصناع في: "صوف الواد، حلوانة، العطارية، اللباطية، دزة ودحة، الدزة المغسولة، البر وال وصوف الرأس..."
 
ويستغرق مدة إنجاز لبدة واحدة من حجم(1، 100م)×(1، 10م) يوما واحدا، ويغلب على هذا المنتوج الطلب من طرف مستعملي المنتوج إماّ للصلاة كسجاد أو استعمالات أخرى كعنصر ضروري لصناعة السروج، أو الطربوش الأحمر في الزي الرسمي التقليدي.وتعاني هذه الحرفة من مضايقة بعض المنتوجات المستوردة والمصنعة بطرق ممكنة.
 
وهي حرفة في طور الانقراض حيث لم يبق في مدينة مراكش إلا  ثلاث معلمين لبادين: الأول يزاول حرفته بسوق اللبادين في دكان هو الوحيد الذي لا زالت تمارس فيه هذه الحرفة بينما تحول الباقي إلى متاجر لبيع منتوجات الصناعة التقليدية (بازارات). المعلم الثاني يشتغل في منزله. و المعلم الثالث الذي استجوبناه له محترف بمجمع الصناعة التقليدية بمراكش.
 
يقول المعلم ( ب ل ) إنه أخذ اللبادة عن معلم من أسرة تنحدر من سجلماسة بواحة تافيلالت مارست هذه الحرفة لأجيال متعددة، قدم أحد أجدادهم المتقدمين مهاجرا إلى مراكش بسبب قضية شرف. ذلك أن هذا الشخص كان يملك حديقة نخيل في بلده و وجد في أحد الأيام سارقا يجني ثمار إحدى نخلاته  فانتهره، لكن السارق أجابه باستخفاف "حتى الدجاجة أصبحت تجيد الركل". عندها أحس المالك بالإهانة و قرر بيع أملاكه و النزوح إلى مراكش حيث استقر ممارسا لمهنة اللبادة التي أورثها لأبنائه و حفدته.
 
يضيف المعلم ( ب ل) أنه حتى نهاية الستينات من القرن الماضي كان عدد المعلمين اللبادة يناهز الأربعين وأن عددهم كان أكثر قبل ذلك. في أيام العز هذه كان زبناء الحرفة من علية القوم : قياد، تجار، فقهاء، كبار الفلاحين. و كان اللباد من رواج حرفته و سلعته يملك الأراضي و العتبات و الدكاكين. و يحكى أنه كان يجمع أمواله من سكة "الحسني"  في "الشواري"  و أنه لتهافت الناس عليه يطلب من الزبون أن يمهله أياما حتى يهيئ له طلبه في الوقت الذي تكون نسخ من المطلوب متوفرة في دكانه.
 
أما الآن لم يعد هناك مستعملون لمنتوجات اللبادة. يحكي المعلم ( ب ل) أن أحد زملائه صنع لبدة و لكن لم يتقدم أحد لشرائها فبقيت في دكانه حتى أصابتها القرظة (التونيا). فقد كان من زبناء الحرفة التقليديين مستعملو اللبدة كفراش لأداء الصلاة. أصبح هؤلاء يفضلون السجادات المنسوجة التركية الأصل لأنها أخف وزنا و أكثر مقاومة و أقل حجما و تكلفة. وهناك من الزبناء من يستعمل"الترشيح" و "العراقية" كواقيات على ظهور الخيول و البغال.
 
لكن زبناء الحرفة الأساسيين ضعفت و شحت مواردهم المالية و قوتهم الشرائية منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي بسبب توالي سنوات الجفاف. و أيضا قل مستعملو الطرابيش التقليدية التي ينتجها اللباد، لأسباب ثقافية تكمن في عصرنة المجتمع و تأثره بالنموذج الأوروبي في اللباس.
 
و يتكون فريق اللبادة عادة من معلم وصناع و متعلمين. فالمعلم هو صاحب الدكان، مالك رأس المال و مرجع الحرفة و الخبرة. يزاول الصنعة أحيانا إضافة إلى إدارة محترفه و أحيانا يكتفي بالتسيير : شراء المادة الأولية، مراقبة الصناع ، بيع المنتوج، التواصل مع الزبناء...
 
الصانع أكمل تعلم الحرفة منذ مدة، يتقن الحرفة و لكنه لا يتوفر على الموارد المادية أو المهارات السيكولوجية الضرورية للاستقلال بمحترفه الخاص.
 
المتعلم :يكون مبدئيا صغير السن حديث عهد بالحرفة، يتدرج في التعلم و تلزمه في المتوسط حوالي عشر سنوات ليتقنها و يصبح صانعا.
 
المعلم (ب ل ) يشتغل غالب الوقت بمفرده و يساعده أيام العطلة الصيفية متعلمان و هما شابان يتابعان دراستهما في الثانوي و يشتغل معه أقدمهما و أفضلهما منذ سبع سنوات بمعدل شهرين كل سنة.
 
ويعد الصوف من أهم المواد الأولية الضرورية لهذه الحرفة، و هو ثلاثة أنواع :
صوف "الدزة"، أفضل هذه الأنواع، و هو صوف يؤخذ من فوق ظهر الأغنام الحية مرة كل سنة في الفترة ما بين نهاية إبريل و بداية ماي،
الصوف اللباطية و هي التي يقتلع اللباط من على جلود الأغنام المذبوحة ("البطاين")،
الصوف العطارية و هي صوف سبق أن استعملت كحشوة للفراش مثلا فيعاد استعمالها كمادة يشتغل عليها اللباد.
 
الصابون "البلدي" : يخلط مع الماء للحصول على محلول صابوني تعالج به قطع الصوف.
أما أدواتها فهي:
 
 الطبلة و هي طاولة خشبية مربعة يبلغ ضلعها حوالي 1.50 متر. ترتفع بحوالي 5 سنتيمترات على الأرض بفضل أرجل قصيرة و عريضة. حين يجلس الصانع مباشرة وراء الطبلة على الأرض تكون المادة التي يشتغل عليها في متناول يديه.
 
القوالب : مجسمات من الطين تستعمل لصناعة الطرابيش و البلغات توضع عليها المادة المراد تصنيعها لتأخذ الأشكال المطلوبة.
 
 القياس : وهي عصية خشبية يبلغ طولها نصف متر تقريبا تستعمل لضبط القياسات حسب الأبعد المطلوبة.
 
الحلاب : إناء طيني يخلط فيه الماء و الصابون "البلدي" للحصول على محلول رغوي يعالج المادة الأولية.
 
اللبدة : فراش مستطيلي الشكل طوله 1 إلى1.10 متر و عرضه ما بين 0.8 و 1 متر، يفترش كغطاء للأرض تؤدى فوقه الصلاة أو يستعمل كفراش إضافي يجلس عليه مستعمله فيوفر له الدفء و الملمس الرطب. هناك أيضا لبدات بمقاسات أكبر تستعمل لتغطية فضاء يخصص لصلاة جماعات محدودة العدد.
 
العراقية : لبدة لها شكل إهليج يبلغ طول محوريه 1 متر و 0.80 متر، توضع فوق ظهر البغلة كفراش نظيف و مريح يكون للراكب تماسا لينا و للبغلة رداء يتشرب بالعرق الذي يخرج من جسمها إثناء الحركة.
 
الترشيح : يتكون من 7 إلى 10 لبدات تبلغ أبعاده 1 و 1.10 متر، ذات ألوان مختلفة ، تكون اللبدة السفلى  بيضاء و العليا حمراء. تجمع اللبدات بخياطة و بقطعة جلدية تجمع أطرافها الأمامية. توضع فوق ظهر الحصان ثم يوضع فوقها السرج فتنقص من حدة احتكاكه بظهر الفرس، و تتشرب بعرقه كما توفر في نفس الوقت مجلسا لينا و رطبا للراكب.
 
 الطرابيش التقليدية ذات "قبوشة" في الأعلى و التي تتدلى على جانبها "شوشة"، تستعمل  لتغطية الرأس. كانت تميز شرطة المخزن و موظفيه.
 
الطرابيش العصربة بمختلف أشكالها.
 
غطاء العنق le châle .
 
القفة الصوفية.
 
بلغة للاستعمال داخل المنزل لتسخين الأرجل في ليالي البرد القارس.
 
وتتم عملية التصنيع بتهييء الصوف فيؤخذ الصوف من أحد الأصناف التي تقدم ذكرها فيغسل جيدا بالماء وحده ؛ إذا غسل بالصابون أو "تيغيغشت" تفقد شعيراته تشعباتها و يصبح غير صالح لصنع لبدات جيدة. ينشر في الشمس حتى يجف ؛ يكفي لذلك يوم واحد أيام الصيف بينما تزداد مدة النشر كلما كان الجو رطبا و باردا. هذا العمل تقوم به نساء متخصصات قبل أن يتسلمه اللباد نظيفا و جافا. يعيد متعلم اللباد تنقية الصوف المغسول الجاف من الشوائب التي قد تعلق به. ثم يقوم بضربه بقضيب خشبي حتي تتفرق خيوطه وتقل كثافته؛ وتسمى هذه العملية "التقطاب". يعاد إلى النساء اللواتي تعالجنه "القرشال" لكي يصبح ناعما متشعب الشعيرات. و" القرشال"  زوج قطعتين خشبيتين مربعتين، يبلغ ضلعها حوالي 15 سنتيمتر،  تبتت على مجمل وجهها مسامير صغيرة متقاربة. توضع قطعة من الصوف على الوجه الذي تبتت عله المسامير و تبدأ المرأة في حكه على الوجه المماثل له من فردة القرشال الثانية و هكذا تستمر قطعة الصوف تنتقل من فك إلى آخر حتى تصبح رطبة و قليلة الكثافة.
 
ولتصنيع المنتوج يجلس الصانع على الأرض و يضع "الطبلة" أمامه، يأخذ قطع الصوف المهيأ و يصففها جنبا إلى جنب حتى تكون طبقة أولى بأبعاد المنتوج المبتغى صنعه. يضع فوقها طبقة ثانية ثم ثالثة. يخلط المتعلم الماء و الصابون "البلدي" في الحلاب بواسطة قطعة ثوب صوفية بالية تسمى "الكدوار" حتى يحصل على محلول صابوني برغوة كثيفة. يبدأ الصانع عملية "سقي" الصوف المرصوص فوق الطاولة حيث يعصر فوقه "الكدوار" المشبع بالمحلول و يمرر يديه على أعلى الفرشة الصوفية ليدخل المحلول في الصوف. يعيد العملية مرات يكون عددها أكبر كلما كان الصوف المستعمل أحرش.   يضيف الصابون مباشرة بحكه بيده فوق المادة و يرشه بقطرات من الماء و يضغط بيده لكي يتشرب الصوف بالصابون المضاف. يتوقف عن إضافة الصابون عندما يتبين أن المادة قد تشبعت به.

ياخذ "كدوارا" يابسا و يبدأ عملية حك وجه اللبدة. يقلبها بعد ذلك و يحك قفاها بنفس الطريقة. إذا تبين له أن اللبدة استوت يبدأ بعصرها حتى يخرج منها أكبر قدر ممكن من الصابون.

يدورها و يلولبها بعد ذلك و يتركها بضع دقائق على هذا الحال لكي تشد شعيرات الصوف المعالج بعضها ببعض ؛ و تسمى هذه العملية "العقير". يعيد تسريح اللبدة فوق الطاولة و يساعده الصانع على "تجبيد" أطرافه حتى تأخذ شكل المنتوج المطلوب ؛ و تسمى هذه العملية "النتير". تبدأ بعد ذلك عملية السقي بالماء. تؤخذ اللبدة قرب أنبوب ماء و توضع على سطح الأرض.

تطوى مرة واحدة و يقف الصانع فوقها. يسكب الماء تدريجيا و يتحرك ماشيا فوقها من جهة إلى أخرى ضاغطا برجليه ليخرج الماء و الصابون المشبعة بهما. يتابع العملية حتى يخلص اللبدة من الصابون نهائيا فيقال أنها "صفت". تعلق على خشب حتى تفقد ما علق بها من ماء.تنشر في فناء مشمس حتى تجف. تدفع للصباغ إذا كان الزبون يرغب في لبدة مصبوغة. يعاد غسل اللبدة بالطريقة أعلاه. توضع اللبدة المغسولة و المجففة فوق "الطبلة" و يعاد "تجبيد" أطرافها حتى تأخذ الشكل المطلوب. تطوى على أربع و توضع على طاولة أولى تقلب فوقها أخرى و توضع على هذه الأخيرة أحجار وازنة.

تترك هكذا يومين أو ثلاثة لكي تصبح سهلة الطي فتسلم للزبون. يبيع المعلم ( ب ل ) منتوجاته مباشرة للزبناء الذين يزورونه في دكانه بمجمع الصناعة التقليدية أو بالمعارض المحلية و الوطنية التي يشارك فيها أحيانا.  ولكي لا تنقرض اللبادة ـ يقول المعلم ( ب ل ): يجب التوفر على متعلمين محفزين يثقون بأنها ستؤمن لهم مستقبلا فيتابرون على التعلم بجدية ليتشربوا أسرار الحرفة.

رمضانيات : سوق اللبادين ... تحول الدكاكين إلى بازارات
 
اللبدة هي تشابك شعيرات الصوف فيما بينها ومزجها بالماء والصابون الأسود (البلدي)، ثم فركه بقماش مبلل يمزج بالماء والصابون حتى تصير جزرا واحدا أو قطعة واحدة، بعد غسل المتوج الملبد يمكن أن يصبغ أو يحتفظ بلونه الأصلي بعد أن يعرض لأشعة الشمس ليجف، لا يعرف بالتحديد أصل هذه المهنة والتي يبدو أنها من مخلفات الحضارة العثمانية بدول جنوب البحر الأبيض المتوسط ومن هنا يبدو أن ممارسة هذه الحرفة تفوق 100سنة من الأقدمية.
 
كان عدد الصناع يتجاوز60 صانعا إلى أن تقلص العدد ليصل 4 صناع فقط.
 
يقول أحد " لمعلمين" القدامى:" تتأثر هذه الحرفة بالتقلبات المناخية حيث تفوق نسبة الكسور أحيانا27 في المائة من وزن الصوف الذي يتأثر بالرطوبة خلال فصل الشتاء، مما يؤثر على وزنها صيفا بعد تعرضها للحرارة مما يؤثر على هذه المادة ذات الأصل الحيواني.ويتراوح ثمن الصوف بعد خضوعه لكل العمليات ما بين"6 و35 درهما حسب الأنواع التي يحددها أحد الصناع في: "صوف الواد، حلوانة، العطارية، اللباطية، دزة ودحة، الدزة المغسولة، البر وال وصوف الرأس..."
 
ويستغرق مدة إنجاز لبدة واحدة من حجم(1، 100م)×(1، 10م) يوما واحدا، ويغلب على هذا المنتوج الطلب من طرف مستعملي المنتوج إماّ للصلاة كسجاد أو استعمالات أخرى كعنصر ضروري لصناعة السروج، أو الطربوش الأحمر في الزي الرسمي التقليدي.وتعاني هذه الحرفة من مضايقة بعض المنتوجات المستوردة والمصنعة بطرق ممكنة.
 
وهي حرفة في طور الانقراض حيث لم يبق في مدينة مراكش إلا  ثلاث معلمين لبادين: الأول يزاول حرفته بسوق اللبادين في دكان هو الوحيد الذي لا زالت تمارس فيه هذه الحرفة بينما تحول الباقي إلى متاجر لبيع منتوجات الصناعة التقليدية (بازارات). المعلم الثاني يشتغل في منزله. و المعلم الثالث الذي استجوبناه له محترف بمجمع الصناعة التقليدية بمراكش.
 
يقول المعلم ( ب ل ) إنه أخذ اللبادة عن معلم من أسرة تنحدر من سجلماسة بواحة تافيلالت مارست هذه الحرفة لأجيال متعددة، قدم أحد أجدادهم المتقدمين مهاجرا إلى مراكش بسبب قضية شرف. ذلك أن هذا الشخص كان يملك حديقة نخيل في بلده و وجد في أحد الأيام سارقا يجني ثمار إحدى نخلاته  فانتهره، لكن السارق أجابه باستخفاف "حتى الدجاجة أصبحت تجيد الركل". عندها أحس المالك بالإهانة و قرر بيع أملاكه و النزوح إلى مراكش حيث استقر ممارسا لمهنة اللبادة التي أورثها لأبنائه و حفدته.
 
يضيف المعلم ( ب ل) أنه حتى نهاية الستينات من القرن الماضي كان عدد المعلمين اللبادة يناهز الأربعين وأن عددهم كان أكثر قبل ذلك. في أيام العز هذه كان زبناء الحرفة من علية القوم : قياد، تجار، فقهاء، كبار الفلاحين. و كان اللباد من رواج حرفته و سلعته يملك الأراضي و العتبات و الدكاكين. و يحكى أنه كان يجمع أمواله من سكة "الحسني"  في "الشواري"  و أنه لتهافت الناس عليه يطلب من الزبون أن يمهله أياما حتى يهيئ له طلبه في الوقت الذي تكون نسخ من المطلوب متوفرة في دكانه.
 
أما الآن لم يعد هناك مستعملون لمنتوجات اللبادة. يحكي المعلم ( ب ل) أن أحد زملائه صنع لبدة و لكن لم يتقدم أحد لشرائها فبقيت في دكانه حتى أصابتها القرظة (التونيا). فقد كان من زبناء الحرفة التقليديين مستعملو اللبدة كفراش لأداء الصلاة. أصبح هؤلاء يفضلون السجادات المنسوجة التركية الأصل لأنها أخف وزنا و أكثر مقاومة و أقل حجما و تكلفة. وهناك من الزبناء من يستعمل"الترشيح" و "العراقية" كواقيات على ظهور الخيول و البغال.
 
لكن زبناء الحرفة الأساسيين ضعفت و شحت مواردهم المالية و قوتهم الشرائية منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي بسبب توالي سنوات الجفاف. و أيضا قل مستعملو الطرابيش التقليدية التي ينتجها اللباد، لأسباب ثقافية تكمن في عصرنة المجتمع و تأثره بالنموذج الأوروبي في اللباس.
 
و يتكون فريق اللبادة عادة من معلم وصناع و متعلمين. فالمعلم هو صاحب الدكان، مالك رأس المال و مرجع الحرفة و الخبرة. يزاول الصنعة أحيانا إضافة إلى إدارة محترفه و أحيانا يكتفي بالتسيير : شراء المادة الأولية، مراقبة الصناع ، بيع المنتوج، التواصل مع الزبناء...
 
الصانع أكمل تعلم الحرفة منذ مدة، يتقن الحرفة و لكنه لا يتوفر على الموارد المادية أو المهارات السيكولوجية الضرورية للاستقلال بمحترفه الخاص.
 
المتعلم :يكون مبدئيا صغير السن حديث عهد بالحرفة، يتدرج في التعلم و تلزمه في المتوسط حوالي عشر سنوات ليتقنها و يصبح صانعا.
 
المعلم (ب ل ) يشتغل غالب الوقت بمفرده و يساعده أيام العطلة الصيفية متعلمان و هما شابان يتابعان دراستهما في الثانوي و يشتغل معه أقدمهما و أفضلهما منذ سبع سنوات بمعدل شهرين كل سنة.
 
ويعد الصوف من أهم المواد الأولية الضرورية لهذه الحرفة، و هو ثلاثة أنواع :
صوف "الدزة"، أفضل هذه الأنواع، و هو صوف يؤخذ من فوق ظهر الأغنام الحية مرة كل سنة في الفترة ما بين نهاية إبريل و بداية ماي،
الصوف اللباطية و هي التي يقتلع اللباط من على جلود الأغنام المذبوحة ("البطاين")،
الصوف العطارية و هي صوف سبق أن استعملت كحشوة للفراش مثلا فيعاد استعمالها كمادة يشتغل عليها اللباد.
 
الصابون "البلدي" : يخلط مع الماء للحصول على محلول صابوني تعالج به قطع الصوف.
أما أدواتها فهي:
 
 الطبلة و هي طاولة خشبية مربعة يبلغ ضلعها حوالي 1.50 متر. ترتفع بحوالي 5 سنتيمترات على الأرض بفضل أرجل قصيرة و عريضة. حين يجلس الصانع مباشرة وراء الطبلة على الأرض تكون المادة التي يشتغل عليها في متناول يديه.
 
القوالب : مجسمات من الطين تستعمل لصناعة الطرابيش و البلغات توضع عليها المادة المراد تصنيعها لتأخذ الأشكال المطلوبة.
 
 القياس : وهي عصية خشبية يبلغ طولها نصف متر تقريبا تستعمل لضبط القياسات حسب الأبعد المطلوبة.
 
الحلاب : إناء طيني يخلط فيه الماء و الصابون "البلدي" للحصول على محلول رغوي يعالج المادة الأولية.
 
اللبدة : فراش مستطيلي الشكل طوله 1 إلى1.10 متر و عرضه ما بين 0.8 و 1 متر، يفترش كغطاء للأرض تؤدى فوقه الصلاة أو يستعمل كفراش إضافي يجلس عليه مستعمله فيوفر له الدفء و الملمس الرطب. هناك أيضا لبدات بمقاسات أكبر تستعمل لتغطية فضاء يخصص لصلاة جماعات محدودة العدد.
 
العراقية : لبدة لها شكل إهليج يبلغ طول محوريه 1 متر و 0.80 متر، توضع فوق ظهر البغلة كفراش نظيف و مريح يكون للراكب تماسا لينا و للبغلة رداء يتشرب بالعرق الذي يخرج من جسمها إثناء الحركة.
 
الترشيح : يتكون من 7 إلى 10 لبدات تبلغ أبعاده 1 و 1.10 متر، ذات ألوان مختلفة ، تكون اللبدة السفلى  بيضاء و العليا حمراء. تجمع اللبدات بخياطة و بقطعة جلدية تجمع أطرافها الأمامية. توضع فوق ظهر الحصان ثم يوضع فوقها السرج فتنقص من حدة احتكاكه بظهر الفرس، و تتشرب بعرقه كما توفر في نفس الوقت مجلسا لينا و رطبا للراكب.
 
 الطرابيش التقليدية ذات "قبوشة" في الأعلى و التي تتدلى على جانبها "شوشة"، تستعمل  لتغطية الرأس. كانت تميز شرطة المخزن و موظفيه.
 
الطرابيش العصربة بمختلف أشكالها.
 
غطاء العنق le châle .
 
القفة الصوفية.
 
بلغة للاستعمال داخل المنزل لتسخين الأرجل في ليالي البرد القارس.
 
وتتم عملية التصنيع بتهييء الصوف فيؤخذ الصوف من أحد الأصناف التي تقدم ذكرها فيغسل جيدا بالماء وحده ؛ إذا غسل بالصابون أو "تيغيغشت" تفقد شعيراته تشعباتها و يصبح غير صالح لصنع لبدات جيدة. ينشر في الشمس حتى يجف ؛ يكفي لذلك يوم واحد أيام الصيف بينما تزداد مدة النشر كلما كان الجو رطبا و باردا. هذا العمل تقوم به نساء متخصصات قبل أن يتسلمه اللباد نظيفا و جافا. يعيد متعلم اللباد تنقية الصوف المغسول الجاف من الشوائب التي قد تعلق به. ثم يقوم بضربه بقضيب خشبي حتي تتفرق خيوطه وتقل كثافته؛ وتسمى هذه العملية "التقطاب". يعاد إلى النساء اللواتي تعالجنه "القرشال" لكي يصبح ناعما متشعب الشعيرات. و" القرشال"  زوج قطعتين خشبيتين مربعتين، يبلغ ضلعها حوالي 15 سنتيمتر،  تبتت على مجمل وجهها مسامير صغيرة متقاربة. توضع قطعة من الصوف على الوجه الذي تبتت عله المسامير و تبدأ المرأة في حكه على الوجه المماثل له من فردة القرشال الثانية و هكذا تستمر قطعة الصوف تنتقل من فك إلى آخر حتى تصبح رطبة و قليلة الكثافة.
 
ولتصنيع المنتوج يجلس الصانع على الأرض و يضع "الطبلة" أمامه، يأخذ قطع الصوف المهيأ و يصففها جنبا إلى جنب حتى تكون طبقة أولى بأبعاد المنتوج المبتغى صنعه. يضع فوقها طبقة ثانية ثم ثالثة. يخلط المتعلم الماء و الصابون "البلدي" في الحلاب بواسطة قطعة ثوب صوفية بالية تسمى "الكدوار" حتى يحصل على محلول صابوني برغوة كثيفة. يبدأ الصانع عملية "سقي" الصوف المرصوص فوق الطاولة حيث يعصر فوقه "الكدوار" المشبع بالمحلول و يمرر يديه على أعلى الفرشة الصوفية ليدخل المحلول في الصوف. يعيد العملية مرات يكون عددها أكبر كلما كان الصوف المستعمل أحرش.   يضيف الصابون مباشرة بحكه بيده فوق المادة و يرشه بقطرات من الماء و يضغط بيده لكي يتشرب الصوف بالصابون المضاف. يتوقف عن إضافة الصابون عندما يتبين أن المادة قد تشبعت به.

ياخذ "كدوارا" يابسا و يبدأ عملية حك وجه اللبدة. يقلبها بعد ذلك و يحك قفاها بنفس الطريقة. إذا تبين له أن اللبدة استوت يبدأ بعصرها حتى يخرج منها أكبر قدر ممكن من الصابون.

يدورها و يلولبها بعد ذلك و يتركها بضع دقائق على هذا الحال لكي تشد شعيرات الصوف المعالج بعضها ببعض ؛ و تسمى هذه العملية "العقير". يعيد تسريح اللبدة فوق الطاولة و يساعده الصانع على "تجبيد" أطرافه حتى تأخذ شكل المنتوج المطلوب ؛ و تسمى هذه العملية "النتير". تبدأ بعد ذلك عملية السقي بالماء. تؤخذ اللبدة قرب أنبوب ماء و توضع على سطح الأرض.

تطوى مرة واحدة و يقف الصانع فوقها. يسكب الماء تدريجيا و يتحرك ماشيا فوقها من جهة إلى أخرى ضاغطا برجليه ليخرج الماء و الصابون المشبعة بهما. يتابع العملية حتى يخلص اللبدة من الصابون نهائيا فيقال أنها "صفت". تعلق على خشب حتى تفقد ما علق بها من ماء.تنشر في فناء مشمس حتى تجف. تدفع للصباغ إذا كان الزبون يرغب في لبدة مصبوغة. يعاد غسل اللبدة بالطريقة أعلاه. توضع اللبدة المغسولة و المجففة فوق "الطبلة" و يعاد "تجبيد" أطرافها حتى تأخذ الشكل المطلوب. تطوى على أربع و توضع على طاولة أولى تقلب فوقها أخرى و توضع على هذه الأخيرة أحجار وازنة.

تترك هكذا يومين أو ثلاثة لكي تصبح سهلة الطي فتسلم للزبون. يبيع المعلم ( ب ل ) منتوجاته مباشرة للزبناء الذين يزورونه في دكانه بمجمع الصناعة التقليدية أو بالمعارض المحلية و الوطنية التي يشارك فيها أحيانا.  ولكي لا تنقرض اللبادة ـ يقول المعلم ( ب ل ): يجب التوفر على متعلمين محفزين يثقون بأنها ستؤمن لهم مستقبلا فيتابرون على التعلم بجدية ليتشربوا أسرار الحرفة.


ملصقات


اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأحد 20 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة