حمى الأسعار … من أزمة إلى أخرى !!! – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
الأحد 20 أبريل 2025, 02:25

ساحة

حمى الأسعار … من أزمة إلى أخرى !!!


كشـ24 نشر في: 22 فبراير 2023

عبد الحليم بنمبارك إطار مختص في شؤون ضبط ومراقبة السوقأزمة الأسعار أصبحت أزمة متجددة، جرح مفتوح ينخر جسم المستهلك دون تمكن الحكومة من تقديم وصفة علاجية شافية، كفيلة بوقف هذا النزيف. فما يكاد المستهلك يطوي صفحة مسببات أزمة حتى يصطدم بأخرى. فمن كورونا إلى حرب أوكرانيا إلى المحروقات إلى الجفاف إلى التصدير غير المتوازن للخارج إلى النقص الحاد في الاستيراد إلى هشاشة المراقبة المستمرة للأسواق إلى التأخر والتقاعس في إحداث تغيير جدري للمنظومة المتحكمة في تحديد الأسعار ومخرجاتها من المنبع إلى المستهلك. كلها عوامل قلبت موازين أسعار المواد والمنتجات الغذائية وأربكت الأسواق ورفعت أصوات الاحتجاج.الأزمات الاقتصادية في العادة تكون محكا لاختبار مدى قدرة السلطة على مواجهتها، والبحث عن الحلول والإجراءات الناجعة للتخفيف من حدتها بل وتجاوزها حفاظا على التوازن في السوق وحماية المواطن/المستهلك وتأمين السلم الاجتماعي، عوض انتظار مطالب التدخل وتحمل المسؤولية في التدبير والعلاج، في عملية تكرار واجترار لأزمات باتت معروفة ومكشوفة لدرجة الاستئناس.بكل تأكيد، ففي مثل هذه الأزمات تبرز الحاجة الماسة إلى حلول ناجعة لمجابهة هذه الوضعية "المأزقية"،حلول افتراضية تفرز نوعا من ميكانيزمات الدفاع الطبيعي لتجعل الوجود محتملا. لهذا، وأمام تأخر السلطات العمومية في المبادرة وغياب الرقيب/ المعارضة البرلمانية،لجأ المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي كمتنفس للتعبير حد السخرية، عن احتجاجهم وسخطهم وتدمرهم من الارتفاع المتنامي للأسعار بلا هوادة.الملفت أنه في الوقت الذي كان المواطن يشتكي فيه من لهيب الأسعار، اعتقدت السلطات العمومية أن الاكتفاء بترديد أسطوانة الأزمة العالمية المتعددة الأوجه وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، فضلا عن الجفاف وموجة البرد القارس وموسمية إنتاج بعض المواد الفلاحية كفيلة بإسكات واقتناع المواطن بها كحالة عامة. هي حقائق تقتضي الضرورة استحضارها، لكن ليس من الصواب التعلل بها كشعار قار ودائم لأزمات الأسعار.اضطرت الحكومة أمام الارتفاع الكبير لأسعار عدد من المواد الأساسية وارتباك الأسواق وتدمر المستهلك، إلى التدخل، ولو بشكل متأخر، فأقبلت على اتخاذ مجموعة من التدابير للتخفيف من حدة ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية بالأساس، من بينها تعليق الرسوم الجمركية بالنسبة للحوم الحمراء التي كانت محددة في 200 في المائة وكذا حذف الضريبة على القيمة المضافة، لتسهيل مسطرة استيراد الأبقار الموجهة للذبح من أوروبا وأمريكا الجنوبية، بغية إتاحة المجال لإعادة توازن سلاسل الإنتاج المحلية التي عرفت بعض الاضطراب منذ جائحة كورونا والجفاف الذي أعاق تشكيل القطيع. كما بادرت بتنسيق مع المهنيين بتعليق تصدير الطماطم والبطاطس والبصل لدول إفريقيا الغربية بالأساس لتأمين تموين السوق الداخلية، هذا إضافة إلى الرفع من درجة اليقظة والتعبئة الشاملة لأجهزة المراقبة بمختلف الأسواق ونقط البيع للحيلولة دون حدوث اضطرابات في مسالك التوزيع، والتصدي لكافة الممارسات غير المشروعة، فيما يخص المضاربات والادخار السري.وهنا لا بد من الإدلاء بملاحظتين أساسيتين على بعض ما اتخذ من تدابير حكومية:أولها مرتبط بالحملات الأخيرة للجن المختلطة المحلية للمراقبة على مستوى كافة العمالات والأقاليم. فإذا كانت هذه الحملات، على أهميتها ونجاعتها، قد تمكنت من تطويق العديد من الممارسات التجارية غير المشروعة، وما واكب ذلك من تغطية إعلامية واسعة بغاية طمأنة المواطن، فإن سياق تدخلاتها وتواجدها بالأسواق في هذه المرحلة والتركيز على نشاطها وكأنه تدبير استثنائي وخطة مبرمجة، يزكي الانطباع السائد لدى المواطن والمتتبعين لشؤون السوق بأن عمل مصالح المراقبة يكتسي طابعا ظرفيا ومناسباتيا، ويظل رهين صدور تعليمات، وهذا في حد ذاته أسلوب غير متبصر لأنه تبخيس لمهام مصالح المراقبة.ويكشف العدد الجد محدود للمخالفات المضبوطة (2500 مخالفة على الصعيد الوطني أغلبها مرتبط بتجارة التقسيط، الحلقة الأضعف في السلسلة، باستثناء أهمية مخالفات الادخار السري على قلتها)، بالملموس أن مصدر ارتفاع الأسعار لا يكمن في إنزال المراقبة، بل مرتبط بالأساس بتنظيم وتدبير حكومي حديث لمنظومة سلاسل الإنتاج والتوزيع وتأطير السوق.ثانيا، جاء قرار وقف التصدير للمواد الفلاحية (الخضروات والفواكه) لدول غرب إفريقيا مفاجئا لأسواقها وصادما للفلاحين والموزعين المغاربة الذين سيتأثرون من مثل هذا القرار الذي قد يكلفهم خسائر مالية ويحرمهم من أسواق خارجية تعودوا على التعامل معها ( حسب المعطيات المتوفرة: تصدير المواد الفلاحية نحو إفريقيا خلال سنة 2022 ارتفع، رغم الجفاف، بنسبة 20% ليسجل مستوى قياسيا بلغ 80 مليار درهم). ينطبق الموقف أيضا على حركية النقل بالشاحنات التي سيتضرر أصحابها أيضا جراء تجميد نشاطهم (عدد الشاحنات المتوجهة نحو إفريقيا ارتفعت بنسبة 88%، ما يقارب45.000 شاحنة، وتشكل المواد الفلاحية 28% من حجم المنتوجات المنقولة).كما أن وقف التصدير لدول الجنوب الإفريقي سيدفع لا محالة هذه الدول إلى البحث عن أسواق أخرى منافسة للتموين، في الوقت الذي يعمل فيه المغرب على تعزيز تواجده الاقتصادي والمالي والتجاري بهذه الدول. وإذا كانت الضرورة تقتضي إعطاء الأولوية للسوق المحلية في التموين، فكان من الأفضل بدل وقف التصدير اللجوء إلى تقليص كميات الصادرات وتحسيس الدول المعنية بالأزمة وترك الباب مواربة بدل إغلاقها.لا شك في أن التدابير الحكومية المتخذة ستنعكس، دون شك، إيجابا في قادم الأيام على أسعار بعض المواد الفلاحية، وبالأساس الخضروات واللحوم الحمراء ، لكن هذا الأمر يحتم عدم إغفال أسعار باقي المواد والمنتوجات والخدمات الأساسية الأخرى التي لازالت ذات مستويات قياسية وتؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن.وبغاية المساهمة في ضمان الحفاظ على مستوى مقبول للأسعار واستقرار السوق، فالحكومة باتت مطالبة اليوم باتخاذ تدابير أكثر نجاعة ومسؤولية من بينها على سبيل الذكر:• تحمل الحكومة ومجلس المنافسة لمسؤوليتهما في ملف المحروقات وما يعرفه من تجاوزات لضمان شروط المنافسة الشريفة والتدخل لردع الممارسات غير المشروعة، وفق الاختصاصات المخولة لهما، لاسيما بعد الاعتراف الأخير لمجلس المنافسة بوجود ممارسات منافية للمنافسة وأعمالا تجارية غير مشروعة في سوق الغازوال والبنزين والمطالب الملحة بشأن زجر المخالفين؛• مراجعة هوامش الربح والضرائب المفروضة على المحروقات، اعتبارا لارتباط أسعار هذه المواد بأسعار كافة المواد والمنتوجات والخدمات؛• تخفيض النسب الضريبية والرسوم الجمركية على بعض السلع(كتدبير مؤقت،وللتخفيف من الارتفاع القياسي الذي عرفته أسعار البصل والطماطم والبطاطس، تم على سبيل الذكر خلال فترة جد محددة من سنة 2009 تعليق استيفاء الرسم المفروض على هذا النوع من الخضر بأسواق الجملة وتشجيع الفلاحين على ترويج منتوجاتهم بهذه المرافق )؛• التفكير في تفعيل مقتضيات المادة 4 من القانون رقم 104 .12المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بهدف تسقيف أسعار بعض المواد والمنتجات ذات الاستهلاك الواسع، وأساسا تلك التي عرفت ارتفاعا فاحشا في أسعارها؛• التعجيل بتنظيم وتحسين وتحديث مسالك التوزيع بغاية محاربة الوسطاء والسماسرة وتطويق ظاهرة الاحتكار والمضاربة والادخار السري (يأتي في هذا المقام على سبيل الذكر إعادة النظر في قانون 1962المتعلق بتدبير أسواق الجملة للخضر والفواكه وأسواك السمك وقرار وزير الداخلية ذي الصلة)، وكذا الأخذ بعين الاعتبار للخلاصات الهامة لبعض الدراسات والاستشارات منها رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن الاستراتيجية الخاصة بتنمية الأسواق الأسبوعية بالوسط القروي، هذا إضافة إلى الحرص على تفعيل مقتضيات القانون رقم 04 .12 المتعلق بالتجميع الفلاحي اعتبارا لأهميته في هذا المجال؛• ضمان مقاربة تواصلية ناجعة وصادقة مع المواطنين لإقناعهم بجدوى التدابير المتخذة؛• الرفع بشكل كاف من عدد المراقبين لتغطية كافة نقط البيع وفضاءات السوق بالبوادي والمدن وتوفير وسائل العمل الضرورية، وكذا تفعيل مؤسسة الحسبة لدورها الحيوي وأهميتها البالغة في المراقبة وفض النزاعات بين التجار والحرفيين والمستهلك (للإشارة، فعدد مراقبي السوق على المستوى الوطني التابعين لمختلف القطاعات الوزارية الإدارية المعنية بالمراقبة لا يتجاوز على أعلى تقدير 2000 مراقب، فهل بهذا العدد يمكن تغطية كافة مناطق ومراكز البيع وضمان مراقبة مسؤولة؟). في سياق متصل، يتعين على مجلس المنافسة، كهيئة دستورية للرقابة والحكامة الجيدة، أن يباشر صلاحياته في التحقيق وردع الاحتكار والممارسات المنافية للمنافسة والأعمال التجارية غير المشروعة.إن استراتيجية تأمين الاكتفاء الطاقي وحماية الأمن الغذائي وضمان تموين منتظم للسوق الوطنية، يعتبر من الأولويات في السياسة الاقتصادية لبلادنا حتى لا تظل رهينة تقلبات مناخية وظرفيات السوق العالمية.يكتسي موضوع المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين وتوازن السوق، تموينا وسعرا، راهنيته وأهميته، باعتبارهما أداة أساسية داعمة للاقتصاد الوطني ومعززة للتماسك والاستقرار الاجتماعي. فهي مسؤولية يجب أن لا تظل مرتبطة بظرفية تعالج بوصفات سريعة أو مسكنات، بل يتوجب أن تندرج ضمن استراتيجية وبرنامج حكومي واضح المعالم يقطع مع ممارسات الماضي المستهلكة،بشكل يعيد النظر في أساليب التفكير والتنظيم والتدبير والتعاطي مع مثل هذه الأزمات المتكررة والمستنزفة.

عبد الحليم بنمبارك إطار مختص في شؤون ضبط ومراقبة السوقأزمة الأسعار أصبحت أزمة متجددة، جرح مفتوح ينخر جسم المستهلك دون تمكن الحكومة من تقديم وصفة علاجية شافية، كفيلة بوقف هذا النزيف. فما يكاد المستهلك يطوي صفحة مسببات أزمة حتى يصطدم بأخرى. فمن كورونا إلى حرب أوكرانيا إلى المحروقات إلى الجفاف إلى التصدير غير المتوازن للخارج إلى النقص الحاد في الاستيراد إلى هشاشة المراقبة المستمرة للأسواق إلى التأخر والتقاعس في إحداث تغيير جدري للمنظومة المتحكمة في تحديد الأسعار ومخرجاتها من المنبع إلى المستهلك. كلها عوامل قلبت موازين أسعار المواد والمنتجات الغذائية وأربكت الأسواق ورفعت أصوات الاحتجاج.الأزمات الاقتصادية في العادة تكون محكا لاختبار مدى قدرة السلطة على مواجهتها، والبحث عن الحلول والإجراءات الناجعة للتخفيف من حدتها بل وتجاوزها حفاظا على التوازن في السوق وحماية المواطن/المستهلك وتأمين السلم الاجتماعي، عوض انتظار مطالب التدخل وتحمل المسؤولية في التدبير والعلاج، في عملية تكرار واجترار لأزمات باتت معروفة ومكشوفة لدرجة الاستئناس.بكل تأكيد، ففي مثل هذه الأزمات تبرز الحاجة الماسة إلى حلول ناجعة لمجابهة هذه الوضعية "المأزقية"،حلول افتراضية تفرز نوعا من ميكانيزمات الدفاع الطبيعي لتجعل الوجود محتملا. لهذا، وأمام تأخر السلطات العمومية في المبادرة وغياب الرقيب/ المعارضة البرلمانية،لجأ المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي كمتنفس للتعبير حد السخرية، عن احتجاجهم وسخطهم وتدمرهم من الارتفاع المتنامي للأسعار بلا هوادة.الملفت أنه في الوقت الذي كان المواطن يشتكي فيه من لهيب الأسعار، اعتقدت السلطات العمومية أن الاكتفاء بترديد أسطوانة الأزمة العالمية المتعددة الأوجه وتداعياتها على الاقتصاد الوطني، فضلا عن الجفاف وموجة البرد القارس وموسمية إنتاج بعض المواد الفلاحية كفيلة بإسكات واقتناع المواطن بها كحالة عامة. هي حقائق تقتضي الضرورة استحضارها، لكن ليس من الصواب التعلل بها كشعار قار ودائم لأزمات الأسعار.اضطرت الحكومة أمام الارتفاع الكبير لأسعار عدد من المواد الأساسية وارتباك الأسواق وتدمر المستهلك، إلى التدخل، ولو بشكل متأخر، فأقبلت على اتخاذ مجموعة من التدابير للتخفيف من حدة ارتفاع أسعار المنتوجات الفلاحية بالأساس، من بينها تعليق الرسوم الجمركية بالنسبة للحوم الحمراء التي كانت محددة في 200 في المائة وكذا حذف الضريبة على القيمة المضافة، لتسهيل مسطرة استيراد الأبقار الموجهة للذبح من أوروبا وأمريكا الجنوبية، بغية إتاحة المجال لإعادة توازن سلاسل الإنتاج المحلية التي عرفت بعض الاضطراب منذ جائحة كورونا والجفاف الذي أعاق تشكيل القطيع. كما بادرت بتنسيق مع المهنيين بتعليق تصدير الطماطم والبطاطس والبصل لدول إفريقيا الغربية بالأساس لتأمين تموين السوق الداخلية، هذا إضافة إلى الرفع من درجة اليقظة والتعبئة الشاملة لأجهزة المراقبة بمختلف الأسواق ونقط البيع للحيلولة دون حدوث اضطرابات في مسالك التوزيع، والتصدي لكافة الممارسات غير المشروعة، فيما يخص المضاربات والادخار السري.وهنا لا بد من الإدلاء بملاحظتين أساسيتين على بعض ما اتخذ من تدابير حكومية:أولها مرتبط بالحملات الأخيرة للجن المختلطة المحلية للمراقبة على مستوى كافة العمالات والأقاليم. فإذا كانت هذه الحملات، على أهميتها ونجاعتها، قد تمكنت من تطويق العديد من الممارسات التجارية غير المشروعة، وما واكب ذلك من تغطية إعلامية واسعة بغاية طمأنة المواطن، فإن سياق تدخلاتها وتواجدها بالأسواق في هذه المرحلة والتركيز على نشاطها وكأنه تدبير استثنائي وخطة مبرمجة، يزكي الانطباع السائد لدى المواطن والمتتبعين لشؤون السوق بأن عمل مصالح المراقبة يكتسي طابعا ظرفيا ومناسباتيا، ويظل رهين صدور تعليمات، وهذا في حد ذاته أسلوب غير متبصر لأنه تبخيس لمهام مصالح المراقبة.ويكشف العدد الجد محدود للمخالفات المضبوطة (2500 مخالفة على الصعيد الوطني أغلبها مرتبط بتجارة التقسيط، الحلقة الأضعف في السلسلة، باستثناء أهمية مخالفات الادخار السري على قلتها)، بالملموس أن مصدر ارتفاع الأسعار لا يكمن في إنزال المراقبة، بل مرتبط بالأساس بتنظيم وتدبير حكومي حديث لمنظومة سلاسل الإنتاج والتوزيع وتأطير السوق.ثانيا، جاء قرار وقف التصدير للمواد الفلاحية (الخضروات والفواكه) لدول غرب إفريقيا مفاجئا لأسواقها وصادما للفلاحين والموزعين المغاربة الذين سيتأثرون من مثل هذا القرار الذي قد يكلفهم خسائر مالية ويحرمهم من أسواق خارجية تعودوا على التعامل معها ( حسب المعطيات المتوفرة: تصدير المواد الفلاحية نحو إفريقيا خلال سنة 2022 ارتفع، رغم الجفاف، بنسبة 20% ليسجل مستوى قياسيا بلغ 80 مليار درهم). ينطبق الموقف أيضا على حركية النقل بالشاحنات التي سيتضرر أصحابها أيضا جراء تجميد نشاطهم (عدد الشاحنات المتوجهة نحو إفريقيا ارتفعت بنسبة 88%، ما يقارب45.000 شاحنة، وتشكل المواد الفلاحية 28% من حجم المنتوجات المنقولة).كما أن وقف التصدير لدول الجنوب الإفريقي سيدفع لا محالة هذه الدول إلى البحث عن أسواق أخرى منافسة للتموين، في الوقت الذي يعمل فيه المغرب على تعزيز تواجده الاقتصادي والمالي والتجاري بهذه الدول. وإذا كانت الضرورة تقتضي إعطاء الأولوية للسوق المحلية في التموين، فكان من الأفضل بدل وقف التصدير اللجوء إلى تقليص كميات الصادرات وتحسيس الدول المعنية بالأزمة وترك الباب مواربة بدل إغلاقها.لا شك في أن التدابير الحكومية المتخذة ستنعكس، دون شك، إيجابا في قادم الأيام على أسعار بعض المواد الفلاحية، وبالأساس الخضروات واللحوم الحمراء ، لكن هذا الأمر يحتم عدم إغفال أسعار باقي المواد والمنتوجات والخدمات الأساسية الأخرى التي لازالت ذات مستويات قياسية وتؤثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للمواطن.وبغاية المساهمة في ضمان الحفاظ على مستوى مقبول للأسعار واستقرار السوق، فالحكومة باتت مطالبة اليوم باتخاذ تدابير أكثر نجاعة ومسؤولية من بينها على سبيل الذكر:• تحمل الحكومة ومجلس المنافسة لمسؤوليتهما في ملف المحروقات وما يعرفه من تجاوزات لضمان شروط المنافسة الشريفة والتدخل لردع الممارسات غير المشروعة، وفق الاختصاصات المخولة لهما، لاسيما بعد الاعتراف الأخير لمجلس المنافسة بوجود ممارسات منافية للمنافسة وأعمالا تجارية غير مشروعة في سوق الغازوال والبنزين والمطالب الملحة بشأن زجر المخالفين؛• مراجعة هوامش الربح والضرائب المفروضة على المحروقات، اعتبارا لارتباط أسعار هذه المواد بأسعار كافة المواد والمنتوجات والخدمات؛• تخفيض النسب الضريبية والرسوم الجمركية على بعض السلع(كتدبير مؤقت،وللتخفيف من الارتفاع القياسي الذي عرفته أسعار البصل والطماطم والبطاطس، تم على سبيل الذكر خلال فترة جد محددة من سنة 2009 تعليق استيفاء الرسم المفروض على هذا النوع من الخضر بأسواق الجملة وتشجيع الفلاحين على ترويج منتوجاتهم بهذه المرافق )؛• التفكير في تفعيل مقتضيات المادة 4 من القانون رقم 104 .12المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بهدف تسقيف أسعار بعض المواد والمنتجات ذات الاستهلاك الواسع، وأساسا تلك التي عرفت ارتفاعا فاحشا في أسعارها؛• التعجيل بتنظيم وتحسين وتحديث مسالك التوزيع بغاية محاربة الوسطاء والسماسرة وتطويق ظاهرة الاحتكار والمضاربة والادخار السري (يأتي في هذا المقام على سبيل الذكر إعادة النظر في قانون 1962المتعلق بتدبير أسواق الجملة للخضر والفواكه وأسواك السمك وقرار وزير الداخلية ذي الصلة)، وكذا الأخذ بعين الاعتبار للخلاصات الهامة لبعض الدراسات والاستشارات منها رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بشأن الاستراتيجية الخاصة بتنمية الأسواق الأسبوعية بالوسط القروي، هذا إضافة إلى الحرص على تفعيل مقتضيات القانون رقم 04 .12 المتعلق بالتجميع الفلاحي اعتبارا لأهميته في هذا المجال؛• ضمان مقاربة تواصلية ناجعة وصادقة مع المواطنين لإقناعهم بجدوى التدابير المتخذة؛• الرفع بشكل كاف من عدد المراقبين لتغطية كافة نقط البيع وفضاءات السوق بالبوادي والمدن وتوفير وسائل العمل الضرورية، وكذا تفعيل مؤسسة الحسبة لدورها الحيوي وأهميتها البالغة في المراقبة وفض النزاعات بين التجار والحرفيين والمستهلك (للإشارة، فعدد مراقبي السوق على المستوى الوطني التابعين لمختلف القطاعات الوزارية الإدارية المعنية بالمراقبة لا يتجاوز على أعلى تقدير 2000 مراقب، فهل بهذا العدد يمكن تغطية كافة مناطق ومراكز البيع وضمان مراقبة مسؤولة؟). في سياق متصل، يتعين على مجلس المنافسة، كهيئة دستورية للرقابة والحكامة الجيدة، أن يباشر صلاحياته في التحقيق وردع الاحتكار والممارسات المنافية للمنافسة والأعمال التجارية غير المشروعة.إن استراتيجية تأمين الاكتفاء الطاقي وحماية الأمن الغذائي وضمان تموين منتظم للسوق الوطنية، يعتبر من الأولويات في السياسة الاقتصادية لبلادنا حتى لا تظل رهينة تقلبات مناخية وظرفيات السوق العالمية.يكتسي موضوع المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين وتوازن السوق، تموينا وسعرا، راهنيته وأهميته، باعتبارهما أداة أساسية داعمة للاقتصاد الوطني ومعززة للتماسك والاستقرار الاجتماعي. فهي مسؤولية يجب أن لا تظل مرتبطة بظرفية تعالج بوصفات سريعة أو مسكنات، بل يتوجب أن تندرج ضمن استراتيجية وبرنامج حكومي واضح المعالم يقطع مع ممارسات الماضي المستهلكة،بشكل يعيد النظر في أساليب التفكير والتنظيم والتدبير والتعاطي مع مثل هذه الأزمات المتكررة والمستنزفة.



اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأحد 20 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة