المصحات الخاصة تحت مجهر مجلس المنافسة – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
السبت 19 أبريل 2025, 23:10

ساحة

المصحات الخاصة تحت مجهر مجلس المنافسة


كشـ24 نشر في: 22 فبراير 2023

عبد الحليم بنمبارك باحث مختص في شؤون ضبط ومراقبة السوقخرج مجلس المنافسة مؤخرا أمام الرأي العام باستنتاجات مهمة وخلاصات صادمة حول وضعية المنافسة داخل السوق الوطنية للرعاية الطبية المقدمة من لدن المصحات الخاصة والمؤسسات المماثلة لها. وهذا الرأي، حسب المجلس، يأتي على ضوء تفعيل الإصلاحات الكبيرة ذات الصلة بقطاع الصحة ببلادنا وفي سياق تعميم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.إن مبادرة المجلس بتسليط الضوء على فاعل أساسي في المنظومة الصحية ببلادنا يعتبر أمرا في غاية الأهمية ونقطة إيجابية تسجل لصالح مجلس المنافسة. فالمطلع على الرأي الصريح لهذا المجلس لا يمكنه إلا أن يثمن قيمته من حيث مضامينه الهامة ومخرجاته المثيرة، باعتباره جاء وكأنه ناطق بلسان المريض معبرا عن آلامه المزدوجة ( صحة وتكلفة).المجلس عرض علينا تقييما موضوعيا ودراسة تحليلية واقعية ورصينة حول بنية سوق العلاجات المقدمة من طرف هذه البنيات الاستشفائية الخاصة، السير التنافسي للسوق، تقديم حقائق إيجابية حول الدينامية التي سجلتها هذه السوق خلال السنوات الأخيرة، وكذا التجاوزات والممارسات غير المشروعة لهذه المرافق والاختلالات التي تحول دون اضطلاعها بدورها في المساهمة في النهوض بالمنظومة الصحية الوطنية.مجلس المنافسة انتهى إلى مجموعة من الخلاصات أهمها:• اعتبار المصحات الخاصة كجهات فاعلة رئيسية في سوق الرعاية الصحية؛• اتسام التوزيع الجغرافي للمصحات الخاصة بعدم التكافؤ وغياب التوازن باستحواذ خمس جهات على 79% من المصحات الخاصة مع تسجيل خصاص كبير في هذه البنيات بجهات الجنوب والجنوب الشرقي؛• عدم خضوع المصحات الخاصة إلى تتبع منتظم من قبل السلطات العمومية يؤكده عدم توفر وزارة الصحة على هيئة إدارية تابعة لها مختصة بتتبع هذه المؤسسات؛• غياب إطار قانوني خاص بالمصحات الخاصة، الأمر الذي يشكل مصدر اختلالات ونزاعات ويفضي إلى تغيير فعالية ضبط سوق الرعاية الطبية المقدمة من قبل هذه المصحات وظهور عدة تجاوزات يتجرعها المرضى؛• استمرار حواجز الدخول إلى سوق الرعاية الطبية المقدمة من قبل المصحات الخاصة والمتعلقة أساسا بتقادم التعريفة المرجعية التي لا تستند إلى تحليل للتكاليف الحقيقية للخدمات، غياب تحفيزات الاستثمار، ندرة العقار المخصص للتجهيزات الصحية مما يدفع المنعشين إلى البحث عن عقار تجاري أو سكني التي تتطلب مباشرة مساطر طويلة ومكلفة لدى المصالح الجماعية ومصالح التعمير. وهي إكراهات بنيوية تمس بالسير التنافسي لهذه السوق؛• ندرة الموارد البشرية (الطبية وشبه الطبية) مما يؤدي إلى عدم إحداث مصحات خاصة في عدة جهات بالمملكة واللجوء غير القانوني إلى الأطباء والممرضين وغيرهم المنتمين للقطاع العام مما يؤدي إلى تحريف سير المنافسة في سوق الرعاية الصحية المقدمة من قبل هذه المصحات والتسبب في تغيير كبير في أداء وفعالية المرافق الاستشفائية العمومية؛• عدم احترام القواعد المتعلقة بإشهار الاتفاقيات المتعلقة بالتأمين الاجباري الأساسي عن المرض والقواعد المرتبطة بالتعريفة المطبقة؛• رصد عدة ممارسات تدليسية تتعلق أساسا باتفاقيات لاستقطاب العملاء أو المرضى، ممارسات متعلقة بشيك الضمان المحظورة بموجب القانون الجنائي، أداء خدمات غير مدرجة في فاتورة العلاجات، فرض فواتير تعسفية مقابل الرعاية، تضمين فواتير الاستشفاء فحوصات متعددة مفروضة على المرضى والإفراط في استشارة رأي الأطباء المتخصصين من طرف زملائهم، فرض الدخول غير المبرر للمرضى إلى غرف الإنعاش، زيادة فاتورة المبيت ليلا، فوترة الأدوية غير المستهلكة،استخلاص الطبيب المعالج، ودون وجه حق، لمبالغ مالية إضافية غير مدرجة في فاتورة العلاج، من تحت الطاولة، أو ما يسمى ب{النوار}، عمليات تحويل وجهة المرضى من المستشفيات العمومية إلى المصحات الخاصة، وغيرها من الممارسات غير المشروعة. هذه السلوكات أفضت إلى إرساء نظام محاسبة مزدوج من قبل المصحات الخاصة.الواضح أن النتائج الصادمة التي انتهى إليها مجلس المنافسة وبسطها بكل شجاعة ومسؤولية، لاسيما في شقها المرتبط بابتزاز المرضى على حساب وضعهم الصحي، هي خلاصات نجدها تتردد، بحرقة ومرارة، على لسان كل مريض اكتوى ويكتوي بنار هذه الممارسات غير المشروعة ولم يجد من يصون حقوقه ومصالحه ويحميه من هذه التجاوزات المكلفة.لتجاوز هذه الوضعية غير المريحة ومعالجة الاختلالات المرصودة، ولتحسين جودة الخدمات المقدمة وتقوية نطاق عرض الاستشفاء الخاص، قدم مجلس المنافسة مجموعة من التوصيات الهامة.الملفت في توصيات مجلس المنافسة أنه حمل، وبشكل مباشر، الحكومة والنيابة العامة والعديد من الأجهزة والمؤسسات الإدارية (المديرية العامة للضرائب، وزارة الصحة، مصالح المراقبة بمختلف مشاربها، الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،....) الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وكذا الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة بالمغرب والمجلس الوطني لهيئة الأطباء وغيرهم من الفاعلين في هذا المجال، المسؤولية الكاملة عن هذه الوضعية بتقاعسهم في تنظيم المصحات الخاصة وتأطيرها وتحسين تدبيرها وتنافسيتها وكذا بتجاهلهم للممارسات غير المشروعة التي يعيشها هذا القطاع والتي يذهب ضحيتها المرضى، وتذكيرها بدورها وبواجب ممارسة صلاحياتها المحددة بموجب القانون.مجلس المنافسة قدم مقترحات عملية تقتضي الإرادة والجرأة لمباشرتها. ولعل أبرز نقطة مرتبطة بمسؤولية الحكومة تتعلق بمراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي المؤطر لنشاط المصحات الخاصة (قانون 131.13) لضمان من جهة، تأهيلها والتسريع من وتيرة النهوض بها وتجاوز المشاكل التنظيمية التي يتخبط فيها مع ما يترتب عن ذلك من ممارسات غير مشروعة، ومن جهة أخرى التمكن من الاطلاع على المعطيات المتعلقة بأنشطة هذه المصحات التي تعتبر إلى اليوم غير معروفة مما يجعل من الصعب تقييم مستوى استغلالها.ولضمان المنافسة في سوق الرعاية الصحية، حث مجلس المنافسة الحكومة على تطوير وتحسين وتوسيع نطاق عرض الاستشفاء العمومي، كما دعاها إلى تعزيز وتقوية أداء أجهزة المراقبة بمختلف مشاربها، وبشكل أساسي، تفعيل مقتضيات القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، وذلك من أجل محاربة كافة مظاهر الاتجار في المرضى من خلال ضمان قواعد إشهار تعريفة الخدمات بالمصحات الخاصة وفرض فوترة واضحة ومفصلة للعلاجات والأدوية المستهلكة وغيرها، كما حث على محاربة الممارسة المتعلقة بشيك الضمان علما أن هذه الممارسة تقتضي تدخلا مباشرا من قبل النيابة العامة. كما أكد المجلس على ضرورة التنصيص على إلزامية التحمل الفوري للمرضى في الحالات المستعجلة مع ضمان شفافية الأعمال المراد إنجازها وتعريفتها.وارتباطا بمجال الجبايات، أوصى المجلس بتعزيز المراقبة الجبائية وحث المصحات على إجراء افتحاص منتظم لحساباتها بهدف محاربة ظاهرة التصريح الناقص لرقم المعاملات المنتشر على نطاق واسع، على اعتبار أن المصحات الخاصة تقدم مساهمات جبائية منخفضة في حين لا يقدم عدد كبير منها تصريحات ضريبية صحيحة. لا أحد يمكنه أن يشكك في دور المصحات الخاصة كجهة فاعلة ومكون مهم في سوق الرعاية الصحية وفي العرض الوطني للعلاجات الطبية، لكن هذا الأمر يقتضي من هذه المؤسسات إظهار مواطنتها وذلك بالتحلي بالمسؤولية والالتزام بضوابط وأخلاقيات مهنة الطب التي تحمل جميع المعاني الإنسانية السامية عبر تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية والحرص على تحقيق الربح المشروع من خلال ضمان ولوج المواطنين إلى العلاجات بأسعار مدروسة وحقيقية وجعل مصلحة المريض فوق كل اعتبار.في المجمل، تعتبر مبادرة مجلس المنافسة بإثارة هذا الموضوع الجد هام خطوة جريئة عرت من جهة، عن واقع مر وسلطت الضوء بوضوح عن اختلالات وتجاوزات عدة، كما سطرت توصيات تعتبر بمثابة خارطة طريق لتجويد أداء وتدبير هذه المنظومة الصحية.فمجلس المنافسة، باعتباره مؤسسة دستورية، وضع المصحات الخاصة والمؤسسات المماثلة لها أما مسؤولياتها، كما جعل الحكومة/الإدارة والمشرع والنيابة العامة والقضاء بالإضافة إلى هيئة الأطباء، أمام تحد حقيقي للتعجيل باتخاذ كافة التدابير والإجراءات لمعالجة هذه الوضعية.إنه ورش حقيقي من أجل إعادة النظر في المنظومة الوطنية الصحية،ومن بينها الرعاية الطبية المقدمة من لدن البنيات الاستشفائية الخاصة إلى جانب المستشفيات العمومية، باعتبار أن قطاع الصحة يمثل أحد ركائز الدولة الاجتماعية.بإقدام مجلس المنافسة على خوض غمار مثل هذه المواضيع ذات الصلة الوثيقة بالمواطن، ودخول معترك قضايا مسكوت عنها من شأنه أن يعزز من مصداقية هذا المجلس ويرفع من أسهمه أمام الرأي العام الوطني التي طالما افتقدها، ويجعل منه مؤسسة دستورية فاعلة قوية قادرة على الزجر وعلى المساهمة بالرأي والمشورة والقوة الاقتراحية في العديد من المشاكل والقضايا ذات الطابع الاقتصادي والمالي والتجاري والتدبيري....

عبد الحليم بنمبارك باحث مختص في شؤون ضبط ومراقبة السوقخرج مجلس المنافسة مؤخرا أمام الرأي العام باستنتاجات مهمة وخلاصات صادمة حول وضعية المنافسة داخل السوق الوطنية للرعاية الطبية المقدمة من لدن المصحات الخاصة والمؤسسات المماثلة لها. وهذا الرأي، حسب المجلس، يأتي على ضوء تفعيل الإصلاحات الكبيرة ذات الصلة بقطاع الصحة ببلادنا وفي سياق تعميم نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.إن مبادرة المجلس بتسليط الضوء على فاعل أساسي في المنظومة الصحية ببلادنا يعتبر أمرا في غاية الأهمية ونقطة إيجابية تسجل لصالح مجلس المنافسة. فالمطلع على الرأي الصريح لهذا المجلس لا يمكنه إلا أن يثمن قيمته من حيث مضامينه الهامة ومخرجاته المثيرة، باعتباره جاء وكأنه ناطق بلسان المريض معبرا عن آلامه المزدوجة ( صحة وتكلفة).المجلس عرض علينا تقييما موضوعيا ودراسة تحليلية واقعية ورصينة حول بنية سوق العلاجات المقدمة من طرف هذه البنيات الاستشفائية الخاصة، السير التنافسي للسوق، تقديم حقائق إيجابية حول الدينامية التي سجلتها هذه السوق خلال السنوات الأخيرة، وكذا التجاوزات والممارسات غير المشروعة لهذه المرافق والاختلالات التي تحول دون اضطلاعها بدورها في المساهمة في النهوض بالمنظومة الصحية الوطنية.مجلس المنافسة انتهى إلى مجموعة من الخلاصات أهمها:• اعتبار المصحات الخاصة كجهات فاعلة رئيسية في سوق الرعاية الصحية؛• اتسام التوزيع الجغرافي للمصحات الخاصة بعدم التكافؤ وغياب التوازن باستحواذ خمس جهات على 79% من المصحات الخاصة مع تسجيل خصاص كبير في هذه البنيات بجهات الجنوب والجنوب الشرقي؛• عدم خضوع المصحات الخاصة إلى تتبع منتظم من قبل السلطات العمومية يؤكده عدم توفر وزارة الصحة على هيئة إدارية تابعة لها مختصة بتتبع هذه المؤسسات؛• غياب إطار قانوني خاص بالمصحات الخاصة، الأمر الذي يشكل مصدر اختلالات ونزاعات ويفضي إلى تغيير فعالية ضبط سوق الرعاية الطبية المقدمة من قبل هذه المصحات وظهور عدة تجاوزات يتجرعها المرضى؛• استمرار حواجز الدخول إلى سوق الرعاية الطبية المقدمة من قبل المصحات الخاصة والمتعلقة أساسا بتقادم التعريفة المرجعية التي لا تستند إلى تحليل للتكاليف الحقيقية للخدمات، غياب تحفيزات الاستثمار، ندرة العقار المخصص للتجهيزات الصحية مما يدفع المنعشين إلى البحث عن عقار تجاري أو سكني التي تتطلب مباشرة مساطر طويلة ومكلفة لدى المصالح الجماعية ومصالح التعمير. وهي إكراهات بنيوية تمس بالسير التنافسي لهذه السوق؛• ندرة الموارد البشرية (الطبية وشبه الطبية) مما يؤدي إلى عدم إحداث مصحات خاصة في عدة جهات بالمملكة واللجوء غير القانوني إلى الأطباء والممرضين وغيرهم المنتمين للقطاع العام مما يؤدي إلى تحريف سير المنافسة في سوق الرعاية الصحية المقدمة من قبل هذه المصحات والتسبب في تغيير كبير في أداء وفعالية المرافق الاستشفائية العمومية؛• عدم احترام القواعد المتعلقة بإشهار الاتفاقيات المتعلقة بالتأمين الاجباري الأساسي عن المرض والقواعد المرتبطة بالتعريفة المطبقة؛• رصد عدة ممارسات تدليسية تتعلق أساسا باتفاقيات لاستقطاب العملاء أو المرضى، ممارسات متعلقة بشيك الضمان المحظورة بموجب القانون الجنائي، أداء خدمات غير مدرجة في فاتورة العلاجات، فرض فواتير تعسفية مقابل الرعاية، تضمين فواتير الاستشفاء فحوصات متعددة مفروضة على المرضى والإفراط في استشارة رأي الأطباء المتخصصين من طرف زملائهم، فرض الدخول غير المبرر للمرضى إلى غرف الإنعاش، زيادة فاتورة المبيت ليلا، فوترة الأدوية غير المستهلكة،استخلاص الطبيب المعالج، ودون وجه حق، لمبالغ مالية إضافية غير مدرجة في فاتورة العلاج، من تحت الطاولة، أو ما يسمى ب{النوار}، عمليات تحويل وجهة المرضى من المستشفيات العمومية إلى المصحات الخاصة، وغيرها من الممارسات غير المشروعة. هذه السلوكات أفضت إلى إرساء نظام محاسبة مزدوج من قبل المصحات الخاصة.الواضح أن النتائج الصادمة التي انتهى إليها مجلس المنافسة وبسطها بكل شجاعة ومسؤولية، لاسيما في شقها المرتبط بابتزاز المرضى على حساب وضعهم الصحي، هي خلاصات نجدها تتردد، بحرقة ومرارة، على لسان كل مريض اكتوى ويكتوي بنار هذه الممارسات غير المشروعة ولم يجد من يصون حقوقه ومصالحه ويحميه من هذه التجاوزات المكلفة.لتجاوز هذه الوضعية غير المريحة ومعالجة الاختلالات المرصودة، ولتحسين جودة الخدمات المقدمة وتقوية نطاق عرض الاستشفاء الخاص، قدم مجلس المنافسة مجموعة من التوصيات الهامة.الملفت في توصيات مجلس المنافسة أنه حمل، وبشكل مباشر، الحكومة والنيابة العامة والعديد من الأجهزة والمؤسسات الإدارية (المديرية العامة للضرائب، وزارة الصحة، مصالح المراقبة بمختلف مشاربها، الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،....) الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وكذا الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة بالمغرب والمجلس الوطني لهيئة الأطباء وغيرهم من الفاعلين في هذا المجال، المسؤولية الكاملة عن هذه الوضعية بتقاعسهم في تنظيم المصحات الخاصة وتأطيرها وتحسين تدبيرها وتنافسيتها وكذا بتجاهلهم للممارسات غير المشروعة التي يعيشها هذا القطاع والتي يذهب ضحيتها المرضى، وتذكيرها بدورها وبواجب ممارسة صلاحياتها المحددة بموجب القانون.مجلس المنافسة قدم مقترحات عملية تقتضي الإرادة والجرأة لمباشرتها. ولعل أبرز نقطة مرتبطة بمسؤولية الحكومة تتعلق بمراجعة الإطار التشريعي والتنظيمي المؤطر لنشاط المصحات الخاصة (قانون 131.13) لضمان من جهة، تأهيلها والتسريع من وتيرة النهوض بها وتجاوز المشاكل التنظيمية التي يتخبط فيها مع ما يترتب عن ذلك من ممارسات غير مشروعة، ومن جهة أخرى التمكن من الاطلاع على المعطيات المتعلقة بأنشطة هذه المصحات التي تعتبر إلى اليوم غير معروفة مما يجعل من الصعب تقييم مستوى استغلالها.ولضمان المنافسة في سوق الرعاية الصحية، حث مجلس المنافسة الحكومة على تطوير وتحسين وتوسيع نطاق عرض الاستشفاء العمومي، كما دعاها إلى تعزيز وتقوية أداء أجهزة المراقبة بمختلف مشاربها، وبشكل أساسي، تفعيل مقتضيات القانون رقم 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، وذلك من أجل محاربة كافة مظاهر الاتجار في المرضى من خلال ضمان قواعد إشهار تعريفة الخدمات بالمصحات الخاصة وفرض فوترة واضحة ومفصلة للعلاجات والأدوية المستهلكة وغيرها، كما حث على محاربة الممارسة المتعلقة بشيك الضمان علما أن هذه الممارسة تقتضي تدخلا مباشرا من قبل النيابة العامة. كما أكد المجلس على ضرورة التنصيص على إلزامية التحمل الفوري للمرضى في الحالات المستعجلة مع ضمان شفافية الأعمال المراد إنجازها وتعريفتها.وارتباطا بمجال الجبايات، أوصى المجلس بتعزيز المراقبة الجبائية وحث المصحات على إجراء افتحاص منتظم لحساباتها بهدف محاربة ظاهرة التصريح الناقص لرقم المعاملات المنتشر على نطاق واسع، على اعتبار أن المصحات الخاصة تقدم مساهمات جبائية منخفضة في حين لا يقدم عدد كبير منها تصريحات ضريبية صحيحة. لا أحد يمكنه أن يشكك في دور المصحات الخاصة كجهة فاعلة ومكون مهم في سوق الرعاية الصحية وفي العرض الوطني للعلاجات الطبية، لكن هذا الأمر يقتضي من هذه المؤسسات إظهار مواطنتها وذلك بالتحلي بالمسؤولية والالتزام بضوابط وأخلاقيات مهنة الطب التي تحمل جميع المعاني الإنسانية السامية عبر تحسين جودة خدمات الرعاية الصحية والحرص على تحقيق الربح المشروع من خلال ضمان ولوج المواطنين إلى العلاجات بأسعار مدروسة وحقيقية وجعل مصلحة المريض فوق كل اعتبار.في المجمل، تعتبر مبادرة مجلس المنافسة بإثارة هذا الموضوع الجد هام خطوة جريئة عرت من جهة، عن واقع مر وسلطت الضوء بوضوح عن اختلالات وتجاوزات عدة، كما سطرت توصيات تعتبر بمثابة خارطة طريق لتجويد أداء وتدبير هذه المنظومة الصحية.فمجلس المنافسة، باعتباره مؤسسة دستورية، وضع المصحات الخاصة والمؤسسات المماثلة لها أما مسؤولياتها، كما جعل الحكومة/الإدارة والمشرع والنيابة العامة والقضاء بالإضافة إلى هيئة الأطباء، أمام تحد حقيقي للتعجيل باتخاذ كافة التدابير والإجراءات لمعالجة هذه الوضعية.إنه ورش حقيقي من أجل إعادة النظر في المنظومة الوطنية الصحية،ومن بينها الرعاية الطبية المقدمة من لدن البنيات الاستشفائية الخاصة إلى جانب المستشفيات العمومية، باعتبار أن قطاع الصحة يمثل أحد ركائز الدولة الاجتماعية.بإقدام مجلس المنافسة على خوض غمار مثل هذه المواضيع ذات الصلة الوثيقة بالمواطن، ودخول معترك قضايا مسكوت عنها من شأنه أن يعزز من مصداقية هذا المجلس ويرفع من أسهمه أمام الرأي العام الوطني التي طالما افتقدها، ويجعل منه مؤسسة دستورية فاعلة قوية قادرة على الزجر وعلى المساهمة بالرأي والمشورة والقوة الاقتراحية في العديد من المشاكل والقضايا ذات الطابع الاقتصادي والمالي والتجاري والتدبيري....



اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

السبت 19 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة