ساحة

الخضراوي يكتب: الآثار القانونية لـ كورونا على الالتزامات التعاقدية


كشـ24 نشر في: 10 مارس 2020

بقدر ما أصبح هاجس فيروس كورونا المستجد موضوع تتبع دقيق ويومي من طرف المجتمع الدولي بكل مواقعه ومسؤولياته، بالنظر إلى تهديده الواضح للصحة العالمية، فانه يقتضي منا التعامل مع كل جوانبه و آثاره الأخرى الممكنة والمحتملة بكثير من الجدية والموضوعية والمسؤولية بعيدا عن الهلع و القلق و التهويل.فقد أثارت مخاطر الأوبئة والأمراض خلال العشرين سنة الأخيرة العديد من الإشكالات ذات الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بالأمن الصحي العالمي وبالعوائق والإكراهات الناجمة عنها في مجال تبادل السلع والخدمات، وذلك مرورا بوباء SRASسنة 2003 و(H1N1) سنة 2009 أو (EBOLA)سنة 2014 ليتجدد النقاش اليوم على المستوى الدولي بخصوص آثار فيروس(CORONA)المستجد على بعض المعاملات التجارية والعقود الشغلية والالتزامات المالية والضريبية، حيث دفعت عدد من المؤسسات والشركات العالمية خاصة الصينية والأمريكية منها المتخصصة في مجالات مختلفة مثل صناعات السيارات والنقل الجوي والمعلوميات والمواد البترولية والغازية، بوجود حالة ( القوة القاهرة ) من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية تجاه زبنائها وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته. وهو ما جعل عددا من الدول تبادر خلال الأيام القليلة الماضية إلى تبني هذا الموقف ودعمه حيث أعلن وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي يوم 28 فبراير الماضي بعد اجتماع مع الشركاء الاقتصاديين أن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة بالنسبة للمقاولات، مؤكدا أنهم لن يطبقوا غرامات التأخير في التنفيذ على الشركات المرتبطة بعقود مع الدولة، وطرح إمكانية اللجوء إلى الخدمات الجزئية وإعطاء مهل لأداء الأعباء الاجتماعية والضريبية بالنسبة للمقاولات التي يثبت تضررها من آ ثار هذا الوباء، والكل بهدف حماية الاستقرار بشكل مسؤول وعدم السقوط في مغبة القلق والهلع الاقتصادي.كما أكدت هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية أنها ستمنح شهادات (القوة القاهرة) للشركات الدولية التي تكافح من أجل التأقلم مع تأثيرات عدوى فيروس كورونا خاصة الشركات التي ستستطيع تقديم مستندات موثقة لإثبات التأخير أو تعطل وسائل المواصلات وعقود التصدير وإعلانات الجمارك وغيرها. مبادرات وإجراءات لا تحجب عن المتتبعين ظهور بوادر جدل ونقاش قانوني اقتصادي حول موضوع القوة القاهرة الذي يعد من المواضيع المعقدة التي تحتمل كثيرا من التأويلات واختلاف وجهات النظر حول مدى توافر شروط هذه القوة القاهرة من عدمه، خاصة عندما نكون أمام وباء صحي عالمي تختلف آثاره بين السلبية والايجابية باختلاف المواقع والمؤسسات، وباختلاف الظروف المحيطة بالتعاقدات المتنازع بشأنها، إذ أن بعض القطاعات على خلاف الباقي عرفت نموا كبيرا بسبب انتشار هذا الفيروس خاصة تلك المتعلقة بالتجارة الالكترونية.والأكيد أن عددا من المقاولات المغربية في علاقاتها الاقتصادية ومبادلاتها التجارية والدولية ستصطدم بكثير من هذه المطبات التي يتعذر الخوض في تفاصيلها التقنية والمالية، والتي ستؤثر سلبا على عدد من التزاماتها وإنتاجياتها وخدماتها،حيث طالعنا عبر عدد من الجرائد والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إخبارا عن إلغاء و تأجيل عددا من الرحلات الجوية والأسفار السياحية (العمرة)، والأنشطة واللقاءات والتظاهرات مما تضرر معه الشركاء والمؤسسات المعنية بها، فضلا عن المقاولات التي ترتبط أنشطتها التجارية بشكل كبير بالمقاولات الصينية (الصين ثالث مشارك تجاري للمغرب) التي بدأت تشكي من ركود معاملاتها، مما سيثير النقاش مجددا حول نظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة ومدى إمكانية استفادة هذه المقاولات منها للتحلل من التزاماتها العقدية وتعديلها أو التخفيف منها.إننا إذن أمام إشكال قانوني اقتصادي يفرض علينا الوقوف على بعض مداخله الأساسية. المدخل الأول: كرونا والقوة الملزمة للعقد أي علاقة؟ لا شك أن فكرة “العقد شريعة المتعاقدين” تنبني على ثلاث أسس، أولها قانوني قوامه مبدأ سلطان الإرادة وثانيها، أخلاقي يتمثل في احترام العهود و المواثيق و ثالثها ذو طابع اجتماعي و اقتصادي يترجمه وجوب استقرار المعاملات. وهي فكرة توجب احترام مضمون العقد سواء من طرف المتعاقدين أو من جانب القضاء. لكن الأوبئة الصحية كواقعة مادية صرفة تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام و العلاقات التعاقدية على وجه الخصوص حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود يصيب بعض القطاعات الاستثمارية مما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخر تنفيذها. وهو وضع قد يمس المؤسسات الصناعية و التجارية الخاصة والعامة، الصغيرة والكبيرة والمتوسطة على السواء، بالنظر للارتباط الكبير والوثيق بين أنشطتها حيث يكفي أن تصاب إحداها بأزمة اقتصادية لكي تهدد الأخريات بدورها .ومن هنا تبنى الفكر القانوني والاجتهاد القضائي عبر العالم آليتين تعتبران من الوسائل الحمائية للمدينين الذين يصبحون مهددين بالإفلاس أو على الأقل أصبحت ذمتهم المالية مصابة بتصدع خطير. هاتان الآليتان هما نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة التي ترميان إلى علاج الحالات التي يصير فيها الالتزام التعاقدي مستحيل التنفيذ (القوة القاهرة) أو صعب التنفيذ (الظروف الطارئة). وهما في الأصل يعدان تطبيقا لمبدأ أخلاقي عام مفاده أنه لا تكليف بمستحيل أو لا تكليف بما يتجاوز الطاقة العادية للإنسان. ومن الناحية الموضوعية – كما أكد على ذلك الفقه القانوني- فهما ترجمة للعلاقة الوطيدة بين القانون و الاقتصاد من جهة أولى ومبادئ الأخلاق من جهة أخرى. فلكي يسأل المدين عقديا يجب أن يكون قد أخل بالتزامه العقدي، ومن صور ذلك الإخلال ، عدم التنفيذ في الوقت المتفق عليه وهو ما يتم وصفه بالتماطل. غير أن هذه المسؤولية العقدية قد ترتفع عن صاحبها إذا ما تمسك بأحد الأسباب الأجنبية عنه و التي تمثل في جوهرها كل الظروف والوقائع المادية أو القانونية التي يمكن للمدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية أن يستند إليها لكي يثبت أن الضرر لا ينسب إليه ولا دخل له فيه وإنما هو نتيجة حتمية لذلك السبب . وتمثل القوة القاهرة أهم صور هذا السبب الأجنبي. المدخل الثاني: هل يعد فيروس كورونا أحد تطبيقات القوة القاهرة؟ما مفهوم وشروط القوة القاهرة؟ عرفها المشرع المغربي في الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود كالآتي: “القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية، (الفيضان والجفاف والعواصف والحرائق والجراد)، وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شانه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا”. أما شروطها التشريعية الرئيسية فهي ثلاث: – أولا: عدم التوقع. – ثانيا: استحالة الدفع. – ثالثا: عدم صدور خطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة. وكل شرط من هذه الشروط اختلفت بشأن تطبيقه النظريات الفقهية والتشريعات المقارنة، لكن من الناحية المبدئية يمكن أن نستخلص منها أن انتشار وباء صحي كواقعة مادية قد تكون قوة قاهرة كلما كان لها تأثير مباشر على عدم تنفيذ الالتزام التعاقدي من طرف المدين إذا ما توفر لها شرطان أساسيان وهما عدم التوقع واستحالة الدفع بالكيفية التي سبق توضيحها أما الشرط الثالث المتمثل في خطأ المدين فيظل في هذه الحالة بالخصوص حالة فيروس كورونا عنصرا غير مطلوب منطقيا. بل إن الظروف المحيطة بانتشار فيروس كورونا او تلك المتولدة عنه بصفة مباشرة أو غير مباشرة قد تكون بدورها عبارة عن قوة قاهرة ومن ذلك مثلا وقف استراد بعض المواد الأولية أو رفع أسعار بعضها الأخر. فالقوة القاهرة لم تعد محصورة على وقائع محددة دون غيرها فكل واقعة تحققت بشأنها الشروط وجعلت التنفيذ مستحيلا إلا وعدت حالة من حالات القوة القاهرة. ويبقى بطبيعة الحال المدين هو الملزم بإثبات توافر هذه الشروط. إثبات يكون على سبيل اليقين لا الشك والاحتمال وتتشدد عادة المحاكم العليا في مراقبتها لقضاة الموضوع أثناء تعليلهم لسلطتهم التقديرية، وهو ما أكدته محكمة النقض المغربية في عدد من قراراتها ومنها قرار عدد 7/54 بتاريخ 4/2/2014 وقرارها عدد 24/1 بتاريخ 10/01/2019. المدخل الثالث: موقف القضاء المقارن من تأثير الأوبئة والأمراض على تنفيذ الالتزامات العقدية (إشكاليات الزمان والمكان)إشكالية الزمن: السؤال الذي يطرح نفسه هو متى يتم تقدير شرط “عدم توقع الحدث” اي فيروس كورونا من طرف القضاء؟ مبدئيا يتم ذلك بالنظر إلى تاريخ إبرام العقد وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29/12/2009 بمناسبة قضية تتعلق بوباء (chukungunya) الذي ظهر شهر يناير 2006 معتبرة أن شرط “عدم التوقع” الذي يبرر فسخ العقد لم يتحقق مادام أن الاتفاق تم شهر غشت سنة 2006 أي بعد ظهور الوباء بأشهر. توجه قضائي نستشف منه أن هذا الإشكال لن يطرح الآن بمناسبة فيروس كورونا بالنسبة للعقود القديمة لكن التساؤل سيطرح بالنسبة للعقود التي أبرمت بعد ظهور هذا الوباء،وهنا ايضا نتوقع حدوث نقاش جاد حول التاريخ الواجب اعتماده لاعلان ظهور فيروس كورونا، هل تاريخ إعلانه بالصين؟ أم بالبلد الذي توجد به الشركة التي تتمسك بالقوة القاهرة؟ أم التاريخ الذي حددته منظمة الصحة العالمية؟إشكالية تحديد المناطق المصابة بالوباء؟ إن مسألة تحديد المناطق هاته ليست بالسهلة أو اليسيرة لاختلاف المعايير، وقد أثير هذا الإشكال سابقا في نزاعات تتعلق بقضايا الأسفار حيث تم رفض السفر إ.لى مناطق قريبة، ومحاذية لاماكن وصفت بالخطيرة لانتشار وباء صحي بها، حيث اعتبرت محكمة باريس أن الخطر الصحي لم يكن قاهرا وموجودا بدولة التايلاند وأنه لم يكن مقبولا اعتبار السفر إلى هذا البلد مستحيلا (حكم بتاريخ 4/5/2004). وفي حكم آخر بتاريخ 25/7/1998 أكدت نفس محكمة باريس أن توقف الطائرة ببلد مجاور لمنطقة تعرف انتشار وباء الطاعون لا يشكل خطرا يفسر انه قوة قاهرة.إننا إذن أمام وضع صحي عالمي يثير الكثير من التساؤلات، والإشكالات ذات بعد اقتصادي وقانوني وتتطلب منا مقاربة حكيمة تضمن التوازن العقدي وتكرس الدور الأساسي للقضاء في تحقيق الأمن القانوني والاجتماعي المنشود.

بقدر ما أصبح هاجس فيروس كورونا المستجد موضوع تتبع دقيق ويومي من طرف المجتمع الدولي بكل مواقعه ومسؤولياته، بالنظر إلى تهديده الواضح للصحة العالمية، فانه يقتضي منا التعامل مع كل جوانبه و آثاره الأخرى الممكنة والمحتملة بكثير من الجدية والموضوعية والمسؤولية بعيدا عن الهلع و القلق و التهويل.فقد أثارت مخاطر الأوبئة والأمراض خلال العشرين سنة الأخيرة العديد من الإشكالات ذات الأبعاد القانونية والاقتصادية والاجتماعية في ارتباطها بالأمن الصحي العالمي وبالعوائق والإكراهات الناجمة عنها في مجال تبادل السلع والخدمات، وذلك مرورا بوباء SRASسنة 2003 و(H1N1) سنة 2009 أو (EBOLA)سنة 2014 ليتجدد النقاش اليوم على المستوى الدولي بخصوص آثار فيروس(CORONA)المستجد على بعض المعاملات التجارية والعقود الشغلية والالتزامات المالية والضريبية، حيث دفعت عدد من المؤسسات والشركات العالمية خاصة الصينية والأمريكية منها المتخصصة في مجالات مختلفة مثل صناعات السيارات والنقل الجوي والمعلوميات والمواد البترولية والغازية، بوجود حالة ( القوة القاهرة ) من أجل التحلل من التزاماتها التعاقدية تجاه زبنائها وعدم أداء غرامات التأخير أو التعويض عن التأخير في التنفيذ أو عن استحالته. وهو ما جعل عددا من الدول تبادر خلال الأيام القليلة الماضية إلى تبني هذا الموقف ودعمه حيث أعلن وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي يوم 28 فبراير الماضي بعد اجتماع مع الشركاء الاقتصاديين أن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة بالنسبة للمقاولات، مؤكدا أنهم لن يطبقوا غرامات التأخير في التنفيذ على الشركات المرتبطة بعقود مع الدولة، وطرح إمكانية اللجوء إلى الخدمات الجزئية وإعطاء مهل لأداء الأعباء الاجتماعية والضريبية بالنسبة للمقاولات التي يثبت تضررها من آ ثار هذا الوباء، والكل بهدف حماية الاستقرار بشكل مسؤول وعدم السقوط في مغبة القلق والهلع الاقتصادي.كما أكدت هيئة تنمية التجارة الدولية الصينية أنها ستمنح شهادات (القوة القاهرة) للشركات الدولية التي تكافح من أجل التأقلم مع تأثيرات عدوى فيروس كورونا خاصة الشركات التي ستستطيع تقديم مستندات موثقة لإثبات التأخير أو تعطل وسائل المواصلات وعقود التصدير وإعلانات الجمارك وغيرها. مبادرات وإجراءات لا تحجب عن المتتبعين ظهور بوادر جدل ونقاش قانوني اقتصادي حول موضوع القوة القاهرة الذي يعد من المواضيع المعقدة التي تحتمل كثيرا من التأويلات واختلاف وجهات النظر حول مدى توافر شروط هذه القوة القاهرة من عدمه، خاصة عندما نكون أمام وباء صحي عالمي تختلف آثاره بين السلبية والايجابية باختلاف المواقع والمؤسسات، وباختلاف الظروف المحيطة بالتعاقدات المتنازع بشأنها، إذ أن بعض القطاعات على خلاف الباقي عرفت نموا كبيرا بسبب انتشار هذا الفيروس خاصة تلك المتعلقة بالتجارة الالكترونية.والأكيد أن عددا من المقاولات المغربية في علاقاتها الاقتصادية ومبادلاتها التجارية والدولية ستصطدم بكثير من هذه المطبات التي يتعذر الخوض في تفاصيلها التقنية والمالية، والتي ستؤثر سلبا على عدد من التزاماتها وإنتاجياتها وخدماتها،حيث طالعنا عبر عدد من الجرائد والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي إخبارا عن إلغاء و تأجيل عددا من الرحلات الجوية والأسفار السياحية (العمرة)، والأنشطة واللقاءات والتظاهرات مما تضرر معه الشركاء والمؤسسات المعنية بها، فضلا عن المقاولات التي ترتبط أنشطتها التجارية بشكل كبير بالمقاولات الصينية (الصين ثالث مشارك تجاري للمغرب) التي بدأت تشكي من ركود معاملاتها، مما سيثير النقاش مجددا حول نظريتي القوة القاهرة والظروف الطارئة ومدى إمكانية استفادة هذه المقاولات منها للتحلل من التزاماتها العقدية وتعديلها أو التخفيف منها.إننا إذن أمام إشكال قانوني اقتصادي يفرض علينا الوقوف على بعض مداخله الأساسية. المدخل الأول: كرونا والقوة الملزمة للعقد أي علاقة؟ لا شك أن فكرة “العقد شريعة المتعاقدين” تنبني على ثلاث أسس، أولها قانوني قوامه مبدأ سلطان الإرادة وثانيها، أخلاقي يتمثل في احترام العهود و المواثيق و ثالثها ذو طابع اجتماعي و اقتصادي يترجمه وجوب استقرار المعاملات. وهي فكرة توجب احترام مضمون العقد سواء من طرف المتعاقدين أو من جانب القضاء. لكن الأوبئة الصحية كواقعة مادية صرفة تكون لها آثار سلبية واضحة يمكن رصد ملامحها على العلاقات القانونية بوجه عام و العلاقات التعاقدية على وجه الخصوص حيث تتصدع هذه الروابط نتيجة ركود يصيب بعض القطاعات الاستثمارية مما يجعل من المستحيل أو على الأقل من الصعب تنفيذ بعض الالتزامات أو يؤخر تنفيذها. وهو وضع قد يمس المؤسسات الصناعية و التجارية الخاصة والعامة، الصغيرة والكبيرة والمتوسطة على السواء، بالنظر للارتباط الكبير والوثيق بين أنشطتها حيث يكفي أن تصاب إحداها بأزمة اقتصادية لكي تهدد الأخريات بدورها .ومن هنا تبنى الفكر القانوني والاجتهاد القضائي عبر العالم آليتين تعتبران من الوسائل الحمائية للمدينين الذين يصبحون مهددين بالإفلاس أو على الأقل أصبحت ذمتهم المالية مصابة بتصدع خطير. هاتان الآليتان هما نظريتا القوة القاهرة و الظروف الطارئة التي ترميان إلى علاج الحالات التي يصير فيها الالتزام التعاقدي مستحيل التنفيذ (القوة القاهرة) أو صعب التنفيذ (الظروف الطارئة). وهما في الأصل يعدان تطبيقا لمبدأ أخلاقي عام مفاده أنه لا تكليف بمستحيل أو لا تكليف بما يتجاوز الطاقة العادية للإنسان. ومن الناحية الموضوعية – كما أكد على ذلك الفقه القانوني- فهما ترجمة للعلاقة الوطيدة بين القانون و الاقتصاد من جهة أولى ومبادئ الأخلاق من جهة أخرى. فلكي يسأل المدين عقديا يجب أن يكون قد أخل بالتزامه العقدي، ومن صور ذلك الإخلال ، عدم التنفيذ في الوقت المتفق عليه وهو ما يتم وصفه بالتماطل. غير أن هذه المسؤولية العقدية قد ترتفع عن صاحبها إذا ما تمسك بأحد الأسباب الأجنبية عنه و التي تمثل في جوهرها كل الظروف والوقائع المادية أو القانونية التي يمكن للمدعى عليه في دعوى المسؤولية المدنية أن يستند إليها لكي يثبت أن الضرر لا ينسب إليه ولا دخل له فيه وإنما هو نتيجة حتمية لذلك السبب . وتمثل القوة القاهرة أهم صور هذا السبب الأجنبي. المدخل الثاني: هل يعد فيروس كورونا أحد تطبيقات القوة القاهرة؟ما مفهوم وشروط القوة القاهرة؟ عرفها المشرع المغربي في الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود كالآتي: “القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية، (الفيضان والجفاف والعواصف والحرائق والجراد)، وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شانه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا”. أما شروطها التشريعية الرئيسية فهي ثلاث: – أولا: عدم التوقع. – ثانيا: استحالة الدفع. – ثالثا: عدم صدور خطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة. وكل شرط من هذه الشروط اختلفت بشأن تطبيقه النظريات الفقهية والتشريعات المقارنة، لكن من الناحية المبدئية يمكن أن نستخلص منها أن انتشار وباء صحي كواقعة مادية قد تكون قوة قاهرة كلما كان لها تأثير مباشر على عدم تنفيذ الالتزام التعاقدي من طرف المدين إذا ما توفر لها شرطان أساسيان وهما عدم التوقع واستحالة الدفع بالكيفية التي سبق توضيحها أما الشرط الثالث المتمثل في خطأ المدين فيظل في هذه الحالة بالخصوص حالة فيروس كورونا عنصرا غير مطلوب منطقيا. بل إن الظروف المحيطة بانتشار فيروس كورونا او تلك المتولدة عنه بصفة مباشرة أو غير مباشرة قد تكون بدورها عبارة عن قوة قاهرة ومن ذلك مثلا وقف استراد بعض المواد الأولية أو رفع أسعار بعضها الأخر. فالقوة القاهرة لم تعد محصورة على وقائع محددة دون غيرها فكل واقعة تحققت بشأنها الشروط وجعلت التنفيذ مستحيلا إلا وعدت حالة من حالات القوة القاهرة. ويبقى بطبيعة الحال المدين هو الملزم بإثبات توافر هذه الشروط. إثبات يكون على سبيل اليقين لا الشك والاحتمال وتتشدد عادة المحاكم العليا في مراقبتها لقضاة الموضوع أثناء تعليلهم لسلطتهم التقديرية، وهو ما أكدته محكمة النقض المغربية في عدد من قراراتها ومنها قرار عدد 7/54 بتاريخ 4/2/2014 وقرارها عدد 24/1 بتاريخ 10/01/2019. المدخل الثالث: موقف القضاء المقارن من تأثير الأوبئة والأمراض على تنفيذ الالتزامات العقدية (إشكاليات الزمان والمكان)إشكالية الزمن: السؤال الذي يطرح نفسه هو متى يتم تقدير شرط “عدم توقع الحدث” اي فيروس كورونا من طرف القضاء؟ مبدئيا يتم ذلك بالنظر إلى تاريخ إبرام العقد وهو ما قررته محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 29/12/2009 بمناسبة قضية تتعلق بوباء (chukungunya) الذي ظهر شهر يناير 2006 معتبرة أن شرط “عدم التوقع” الذي يبرر فسخ العقد لم يتحقق مادام أن الاتفاق تم شهر غشت سنة 2006 أي بعد ظهور الوباء بأشهر. توجه قضائي نستشف منه أن هذا الإشكال لن يطرح الآن بمناسبة فيروس كورونا بالنسبة للعقود القديمة لكن التساؤل سيطرح بالنسبة للعقود التي أبرمت بعد ظهور هذا الوباء،وهنا ايضا نتوقع حدوث نقاش جاد حول التاريخ الواجب اعتماده لاعلان ظهور فيروس كورونا، هل تاريخ إعلانه بالصين؟ أم بالبلد الذي توجد به الشركة التي تتمسك بالقوة القاهرة؟ أم التاريخ الذي حددته منظمة الصحة العالمية؟إشكالية تحديد المناطق المصابة بالوباء؟ إن مسألة تحديد المناطق هاته ليست بالسهلة أو اليسيرة لاختلاف المعايير، وقد أثير هذا الإشكال سابقا في نزاعات تتعلق بقضايا الأسفار حيث تم رفض السفر إ.لى مناطق قريبة، ومحاذية لاماكن وصفت بالخطيرة لانتشار وباء صحي بها، حيث اعتبرت محكمة باريس أن الخطر الصحي لم يكن قاهرا وموجودا بدولة التايلاند وأنه لم يكن مقبولا اعتبار السفر إلى هذا البلد مستحيلا (حكم بتاريخ 4/5/2004). وفي حكم آخر بتاريخ 25/7/1998 أكدت نفس محكمة باريس أن توقف الطائرة ببلد مجاور لمنطقة تعرف انتشار وباء الطاعون لا يشكل خطرا يفسر انه قوة قاهرة.إننا إذن أمام وضع صحي عالمي يثير الكثير من التساؤلات، والإشكالات ذات بعد اقتصادي وقانوني وتتطلب منا مقاربة حكيمة تضمن التوازن العقدي وتكرس الدور الأساسي للقضاء في تحقيق الأمن القانوني والاجتماعي المنشود.



اقرأ أيضاً
يدير اكيندي يكتب عن مافيا الماستر: حين تتحول الجامعة من منارة للعلم إلى سوق نخاسة لبيع الذمم
يدير اكيندي الفساد يضرب قلب التعليم العالي… ومصداقية الوطن على المحك مرة أخرى، يَطفو على السطح وجه بشع من وجوه الفساد في بلادنا، بعد تفجر فضيحة الاتجار بالشواهد الجامعية، وبالضبط شهادات الماستر، في واحدة من مؤسسات التعليم العالي التي يُفترض فيها أن تُخرّج نخبة النخبة. والكارثة أن هذه الشهادات ليست مجرد أوراق، بل مفاتيح لولوج مراكز القرار، ومسالك البحث العلمي، ومواقع المسؤولية في القضاء والإدارة والتعليم والثقافة. فماذا يعني أن تُباع هذه المفاتيح لمن يملك الثمن؟ وماذا تبقّى من الوطن إذا تساوى الحاذق والغشاش، والعالم والمزوّر، في فرص الصعود؟ فكيف يمكن لمجتمع أن ينهض إذا كان التعليم، أساس بناء الإنسان، يُباع ويُشترى؟ وكيف نضمن مستقبلاً وطنياً إذا كانت المناصب العليا تُمنح لمن يدفع أكثر، لا لمن يستحق؟ما وقع في جامعة أكادير ليس حادثا معزولا، بل هو مؤشّر خطير على هشاشة منظومتنا القيمية، وعلى مدى تمدّد سرطان الغش والتدليس في جسد المجتمع. أن يصبح الغش “حقا مكتسبا” لدى بعض الفئات، فتلك بداية نهاية العقد الاجتماعي بين المواطنين والدولة. من غير المعقول أن تنحصر المساءلة في الأستاذ المتهم وحده، بل إن كل من استفاد، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذه “التجارة اللاشرعية”، يجب أن يُحاسب ويُتابع بتهمة التزوير في وثائق رسمية، والاحتيال على الدولة، والولوج إلى مواقع المسؤولية دون وجه حق ، مما يجعل الفساد التعليمي قنبلة موقوتة تهدد أمن المجتمع بأكمله هنا تبرز ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، فلا يكفي معاقبة الأستاذ المتورط في فضيحة أكادير، بل يجب استدعاء كل من استفاد من هذه “الصفقات” وملاحقته بتهمة التزوير والتدليس.. إننا لا ننسى الضحايا الحقيقيين لهذه الفضيحة: أبناء وبنات هذا الوطن، الذين أُقصوا لأنهم لم يملكوا 250 ألف درهم لشراء شهادة، وليس لأنهم يفتقرون للكفاءة أو الجدارة. كم من طاقة وطنية شريفة حُرمت من فرصتها، ودُفنت أحلامها، وانهزمت ثقتها في مؤسسات الدولة! وكم من شاب وشابة حُرموا من الماستر والدكتوراه، لا لضعف مستواهم العلمي، بل فقط لأنهم لا يملكون رصيدًا بنكيًا محترمًا! أليس هذا هو الوجه الحقيقي لانهيار القيم، وبداية تصدع الوطن؟ هذه الممارسات لا تدمر الأفراد فحسب، بل تقتل روح الانتماء لدى الشباب، وتجعلهم يفقدون الثقة في الوطن. وكما قال الكاتب البرازيلي باولو كويلو في روايته “الكيميائي”: “عندما تُحارب أحلامك، فإن الكون بأسره يتآمر لمساعدتك”، لكن ماذا لو كان الفساد هو من يحارب الأحلام؟ حينها لن يجد الشباب سوى اليأس أو الهجرة لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الجريمة. فالوطن الذي نريده ليس مبنيًا على الريع والزبونية، بل على تكافؤ الفرص والاستحقاق. كما ورد في النموذج التنموي الجديد، الذي دعا إليه جلالة الملك محمد السادس، فإن بناء مغرب الغد يمر عبر بناء مجتمع قوي إلى جانب دولة قوية، مجتمع يؤمن بالعدل، والكرامة، والنزاهة، ويقاوم كل أشكال الغش والإفساد. فكيف تكون الدولة قوية إذا كان تعليمها ضعيفاً؟ وكيف يكون المجتمع قوياً إذا كان أفراده يعيشون على الوهم؟ ولعل ما قاله الكاتب البرازيلي باولو كويلو في رسالته إلى ابنه: “إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء المدن، لكنه الأساس الحقيقي لأي حضارة”، ينطبق تمامًا على ما نحتاجه اليوم. فالتعليم هو حجر الزاوية لبناء الإنسان، والعبث به هو تقويض لكل إمكانيات النهوض. ألم يقل الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: ” « وهل هناك عدل حين يحصل المزوّرون على مناصب ومسؤوليات، بينما يُقصى النجباء لأنهم لا يملكون المال؟ هل هناك دولة قانون، حين يتحول التعليم إلى مزاد علني؟ إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحرّك النيابة العامة بصرامة، ويُفتح تحقيق شامل يُحاسب فيه كل من تواطأ أو استفاد أو سكت عن هذا الفساد، أو أن نترك هذا الورم الخبيث يتفشى في جسد الدولة والمجتمع، ويُعمق فقدان الثقة، ويقضي على كل أمل في الإصلاح. إننا ننتظر من وزارة التعليم العالي أن تنتصب كمطالب بالحق المدني في هذه القضية، وأن تُعلن حربا لا هوادة فيها على كل المتلاعبين بسمعة الجامعة المغربية. فالتعليم لا يجب أن يكون سلعة، ولا يجب أن يُترك للمفسدين ينشرون سمومهم بين الطلبة والأساتذة، ويهدمون ما تبقى من الأمل في غد نزيه وعادل. وحده العدل، وحدها المساواة، وحده القانون، يمكن أن يؤسسوا لوطن يسع الجميع. أما الاستسلام فليس خيارًا، والسكوت تواطؤ. فلننتفض، دفاعًا عن الكرامة، عن العدالة، عن مغرب يستحق أن نحلم به… لا أن نخجل منه. فضيحة شواهد الماستر ليست قضية أكاديمية عابرة، بل هي معركة وجودية ضد فسادٍ ينهش جسد الوطن. إن لم نتحرك اليوم، فسنواجه غداً جيلاً يعتقد أن الغش “إنجاز”، والتدليس “ذكاء”. الفساد الجامعي ليس مجرد جريمة أخلاقية، بل تهديد مباشر للأمن المجتمعي. عندما تتحول الجامعة إلى مصنع لشواهد مزورة، فإنها تنتج مسؤولين بلا كفاءة، وقضاة بلا ضمير، وأساتذة بلا علم. وحينها لا يمكن بناء مغرب الغد السكوت عن هذه الجريمة هو خيانة للأمل، وتواطؤ مع الفساد، ومساهمة في قتل طموحات شباب حُرموا من فرص حقيقية لأنهم لم يملكوا ما يكفي لشراء شهادة. إن ضحايا هذه المافيا معروفون: شباب اجتهدوا وكافحوا، لكنهم صُدوا لأنهم لم يكونوا جزءاً من لعبة النفوذ والرشوة * يدير اكيندي، أستاذ العلوم الاقتصادية والاجتماعية، خبير في التنمية الشاملة والإعاقة
ساحة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
ساحة

هرماس يسائل والي الجهة ووالي الامن.. هل أعلنتما انهزام السلطة أمام عربدة سائقي سيارات الأجرة؟
حسن هرماس السيدان الواليان المحترمان، كلما حللت بالمدينة الحمراء، التي امضيت فيها جزءا غير يسير من مساري المهني كصحافي، وارتبطت بها من الناحية الوجدانية والعائلية، إلا وشعرت بنوع من المرارة والأسى اتجاه بعض الممارسات المشينة التي تتغذى من مستنقع الفوضى والابتزاز، لدرجة أنني أصبحت أتخيل أن السلطات الأمنية والسلطات الولائية قدمتا معا استقالتها من ممارسة جزء من وظيفتها، وأعلنتا انهزامهما في مبارزة استأسد فيها "الخصم"، وما هو بخصم، وتجبر بلا حد ولا قيود. السيدان الواليان، أنا على يقين أنكما على بينة من العربدة والتجبر الذي عات بلا حدود في عدد من الأماكن المسموح فيها بتوقف سائقي سيارات الأجرة الصغيرة منها والكبيرة لنقل الركاب، مواطنين وسياحا، مغاربة وأجانب، نحو وجهاتهم، ومن ضمنها الساحة المحاذية لمحطة قطار مراكش، والساحة المواجهة لقنصلية فرنسا على مقربة من ساحة جامع لفنا...، ومبعث يقيني أنكما على علم بالأمر يستند إلى أن وظيفتكما الأساسية هي السهر على استتباب النظام والقانون، وتجسيد سلطة الدولة على أرض الواقع، وهذه المهمة الرهيبة، بمعناها الإيجابي، تستمدانها من الظهير الشريف ومن قرار تعيينكما في موقعي المسؤولية التي تتقلدانها.السيدان الواليان المحترمان، حللت بأرض البهجة ظهيرة يوم الإثنين 21 أبريل 2025، على متن رحلة قطار قادم الرباط، وأنا جد مزهو بنشوة اللقاءات التي جمعتني على مدى ثلاثة أيام مع الكتاب والإعلاميين والمثقفين في عاصمة المملكة بمناسبة الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب... ولا أخفيكما الإحباط والانكسار اللذين أصبت بهما وأنا أغادر محطة القطار باحثا عن سيارة أجرة تقلني اتجاه حي تاركة، حتى خيل إلى أنني في مغربين اثنين: مغرب الرباط حيث يشعر الإنسان بالاحترام والطمأنينة والحق في الخدمة العمومية المؤدى عنها، ومغرب مراكش الذي استأسد فيه، دون حسيب ولا رقيب، طغمة من منعدمي الضمير وقليلي الأخلاق ومحترفي المساومة والابتزاز ، وهم جزء ـ وليس كل ـ من سائقي سيارات الأجرة، ومنافسيهم الممارسين للمهنة خارج القانون. فخلال ثلاثة أرباع الساعة، بقيت "مشوجر" ، ( بتعبير أهل المدينة)، قبالة طابور من سيارات الأجرة المتوقفة، وبين الفينة والأخرى يأتي سائق السيارة مصحوبا بسائح (ين) أجنبي، ولا أحد غير السياح الأجانب، في هيئة تشي بأنه حصل على غنيمة، بينما يبدو السائح(ين)، وكأنهم "يساقون إلى المقصلة وهم ينظرون". بعدما تبين لي أن لا حظ لي في العثور على سيارة أجرة صغيرة في الموقف المجاور لمحطة القطار، على الرغم من أن عددا من السيارات ما تزال متوقفة في غياب السائقين الذين يترصدون "الهموز" داخل محطة القطار، توجهت نحو الشارع الذي يشكل امتداد لشارع محمد السادس، لعل سيارة أجرة مارة في نفس الاتجاه الذي أقصده تتوقف ... لكن دون جدوى. بل بمجرد ما أشرت على سيارة الأجرة الأولى حتى باغثني شخص بالسؤال عن وجهتي، سألته من أنت، قال لي :"طالب معاشو، عندي طاموبيلتي تنهز لبلايص"...، وأضاف قائلا: "راك غير كتضيع وقتك، ما غادي توقف ليك حتى طاكسي فهاد البلاصة"،اضطررت لأخبره عن وجهتى وهي "تاركة"، لأنني صاحب حاجة، قال لي 40 درهم... أتعرفان بماذا أجبته، سيداي الواليان؟ قلت لمن ادعى أنه "طالب معاشو": " ما عند الميت ما يدير قدام غسالو"، ورضخت للابتزاز.على امتداد المسار الرابط بين محطة قطار مراكش وحي تاركة، والذي اعتدت أن أؤدي مقابله 17 درهما عند العودة، تراءت لي مجموعة من الوقائع المشينة التي تخدش محيى مدينة البهجة، ومن ضمنها واقعة السائح الأجنبي الإنجليزي الجنسية الذي سبق له ، قبل شهور معدودة، أن تعرض للنصب من طرف سائق سيارة أجرة صغيرة بعدما حل بمطار مراكش المنارة، وهي الحادثة التي وثقها بالصوت والصورة، وتتبعها ملايين المشاهدين عبر العالم في قناته على اليوتوب.وإذا كان هذا السائح الأجنبي قد جهر بهذه الطريقة الفاضحة بتعرضه للظلم في بلد اسمه المغرب، له تاريخ ولديه ترسانة كبيرة من القوانين، وهو ما حز في أنفس حشد كبير من المغاربة مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات تنظيمية وردعية للحيلولة دون تكرار فضيحة أخرى في مطار المنارة، فإن ما يقع في محيط محطة قطار مراكش، وعلى مقربة من ساحة جامع لفنا بشكل يومي، بل في كل ساعة وحين، لا يقل خطورة عن الواقعة السالف ذكرها، وهذا ما ينذر ـ لا قدر الله ـ بما هو أخطر وأفظع ما لم تتحرك السلطات الأمنية وسلطات ولاية مراكش للقيام بواجبها في فرض هبة الدولة وسيادة القانون. فاللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.    
ساحة

محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الاثنين 30 يونيو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة