قبل أن سترسل في الحديث عن دخول المغاربة الى القرن 21, ونصدق الطر هات القائلة بأننا مؤهلون للدخول فيه فعلا لابد ان نستحضر هذه المقولة (ان استقرار الاوطان وأمنها شأن أكبر من أن يترك لرجال الامن وحدهم ’ وإنما يظل دورهم متأخرا في الترتيب بعد جهود رجال السياسة والاقتصاد والاجتماع ’: حيت اخر الدواء الكي).
فكلما تمعنت وقمست في قاموس هذا المأثور إلا وتوقفت لأدقق في أوراق ملفاتي جيدا لأطمئن على وطني وشعبه على أننا نتوفر على الجينات القوية للدخول اليه مع استيفائنا لشروطه ’ وبالتالي سددنا كل مستحقات اشتراكنا فيه الى جانب الدول المتقدمة ’ أو السائرة في النمو ’ مع ادراكي اليقيني أن ذلك الدخول هو مغامرة من باب السباحة ضد التيار ’ بفعل خطابنا الاعلامي المسوق للاستهلاك بتمجيد الذات البشرية وتفخيمها دون ذات الالوهية .
وليس باكتشاف هذه الذات ونقدها ’ بحيث كل الانجازات لحكومة ما ممن تعاقبوا على تسيير الشأن العام لا تعدو إلا زوبعة في فنجان أو سوى هدف يتيم أحرزه لاعب لكرة القدم في مباراة دولية ’ مع العلم أن النتيجة من هذا كله هو اننا أصبحنا نعرف الكثير عن فضائلنا ’ ونسرف في الحديث عنها ’ بينما نلتزم الصمت ونكمم أفواهنا حيال نقائصنا ورذائلنا .
وعليه سنفتح ملفا من هذه الملفات التي ظلت منطوية في اللاشعور وظللت اطأبطها في طابور طويل لأشرح تفاصيلها الى من يهمهم الامر’ثم أطنب في شرح وتفسير معيقاتها التي تمنعنا نحن المغاربة من ركوب قطار القرن الواحد والعشرين بدون مركب نقص .
لأستهل كلامي ’عن ما يخوض فيه عامة الشعب من كلام ينم عن الحماقة أو البله خصوصا تلك المحاورات والمجادلات التلفزيونية بخصوص خصال الشعب المغربي ونقائصه التي تعمل على تبليد الشعب ’ ونستنتج فعلا سذاجة هذا الشعب المغلوب على أمره ’ وأن المجاملات الصادرة من أفواه رجال السياسة على اختلاف اطيافهاة والتي تصفه بالكرم والشجاعة هم كذابون ’ لا يفعلون ذلك إلا لغرض في نفس يعقوب .
فعلا فوجود بعض الشجعان وبعض الكرماء لا يعني ان الشعب برمته شجاع وكريم . حيث يتبادر الى ذهني وأنا أخط هذه المقالة سؤال اليوم بعد الانتفاضات التي عرفها العالم العربي والشارع المغربي خصوصا هل هناك شجعان وكرماء بالقدر الكافي يحبون هذا الوطن سيقدمون اموالهم وأرواحهم فداء لوطنهم ولملكهم وللشعب المغربي عند الحاجة ؟؟.
فالشعب تحول بسبب التدجين الممنهج من طرف الاحزاب السياسية المريضة بالريع الى شعب أبله ’ لم يبدع أي فكر أو تصور ’ وليست له أية مساهمة تذكر في الحضارة المعاصرة . وبذلك أعتبر نفسي أنني أعيش في مجتمع تهيمن عليه صفات مرضية من اعراض بسيكوباتية وانفصام في الشخصية ’ وأن مساعدة الشعب لا تكون بأن نقول له أنت كريم أو عظيم ’ ولكن من الضروري أن ننبه الى هذه الحقيقة. فلن أكفر سياسيا مهما كانت قناعته الايديولوجية ’ ولن أتهم بالعيب الذات المغربية ’ ولا العمل لصالح دولة أجنبية كانت في شمالنا أو في جنوبنا يهمها ضرب المغرب وتقويض دوره في المنطقة ’ وخصوصا بعد اكتشاف ترهل أجهزة الجارة وتهور قراراتها .فالمناخ الديمقراطي مختلف .وسقف الحوار مختلف .والمزاج العام بدوره مختلف ’ ولكني تمنيت أن نخفف من لهجة الاسراف في تضخيم الذات اولا ’ ثم نحاول بعد ذلك أن نفتح ملف اكتشاف الذات ’ لمعرفة حجمها الحقيقي وعيوبها الحقيقية .
فمن المحزن أن تكون أحجامنا الحقيقية معروفة لدى مؤسسات وجهات أجنبية بعينيها ’ بينما الرأي في بلادنا لايعرف عنها شيئا ’ في حين تدغدغ مشاعره تصريحات حكومية وأغنيات وهتافات على الشبكة العنكبوتية بالانجازات وتضخيم الذات ’ فكل التقارير الدولية تتحدث عن تذييل المغرب في مؤخرة لوائح التنمية البشرية ’ حيث سبقتنا مجموعة كبيرة من الدول الافريقية النامية ’ وغيرها من الاقطار التي يمكن مقارنة امكاناتها الطبيعية والبشرية رغم ما يتوفر عليه المغرب من خيرات طبيعية ومؤهلات بشرية ’ ورغم سياسة الانفتاح الاقتصادي الذي عرفه المغرب لازال لم يتجاوز عتبة النمو الاقتصادي المرغوب حسب تقارير الاجهزة الحكومية لتواجد اكراهات ظرفية .
إلا أن رغم أهمية تلك الجوانب وحيويتها في ادراك حقيقة الذات المغربية ’ فان الشيء الذي لم تتحدث عنه التقارير الدولية ’ ولا تعني به عادة ’ هو القيم الاجتماعية السائدة والتي أحسبها تشكل الاساس لإنجاح التنمية أو النهضة ’ وهو الجانب الذي أرغب في ازاحة الستار عن حقائقه ة وأن نتحدث بصراحة عن أوجه القصور فيه .هما عاملان أساسيان الاول عام والثاني خاص ’ فالأول قد لاكته ألسنة المثقفين على اختلاف مشاربهم في المحافل الوطنية والدولية ولا أريد أن أخوض فيه لأنه في نظري لازلنا لم نتجاوز عتبة القرن التاسع عشر لكي نناقش تفاصيل رحلة القرن 21 ’ اما الثاني وهو الخاص والذي استنتجه من خلال رحلاتي التي اقوم بها الى بلد الانوار أو الى سويسرا كل سنة والذي اوحى الي بالجانب الخلقي والحضاري على النحو الذي قد يذكره البعض .
ولم اخف حسرتي حيث عقدت مقارنة بين الذي لمسته هناك وبين الذي نعرفه جميعا في بلادنا ’ حيث لا يخفى عليكم تواريخ الاقلاع الاقتصادي لبعض الدول التي تعد اليوم من الدول المصنعة وكيف كانت تحتل الرواتب المتأخرة عن بلادنا حسب تقارير المنظمات الدولية ’ لكن المالات باعدت بينهما لاحقا ’ بعد السماء عن الارض .فآيا كان قدر المبالغة أو الشطط في الاصداء التي تحيط بنا ’ فإنها تشير بقوة الى أن مجتمعنا بحاجة ملحة لان تربى من جديد ’ وأننا صرنا نفتقد قيما اساسية ’ مع التقارير الاخيرة للمجلس الاعلى للحسابات والتي تظهر حجم الاختلالات التي تعرفها جل المؤسسات ان لم نقل كلها ’ لتقويم الاعوجاج التي ينخرها ورد العافية لمجتمعنا ’ بحيث لا أتحدث هنا العناوين الكبيرة المعروفة لدى الخاصة والعامة ’ مثل الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان كما هو متعارف عليها وغير دلك ’ لكنني أعني شيئا هو دون دلك بكثير ’ يتعلق بالأخلاق والفضائل الشخصية والاجتماعية ’ من النظافة الى الصدق و الامانة و الاتقان واحترام الوقت وغير دلك.