مرة أخرى يضرب "الإرهاب" بقوة وهذه المرة في قلب أوروبا، وفي عاصمتها الاتحادية بروكسل. ومرة أخرى يٌكتشف أن المنفذين من أصول مغاربية، ولدوا وترعرعوا في أوروبا ودرسوا في مدارسها وتلقوا قيمها. ومرة أخرى سيظهر محللون يفسرون هذا "الإرهاب الأوروبي" بأنه نتيجة للتهميش ولحالة الانفصام في الهوية الذي يعاني منه شباب الجيل الثالث والرابع من أبناء المهاجرين المغاربيين. ومرة أخرى سيتم تحميل الحكومات والمجتمعات الأوروبية مسؤولية فشلها في إدماج شريحة من رعاياها وحمايتهم من الانحراف الذي يجعلهم ضحية الأفكار المتطرفة من كل نوع.
مثل هذا الكلام هو الذي يتكرر في كل مناسبة تتعرض فيها دول أوروبية إلى اعتداءات إجرامية، منذ أن ظهرت هذه الموجة الجديدة من "الإرهاب" الذي يتخذ طابعا دينيا. وفي هذا الكلام الكثير من الصدق والدقة في تحليل هذه الظاهرة وتفسير أسبابها. لكن، لا يجب أن يظل هذا "التحليل" يتكرر كل مرة مثل "الشجرة" التي نخفي الغابة.
إن ما هو ظاهر وبين هو أن المنفذين، على الأقل بالنسبة للاعتداءات الأخيرة التي شهدتها بروكسل وقبلها باريس في السنوات الأخيرة، هم شباب من أصول مغاربية، من المغرب وتونس والجزائر، وينتمون إلى الجيل الثالث أو الرابع من أبناء المهاجرين الأوائل الذين هاجروا إلى أوروبا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بحثا عن عيش كريم لم توفره لهم بلدانهم آنذاك. والمشترك بين كل هؤلاء المنفذين أنهم ينتمون إلى أسر لم تنجح في الاندماج داخل مجتمعاتها الأوروبية، وأغلبهم فشلوا في مساراتهم الدراسية، وكلهم تقريبا يتحدرون من أحياء تنتمي إلى أحزمة الفقر التي نمت مثل الفطر في ضواحي العواصم الأوروبية، وقبل أن يستقطبهم "الإرهاب" صنع أغلبهم لأنفسهم مسارات داخل عالم المخدرات والجريمة.
عندما نرسم "بورتريه" "الإرهابي" المنفذ، فإن كل المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومات الأوروبية التي أخلت بواجبها في حماية شريحة من أبنائها من السقوط في عالم المخدرات والجريمة. لكن، هناك مسؤولية أخرى نادرا ما يتم ذكرها. مسؤولية قديمة تعود إلى الجدور الأولى للمشكل. إنها مسؤولية الأنظمة في دول الأصل التي خرج منها المهاجرون الأوائل في النصف الثاني من القرن الماضي. فأغلب هؤلاء المهاجرين، أجداد منفذي هذه الاعتداءات التي تضرب الدول التي استضافتهم قبل نصف قرن ونيف، جاؤوا إلى أوربا بحثا عن فرص للعيش الكريم لم توفره لهم أنظمتهم آنذاك، أو هربا من قمع بكل الألوان أمني وسياسي واقتصادي ومجتمعي، فرضته ورعته نفس الأنظمة التي كانت وما زالت تحكم شعوبها بنفس الأساليب التي تنفر رعاياها من العيش في دولها تحت رحمة سلطتها.
وفي هذا، تتحمل الحكومات الأوروبية مسؤولية كبيرة، مسؤولية تاريخية لأنها كانت مٌستعمِرة للدول التي أورثتها لأنظمة غير ديمقراطية تسلطية وقمعية. ومسؤولية أخلاقية لأنها تغاضت عن سنوات وعقود من القمع والظلم والتسلط والطغيان كانت تمارسه أنظمة ظلت تعتبرها شريكة لها في المغرب والجزائر وتونس.
تأتي مسؤولية أنظمة دول الأصل، التي جاء منها آباء وأجداد منفذي الاعتداءات التي شهدتها دول أوروبية في السنوات الأخيرة تحت غطاء شعارات دينية، في الدرجة الأولى لأنها هي أساس المشكل. وهذه المسؤولية أصبحت اليوم مزدوجة لأن الدين الذي باسمه ترتكب هذه الجرائم هو "دين جديد" صنعته هذه الأنظمة وتبنته مناهجها التعليمية في مدارسها العمومية لمواجهة المعارضات اليسارية التي كانت تواجهها. وهو في الأصل "دين مستورد" من العربية السعودية التي خلقت لنفسها مذهبا خاصا بها هو "الوهابية" التي حولت الدين إلى "إيديولوجيا" في خدمة الحاكم المستبد لتبرير استبداده وتسلطه.
هذا التداخل في المسؤوليات هو الذي يؤدي إلى عدم وجود مسؤول واحد أو مسؤول أول عما جرى ويجري الآن. وبدلا من أن يتم تحميل جزء من المسؤولية إلى الأنظمة التي حولت أجيال من شعوبها إلى مشاريع مهاجرين ومهمشين وضحايا لكل أنواع الانحراف والجريمة والتطرف، نجد أن الأنظمة الديمقراطية في الغرب ما زالت تتعامل مع تلك الأنظمة كشريكة في السياسة والاقتصاد، بل وحتى في محاربة الظاهرة التي أنتجتها وأحيانا باستدعاء نفس الأدوات، أي "دينها" الذي أنتج هذه الظواهر المنحرفة، واليوم يراد منه أن يعالجها، كمن يقول "وداوني بالتي كانت هي الداء".
لا أحد يتصور أن ينتهي الانحراف وما ينتج عنه من تطرف بمجرد اعتماد مقاربات أمنية صارمة، حتى لو تمت فيها مشاركة مخابرات الأنظمة التي ما زالت تصدر أمواجا من المهاجرين اليائسين، كما لن تنجح "بعثات" الأئمة التي ترسلها نفس الأنظمة محملة بأفكار "دين" أنظمتها الذي تبرر به تسلطها واستبداها في اجتثاث أفكار هذا "الإرهاب" القذر.
ثمة طريق آخر على الحكومات الديمقراطية في الغرب أن تسلكه، ألا وهو تشجيع قيام أنظمة ديمقراطية في دول المنشأ تبعث الأمل في النفوس وتعيد الثقة إلى المواطن في دولته، وتعلمه أن قيمة الحياة في أن نحياها لا أن نضحي بها كيفما كانت الأهداف أو الدوافع ومهما كانت النوازع أو القناعات.
مرة أخرى يضرب "الإرهاب" بقوة وهذه المرة في قلب أوروبا، وفي عاصمتها الاتحادية بروكسل. ومرة أخرى يٌكتشف أن المنفذين من أصول مغاربية، ولدوا وترعرعوا في أوروبا ودرسوا في مدارسها وتلقوا قيمها. ومرة أخرى سيظهر محللون يفسرون هذا "الإرهاب الأوروبي" بأنه نتيجة للتهميش ولحالة الانفصام في الهوية الذي يعاني منه شباب الجيل الثالث والرابع من أبناء المهاجرين المغاربيين. ومرة أخرى سيتم تحميل الحكومات والمجتمعات الأوروبية مسؤولية فشلها في إدماج شريحة من رعاياها وحمايتهم من الانحراف الذي يجعلهم ضحية الأفكار المتطرفة من كل نوع.
مثل هذا الكلام هو الذي يتكرر في كل مناسبة تتعرض فيها دول أوروبية إلى اعتداءات إجرامية، منذ أن ظهرت هذه الموجة الجديدة من "الإرهاب" الذي يتخذ طابعا دينيا. وفي هذا الكلام الكثير من الصدق والدقة في تحليل هذه الظاهرة وتفسير أسبابها. لكن، لا يجب أن يظل هذا "التحليل" يتكرر كل مرة مثل "الشجرة" التي نخفي الغابة.
إن ما هو ظاهر وبين هو أن المنفذين، على الأقل بالنسبة للاعتداءات الأخيرة التي شهدتها بروكسل وقبلها باريس في السنوات الأخيرة، هم شباب من أصول مغاربية، من المغرب وتونس والجزائر، وينتمون إلى الجيل الثالث أو الرابع من أبناء المهاجرين الأوائل الذين هاجروا إلى أوروبا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي بحثا عن عيش كريم لم توفره لهم بلدانهم آنذاك. والمشترك بين كل هؤلاء المنفذين أنهم ينتمون إلى أسر لم تنجح في الاندماج داخل مجتمعاتها الأوروبية، وأغلبهم فشلوا في مساراتهم الدراسية، وكلهم تقريبا يتحدرون من أحياء تنتمي إلى أحزمة الفقر التي نمت مثل الفطر في ضواحي العواصم الأوروبية، وقبل أن يستقطبهم "الإرهاب" صنع أغلبهم لأنفسهم مسارات داخل عالم المخدرات والجريمة.
عندما نرسم "بورتريه" "الإرهابي" المنفذ، فإن كل المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومات الأوروبية التي أخلت بواجبها في حماية شريحة من أبنائها من السقوط في عالم المخدرات والجريمة. لكن، هناك مسؤولية أخرى نادرا ما يتم ذكرها. مسؤولية قديمة تعود إلى الجدور الأولى للمشكل. إنها مسؤولية الأنظمة في دول الأصل التي خرج منها المهاجرون الأوائل في النصف الثاني من القرن الماضي. فأغلب هؤلاء المهاجرين، أجداد منفذي هذه الاعتداءات التي تضرب الدول التي استضافتهم قبل نصف قرن ونيف، جاؤوا إلى أوربا بحثا عن فرص للعيش الكريم لم توفره لهم أنظمتهم آنذاك، أو هربا من قمع بكل الألوان أمني وسياسي واقتصادي ومجتمعي، فرضته ورعته نفس الأنظمة التي كانت وما زالت تحكم شعوبها بنفس الأساليب التي تنفر رعاياها من العيش في دولها تحت رحمة سلطتها.
وفي هذا، تتحمل الحكومات الأوروبية مسؤولية كبيرة، مسؤولية تاريخية لأنها كانت مٌستعمِرة للدول التي أورثتها لأنظمة غير ديمقراطية تسلطية وقمعية. ومسؤولية أخلاقية لأنها تغاضت عن سنوات وعقود من القمع والظلم والتسلط والطغيان كانت تمارسه أنظمة ظلت تعتبرها شريكة لها في المغرب والجزائر وتونس.
تأتي مسؤولية أنظمة دول الأصل، التي جاء منها آباء وأجداد منفذي الاعتداءات التي شهدتها دول أوروبية في السنوات الأخيرة تحت غطاء شعارات دينية، في الدرجة الأولى لأنها هي أساس المشكل. وهذه المسؤولية أصبحت اليوم مزدوجة لأن الدين الذي باسمه ترتكب هذه الجرائم هو "دين جديد" صنعته هذه الأنظمة وتبنته مناهجها التعليمية في مدارسها العمومية لمواجهة المعارضات اليسارية التي كانت تواجهها. وهو في الأصل "دين مستورد" من العربية السعودية التي خلقت لنفسها مذهبا خاصا بها هو "الوهابية" التي حولت الدين إلى "إيديولوجيا" في خدمة الحاكم المستبد لتبرير استبداده وتسلطه.
هذا التداخل في المسؤوليات هو الذي يؤدي إلى عدم وجود مسؤول واحد أو مسؤول أول عما جرى ويجري الآن. وبدلا من أن يتم تحميل جزء من المسؤولية إلى الأنظمة التي حولت أجيال من شعوبها إلى مشاريع مهاجرين ومهمشين وضحايا لكل أنواع الانحراف والجريمة والتطرف، نجد أن الأنظمة الديمقراطية في الغرب ما زالت تتعامل مع تلك الأنظمة كشريكة في السياسة والاقتصاد، بل وحتى في محاربة الظاهرة التي أنتجتها وأحيانا باستدعاء نفس الأدوات، أي "دينها" الذي أنتج هذه الظواهر المنحرفة، واليوم يراد منه أن يعالجها، كمن يقول "وداوني بالتي كانت هي الداء".
لا أحد يتصور أن ينتهي الانحراف وما ينتج عنه من تطرف بمجرد اعتماد مقاربات أمنية صارمة، حتى لو تمت فيها مشاركة مخابرات الأنظمة التي ما زالت تصدر أمواجا من المهاجرين اليائسين، كما لن تنجح "بعثات" الأئمة التي ترسلها نفس الأنظمة محملة بأفكار "دين" أنظمتها الذي تبرر به تسلطها واستبداها في اجتثاث أفكار هذا "الإرهاب" القذر.
ثمة طريق آخر على الحكومات الديمقراطية في الغرب أن تسلكه، ألا وهو تشجيع قيام أنظمة ديمقراطية في دول المنشأ تبعث الأمل في النفوس وتعيد الثقة إلى المواطن في دولته، وتعلمه أن قيمة الحياة في أن نحياها لا أن نضحي بها كيفما كانت الأهداف أو الدوافع ومهما كانت النوازع أو القناعات.