أزناي يكتب عن الأزمة المغربية الفرنسية وأبعاد الصراع وخلفياته – Kech24: Morocco News – كِشـ24 : جريدة إلكترونية مغربية
السبت 19 أبريل 2025, 23:10

ساحة

أزناي يكتب عن الأزمة المغربية الفرنسية وأبعاد الصراع وخلفياته


كشـ24 نشر في: 19 مارس 2023

منيــر أزنــــــاي

وسط عالم غاصّ بالتغيرات والتحولات وإعادة توزيع الأدوار، ووسط فوضى الأخبار والأحداث والوقائع والزوبعة الكبرى من الأحداث التي ترخي بظلالها على المغرب والمغاربة داخليا وخارجيا، نجد أنفسنا جميعا وسط محاولة للفهم، ومحاولة للتنبيه إلى ما يعيشه مغربنا في الداخل والخارج. 

لم يعد يخفى على أحد ما يواجهه المغرب من تجاذب عنيف للقوى مع فرنسا، تجاذب لم يقف عند حد اختلاف في الرؤى وتضارب للمصالح بل تجاوزه إلى حد أزمة حقيقية جعلت فرنسا تبدل كل ما في وسعها لحشر المغرب في الزاوية لمحاولة ابتزازه وإرضاخه ودفعه لتبني ما يناسب مصالحها من توجهات ورؤى واختيارات.  

ولعل ما يجعل المغرب مستهدفا هو الدور المحوري الذي يلعبه داخل افريقيا ومكانته التي أصبحت تتعاظم وتتقوى، وهو ما أصبح حقيقة ثابتة ومسلمة لا تروق للقوى التي لها أطماعها في افريقيا، والتي تريد أن تبقي على نمط متجاوز من العلاقة مع دول جنوب المتوسط، نمط قوامه الوصاية والتحكم بأساليب انتهت مع عصور الاستعمار بشكل أصبحت تدركه وتعيه تماما دول افريقيا وترفضه رفضا قاطعا، بل هو ما يجعل هذه الدول تنفتح على علاقتها بالمغرب لأنها تدرك أنها علاقات رابح-رابح وليست علاقات استغلال وامتصاص للموارد والخيرات.

إن فرنسا اليوم وبعد عقود من انتهاء الاستعمار، وسنوات من التواجد العسكري في الساحل، أصبحت تدرك بأن وجودها في افريقيا غير مرغوب فيه، لكنها لم تتقبل هذه الحقيقة لأنها أولا تقوض مصالحها الاقتصادية ولأنها أيضا تضرب في صميم وجوديتها كدولة قوية لها امتدادها العسكري والاستراتيجي، لكنها وعلى الرغم من ذلك لا تتقبل هذه الحقائق ولا تبدي أي رغبة في مراجعة نمط علاقتها بأفريقيا كما لا تحاول أن تجدد نفسها وتقدم نموذجا جديدا للتواجد في افريقيا كشريك وحليف، بل إنها تهاجم وتمارس الضغط والابتزاز وتحارب كل من لا يتماهى مع مصالحها، وعلى رأسهم المغرب، الذي لم يعد يقبل أن تبقى العلاقة مع فرنسا على النحو المذكور.

فبعد مطالب شعبية وسياسية وضغط كبير سبق خروج فرنسا العسكري من الساحل، توالت المواقف الفرنسية التي تظهر إلى أي حد كانت الخسارة كبيرة، فقبل أيام استضافت قناة فرانس 24 أبا عبيدة بن يوسف العنابي، خليفة الجزائري عبد المالك دروكدال في زعامة ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في نشاز إعلامي غير مسبوق، لتعطيه الفرصة كاملة ليعبر عن خطابه المتطرف ويحدد البلدان التي يقصدها "برنامجه الإرهابي" في محاولة لتهديد البلدان التي لم تعد تقبل أن تشتغل وفق هوى فرنسا، ومحاولة أن تقول إما أنا وإما الإرهاب، فعلى الرغم من أن ماكرون يجدد التذكير دائما أن فرنسا غير مسؤولة عن خطاب منابرها الإعلامية، إلا أننا لسنا سذجا لتنطلي علينا هذه الأكذوبة خاصة عندما ينخرط جوق الإعلام الفرنسي في عزف معزوفة واحدة ملّتْها أفريقيا وملها المغرب، وهو ما قد بدأت تظهر بوادره بحشد الحركات الإرهابية لجهودها ضد المغرب مع استشهاد الشرطي المغربي الذي راح ضحية عمل إرهابي جبان رعته داعش التي كانت تخطط لما هو أكبر لولا توقيف المتورطين ويقظة أجهزتنا الأمنية وحنكة أطرها.

هذه السلوكات الغريبة ليست جديدة، ولا مستغربة من الأذرع الفرنسية، فقد أدان القضاء الأمريكي بصفة رسمية شركة لافارج الفرنسية بمساعدتها لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا وتورطها في تمويل التنظيم الذي مزّق بلدا كاملا، كما أدان رئيس الوزراء المالي بالنيابة عبد الله مايغا تدخل فرنسا الذي وصفه بالسافر في شؤون بلده متهما إياها بتمويل الإرهاب في بلده وإمداد الجماعات بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لضرب استقرار مالي السياسي خدمة لأجنداتها.

إن الامتعاض من فرنسا ماكرون من طرف زعماء أفريقيا أظهرته بجلاء خرجات ماكرون الأخيرة مع رؤساء دول أفريقية، كما فضحه الإحراج الكبير الذي تعرض له في عدد من هذه الدول في مؤتمرات صحفية عديدة، توجها الرد شديد اللهجة الذي وجهه رئيس جمهورية الكونغو، متهما بلده بتبني معايير مزدوجة مطالبا إياه باحترام الدول الأفريقية واحترام مؤسساتها.

والمواقف المتعددة والممتعضة من سياسات فرنسا في نسختها الماكرونية تجاه أفريقيا في مقابل الانفتاح على العلاقة مع المغرب والاقتناع به أكثر فأكثر كشريك بدأ يعوض دور فرنسا في أفريقيا بشكل أفضل هو أهم ما يزيد من حدة هذا الصراع، الذي نجح في أن يؤسس لنمط جديد من العلاقات مع الدول الإفريقية في إطار التعاون جنوب جنوب الذي يتخده المغرب خطا استراتيجيا منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش البلاد، وهي أهم ما يحفز من تصاعد الأزمة بين المغرب وفرنسا من وقت لآخر لتتخذ مواقف أكثر حدة تجاه المغرب لمحاولة ثنيه عن اتجاه اختاره لنفسه منذ الاستقلال، اتجاه يرفض أن يجعل المغرب أداة في يد حكومات فرنسا تحركه كيفما تشاء، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر التي اختار جنرالاتها أن يهبوا دفة الحكم هدية لفرنسا تحركها كيفما تشاء وتستغلها ضد المغرب.

فالجزائر تصعد ضدنا كلما صعدت فرنسا، وتصمت كلما عادت علاقاتنا مع فرنسا إلى طبيعتها، كما تقبل أن تجعل بلدا كاملا بموارده وشعبه ومقدراته ملكاً لدولة أجنبية قد تزج به في حرب إن أرادت فقط لإرضاخ المغرب أو لابتزازه أو ثنيه عن مساره التنموي وعلاقاته الجيدة مع الدول الأفريقية الأخرى، ولعل التقارير الإعلامية الأخيرة التي تشير إلى تحركات الجيش الجزائري والغليان السياسي داخل غرفة القيادة في الجزائر هي أكبر دليل على المستوى الذي بلغت الجزائر من فقدان السيادة لصالح فرنسا والقوى التي لا تريد للمغرب أن يكون.

واليوم يجب أن يفهم الجميع أن خطوط الدفاع عن المغرب متينة جدا وغير قابلة للاختراق، لأننا دولة بنت تاريخا طويلا من العلاقات الدولية، وتاريخا طويلا من علاقة العرش بالمواطنين لا يتأثر بالمراهقة السياسية لرؤى ماكرون التي تشذ عن ما هو مألوف من علاقة المغرب مع الزعماء الفرنسيين السابقين، الذين ربطتهم دائما علاقات طيبة مع المغرب سواء في عهد الملك الحالي، أو في عهد الملك الراحل الحسن الثاني على كافة الأصعدة، وبشكل يضمن مصالح الطرفين ويحقق النفع للبلدين وللشعب المغربي والفرنسي الذي مل سياسات ماكرون رئيس الدولة الذي لا يخجل من تمرير قانون رغما عن الفرنسيين ثم مواجتههم بالقوات العمومية وتعنيفهم في انتهاك صارخ للديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية التي لا يخجل الإعلام الفرنسي والبرلمان الأوروبي ليعطوا فيها دروسا للمغرب بازدواجية صارخة ومحاولة لتصدير الاحتقان الذي يواجهه به الفرنسيون واستثمار كل الوسائل الممكن ضد المغرب استثمارا يائسا وغير موفق لا شك أنه سينتهي بالاستسلام أمام دولة لها سيادتها وتاريخها وحنكتها الدبلوماسية كالمملكة المغربية.

هذه السيادة التي يتمتع بها المغرب، ليست حكرا على تدبير ملف علاقتنا بفرنسا، بل حتى في علاقتنا بالدول الأخرى كيفما كانت، فقد اخترنا موقفا شجاعا في نزاع روسيا وأوكرانيا، يتسم بالحكمة والتوازن، كما اخترنا موقفا معتدلا تجاه القضية الفلسطينية، ينفتح على العلاقة مع دولة إسرائيل دون التراجع عن مواقفنا الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، ودون إنصات للأحلام الإيديولوجية التي تسوق لها بعض الجهات هنا وهناك والتي دائما ما تصطدم بحكمة وصرامة سياسية بما يتوافق مع الرؤى والتوجهات التي تتماشى مع المصالح العليا للمملكة، ولعل العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع المملكة المتحدة تثبت إلى حد بعيد مدى نضج الدبلوماسية المغربية، ومدى قوة حضورنا على المستوى الدولي، كما أن التراجع الأخير في علاقتنا بإسبانيا ثم عودة هذه العلاقات إلى شكلها الطبيعي يترجم مدى المصداقية التي يتمتع بها المغرب ومدى اقتناع الخصوم قبل الأصدقاء بجدوى الشراكة مع المغرب وهو ما تُرجم الآن باقتناع إسبانيا والبرتغال بالمغرب كطرف ثالث في ملف مشترك لتنظيم كأس العالم في شراكة تثبت إلى أي حد يستطيع المغرب أن يقدم نفسه كنموذج وكدولة صاعدة وكقوة لا يستهان بها.

إن مصالحنا العليا كدولة وكشعب لا يمكن أن تدافع عنها الهيئة الدبلوماسية والهيئات السياسية والقوات المسلحة لوحدها، بل تستلزم تجييشا حقيقيا لكل القوى الحية ولكل الفاعلين القادرين على التأثير والدفاع والترافع على مصالح البلاد وفي مقدمتها قضيتنا الوطنية العادلة، التي يبدو أن البعض يغلب عليها مصالح فرنسا ويفضل الاصطفاف إلى الجهة الأخرى غير آبه بأن يكون أداة لأطراف أخرى في وقت ينبغي أن نكون جميعا جنودا للمغرب والمغرب فقط، هؤلاء الذين يقبلون على أنفسهم في عز أزمتنا مع فرنسا أن يتعاملوا مع أطراف فرنسية رسمية بل ويمارسوا دعاية رديئة لأجندات لا تدخر جهدا في أن تخوض ضدنا حربا حقيقية في وقت تعيش فيه بلادنا صراعا وجوديا لم يعد يقبل فيه المغرب ازدواجية المعايير كما قال الملك محمد السادس في إحدى خطاباته : فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي.

إن المشاكل الداخلية التي يعانيها المغرب، من تضخم وغلاء ومشاكل اجتماعية واحتجاجات قطاعية لا ينبغي أن تنسينا الأخطار الخارجية التي تهددنا، والتي تكون في كثير من الأحيان واقفة وراء المشاكل الداخلية بل محركة لها، كما لا ينبغي أن تجعلنا ناقمين على وطننا تاركين الدفاع عنه، لأن لذلك ضريبة لن يؤديها إلا نحن ولن يجني أرباحها إلا الخصوم.

منيــر أزنــــــاي

وسط عالم غاصّ بالتغيرات والتحولات وإعادة توزيع الأدوار، ووسط فوضى الأخبار والأحداث والوقائع والزوبعة الكبرى من الأحداث التي ترخي بظلالها على المغرب والمغاربة داخليا وخارجيا، نجد أنفسنا جميعا وسط محاولة للفهم، ومحاولة للتنبيه إلى ما يعيشه مغربنا في الداخل والخارج. 

لم يعد يخفى على أحد ما يواجهه المغرب من تجاذب عنيف للقوى مع فرنسا، تجاذب لم يقف عند حد اختلاف في الرؤى وتضارب للمصالح بل تجاوزه إلى حد أزمة حقيقية جعلت فرنسا تبدل كل ما في وسعها لحشر المغرب في الزاوية لمحاولة ابتزازه وإرضاخه ودفعه لتبني ما يناسب مصالحها من توجهات ورؤى واختيارات.  

ولعل ما يجعل المغرب مستهدفا هو الدور المحوري الذي يلعبه داخل افريقيا ومكانته التي أصبحت تتعاظم وتتقوى، وهو ما أصبح حقيقة ثابتة ومسلمة لا تروق للقوى التي لها أطماعها في افريقيا، والتي تريد أن تبقي على نمط متجاوز من العلاقة مع دول جنوب المتوسط، نمط قوامه الوصاية والتحكم بأساليب انتهت مع عصور الاستعمار بشكل أصبحت تدركه وتعيه تماما دول افريقيا وترفضه رفضا قاطعا، بل هو ما يجعل هذه الدول تنفتح على علاقتها بالمغرب لأنها تدرك أنها علاقات رابح-رابح وليست علاقات استغلال وامتصاص للموارد والخيرات.

إن فرنسا اليوم وبعد عقود من انتهاء الاستعمار، وسنوات من التواجد العسكري في الساحل، أصبحت تدرك بأن وجودها في افريقيا غير مرغوب فيه، لكنها لم تتقبل هذه الحقيقة لأنها أولا تقوض مصالحها الاقتصادية ولأنها أيضا تضرب في صميم وجوديتها كدولة قوية لها امتدادها العسكري والاستراتيجي، لكنها وعلى الرغم من ذلك لا تتقبل هذه الحقائق ولا تبدي أي رغبة في مراجعة نمط علاقتها بأفريقيا كما لا تحاول أن تجدد نفسها وتقدم نموذجا جديدا للتواجد في افريقيا كشريك وحليف، بل إنها تهاجم وتمارس الضغط والابتزاز وتحارب كل من لا يتماهى مع مصالحها، وعلى رأسهم المغرب، الذي لم يعد يقبل أن تبقى العلاقة مع فرنسا على النحو المذكور.

فبعد مطالب شعبية وسياسية وضغط كبير سبق خروج فرنسا العسكري من الساحل، توالت المواقف الفرنسية التي تظهر إلى أي حد كانت الخسارة كبيرة، فقبل أيام استضافت قناة فرانس 24 أبا عبيدة بن يوسف العنابي، خليفة الجزائري عبد المالك دروكدال في زعامة ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، في نشاز إعلامي غير مسبوق، لتعطيه الفرصة كاملة ليعبر عن خطابه المتطرف ويحدد البلدان التي يقصدها "برنامجه الإرهابي" في محاولة لتهديد البلدان التي لم تعد تقبل أن تشتغل وفق هوى فرنسا، ومحاولة أن تقول إما أنا وإما الإرهاب، فعلى الرغم من أن ماكرون يجدد التذكير دائما أن فرنسا غير مسؤولة عن خطاب منابرها الإعلامية، إلا أننا لسنا سذجا لتنطلي علينا هذه الأكذوبة خاصة عندما ينخرط جوق الإعلام الفرنسي في عزف معزوفة واحدة ملّتْها أفريقيا وملها المغرب، وهو ما قد بدأت تظهر بوادره بحشد الحركات الإرهابية لجهودها ضد المغرب مع استشهاد الشرطي المغربي الذي راح ضحية عمل إرهابي جبان رعته داعش التي كانت تخطط لما هو أكبر لولا توقيف المتورطين ويقظة أجهزتنا الأمنية وحنكة أطرها.

هذه السلوكات الغريبة ليست جديدة، ولا مستغربة من الأذرع الفرنسية، فقد أدان القضاء الأمريكي بصفة رسمية شركة لافارج الفرنسية بمساعدتها لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا وتورطها في تمويل التنظيم الذي مزّق بلدا كاملا، كما أدان رئيس الوزراء المالي بالنيابة عبد الله مايغا تدخل فرنسا الذي وصفه بالسافر في شؤون بلده متهما إياها بتمويل الإرهاب في بلده وإمداد الجماعات بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لضرب استقرار مالي السياسي خدمة لأجنداتها.

إن الامتعاض من فرنسا ماكرون من طرف زعماء أفريقيا أظهرته بجلاء خرجات ماكرون الأخيرة مع رؤساء دول أفريقية، كما فضحه الإحراج الكبير الذي تعرض له في عدد من هذه الدول في مؤتمرات صحفية عديدة، توجها الرد شديد اللهجة الذي وجهه رئيس جمهورية الكونغو، متهما بلده بتبني معايير مزدوجة مطالبا إياه باحترام الدول الأفريقية واحترام مؤسساتها.

والمواقف المتعددة والممتعضة من سياسات فرنسا في نسختها الماكرونية تجاه أفريقيا في مقابل الانفتاح على العلاقة مع المغرب والاقتناع به أكثر فأكثر كشريك بدأ يعوض دور فرنسا في أفريقيا بشكل أفضل هو أهم ما يزيد من حدة هذا الصراع، الذي نجح في أن يؤسس لنمط جديد من العلاقات مع الدول الإفريقية في إطار التعاون جنوب جنوب الذي يتخده المغرب خطا استراتيجيا منذ تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش البلاد، وهي أهم ما يحفز من تصاعد الأزمة بين المغرب وفرنسا من وقت لآخر لتتخذ مواقف أكثر حدة تجاه المغرب لمحاولة ثنيه عن اتجاه اختاره لنفسه منذ الاستقلال، اتجاه يرفض أن يجعل المغرب أداة في يد حكومات فرنسا تحركه كيفما تشاء، كما هو الشأن بالنسبة للجزائر التي اختار جنرالاتها أن يهبوا دفة الحكم هدية لفرنسا تحركها كيفما تشاء وتستغلها ضد المغرب.

فالجزائر تصعد ضدنا كلما صعدت فرنسا، وتصمت كلما عادت علاقاتنا مع فرنسا إلى طبيعتها، كما تقبل أن تجعل بلدا كاملا بموارده وشعبه ومقدراته ملكاً لدولة أجنبية قد تزج به في حرب إن أرادت فقط لإرضاخ المغرب أو لابتزازه أو ثنيه عن مساره التنموي وعلاقاته الجيدة مع الدول الأفريقية الأخرى، ولعل التقارير الإعلامية الأخيرة التي تشير إلى تحركات الجيش الجزائري والغليان السياسي داخل غرفة القيادة في الجزائر هي أكبر دليل على المستوى الذي بلغت الجزائر من فقدان السيادة لصالح فرنسا والقوى التي لا تريد للمغرب أن يكون.

واليوم يجب أن يفهم الجميع أن خطوط الدفاع عن المغرب متينة جدا وغير قابلة للاختراق، لأننا دولة بنت تاريخا طويلا من العلاقات الدولية، وتاريخا طويلا من علاقة العرش بالمواطنين لا يتأثر بالمراهقة السياسية لرؤى ماكرون التي تشذ عن ما هو مألوف من علاقة المغرب مع الزعماء الفرنسيين السابقين، الذين ربطتهم دائما علاقات طيبة مع المغرب سواء في عهد الملك الحالي، أو في عهد الملك الراحل الحسن الثاني على كافة الأصعدة، وبشكل يضمن مصالح الطرفين ويحقق النفع للبلدين وللشعب المغربي والفرنسي الذي مل سياسات ماكرون رئيس الدولة الذي لا يخجل من تمرير قانون رغما عن الفرنسيين ثم مواجتههم بالقوات العمومية وتعنيفهم في انتهاك صارخ للديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية التي لا يخجل الإعلام الفرنسي والبرلمان الأوروبي ليعطوا فيها دروسا للمغرب بازدواجية صارخة ومحاولة لتصدير الاحتقان الذي يواجهه به الفرنسيون واستثمار كل الوسائل الممكن ضد المغرب استثمارا يائسا وغير موفق لا شك أنه سينتهي بالاستسلام أمام دولة لها سيادتها وتاريخها وحنكتها الدبلوماسية كالمملكة المغربية.

هذه السيادة التي يتمتع بها المغرب، ليست حكرا على تدبير ملف علاقتنا بفرنسا، بل حتى في علاقتنا بالدول الأخرى كيفما كانت، فقد اخترنا موقفا شجاعا في نزاع روسيا وأوكرانيا، يتسم بالحكمة والتوازن، كما اخترنا موقفا معتدلا تجاه القضية الفلسطينية، ينفتح على العلاقة مع دولة إسرائيل دون التراجع عن مواقفنا الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، ودون إنصات للأحلام الإيديولوجية التي تسوق لها بعض الجهات هنا وهناك والتي دائما ما تصطدم بحكمة وصرامة سياسية بما يتوافق مع الرؤى والتوجهات التي تتماشى مع المصالح العليا للمملكة، ولعل العلاقات المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع المملكة المتحدة تثبت إلى حد بعيد مدى نضج الدبلوماسية المغربية، ومدى قوة حضورنا على المستوى الدولي، كما أن التراجع الأخير في علاقتنا بإسبانيا ثم عودة هذه العلاقات إلى شكلها الطبيعي يترجم مدى المصداقية التي يتمتع بها المغرب ومدى اقتناع الخصوم قبل الأصدقاء بجدوى الشراكة مع المغرب وهو ما تُرجم الآن باقتناع إسبانيا والبرتغال بالمغرب كطرف ثالث في ملف مشترك لتنظيم كأس العالم في شراكة تثبت إلى أي حد يستطيع المغرب أن يقدم نفسه كنموذج وكدولة صاعدة وكقوة لا يستهان بها.

إن مصالحنا العليا كدولة وكشعب لا يمكن أن تدافع عنها الهيئة الدبلوماسية والهيئات السياسية والقوات المسلحة لوحدها، بل تستلزم تجييشا حقيقيا لكل القوى الحية ولكل الفاعلين القادرين على التأثير والدفاع والترافع على مصالح البلاد وفي مقدمتها قضيتنا الوطنية العادلة، التي يبدو أن البعض يغلب عليها مصالح فرنسا ويفضل الاصطفاف إلى الجهة الأخرى غير آبه بأن يكون أداة لأطراف أخرى في وقت ينبغي أن نكون جميعا جنودا للمغرب والمغرب فقط، هؤلاء الذين يقبلون على أنفسهم في عز أزمتنا مع فرنسا أن يتعاملوا مع أطراف فرنسية رسمية بل ويمارسوا دعاية رديئة لأجندات لا تدخر جهدا في أن تخوض ضدنا حربا حقيقية في وقت تعيش فيه بلادنا صراعا وجوديا لم يعد يقبل فيه المغرب ازدواجية المعايير كما قال الملك محمد السادس في إحدى خطاباته : فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي.

إن المشاكل الداخلية التي يعانيها المغرب، من تضخم وغلاء ومشاكل اجتماعية واحتجاجات قطاعية لا ينبغي أن تنسينا الأخطار الخارجية التي تهددنا، والتي تكون في كثير من الأحيان واقفة وراء المشاكل الداخلية بل محركة لها، كما لا ينبغي أن تجعلنا ناقمين على وطننا تاركين الدفاع عنه، لأن لذلك ضريبة لن يؤديها إلا نحن ولن يجني أرباحها إلا الخصوم.



اقرأ أيضاً
محمد بنطلحة الدكالي يكتب: الروح الرياضية بالجزائر…داء العطب قديم
أمام الانتصارات المتتالية للدبلوماسية المغربية والنكسات والهزائم لجيران السوء،يبدو أن دولة العالم الآخر باتت تعيش أعراض الهلوسة والخرف،وهو داء عطب قديم إسمه" المروك". من بين الذكريات التي يتغنى بها حفدة الشهداء،واقعة كروية حدثت وقائعها في9 دجنبر1979 بين المغرب والجزائر،انتهت بفوزهم كما هو معلوم...ومنذ ذلك الحين والأبواق الإعلامية تكتب عن هذا" النصر" العظيم الذي مضت عليه46 سنة. ولأن مرض الهلوسة تزداد تهيؤاته بازدياد حدته،يبدو أن الكراغلة باتوا منذ الآن يترقبون مقابلة شباب قسنطينة أمام نهضة بركان المغربي. تطالعنا اليوم جريدة الشروق بمقال يحمل عنوان:" الرئيس تبون يحرص على مرافقة السياسي ودعمه في مواجهته ضد نهضة بركان المغربي"...! لقد أكد المقال أن زعيم الكراغلة سيتكفل بكامل مصاريف تنقل وإقامة ممثل الكرة الجزائرية في المغرب،علما أن وزير الشباب والرياضة،وليد صادي،وخلال حضوره مأدبة العشاء التي أقامها والي الولاية صيودة،كان قد نقل للنادي القسنطيني إدارة ولاعبين دعم رئيس الجمهورية ومساندته المطلقة للفريق في مواجهته أمام نهضة بركان...ومن ثمة ضمان تنشيط النهائي الإفريقي القادم ودخول التاريخ من بابه الواسع...! سبحان الله معشر الكراغلة،دخول التاريخ،شافاكم الله،يكون عبر الاختراعات والإنجازات،وتوفير لتر حليب وكسرة خبز لكل جائع،وذلك أضعف الإيمان. دخول التاريخ يكون عبر التلاحم والتآزر،لأننا دم واحد وتاريخ مشترك. أما وأنتم تشحنون المدرب خير الدين ماضوي وكأنه متوجه إلى ساحة الحرب،وتأمرون اللاعبين بوقرة ومداحي وكأنهما قائدا فريق مشاة...! إسمحوا لي أن أعترف،أني بت أشفق عليكم،وأدعو الله أن يتدبر أمر الحرارة المفرطةالتي تسكنكم. ونحن ندعو لكم بالشفاء معشر الكراغلة،نذكركم أنه وطوال التاريخ،ومنذ الحضارة الإغريقية التي عرفت ألعاب أثينا،ظلت الرياضة عنوانا للفرجة والتآخي والتعارف بين الشعوب لما تمثله من قيم إنسانية نبيلة،إنها تنشر السلام وتشجع على التسامح والاحترام وسمو الأخلاق،والرياضة بمعناها الصحيح ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها منبع القيم السامية المثلى حين تنتصر الروح الرياضية. إننا نشفق عليكم،ونرثي لحالكم حين تعتبرون انتصارا صغيرا في كرة القدم عن طريق ضربات الحظ،عيدا وطنيا وملحمة بطولية،محاولين تهدئة الشارع الذي يعرف حراكا شعبيا. لقد ضاق الشعب الجزائري الشقيق درعا من ضيق العيش ومحنة الطوابير والرعب اليومي الجاثم على النفوس... الرياضة أخلاق وسمو إنساني نبيل...حاولوا أن تستفيقوا من غيكم،رغم أن داء العطب قديم... محمد بنطلحة الدكالي
ساحة

صرخة من قلب المهنة: الفوضى تُهين الإرشاد السياحي بمراكش
في سياق التحديات التي تعصف بمهنة الإرشاد السياحي في مراكش، يعرض هذا المقال وجهة نظر عدد من المرشدين السياحيين الذين يعانون من تدهور أوضاعهم المهنية بسبب ظواهر التسيب والتنظيم غير القانوني داخل القطاع. ومن المهم التنويه إلى أن ما يطرحه هذا المقال يعكس آراء مجموعة من المهنيين الذين يواجهون هذه التحديات بشكل يومي، وهذا نص المقال: "الانتسابات غير القانونية، المنافسة الفوضوية، وتواطؤ الصمت... من يُنقذ كرامة المرشدين؟ الوضع لم يعد يحتمل. مهنة الإرشاد السياحي، التي لطالما كانت واجهة حضارية للمغرب، تتعرض اليوم في مراكش لتشويه ممنهج، وسط تراخٍ واضح من السلطات المحلية والمركزية، وصمت مريب من الهيئات المهنية والتنظيمية. منذ سنوات، والمرشدون النظاميون يرفعون الصوت في وجه ظاهرة تتفشى في الخفاء: مرشدون غير مُعيّنين في المدينة يحصلون على انتساب غير قانوني داخل جمعية مهنية محلية، ويزاولون عملهم بشكل حرّ، ضاربين عرض الحائط بقوانين التعيين والتنظيم. القانون يُنتَهك والمهنة تنهار ما يجري ليس فقط خرقًا إداريًا، بل تقويض لمبادئ العدالة المهنية. المرشدون غير المعينين في مراكش يتعللون بأن القانون يمنحهم هذا الحق، مستندين إلى تأويلات شخصية تخدم مصالحهم، دون اعتبار للواقع القانوني أو الإداري، في وقت يُقصى فيه المرشدون الملتزمون ويُجبرون على تقبل التهميش. كرامة المرشد تُباع في سوق الأسعار تدهور آخر يسجله المهنيون يتمثل في اشتعال حرب أسعار مدمرة، حيث يعمد بعض المرشدين إلى خفض تسعيرتهم بشكل مبالغ فيه، ما يؤدي إلى ضرب جودة الخدمات في العمق، والإضرار بسمعة المدينة لدى السياح. "عندما يتحول المرشد إلى بائع خدمة رخيصة، فإن التفاعل، والمعلومة، والاحترافية تكون أولى الضحايا"، يقول أحد المرشدين المحليين. جمعيات متهمة... وسلطات غائبة عدد من الأصوات داخل القطاع تتهم بعض الجمعيات بالتواطؤ، حيث تُمنح بطاقات الانتساب بشكل غير قانوني، وأحيانًا مقابل مبالغ مالية، دون احترام لشروط التعيين الترابي ولا ضوابط المزاولة. المرشدون يطالبون اليوم بتحقيق رسمي في هذه الانتسابات، ومساءلة الجهات التي تغضّ الطرف عن هذه الفوضى، والتي تهدد المهنة من الداخل. السياحة تتطور... والمهنة تتآكل في وقت تتغير فيه تطلعات السياح نحو تجارب غنية، وتفاعلية، ومستدامة، يواجه المرشدون الملتزمون خطر الإقصاء على يد فوضى تنظيمية تُفرّغ المهنة من معناها وقيمتها الثقافية. المرشدون يطالبون بالتحرك... الآن! دعوات متصاعدة لإيقاف النزيف: فتح تحقيق عاجل في الانتسابات العشوائية؛ توقيف غير الملتزمين بالتعيين الرسمي؛ إصلاح جذري لهياكل الجمعيات المهنية؛ وتدخل فعلي لوزارة السياحة وولاية الجهة قبل فوات الأوان."
ساحة

“الحق المهني المسلوب”: من يُسكت صوت المرشدين السياحيين؟
في قطاع يُعدّ من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي والوطني، يجد مئات المرشدين السياحيين بجهة مراكش-آسفي أنفسهم في مواجهة تحديات مهنية وإدارية متزايدة. وسط غياب آليات فعالة لحماية حقوقهم، تتعالى أصواتهم مطالبة بالإصلاح، لكن هل من مجيب؟ هذا المقال يعكس انشغالات مجموعة من المهنيين الذين يرون أن الممارسات التنظيمية الحالية تُقصيهم بدل أن تدمجهم، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل المهنة، وهذا نص المقال:"في قلب القطاع السياحي بمراكش-آسفي، يعيش مئات المرشدين حالة من التهميش الممنهج، في ظل تراكم ممارسات إدارية وتنظيمية غير متوازنة، وغياب الآليات الفعالة التي تضمن العدالة المهنية. الوضع الحالي يفرض علينا طرح أسئلة جريئة: من يُراقب؟ من يُحاسب؟ ومن يُنصف من لا صوت له؟جمعية في وضعية مخالفة... بلا محاسبةللسنة الثالثة على التوالي، لم تعقد الجمعية الجهوية للمرشدين السياحيين أي جمع عام، ولم تُعرض أي تقارير مالية أو أدبية، ومع ذلك تواصل تحصيل واجبات الانخراط، وتسليم الشهادات وكأن شيئاً لم يكن.أين دور المراقبة؟ من يتحمل مسؤولية تفعيل آليات الشفافية الداخلية؟ أليس استمرار هذا الوضع يمثل خرقاً لمبادئ الحكامة المهنية؟التكوين الرقمي: برنامج غير منصف لفئة واسعةفرض شهادة التكوين الرقمي ضمن وثائق تجديد الاعتماد جاء بهدف التأهيل، لكنه لم يُرفق، حسب عدد من المهنيين، بآليات واقعية لضمان مشاركة حقيقية ومتساوية، مما خلق شعوراً بالإقصاء لدى شريحة واسعة من المرشدين:مشاركات شكلية أو بالنيابة.غياب دعم فعلي للفئات غير المتمكنة من التكنولوجيا.شهادة تُمنح دون تأكيد فعلي لاكتساب المهارات.النتيجة؟ تكوين تحوّل إلى عبء إداري لا يراعي خصوصية الميدان.تجديد الرخصة: منطق الورق أم منطق الكفاءة؟المرشدون يقدمون ملفاتهم كاملة، لكن العديد منهم يُدرك أن ما يُطلب ليس بالضرورة انعكاساً حقيقياً للخبرة أو القدرة. شهادات انخراط صادرة عن جمعيات غير مفعلة تنظيمياً، وشهادات تكوين دون مضمون فعلي، فهل هذه مؤشرات تأهيل حقيقية؟ أم مجرد إجراء شكلي؟الشهادة الطبية: سؤال حول العدالة المهنيةيشكل شرط الشهادة الطبية عائقاً أمام عدد من المرشدين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو حالات صحية مؤقتة. فهل العجز المؤقت أو الإعاقة الخفيفة تعني بالضرورة عدم الأهلية؟ وهل من العدل أن يُقصى شخص فقط لأنه يخضع لعلاج منتظم أو يعيش مع إعاقة بسيطة لا تمنعه من أداء مهامه؟الضمان الاجتماعي: بين التعقيد والإجحافيعاني عدد من المرشدين السياحيين من صعوبات متزايدة في تسوية وضعيتهم مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في ظل غياب مواكبة فعلية تأخذ بعين الاعتبار طبيعة عملهم المستقل وغير المنتظم. ومن أبرز الإشكالات المطروحة:تعقيد مساطر الانتظام وتسديد المستحقات القديمة.تراكم مبالغ يصعب سدادها دفعة واحدة.وجود اقتطاعات بنكية غير دقيقة في بعض الحالات.تعرض المرشدين مزدوجي الجنسية لأداء مزدوج للواجبات دون تنسيق واضح بين الدول.هذا الوضع يُفاقم الهشاشة الاجتماعية للمرشدين، ويُفرغ التغطية الاجتماعية من مضمونها، ويُرسخ الإقصاء بدل الإدماج.مطالب مهنية ملحةافتحاص إداري ومالي للجمعية الجهوية ضماناً للشفافية.مراجعة آليات استخراج شهادات التكوين والانخراط.تيسير شروط الشهادة الطبية بشكل إنساني وعادل.فتح حوار مهني موسع لتصحيح المسار التنظيمي دون توتر أو صدام.رسالة مفتوحة لكل ضمير مهنيهذا المقال ليس مجرد وصف لاختلالات مهنية، بل هو نداء صادق يلامس كرامة كل مرشد سياحي. لسنا بصدد مطالب تعجيزية، بل نطالب فقط بما يضمن الاستمرارية في العمل بكرامة: تنظيم شفاف، تمثيلية شرعية، تكوين فعلي، وحماية اجتماعية عادلة.لقد طال الصمت، وكثُر التغاضي، وحان الوقت لنُعيد للمهنة صوتها ومكانتها. صوت المرشد ليس هامشيًا... إنه صوت الثقافة، والتاريخ، والانتماء."
ساحة

يونس مجاهد يكتب: مصداقية الخبر وطُعم النقرات
موضوع مصداقية الأخبار ليست جديدا في ثقافتنا، بل إنه متجذر فيها، وهناك مرجعيات كثيرة تحيلنا على الأهمية القصوى التي أوليت للفرق بين الخبر الصادق والخبر الكاذب في تراثنا، و لا أدل على ذلك من الآية الكريمة " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ". فالعودة لهذه المرجعيات سيكون مفيدا في مقاومة المد الجارف للتضليل والأخبار الملفقة والإثارة الرخيصة، التي يسعى تجار شبكات التواصل الاجتماعي إلى جعلها وسيلة للتشهير والإساءة، ومصدر اغتناء، غير عابئين بالقيم النبيلة التي من المفترض أن نتقاسمها كمجتمع. إن العودة إلى مرجعيتنا الحضارية والثقافية كفيل بأن يساهم إلى حد كبير في توفير وسائل وأدوات مقاومة الإتجار الرخيص في حرية التعبير، ففي مقدمة ابن خلدون التي أسست لعلم العمران البشري، هناك تدقيق مذهل لضرورة التمحيص في الأخبار، حيث يقول إنه من الضروري التمحيص والنظر في الخبر، حتى يتبين صدقه من كذبه، لأن الابتعاد عن الانتقاد والتمحيص يقع في قبول الكذب ونقله. ويضيف أن من الأسباب المقتضية للكذب في الأخبار، أيضا، الثقة بالناقلين، وتمحيص ذلك يرجع إلى التعديل والتجريح. ومنها الذهول عن المقاصد، فكثير من الناقلين لا يعرف القصد بما عاين أو سمع، وينقل الخبر على ما في ظنه وتخمينه، فيقع في الكذب. إن ابن خلدون، الذي سبق عصره، يتحدث هنا عن مصادر الأخبار، التي يعتبر أنه من غير الممكن تصديق ما تنقله بدون إعمال العقل النقدي. وهو من صميم العمل الصحافي، حيث أن التأكد من مصادر الأخبار ومدى مصداقيتها، هو جوهر المهنة، وهو أيضا ما يدرس اليوم في التربية على الإعلام، إذ أن أهم مبدأ يوصى به هو عدم تصديق أي "خبر"، إلا بعد التأكد من المصادر، أولا، ثم التمحيص والنظر في هذا الخبر، كما يقول ابن خلدون، ثانيا، لغربلته وإخضاعه للعقل والمنطق. وفي هذا الإطار، تؤكد التجربة، أنه لا يمكن للمجتمعات أن تستغني عن الصحافة المهنية، في تداول الأخبار، لأنها تكون صادرة عن صحافيين محترفين، يتوفرون على تكوين وخبرة ومستوى علمي، والأهم من ذلك، أنهم يشتغلون في بيئة صحافية، أي ضمن هيئة تحرير وميثاق أخلاقيات وقواعد العمل الصحافي. ولا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أوما يسمي ب"المؤثرين"، أن تعوض العمل الصحافي الاحترافي، بحجة أنها "صحافة مستقلة"، فليس هناك إلا صحافة واحدة، إما أن تكون احترافية موضوعية وذات مصداقية، تعمل طبقا لأساسيات مهنة الصحافة وتقاليدها، أو لا تكون. الصحافي الحقيقي، كالمؤرخ، يقول عبد الله العروي، في كتابه "مفهوم التاريخ"، إذ يعتبر أن العديد من الملاحظين يشبهون الصحافي بالمؤرخ، فيقال إن الأول مؤرخ اللحظة، بينما الثاني صحافي الماضي، كلاهما يعتمد على مخبر، وكلاهما يؤول الخبر ليعطيه معنى، الفرق بينهما هو المهلة المخولة لكل واحد منهما، إذا ضاقت تحول المؤرخ إلى صحافي، وإذا عاد الصحافي إلى الأخبار وتأملها بعد مدة تحول إلى مؤرخ، أما إشكالية الموضوعية وحدود "إدراك الواقع كما حدث"، فهي واحدة بالنسبة لهما معا. والمقصود هنا، حسب العروي، هو أن كلا من الصحافي والمؤرخ، عليهما تحري الدقة في الأخبار والحوادث المنقولة، واعتماد المصادر الموثوقة، مثل التغطية الميدانية وشهود العيان أو معايشة الأحداث، بالإضافة إلى الوثائق والآثار الدالة على ما حصل... هذه هي الصحافة المستقلة، عن التلفيق والكذب والإثارة المجانية واستجداء عدد النقرات. ويعتبر اليوم "طُعم النقرات "clickbait، من الآفات الكبرى التي أصابت الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح العديد ممن يسعون إلى تحقيق الأرباح، بأية وسيلة، اللجوء إلى تشويه الحقيقة وتقويض القيم الصحفية التقليدية، مثل الدقة والموضوعية والشفافية، همهم الوحيد هو الدخول في مهاترات وجدل عقيم، و اعتماد عناوين مثيرة، و كتابة أو بث كل ما يمكن أن يثير الفضول بدون معنى أو محتوى و بدون مصدر موثوق، كتاباتهم أو احاديثهم تتضمن تناقضات كثيرة، لكن كل ذلك يهون، بالنسبة لهم، أمام ما يمكن أن يحققونه من مداخيل. لذلك رفعت العديد من التنظيمات الصحافية في تجارب دولية، شعار؛ "لا تنقر"، أي تجنب طُعم الإثارة التجارية الرخيصة، التي تشوه الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ساحة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

السبت 19 أبريل 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة