و أنا اتصفح الأرشيف... وقعت عيني على صورة مأخوذة من اعلى صومعة الكتبية لآلاف الأشخاص، يؤدون صلاة التراويح بإحدى أشهر رمضان الماضية... صورة لها عندي أكثر من دلالة، خاصة حين وضعتها في السياق العام لبلدي المغرب... أخذت الصورة و وضعتها بجانب صورة لآلاف المتابعين لإحدى حفلات مهرجان موازين... حشد كبير يتكون من مختلف الأعمار و الفئات... فظهرت عندي دلالات أخرى كانت خفية. في البداية لم يكن القصد التأويل أو التحليل، بل نطت في ذهني فكرة بسيطة اختزلت كل ما يمكن أن يقال: "التعدد".
هو ذا مغربي الذي سمعت عنه الكثير، و عشت في أكثر هذا المعنى و مرادفاته العديدة، تذكرت المسجد قرب الكنيسة، و الحانات قربهما، شاهدت شريط ذهني يعرض في ذاكرتي مشاهد لتعايش المسلم الملتزم بأركان دينه و الذي لا يفوت فردا، باليهودي أو السائح المسيحي او البوذي أو جاره الذي يهمه دينه... تذكرت حديث ذاك الذي يدين بإسلام المغرب المالكي ذي الأبعاد الصوفية الجميلة، مع ابنه المعاقر دوما الخمر، أو زميله المقامر، أو في المقهى مع صديق مسلم بالوراثة فقط... أحاديث لا حقد فيها، لا كره، لا تزمت، لا عنف... صور تترجم على أرض الواقع بعض الآيات القرآنية الضامنة للحرية كـ: "من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" أو "لكم دينكم و لي دين"...
لن أخوض في التطرف حتى أحتفظ في هذه السطور بنبرة جميلة... هكذا سأتحدث فقط عن بعض الروابط المشتركة بين هذا و ذاك... كثر هم يربطون الفساد بالفن أو مهرجاناته، شخصيا لا أنكر هذا في بعض الحالات الخاصة التي تشكل استثناء، لكني أرفض التعميم كما أستنكر الصمت المتواطئ مع إسقاط التهمة عن الجانب الآخر، فكم من شخص يعتبر امتدادا للوهابيين أو الدواعش ينشر سمومه في المساجد و دور العبادة أو على شبكات التواصل الاجتماعي و قنوات اليوتوب دون حسيب أو رقيب... مستفيدا من ملايين الدراهم التي تفوح منها رائحة البترول. هكذا وجب أيضا التصدي لهؤلاء فهم أكثر خطر يهدد للصورتين السابقتين...
أنا مع المهرجانات و التظاهرات الفنية، و في نفس الوقت ضد إقصاء بعضها من منح و إعانات الدولة... إذ يجب مراعاة التنوع في توزيعها... فمثلا ما المانع من منح القيمين على صلاة التراويح في رمضان منحا للتشجيع؟ سيقول البعض أنه عمل لوجه الله، صحيح لكنه أيضا عمل يزكي روح مجتمع متسامح بدات إشارات تغيره نحو الأسوأ تظهر بجلاء... فحين أشاهد بعض المساجد في ليل رمضان أرى فيها صورة لمهرجانات روحانية تفرح القلب و تدخل السكينة على الفؤاد، و تجعل كل مغربي فخورا بوطن فيه مساحة لكل تفصيل من تفاصيل الحرية، خاصة حرية المعتقد... هنا أوجه رسالتي للمسؤولين: أرجوكم اتقوا ربكم في هذا البلد، شجعوا الفن و شجعوا الدين أيضا، فالفن متعدد و الدين كذلك، لكن حاربوا بحزم إسلاما لم يعرفه أجدادنا، إسلام ظلامي عنيف، وهابي أو جهادي او تكفيري... شجعوا نجوم رمضان الذين هم أحسن صورة لمذهب البلاد و جوهرها الوسطي... نجوم ليست حرفتهم تجارة الدين، إنما هي فن يمارسونه كما عرفناه...