وطني

جلالة الملك يوجه رسالة سامية للمشاركين في المنتدى العالمي لتحالف الحضارات


كشـ24 | و.م.ع نشر في: 22 نوفمبر 2022

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الثلاثاء، رسالة سامية إلى المشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي تحتضنه مدينة فاس يومي 22 و23 نونبر الجاري.وفي ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية السامية التي تلاها مستشار صاحب الجلالة أندري أزولاي :" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.معالي الأمين العام للأمم المتحدة،معالي ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات،أصحاب المعالي الوزارء،أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة، يعقد تحالف الأمم المتحدة للحضارات اليوم، الدورة التاسعة لمنتداه العالمي، على أرض إفريقية. وهو بذلك يعطي إشارة قوية لاستمراريته وبعده الكوني، وأنه يلتئم حول توجه مشترك للمضي قدما نحو "تحالف للسلام"، ولبلوغ هدف مشترك يتمثل في الاستجابة لمطلب "العيش المشترك" في ظل "قيم الكرامة الإنسانية".وإنه لمن دواعي الاعتزاز أن يجتمع تحالف الحضارات بمدينة فاس، بيد أنه أمر بديهي. ألم يكن للمغرب الحظوة والشرف بأن يكون من بين الأعضاء المؤسسين لهذا التحالف ؟ أليست فاس هي العاصمة الروحية لمملكة عريقة ؟ أليست جامعة القرويين التي تحتضنها فاس هي أقدم جامعة في العالم – والوجهة التي كان يحج إليها العلماء المسلمون واليهود، بل وحتى أحد البابوات، طلبا لاستكمال العلم والمعرفة ؟ ألا تشكل جامعتها الأورو-متوسطية حاليا فضاء للحوار الأكاديمي والثقافي بين ضفتي المتوسط ؟ ولذلك فمدينة فاس تجسد، بكل تأكيد، كل معاني التحالف والتلاقح الخصب بين الحضارات.ثم إن انعقاد ملتقى تحالف الحضارات بفاس، له مغزى أيضا. فبعد نيويورك، وباكو، وبالي، وفيينا، والدوحة، وريو، وإسطنبول، ومدريد، كان من الطبيعي أن ينعقد المنتدى العالمي لتحالف الحضارات على أرض إفريقية. أليست إفريقيا هي مهد البشرية، وملتقى الحضارات وحاضنة الشباب الواعد ؟لكل هذه الأسباب وغيرها، حرصنا على أن يعكس المكان الذي يستضيفكم اليوم شتى الدلالات لهذا اللقاء، من حيث جوهره الذي تجسده مدينة فاس، ومن حيث أبعاده الأخرى التي تعكسها إفريقيا. وإننا لنحرص على أن تسفر أشغال هذا المنتدى عن نتائج ملموسة. فلا بديل عن ذلك، بالنظر إلى أهمية الموضوع المطروح على أنظاركم واعتبارا لطابعه الملح.وذلكم أيضا هو جوهر الرسالة التي نوجهها لهذا المنتدى التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات. فهي تعبر عن إيماننا بأن هذا اللقاء سيحقق القيمة المضافة التي نرجوها نحن، والأمين العام للأمم المتحدة، معالي السيد أنطونيو غوتيريش، وتعكس التزامنا المشترك من أجل التجسيد الملموس للتعاون المتميز بين المملكة المغربية والأمم المتحدة.وها نحن اليوم نواصل المسار الذي دشنه كل من ناضل من أجل إشعاع تحالف الحضارات وتعميق الوعي بجدواه. ولا يفوتنا، بهذه المناسبة، أن نشيد بالحرص والالتزام اللذين أبان عنهما ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات، السيد ميغيل أنخيل موارتينوس.لقد تمكنت العقول النيرة والشجاعة التي بلورت تحالف الحضارات من إبداع منتدى من أجل المستقبل. ونقف اليوم وقفة إجلال وتقدير لكل أولئك الذين ساهموا، ولاسيما في إسبانيا وتركيا، في ضمان الاستمرارية لهذه المنظمة ومأسستها بوصفها مرجعا للتفاهم والثقة والحوار بين الثقافات والديانات والحضارات. فالمثل العليا التي استرشدنا بها في عام 2004 هي نفسها التي تلهمنا اليوم في هذا المنتدى. أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة، يتسم السياق الحالي بتزايد الأسباب والدوافع التي كانت وراء إنشاء تحالف الحضارات : - فلم يسبق لحضارتنا أن كانت معرضة لمثل هذا الكم الهائل من المخاطر، ولم يسبق للعيش المشترك أن واجه مثل ما يواجهه اليوم من تهديدات بشكل يومي؛- ونادرا ما كان الآخر مثار ارتياب وشك مثلما هو اليوم، بل نادرا ما كان يستخدم كل سبب مفتعل لإثارة مشاعر الخوف والكراهية وتأجيجها كما هو الشأن اليوم ؛- لقد باتت أشكال التطرف تهيمن على النقاشات وتقصي الخطابات المعتدلة؛ وغالبا ما يتم توظيف الديانات لأغراض غير بريئة، ناهيك عما تتعرض له من وصم وتوصيفات مسيئة؛- وتثير الشعبوية القلاقل والاضطرابات داخل المجتمعات وتختلق الأسئلة دون الإجابة عنها ، لا لشيء إلا لتوظيف الهجرة كفزاعة وأداة انتخابية وجعل المهاجر كبش فداء ؛- وعادت قارات كانت قد قطعت مع زمن الحروب، إلى استعمال الأسلحة والعنف بجميع أشكاله وتجلياته ؛- وجاءت جائحة كوفيد-19 معلنة عن عودة الانعزالية والانغلاق على الذات، في الوقت الذي كان يجب أن تشكل فرصة لترسيخ الوعي بالمصير المشترك؛- بينما ينتج كوكبنا ما يكفي من الموارد لإطعام البشرية كلها، صار انعدام الأمن الغذائي يشكل تهديدا للعالم؛- كما أن الإرهاب ينتعش من نزوعات الانفصال ويتحين الفرصة، حيثما يساهم انعدام الاستقرار السياسي، في تعطيل وتيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة،إن الوقت مناسب دوما للحديث عن السلام، لا بوصفه نقيضا للنزاع والصراع فحسب، بل بما هو رؤية للعالم، وعلاقة تفاعل مع الآخر. ولا شك أن تحالف الحضارات يعد ركيزة قوية للسلام وفق هذا المنظور.فالحوار، بخلاف الحروب التي تعرف بدايتها دون أي إمكانية للتكهن بنهايتها، يعد نجاحا في حد ذاته وفي جوهره. وفي ظل تجدد النزاعات والصراعات، يبقى الحوار مفتوحا على مآلات إيجابية. فحتى إن لم يفلح في تسوية الخلافات، فحسبه أنه يعزز التعارف والتفهم المتبادل.ومن ثم، لا بد من إعلاء كلمة الحوار الذي يضطلع به تحالف الحضارات، ولا بد من ضمان سبل نجاحه. فلا سبيل إلى الخلاص إلا بالحوار، لكن بشرط : - أن يكون حوارا بين الحضارات، يشمل الجميع ويراعي مصلحة البشرية بكل مكوناتها، بما يسمح باستيعاب العالم في تعدديته، والعمل وفق نهج متنوع الأطراف، وتجسيد مفهوم العالمية بمعناه الحقيقي.- وأن يكون حوارا بين الأجيال، يشرك الشباب ويستشرف المستقبل. فالشباب لا يمثل فقط الأجيال التي علينا تحصينها ضد ويلات الحرب وضد خطاب الكراهية بمختلف أشكاله، بل هم الأجيال نفسها المنخرطة فعليا في صنع السلام.- وأن يكون حوارا بين القارات ينأى عن كل تفكير أو تعصب عرقي. وأنا هنا أتحدث عن إفريقيا ومن أجل إفريقيا، وعن موقعها المستحق والمشروع لا عن وضعها في الهامش؛ وعن المعاملة التي تستحقها، فلا ينبغي أن تظل تتلقى المساعدات ولا أن تترك لحالها في مواجهة مصيرها؛ وأتحدث عن حقها في التعامل مع شركاء هي جديرة بهم وهم جديرون بها؛ وعن حقها في أن تقدر حق قدرها باعتبارها المتنفس الديموغرافي للعالم وخزان ه الاقتصادي، بما لها من تطلعات ومؤهلات واعدة. أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة، لقد انخرطت المملكة المغربية، باعتبارها من الأعضاء المؤسسين لتحالف الحضارات، في جميع المعارك التي خاضتها المنظمة : - أولا، لأسباب جوهرية نابعة من صميم هوية المغرب القائمة على الانفتاح والانسجام والتلاحم، والموحدة بانصهار مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.- ثم لأسباب ترتبط أساسا بالتزامات المغرب، بالنظر إلى أن قيم التحالف والمثل العليا التي يدافع عنها والنموذج الذي يدعو إليه، هي نفسها منظومة القيم والمثل العليا التي يتبناها المغرب والنموذج نفسه الذي يعتمده .وقد انخرط المغرب، منذ البداية، في هذه المبادرة الرائدة وظل متشبثا بها بكل حرص وثبات: أولا، بالدفاع عن الانفتاح وإشاعته، باعتباره ثقافة للسلام:- فقد قام جدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، بحماية رعاياه اليهود ضد الهمجية النازية والممارسات الوحشية والتمييزية لنظام فيشي.- وعمل والدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيلة المدة التي تولى فيها عرش أسلافه، على ترسيخ روح الإخاء بين يهود المغرب ومسلميه، في جميع أنحاء العالم.- كما حرصنا من جانبنا، منذ أزيد من عقدين، على تثمين التراث اليهودي المغربي وصونه، وعلى تنمية روح الوحدة والتلاحم الصادقة بين اليهود والمسلمين في دار الإسلام، والتي هي سر الخصوصية المغربية.- وبعزم راسخ، آلينا على نفسنا، في المملكة المغربية، الثبات على هذا الاختيار المتجدد باستمرار، بالحفاظ على صورة المغرب كأرض للتسامح والتعايش والانفتاح. ثانيا، بممارسة الدين كآلية لإشاعة السلام:- فبصفتنا أميرا للمؤمنين كافة، من كل الديانات، فنحن الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية في كل تراب المملكة المغربية ؛- ونرى أن الدين يجب أن يكون حصنا ضد التطرف لا مطية له، حيث دأبنا على الدفاع عن هذه القناعة في كل المحافل، من خلال الديبلوماسية الدينية للمملكة. فدور مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، يتمثل في التصدي للتطرف المنتشر على مشارف إفريقيا، والتعريف بالإسلام باعتباره دين وسطية واعتدال.- ووعيا من المغرب بهذا الدور، فقد تقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الذي اعتمدته تحت رقم 73/328 بشأن "النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية". وقد نوه هذا القرار، الذي دعمته 90 دولة، بأهمية "خطة عمل فاس لمنع التحريض على العنف المحتمل أن يؤدي إلى جرائم وحشية."- كما استقبلنا قداسة البابا فرانسيس خلال زيارته التاريخية لبلادنا، حيث أكدنا بهذه المناسبة على أهمية انفتاح الديانات السماوية الثلاث على بعضها، في ظل قبول الاختلاف، وفهم الآخر.- وبمعية البابا فرانسيس، وقعنا نداء القدس، الذي يدعو إلى المحافظة على المدينة المقدسة باعتبارها أرضا للقاء بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ورمزا للتعايش السلمي والحوار والاحترام المتبادل.ثالثا ، من خلال العمل على تحقيق التنمية بمفهومها الواسع، باعتبارها ركيزة من ركائز السلام:- فالمغرب يعد حليفا محوريا في محاربة الإرهاب، وشريكا موثوقا به في جهود التصدي للتغيرات المناخية، وفاعلا مسؤولا في مجال تدبير الهجرة ؛- والمغرب منخرط في جميع مجالات عمل التحالف، سواء تعلق الأمر بتعزيز العمل متعدد الأطراف، أو بتأهيل الشباب وبث روح المسؤولية فيهم، أو بتمكين المرأة وإبراز دورها باعتبارها فاعلا في مجال السلام والأمن. معالي الأمين العام للأمم المتحدة،معالي ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضاارت،أصحاب المعالي الوزارء،أصحاب المعالي والسعادة ،حضرات السيدات والسادة، إذا كانت السياسة تخاطب المواطنين، فإن الدين ينادي أرواحهم والحوار يخاطب حضارات هم. وبالتالي، علينا أن نخاطب السلام بكل اللغات والتعبيرات.وهذا واجب نابع من نظرة الأجيال السابقة والأجيال المستقبلية.وفي هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ البشرية، والتي ننكب فيها على التصدي للتغيرات المناخية، ومحاربة الإرهاب، ونبذل قصارى الجهود من أجل تحقيق التنمية المستدامة والأمن المائي والطاقي والغذائي، ومن أجل التنمية بصفة عامة، ينبغي لنا أن نعود إلى ما هو جوهري وأساسي في هذا الشأن، ألا وهو العيش المشترك.فلا خير يرجى من إطلاق مشاريع كبرى إذا كنا لا نستطيع تجاوز هذه الحلقة الأولى على درب تحقيق العيش المشترك، من أجل إنسانية واحدة تعيد وضع الكائن الإنساني في صلبها.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، اليوم الثلاثاء، رسالة سامية إلى المشاركين في الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات الذي تحتضنه مدينة فاس يومي 22 و23 نونبر الجاري.وفي ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية السامية التي تلاها مستشار صاحب الجلالة أندري أزولاي :" الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.معالي الأمين العام للأمم المتحدة،معالي ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات،أصحاب المعالي الوزارء،أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة، يعقد تحالف الأمم المتحدة للحضارات اليوم، الدورة التاسعة لمنتداه العالمي، على أرض إفريقية. وهو بذلك يعطي إشارة قوية لاستمراريته وبعده الكوني، وأنه يلتئم حول توجه مشترك للمضي قدما نحو "تحالف للسلام"، ولبلوغ هدف مشترك يتمثل في الاستجابة لمطلب "العيش المشترك" في ظل "قيم الكرامة الإنسانية".وإنه لمن دواعي الاعتزاز أن يجتمع تحالف الحضارات بمدينة فاس، بيد أنه أمر بديهي. ألم يكن للمغرب الحظوة والشرف بأن يكون من بين الأعضاء المؤسسين لهذا التحالف ؟ أليست فاس هي العاصمة الروحية لمملكة عريقة ؟ أليست جامعة القرويين التي تحتضنها فاس هي أقدم جامعة في العالم – والوجهة التي كان يحج إليها العلماء المسلمون واليهود، بل وحتى أحد البابوات، طلبا لاستكمال العلم والمعرفة ؟ ألا تشكل جامعتها الأورو-متوسطية حاليا فضاء للحوار الأكاديمي والثقافي بين ضفتي المتوسط ؟ ولذلك فمدينة فاس تجسد، بكل تأكيد، كل معاني التحالف والتلاقح الخصب بين الحضارات.ثم إن انعقاد ملتقى تحالف الحضارات بفاس، له مغزى أيضا. فبعد نيويورك، وباكو، وبالي، وفيينا، والدوحة، وريو، وإسطنبول، ومدريد، كان من الطبيعي أن ينعقد المنتدى العالمي لتحالف الحضارات على أرض إفريقية. أليست إفريقيا هي مهد البشرية، وملتقى الحضارات وحاضنة الشباب الواعد ؟لكل هذه الأسباب وغيرها، حرصنا على أن يعكس المكان الذي يستضيفكم اليوم شتى الدلالات لهذا اللقاء، من حيث جوهره الذي تجسده مدينة فاس، ومن حيث أبعاده الأخرى التي تعكسها إفريقيا. وإننا لنحرص على أن تسفر أشغال هذا المنتدى عن نتائج ملموسة. فلا بديل عن ذلك، بالنظر إلى أهمية الموضوع المطروح على أنظاركم واعتبارا لطابعه الملح.وذلكم أيضا هو جوهر الرسالة التي نوجهها لهذا المنتدى التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات. فهي تعبر عن إيماننا بأن هذا اللقاء سيحقق القيمة المضافة التي نرجوها نحن، والأمين العام للأمم المتحدة، معالي السيد أنطونيو غوتيريش، وتعكس التزامنا المشترك من أجل التجسيد الملموس للتعاون المتميز بين المملكة المغربية والأمم المتحدة.وها نحن اليوم نواصل المسار الذي دشنه كل من ناضل من أجل إشعاع تحالف الحضارات وتعميق الوعي بجدواه. ولا يفوتنا، بهذه المناسبة، أن نشيد بالحرص والالتزام اللذين أبان عنهما ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضارات، السيد ميغيل أنخيل موارتينوس.لقد تمكنت العقول النيرة والشجاعة التي بلورت تحالف الحضارات من إبداع منتدى من أجل المستقبل. ونقف اليوم وقفة إجلال وتقدير لكل أولئك الذين ساهموا، ولاسيما في إسبانيا وتركيا، في ضمان الاستمرارية لهذه المنظمة ومأسستها بوصفها مرجعا للتفاهم والثقة والحوار بين الثقافات والديانات والحضارات. فالمثل العليا التي استرشدنا بها في عام 2004 هي نفسها التي تلهمنا اليوم في هذا المنتدى. أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة، يتسم السياق الحالي بتزايد الأسباب والدوافع التي كانت وراء إنشاء تحالف الحضارات : - فلم يسبق لحضارتنا أن كانت معرضة لمثل هذا الكم الهائل من المخاطر، ولم يسبق للعيش المشترك أن واجه مثل ما يواجهه اليوم من تهديدات بشكل يومي؛- ونادرا ما كان الآخر مثار ارتياب وشك مثلما هو اليوم، بل نادرا ما كان يستخدم كل سبب مفتعل لإثارة مشاعر الخوف والكراهية وتأجيجها كما هو الشأن اليوم ؛- لقد باتت أشكال التطرف تهيمن على النقاشات وتقصي الخطابات المعتدلة؛ وغالبا ما يتم توظيف الديانات لأغراض غير بريئة، ناهيك عما تتعرض له من وصم وتوصيفات مسيئة؛- وتثير الشعبوية القلاقل والاضطرابات داخل المجتمعات وتختلق الأسئلة دون الإجابة عنها ، لا لشيء إلا لتوظيف الهجرة كفزاعة وأداة انتخابية وجعل المهاجر كبش فداء ؛- وعادت قارات كانت قد قطعت مع زمن الحروب، إلى استعمال الأسلحة والعنف بجميع أشكاله وتجلياته ؛- وجاءت جائحة كوفيد-19 معلنة عن عودة الانعزالية والانغلاق على الذات، في الوقت الذي كان يجب أن تشكل فرصة لترسيخ الوعي بالمصير المشترك؛- بينما ينتج كوكبنا ما يكفي من الموارد لإطعام البشرية كلها، صار انعدام الأمن الغذائي يشكل تهديدا للعالم؛- كما أن الإرهاب ينتعش من نزوعات الانفصال ويتحين الفرصة، حيثما يساهم انعدام الاستقرار السياسي، في تعطيل وتيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية. أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة،إن الوقت مناسب دوما للحديث عن السلام، لا بوصفه نقيضا للنزاع والصراع فحسب، بل بما هو رؤية للعالم، وعلاقة تفاعل مع الآخر. ولا شك أن تحالف الحضارات يعد ركيزة قوية للسلام وفق هذا المنظور.فالحوار، بخلاف الحروب التي تعرف بدايتها دون أي إمكانية للتكهن بنهايتها، يعد نجاحا في حد ذاته وفي جوهره. وفي ظل تجدد النزاعات والصراعات، يبقى الحوار مفتوحا على مآلات إيجابية. فحتى إن لم يفلح في تسوية الخلافات، فحسبه أنه يعزز التعارف والتفهم المتبادل.ومن ثم، لا بد من إعلاء كلمة الحوار الذي يضطلع به تحالف الحضارات، ولا بد من ضمان سبل نجاحه. فلا سبيل إلى الخلاص إلا بالحوار، لكن بشرط : - أن يكون حوارا بين الحضارات، يشمل الجميع ويراعي مصلحة البشرية بكل مكوناتها، بما يسمح باستيعاب العالم في تعدديته، والعمل وفق نهج متنوع الأطراف، وتجسيد مفهوم العالمية بمعناه الحقيقي.- وأن يكون حوارا بين الأجيال، يشرك الشباب ويستشرف المستقبل. فالشباب لا يمثل فقط الأجيال التي علينا تحصينها ضد ويلات الحرب وضد خطاب الكراهية بمختلف أشكاله، بل هم الأجيال نفسها المنخرطة فعليا في صنع السلام.- وأن يكون حوارا بين القارات ينأى عن كل تفكير أو تعصب عرقي. وأنا هنا أتحدث عن إفريقيا ومن أجل إفريقيا، وعن موقعها المستحق والمشروع لا عن وضعها في الهامش؛ وعن المعاملة التي تستحقها، فلا ينبغي أن تظل تتلقى المساعدات ولا أن تترك لحالها في مواجهة مصيرها؛ وأتحدث عن حقها في التعامل مع شركاء هي جديرة بهم وهم جديرون بها؛ وعن حقها في أن تقدر حق قدرها باعتبارها المتنفس الديموغرافي للعالم وخزان ه الاقتصادي، بما لها من تطلعات ومؤهلات واعدة. أصحاب المعالي والسعادة،حضرات السيدات والسادة، لقد انخرطت المملكة المغربية، باعتبارها من الأعضاء المؤسسين لتحالف الحضارات، في جميع المعارك التي خاضتها المنظمة : - أولا، لأسباب جوهرية نابعة من صميم هوية المغرب القائمة على الانفتاح والانسجام والتلاحم، والموحدة بانصهار مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.- ثم لأسباب ترتبط أساسا بالتزامات المغرب، بالنظر إلى أن قيم التحالف والمثل العليا التي يدافع عنها والنموذج الذي يدعو إليه، هي نفسها منظومة القيم والمثل العليا التي يتبناها المغرب والنموذج نفسه الذي يعتمده .وقد انخرط المغرب، منذ البداية، في هذه المبادرة الرائدة وظل متشبثا بها بكل حرص وثبات: أولا، بالدفاع عن الانفتاح وإشاعته، باعتباره ثقافة للسلام:- فقد قام جدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك محمد الخامس، بحماية رعاياه اليهود ضد الهمجية النازية والممارسات الوحشية والتمييزية لنظام فيشي.- وعمل والدنا المنعم، جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، طيلة المدة التي تولى فيها عرش أسلافه، على ترسيخ روح الإخاء بين يهود المغرب ومسلميه، في جميع أنحاء العالم.- كما حرصنا من جانبنا، منذ أزيد من عقدين، على تثمين التراث اليهودي المغربي وصونه، وعلى تنمية روح الوحدة والتلاحم الصادقة بين اليهود والمسلمين في دار الإسلام، والتي هي سر الخصوصية المغربية.- وبعزم راسخ، آلينا على نفسنا، في المملكة المغربية، الثبات على هذا الاختيار المتجدد باستمرار، بالحفاظ على صورة المغرب كأرض للتسامح والتعايش والانفتاح. ثانيا، بممارسة الدين كآلية لإشاعة السلام:- فبصفتنا أميرا للمؤمنين كافة، من كل الديانات، فنحن الضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية في كل تراب المملكة المغربية ؛- ونرى أن الدين يجب أن يكون حصنا ضد التطرف لا مطية له، حيث دأبنا على الدفاع عن هذه القناعة في كل المحافل، من خلال الديبلوماسية الدينية للمملكة. فدور مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، ومعهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، يتمثل في التصدي للتطرف المنتشر على مشارف إفريقيا، والتعريف بالإسلام باعتباره دين وسطية واعتدال.- ووعيا من المغرب بهذا الدور، فقد تقدم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار الذي اعتمدته تحت رقم 73/328 بشأن "النهوض بالحوار بين الديانات والثقافات وتعزيز التسامح من أجل مناهضة خطاب الكراهية". وقد نوه هذا القرار، الذي دعمته 90 دولة، بأهمية "خطة عمل فاس لمنع التحريض على العنف المحتمل أن يؤدي إلى جرائم وحشية."- كما استقبلنا قداسة البابا فرانسيس خلال زيارته التاريخية لبلادنا، حيث أكدنا بهذه المناسبة على أهمية انفتاح الديانات السماوية الثلاث على بعضها، في ظل قبول الاختلاف، وفهم الآخر.- وبمعية البابا فرانسيس، وقعنا نداء القدس، الذي يدعو إلى المحافظة على المدينة المقدسة باعتبارها أرضا للقاء بين أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ورمزا للتعايش السلمي والحوار والاحترام المتبادل.ثالثا ، من خلال العمل على تحقيق التنمية بمفهومها الواسع، باعتبارها ركيزة من ركائز السلام:- فالمغرب يعد حليفا محوريا في محاربة الإرهاب، وشريكا موثوقا به في جهود التصدي للتغيرات المناخية، وفاعلا مسؤولا في مجال تدبير الهجرة ؛- والمغرب منخرط في جميع مجالات عمل التحالف، سواء تعلق الأمر بتعزيز العمل متعدد الأطراف، أو بتأهيل الشباب وبث روح المسؤولية فيهم، أو بتمكين المرأة وإبراز دورها باعتبارها فاعلا في مجال السلام والأمن. معالي الأمين العام للأمم المتحدة،معالي ممثل الأمم المتحدة السامي لتحالف الحضاارت،أصحاب المعالي الوزارء،أصحاب المعالي والسعادة ،حضرات السيدات والسادة، إذا كانت السياسة تخاطب المواطنين، فإن الدين ينادي أرواحهم والحوار يخاطب حضارات هم. وبالتالي، علينا أن نخاطب السلام بكل اللغات والتعبيرات.وهذا واجب نابع من نظرة الأجيال السابقة والأجيال المستقبلية.وفي هذه اللحظة الفاصلة من تاريخ البشرية، والتي ننكب فيها على التصدي للتغيرات المناخية، ومحاربة الإرهاب، ونبذل قصارى الجهود من أجل تحقيق التنمية المستدامة والأمن المائي والطاقي والغذائي، ومن أجل التنمية بصفة عامة، ينبغي لنا أن نعود إلى ما هو جوهري وأساسي في هذا الشأن، ألا وهو العيش المشترك.فلا خير يرجى من إطلاق مشاريع كبرى إذا كنا لا نستطيع تجاوز هذه الحلقة الأولى على درب تحقيق العيش المشترك، من أجل إنسانية واحدة تعيد وضع الكائن الإنساني في صلبها.والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."



اقرأ أيضاً
غياب الضحايا يؤخر جلسة التحقيق مع الطبيب النفسي المتهم بالاعتداء على المريضات
حدد قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، يوم الإثنين القادم، كموعد لجلسة تحقيق أخرى في قضية الطبيب النفسي المتابع في حالة اعتقال في قضية الاعتداء على مريضات يخضعن للعلاج في عيادته.وكان من المقرر أن يحضر الضحايا لجلسة تحقيق عقدت يوم أمس الأربعاء، لكن اللافت أن جل المريضات اللواتي سبق أن تم الاستماع إلى إفاداتهن من قبل عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية، تغيبن عن الجلسة، رغم توصلهن بالاستدعاء.وكانت النيابة العامة قد أمرت بفتح تحقيق في شكاية توصلت بها تتضمن معطيات خطيرة حول اعتداءات جنسية للطبيب في حق المريضات.وكشفت الأبحاث التي أجريت حول هذا الملف على أن الطبيب المتابع في حالة اعتقال، كان يناول الضحايا جرعات من المخدرات الصلبة، ويوهمهن أنها تدخل في إطار البروتكول العلاجي. كما كان يمارس طقوسا غريبة وهو يرتكب اعتداءاته في حقهن. واستعان بابنه عمه المعتقل بدوره لارتكاب هذه الاعتداءات.
وطني

شكاية للمنصوري تطيح برئيس وخمسة أعضاء بالدريوش
تسببت دعوى قضائية للمنسقة الوطنية لحزب البام، فاطمة الزهراء المنصوري، في تجريد رئيس جماعة قروية بإقليم الدريوش، من عضويته.وشمل القرار الصادر عن المحكمة الإدارية الاستئنافية بفاس، تجريد خمسة أعضاء آخرين من مهامهم بجماعة أزلاف. وسبق للمحكمة الإدارية الابتدائية بوجدة أن نظرت في هذا الملف وحكمت بتجريد المشتكى بهم من العضوية.واعتبر حزب الأصالة والمعاصرة أن المنتخبين المعنيين خالفوا التوجهات السياسية والتنظيمية للحزب، بعد تصويتهم ضد عضو آخر من الحزب تقدم لشغل منصب النائب الرابع للرئيس.وإلى جانب رئيس الجماعة، فقد شمل قرار التجريد النائب الأول للرئيس، وكاتب المجلس، وثلاثة مستشارين.
وطني

كبار ناشري المقاولات الإعلامية يناقشون مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة
ناقش برنامج خاص مشترك بين قناة شوف تي في و الجمعية الوطنية للاعلام والناشرين، مستجدات مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة، وذلك بمشاركة مجموعة من كبار ناشري المقاولات الإعلامية المغربية. وقد تم خلال اللقاء مناقشة واستعراض مستجدات القانون الجديد المنظم للمجلس الوطني للصحافة والتأكيد على ضرورة وجود مقاولات قوية وغير هشة لضمان حقوق المهنيين ومواكبة التطور التشريعي الذي يعرفه القطاع حاليا. وفي هذا السياق اكد مختار لغزيوي مدير نشر جريدة الأحداث المغربية ان خروج قانون الصحافة بصيغته الحالية جاء نتيجة حوار بين كافة المتدخلين في قطاع الصحافة والنشر و جاء نتيجة الاستماع للمشاكل و الأزمة التي عاشها قطاع الصحافة مضيفا انه كان استاجة لمطلب بموجبه يصير المهنيون اصحاب القرار ويتحكمون في صياغة مشروع القانون الذي يتحكم في المهنيين، بعدما كان الامر موكولا للشأن الحزبي في ظل التوافقات الزائفة التي تحكمت في المشهد الصحفي مدة 35 أو 40 سنة. وأضاف الغزيوي انه لم يتم الشروع في الانصات للمهنيين سوى بعد فترة كورونا وخاصة بعد تأسيس جمعية الناشرين التي وجدت تراكمات و عدم امكانية القيام باصلاحات من الداخل ومع ذلك اتخذت عدة مبادرات وهو ما اكدته فاطمة الزهراء الورياغلي مديرة نشر مجموعة finance news  التي اشارت ايضا الى أن قانون الصحافة بصيغته الجديدة يأتي في سياق تراكم تاريخي لقطاع الصحافة و الأزمة التي نتحدث عنها اليوم عشناها منذ سنة 2017 أزمة المقروء نظرا لهيمنة وسائط التواصل الاجتماعي محمد الهيثمي مدير عام مجموعة Le MATIN اكد بدوره اننا نعيش اليوم ثورة تكنولوجية كبيرة و القانون الجديد أخد هذا المعطى بعين الاعتبار في تحديد شكل المقاولة الصحفية و تصور مهنة الصحافة، مضيفا انه من الضروري الان ضمان الاستدامة لدى المقاولة و القطع مع ضرورة الحصول على الدعم للاستمرارية  من جهته اكد خالد الحريري مدير عام مجموعة تيل كيل ميديا ان القطاع الصحفي في أزمة و لذلك يجب تدبير القطاع بشكل استثنائي مشيرا الى ان الجمعية نجحت في المرحلة الأولى في توفير الاستقرار المادي للصحفيين  و ما زال امامها عمل طويل رفقة باقي المتدخلين.
وطني

توقيع مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الملكية الصناعية بين المغرب والامارات
وقع عبد العزيز ببقيقي، المدير العام للمكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، وعبد الرحمن حسن المعيني، الوكيل المساعد لقطاع حقوق الملكية الفكرية بوزارة الاقتصاد، على مذكرة تفاهم تهدف إلى تطوير وتعزيز التعاون بين المملكة المغربية ودولة الإمارات العربية المتحدة في مجال الملكية الصناعية. وقد انعقد هذا اللقاء يوم 9 يوليو 2025 بجنيف على هامش اجتماعات الجمعيات العامة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، وذلك بحضور عمر زنيبر، السفير الممثل الدائم للمملكة المغربية بجنيف، وعبد الله بن طوق المري، وزير الاقتصاد لدولة الإمارات العربية المتحدة.وبهذه المناسبة، تبادل الطرفان وجهات النظر حول التقدم المحرز في مجال الملكية الصناعية في كلا البلدين، إضافة إلى التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك
وطني

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الخميس 10 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة