على خلفية الجنس ينمو اقتصاد يشكل مادته الأولية التي منها يصنع هرم إنجازاته التي تقدر بالملايير وتشغل الآلاف وتحرك دورة الانتاج.
يبرز التورط الجنسي للسياحة في مقدمة مجالات هذا الاقتصاد• إذا غالبا ما يتهم القطاع السياحي بمراكش بكونه يوفر منتوجا وحيدا هو السياحة الجنسية التي تعد مركز الجاذبية الأساسي في استقطاب الزبناء الأجانب، يعلق أحد الفاعلين في القطاع السياحي بمراكش على هذا المنظور قائلا: "لنتوفر أولا على الجرأة الكافية لمناقشة هذا الموضوع، مع التذكر دائما أننا نتحدث عن مجال له أهمية قصوى في النسيج الاقتصادي للمنطقة بانعكاسات اجتماعية كبيرة مرتبطة بجدل الشغل والعطالة الفقر والاكتفاء، فعندما نقول إننا نرفض السياحة الجنسية معناه أننا نفترض أننا نملك مقومات نوع آخر من السياحة، كالسياحة الثقافية مثلا• حيث تتوفر مثلا مدينتنا على متاحف عظيمة تضاهي متاحف باريس، وفي مقدمتها متحف اللوفر، لتجعل السائح الثقافي يضعها في أجندة أسفاره.
لا أعتقد أن مراكش تملك أكثر من هواء جاف مفيد للصحة وشمس دافئة وألوان وقليل من المآثر وكثير من فضاءات الترفيه كالعلب والحانات والمطاعم والفنادق••• زد على ذلك أن الإغراء بالمتعة واللذة يوجد في أساس استثمار الملايير في بناء فضاءات تخلق الآلاف من فرص الشغل•• فنجاح علبة للرقص تنفق على انشائها أموال طائلة رهين بإمكانيات الاستمتاع التي تعد بها والإغراء الجنسي يلعب الدور المهم في كل هذا•• وبدون نفاق، فدوام النادل في عمله واستقرار البارمان والمنظفات وحارس السيارات والبواب في شغلهم يصبح رهينا بأولئك النساء اللائي يترددن على هذه العلبة واللائي يكن موضوع ازدراء من قبل المجتمع• إنها سلسلة اقتصادية مترابطة• فالذين يهاجمون السياحة الجنسية يتحدثون كما لو كانت للمغاربة بدائل مريحة فهجروها لانحراف أخلاقي لا غير، والتحقوا بركب الدعارة•• الأمر مخالف لهذا•••".
يلاحظ هذا الفاعل السياحي أن قطاعات بكاملها تضمن شروط رواجها ونجاحها الاقتصادي، انطلاقا من نشاط العمالة الجنسية، يقول في هذا الصدد: "الجزء الأكبر من رواج المطاعم الصغيرة (سناك) ومحلات الوجبات السريعة بمراكش يعود الى النشاط الجنسي الذي ينطوي على تحفيز هائل على الاستهلاك• و العاهرات والعشيقات يلعبن دورا حاسما في هذا الباب•••".
ولا يكتفي عند هذا الحد، فاقتصاد الجنس في تقديرة يمتد الى مؤسسات الإيواء: "أي مستقبل للشقق المفروشة التي تعد بالآلاف بالمدينة خارج نشاطها الجنسي• فمن سيدفع 800 درهم لليلة الواحدة في شقة كي يقيم فيها لوحده، إن ذلك يبدو عبثيا بالنسبة لزبون مغربي تحكمه إكراهات اقتصادية صارمة•••".
سوق سوداء للذة ينشط اقتصاد الجنس بمراكش في مجالات بعينها• فلا أحد يستطيع مثلا أن ينكر المساهمة الفعالة لعاملات الجنس في ترويج المقاهي• فهن يملأن جنبات هامة منها ويتسقطبن زبناء آخرين لها• وسيكون من باب التكرار وصف هذه الفضاءات بشارع محمد السادس وبكليز وشارع علال الفاسي ومناطق أخرى وما تعرفه من اكتظاظ من قبل عاملات الجنس وزبنائهن، في شارع محمد السادس مثلا يرتفع الاقبال في المساء على المقاهي المتواجدة به من طرف المئات من بائعات اللذة اللائي يستعملن هذه المقاهي كقاعدة لانطلاق نشاطهن اليومي في تجارة الجنس ويوظفن الوسائل التقنية الحديثة في الاتصال للدعاية الجنسية لمنتوجهن بعين المكان، وعادة ماتستخدم تقنية البلوتوت لتوزيع رسائل تغري من توصل بها في هاتفه بالاتصال بها.
اقتصاد الشذوذ:
في مراكش لم تعد الظاهرة سرا يتداول بطرافة في حكايات المتنذرين أو في النكت الماجنة أو الكلام العابر المقذوف من أفواه غفل، بل أصبح لها اسم ووصفة وشكلت لنفسها ملامح واتخذت أمكنة وفضاءات وشكل خاص للحضور مثلما لم يعد المثليون اشباحا يسمع عنهم ولايرون• وإنما كائنات لهم صوت وكلام وصيغ في الظهور وفضاءات للتلاقي.
فقد خرجت ظاهرة الجنس المثلي بهذه المدينة من عتمة المسكوت عنه الذي يحتكره مبدأ السر لتوقع علامة حضورها أمام العموم فنصبت لها محاكمات وجهت فيها تهم وصدرت في حقها أحكام وكتبت في شأنها العشرات من المقالات التي تعقبت توقيعاتها الأكثر خصوصية، وانشغل الناس بتناقل أخبارها وتمطيط مضامينها والزيادة فيها من خيالهم الخصب، أصبح الأمر أشبه بروتين حيث لم يعد يمضي أسبوع دون أن يسمع أن مصالح الأمن قد أحالت على النيابة العامة متورطين في ملفات من هذا النوع• وسواء ظهرت في شكل جنسي للأطفال أو في صيغة دعارة ذكورية أو في شكل ممارسة عادية للشذوذ، فقد أصبحت هذه الظاهرة مضافة إلى تجارة المخدرات والبورنوغرافية بمثابة الضريبة التي تؤديها المدينة مقابل انتعاش قطاع السياحي• كل المؤشرات تؤكد أن الأمر لم يعد يقتصر على حالات شاذة أفلتت زمام سيطرتها على جسدها، وإنما يتعلق باقتصاد للجسد وتجارة للرغبة وسوق سوداء للذة.
كانت لحدث إغلاق مطعم البوديكا نهاية صيف 2005 دلالة كبرى، فقد أكد ذلك ما كانت الشائعات وبعض الوقائع المتفرقة تشير إليه، إذ لم يعد أمر تواجد أندية خاصة بالشواذ بمراكش مجرد تخمين، وإنما حقيقة ملموسة ترتبت عنها نتائج قانونية وجزائية تابع الرأي العام تفاصيلها الأكثر دقة، أن ذلك يعني بالدرجة الأولى أن نشاط المثليين لم يبق مجرد نزوات مشردة متروك شأن تأليف شتاتها للصدف، بل هو آخذ بالتدريج في استجماع نفسه وتنظيم شتاته، فقبل أن تصل أصداء مطعم البوديكا إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحرك من أجل التحري والبحث في شأن ما ينسب لهذا الفضاء، انتشرت سمعته داخل مراكش وخارجها سواء بالمدن المغربية الاخرى أو بخارج البلاد، وذاع صيتــــها بأروبا والـــولايات المتحدة الامريكية وانتشر اسمها في مواقع المثليين على الانترنيت وتحولت إلى مكان منصوح به لذوي الميولات الجنسية المثلية من السياح الذين لا يقصدون مراكش فقط من أجل شمسها الدافئة وحمرة أسوارها الحالمة والأطلال المتهالكة لمآثرها، بل يبحثون عن سوق للجسد أكثر تنوعا وتجارة للذة أكثر انفتاحا ومرونة.