حينما تتجول في شارع محمد الخامس وسط حي جليز بالقرب من محطة القطار، توقفك شابة أنيقة حسنة المظهر والهندام وتبدأ حديثها بنبرة هادئة جداً لتطلب منك التوقف بغية التحدث لك بموضوع هام.
للوهلة الأولى تقول الشابة بعد مُقدمات طويلة ومشتتة بأنها من سُكان الدار البيضاء، وقد جاءت لمراكش من أجل تخليص مهمة تتعلق بعملها وتشكو لك بأنها قد تعطلت بطاقتها البنكية ولا تتوفر على نقود في محفظتها وتريد العودة لمنزلها قاصدة أن تستلف منك مبلغا ماليا ولو كان قليلاً كنوع من المساعدة التي تأخذك لحظتها الشفقة على هذه الشابة وتقوم بإعطائها ما تطلب.
حالات مشابهه رصدتها كشـ24 في شوارع رئيسية في مراكش غالبيتها لشبان وسيدات لا يبدو عليهم ملامح التسول أو الكذب.
"صالح" وهو اسم وهمي يبلغ من العُمر 30 عاما يتجول في شارع الحسن الثاني موقفاً المواطنين متحدثاً لهم بلكنة أمازيغية عن حاجته لمصاريف تعالج زوجته التي ترقد بأحد مستشفيات مراكش، ما يجبر الكثيرين على إعطائه النقود دون معرفة أن هذا الشخص يحترف التسول الراقي بطريقة متقنة.
"صالح" الذي كثيرا ما يتردد على أزقة شارع الحسن الثاني ومحيط باب دكالة بمراكش، يترصد ضحاياه من بعيد، ويستهدف بالأساس المواطنين القادمين من النواحي أو بعض المسافرين الذين حلوا بمحطة المدينة، وتبدو على سحنتهم أنهم غرباء عن المكان، يفاجئهم "صالح" بالحديث بالأمازيغية بنبرة حزينة، ويبدأ في سرد معاناته في توفير مصاريف لعلاج زوجته بالمستشفى، والحيلة تنطلي على كثيرين.
حالات التسول الراقي تعددت مضامينها وأشكالها وأوقاتها، حتى صار المواطن يعجز عن التمييز بين المحتاج والنصاب، فقد اختلطت الأمور علينا تقول "أمينة" التي كانت ضحية نصب من طرف إحدى المتسولات الراقيات، التي أوقفتها ذات مرة في الشارع قرب محطة سيدي ميمون طالبة منها مدها بمبلغ 50 درهما للسفر إلى مدينة أكادير، قبل أن تصادفها في اليوم الموالي وهي تردد نفس العبارات، واكتشفت بعد ذلك أن منزلها لا يبعد سوى عن بضعة أمتار عن محطة سيدي ميمون فكانت تلك هي الصدمة التي جعلتها لم تعد تثق كثيرا في طالبي المساعدة حسب تعبيرها.
ظاهرة "التسول الراقي" بدأت في الانتشار في مراكش،و باتت لا تخفى على المواطنين في شوارع المدينة الحمراء،لكنها لاتزال بحاجة للعلاج والحلول المناسبة من الجهات المختصة، لاسيما في ظل الطرق والأساليب الاحتيالية التي يعتمدها هؤلاء المتسولون على حساب جيوب المواطنين.