ترسخ تقليد مراقبة المائة يوم الأولى على تنصيب الحكومات,و الرؤساء، و كبار المسؤلين خلال العقدين الأخيرين.وهي آلية حديثة، تعتمد المتابعة الدقيقة لكل التحركات والمواقف و الإجراءات المتخذة من طرف الجهات الخاضعة لمجهر المراقبة.وعليه، يتوخى هذا المقال إعطاء خلاصات تقريبية لما قام به محمد صبري بعد مرور مائة يوم على تعيينه عاملا على إقليم قلعة السراغنة.
اكتملت المائة يوم الأولى على تعيين محمد صبري يوم الثالث من مايو الجاري، حيث كان الوزير نبيل بن عبد الله، قد ترأس مراسيم تنصيبه يوم الرابع والعشرين من يناير 2014، بقصر المؤتمرات, بمقر العمالة.
يومها ، كانت القاعة تستقبل عاملا جديدا تحت تأثير سؤال محير يتردد أحيانا جهرا,ويظل صامتا بقية الأوقات : ماذا عسى العامل الجديد أن يفعله أمام ارتفاع صاروخي لسقف الانتظارات، و خزينة فارغة ؟؟.
كانت الصورة ذلك اليوم تضعنا أمام عالم قروي لم يصرف عليه أكثر مما تم صرفه على ترميم مقر العمالة، ووضع اجتماعي هش ، موسوم بتفاقم بطالة المثقفين، وتفشي الجرائم و المخدرات,و مشهد ثقافي بئيس ببنيات رديئة,وخصاص في البنيات الصحية و التعليمية والشبابية.
بعد أسبوع من تعيينه، تبين أن العامل الجديد له طريقـته الخاصة في تحديد لائحة الانتظارات,وتبين فيما بعد، أن المقاربة المعتمدة كانت أيضا ستمكنه من التعرف على الإمكانيات البشرية والكفاءات المتوفرة، والاقتراب من النخب المؤثرة والفاعلة .
هكذا، أعلن العامل في اجتماع موسع عن تفاصيل مقاربته، ودشن تفعيلها بلقائه بمختلف فعاليات المجتمع المدني ، لتليها بوثيرة يومية، اللقاءات مع كل من : الأحزاب السياسية ، النقابات، الجمعيات الحقوقية، البلديات، الجماعات القروية ,الغرف المهنية ... وهي لقاءات أتاحت له ترتيب لائحة الانتظارات، حسب أهميتها.
في مرحلة ثانية، بدأ محمد صبري سلسلة لقاءات مع المصالح الخارجية والإقليمية و الجهوية ، قصد التعرف على برامج عمل الجهات المذكورة مابين 2014و 2016.
حيث بدأت الصورة تتضح شيئا فشيئا : تمكن مهندس الرياضيات، بعد مقارعة المعادلات ، من الحصول على نقطة الالتقاء بين البرامج المذكورة وجزء من انتظارات الساكنة، و سرعان ما بدأ في بلورتها الى اتفاقيات مع القطاعات المعنية و نذكر منها :
- اتفاقية مع الأشغال العمومية : قصد تهيئة المسالك و بناء الطرق
- اتفاقية مع مكتب الحوز : بناء و إصلاح المسالك المحادية لقنوات الري
- اتفاقية في المجال الرياضي
- اتفاقية مع الصناعة التقليدية
- ثم اتفاقية التأهيل الحضري مع البلديات الأربع .
وإذا كانت هذه الاتفاقيات قد أجابت على جزء مهم من انتظارات الساكنة، فان تلبية الانتظارات المتبقية، تجري معالجتها عبر إبرام اتفاقيات أخرى، وفق مقاربة تعتمد مبدأ الانفتاح على مختلف القطاعات العمومية والشبه العمومية، مؤسـسة العمران نموذجا.
وعلى الرغم من كون الاجتماعات التي ترأسها محمد صبري خلال المائة يوم الاولى من تحمله المسؤولية , قد ناهزت الثلاثمائة ، بمعدل ثلات اجتماعات في اليوم الواحد , فقد شكلت هذه المرحلة ، منعطفا فاصلا في أداء العامل، حيث تقلص زمن التواجد داخل المكتب لحساب زمن الزيارات الميدانية , فكانت – على سبيل المثال لا الحصر – زيارته لجماعة الشطيبة للوقوف على أشغال إنهاء الثانوية ، ثم زمران الغربية و زمران الشرقية للوقوف على مشاكل الماء الصالح للشرب والمسالك والطرق والبنيات التعليمية والصحية.
.كما تنقل لزيارة بعض المشاريع المتعثرة ، مثل السوق الاسبوعي الحمادنة بجماعة الصهريج، وبعض مراكز الرعاية الاجتماعية و غيرها .
بالموازاة مع هذا، التفت العامل إلى بيته الداخلي, حيث عمل على إحياء روح المؤسـسة داخل العمالة، وإعادة قوة الفريق و اقتناص الكفاءات، والعمل على استثمار قدراتها.
كما عمل على احترام ممارسة المهام الإدارية بالفعل وليس بالقوة، وهو ما دفعه إلى إعلان التباري على المناصب التي تهم الأقسام والمصالح الشاغرة، بعد أن كان يشغل معظمها موظفون بعيدون عن الاختصـاص, وهو ما اعتبره المراقبون مؤشرا قويا على اعتماد نهج صارم في تدبير الحكامة.
طبيعي إذن، أن تخلف فترة المائة يوم الأولى من تواجد محمد صبري على رأس العمالة ردود أفعال متباينة، و هو الذي أعلن جهارا انه يضع نفسه على مسافة واحدة من كل الهيئات, سياسية كانت أم مدنية.
وطبيعي أيضا أن تلجأ بعض الجهات التي فقدت دفئ علاقة القرب، التي كانت تميزها عن غيرها، إلى ما يشبه التشويش عبر وسائطها المعلومة.
أخيرا، يبدو دفتر تحملات محمد صبري أثقل مما يفرزه أي جرد سريع للانتظارات، فهو إلى جانب كونه مطالب بتوفير المناخ الملائم لهندسة خارطة تمكن من إفراز نخب جديدة قادرة على الاستيعاب الجيد للمتغيرات و الانخراط في دينامية الشأن المحلي و الجهوي برؤية إستراتيجية , مطالب كذلك بإضعاف لوبيات الفساد و تخريب البيئة و عصابات البناء العشوائي التي تغتني و تصل إلى مراكز القرار في نفس الوقت , وغيرها من المهام الصعبة ....
فهل هي بالفعل مهام صعبة بالنسبة لمحمد صبري الذي تحمل مهاما إدارية وطنية و جهوية و أدارها بنجاح , قبل أن يكون على رأس عمالة سيدي قاسم , ثم خريبكة المدينة العمالية في أوج طلائع الربيع المغربي , فمدينة سلا التي تعتبر العدوة التي تمتص كل نفايات العاصمة ؟ هل بالفعل هي مهام صعبة , أمام رجل بمسار حافل, ويستعد لإنهاء مشواره المهني بمسقط رأسه حيث يتربع على أعلى مراتب المسؤولية؟.