هنيئا لنا بالمنع
في خطوة هدفها ترسيخ سياسة "العكر فوق الخنونة" وتعزيز منطق تغطية الشمس بالغربال، أقدمت وزارة الاتصال على اتخاذ قرار منع فيلم "الزين للي فيك" قبل أن يطلب صاحبه الترخيص بذلك.
المنع قفزة نوعية بسنوات ضوئية نحو الوراء، أولا كونه أذاب شعارات الحرية التي يتبجح بها معظمنا في كوكتيل النفاق و الفصام... ثانيا اعتبارا لأنه أظهر كم القصور الذي نعاني منه في تعاملاتنا مع الواقع، وحجم كارثة غياب القدرة على استيعابه... هذا التقهقر أعتقد ان طلاسيمه ستفك إذا حللنا لغويا اسم الوزير الوصي الموقع على القرار "الخلفي".
لنقف قليلا أمام القرار و تداعياته، وإن كانت كلماتي تحتج رافضة الخروج حتى لا تسقط أمام أعين البلداء و المنافقين، فيمارسون عليها الاغتصاب سرا، ويأمرونها علنا بارتداء الحجاب وإلا صارت عاهرة، إنما لا ضير في المحاولة.
البلاغ:
كان مقتضبا، وكانه مرتجل، بعيد جوهره عن تعبير أي جهة مختصة في "مراقبة" الإبداع – هذا طبعا إن نحن قبلنا في الأصل مبدأ الوصاية على الفن-، هكذا وكرأي شخصي تبين لي أنه بلاغ صادر عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي نعلم جيدا البيئة المحتضنة لها وطبيعتها ومن يكون الفاعلون فيها.
السبب:
الإساءة للمرأة المغربية وسمعة البلاد... هنا يظهر مرة أخرى قدر كبير من البلادة والبلاهة، وكالعادة أيضا السباق نحو الركوب على إنجازات وهمية يستنجد بها البعض كقشة يعتقد أنها المنقذ من الغرق، فالواقع يفرض ذاته، ولا يمكن لأي عمل فني كيفما كان ان يسيء لوطن مادام للوطن ركائزه، الدعارة موجودة، السياحة الجنسية مزدهرة، الفساد مستشر، النفاق طاغ، لكن وا عجباه لا شيء من ذلك يسيء للسمعة أو يحتقر المرأة او المواطن، ربما لأن عاملات الجنس لا يعتبرن مواطنات، بل مجرد جسد حيوان يلبي رغبة ما في وقت ما، و منه نستنتج أنهم ربما على صواب، فالحيوانات (كما يراها أولئك المدعون العفة) التي يسمونهن عاهرات، هن في الأصل كائنات غريبة سقطت من إحصاء المندوبية السامية للتخطيط، والمفسدون هم مجرد عفاريت وفي أحسن الأحوال تماسيح...
المانعون أو الحكام: لجنة من المركز السينيمائي شاهدت الفيلم تجسسا في كان، يجب أن نعرف أسماءهم، و صفاتهمن و علاقتهم بالابداع حتى نفهم حكمهم عليه.
من جهة ثانية، يظهر جليا على شبكات التواصل الاجتماعي، و في المقاهي، والحانات والملاهي الليلة، عدد المطبلين لهذا القرار بالمنع، هم أنفسهم أو معظمهم من صوتوا على آخر دستور للبلاد والذي كان فصله الخامس والعشرون واضحا صريحا لا يقبل التأويل: "حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها.
حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة". هم أنفسهم أو معظمهم من ساهم في تبوء البلاد مقدمة لائحة الدول المشاهدة للأفلام البورنوغرافية،
هم أنفسهم او معظمهم من رفع نسبة العنف و الجريمة في هذا الوطن، هم نفسهم أو معظمهم من يرتكبون يوميا زنا المحارم وجرائم الاغتصاب، هم أنفسهم أو معظمهم من يتحرش في الشارع العام علانية وخفاء من خلف حواسيبهم وهواتفهم الأذكى منهم...
الفن وجهة نظر وتعبير غير تقليدي عن أمور تقليدية، فلم كل هذا الرعب من الكاميرا؟ لم هذا التضييق على المبدع مهما اختلفت وجهة نظر المتلقي معه؟ سؤال دفعني للخوف من غد بدت إرهاصاته في التجلي، أخاف أن يحاكم حامل الكاميرا شعبيا قبل المحاكمة القضائية، ويصفق للمفسد وحامل السيف في الشارع العام، والمنافق... صفقوا بأيديكم الكبيرة على نجاحكم في دفن رؤوسكم في التراب حتى يسود الظلام معتقدين أنه بذلك اختفت كل الحقائق المرعبة و كل القبح فيكم و حولكم... صفقوا و هنئوا بعضكم البعض... الفيلم منع لكن الظاهرة تتمدد...
خلاصة القول، حسرة على اقتراب مغيب الشمس بلا عودة، ودون الاستمتاع بمنظر آخر غروب لها، حيث آثرنا إدارة ظهورنا كالعادة، وخيبة أمل في التأجيل إلى حين، تأجيل تربع الشريط الممنوع على عرش الأفلام الأكثر مشاهدة في القاعات في تاريخ السينما المغربية وأطول مدة عرض... لأنكم أنفسكم أو معظمكم كان ليختبئ في ظلمة القاعة للاستمتاع بما سيستنكره بعد الفرجة كما تبجح في استنكاره بامتياز قبل ذلك... فهنيئا لنا بالمنع، و هنيئا للوطن بنا...