
وطني
خالد الحري يكتب: دفاعا عن الجامعة
لسبب ما، أو لأسباب متعددة، نسلط الضوء على أستاذ أو أستاذين ارتكبا خطأ، أو أخلّا بقانون، أو انتهكا حرمة جامعة من الجامعات، لكننا نتحاشى التنويه بعشرات الأساتذة الذين يبذلون مجهودات استثنائية يوميًا، للرقي بالمنتوج الأكاديمي عبر الحضور، والتدريس، والتأطير، والإشراف، والتتبع، والمواكبة، ومناقشة ما لا يُحصى من الأطروحات، والدراسات، والبحوث، و”الماسترات”، على مدار السنة.
نهتم فقط بالمخطئين في حق القانون والمجتمع والدولة، وهم “قلة”، ونتغاضى عن المتفوقين، والمجتهدين، والمبدعين، والجنود الذين يشتغلون في الخفاء دون ضجيج، وهم “أغلبية”، وسواد أعظم.
لقد أخطأ رجل واحد في جامعة ابن زهر بأكادير، وهو الآن أمام القضاء الذي له الكلمة الفصل في ملفه، بينما يستمر “قضاء المجتمع” في إصدار أحكامه يوميًا بصيغة الجمع ضد جميع الأساتذة والأستاذات الجامعيين، علمًا أن الخطأ وارد ويتحمل مسؤوليته فاعله فحسب.
ففي جميع الميادين والمجالات، مهما تحصنت بالقانون، والمراسيم، والقيم، وجودة الممارسة، هناك القاعدة، وهي الأساس والمرجع، وبجانبها الاستثناء الذي يؤكد صدقية هذه القاعدة ووجاهتها، إذ لا يمكن اختبار نجاعة منظومة، مهما كانت، إلا بكشف اختلالاتها، وأيضًا بالقدرة على معالجتها وإصلاحها في الحين.
ومن الوارد أن تكون الجامعة المغربية، التي ساهمت على مدار ستة عقود في تكوين الآلاف من أبناء الشعب، وشكلت مختبرًا لتخريج النخب الوطنية التي التحقت بوظائف ومراكز مهمة في الدولة والقطاع الخاص، هي نفسها الجامعة التي قد تُفرز لنا حالات “شاذة”، بين الفينة والأخرى، في سياق مجتمعي لا يحمي هذا الصرح الأكاديمي من محيطه، وتقلباته، ونزواته.
إن الجامعة في آخر المطاف كائن حي، يتفاعل ويفعل في محيطه، إيجابًا أو سلبًا، وهي حقيقة تسري على جميع جامعات العالم، حتى الأرقى والأقدم تاريخيًا، وكثيرًا ما نسمع حالات استثناء وسط أساتذة وطلبة، تتخذ طابع جنايات أو جنح، دون أن يكون لها أي تأثير على الجو العام.
وبالمنطق نفسه، لا يمكن أن نمحو، بجرة خطأ ارتكبه شخص أو شخصان، عطاءات حوالي 16 ألف أستاذ وأستاذة بشهادات جامعية عليا، وبعضهم أساتذة زائرون في جامعات دولية، ونضعهم في سلة واحدة، ونحكم عليهم بالمثل المأثور: “حوتة وحدة كتخنز الشواري”.
أبدًا، إن الأمر لا ينبغي أن يكون بهذا الاختزال المقيت، لأن أي إساءة اليوم للجامعة المغربية، ومحاولات التشكيك في أطرها الإدارية، وأساتذتها، ودكاترتها، إساءة لكل المغاربة الذين مروا من قاعاتها، ومدرجاتها، ومواقعها، ومدارسها.
فصحيح أن واقعة الاتجار في شهادات جامعية واقعة خطيرة (على الأقل حسب المعطيات المتداولة لحد الآن)، لكن الأخطر منها هي محاولات التحريض على الجامعة ككل، واستعداء المجتمع عليها، من قبل بعض النافخين في نار الفتن، الذين يقدمون بأفعالهم هذه هدايا مجانية للخصوم.
والأفضل من كل ذلك، أن نستمر في تحديد الأعطاب في جامعاتنا، ونتعقب الأخطاء والاستثناءات، من أجل إصلاح شامل، ومطلوب، ودائم، ومُحين في كل الأوقات، تحركه فكرة واحدة: الأهمية الاستراتيجية القصوى والحيوية التي تشكلها الجامعة، والمعرفة، والعلم، والبحث، في حياة الشعوب والمجتمعات.
ويقينًا، أن أفضال الجامعة لا تخفى على المجتمع المغربي، إلا من وجهة نظر جاحد، ناكر للجميل.
المصدر: جريدة الصباح.
لسبب ما، أو لأسباب متعددة، نسلط الضوء على أستاذ أو أستاذين ارتكبا خطأ، أو أخلّا بقانون، أو انتهكا حرمة جامعة من الجامعات، لكننا نتحاشى التنويه بعشرات الأساتذة الذين يبذلون مجهودات استثنائية يوميًا، للرقي بالمنتوج الأكاديمي عبر الحضور، والتدريس، والتأطير، والإشراف، والتتبع، والمواكبة، ومناقشة ما لا يُحصى من الأطروحات، والدراسات، والبحوث، و”الماسترات”، على مدار السنة.
نهتم فقط بالمخطئين في حق القانون والمجتمع والدولة، وهم “قلة”، ونتغاضى عن المتفوقين، والمجتهدين، والمبدعين، والجنود الذين يشتغلون في الخفاء دون ضجيج، وهم “أغلبية”، وسواد أعظم.
لقد أخطأ رجل واحد في جامعة ابن زهر بأكادير، وهو الآن أمام القضاء الذي له الكلمة الفصل في ملفه، بينما يستمر “قضاء المجتمع” في إصدار أحكامه يوميًا بصيغة الجمع ضد جميع الأساتذة والأستاذات الجامعيين، علمًا أن الخطأ وارد ويتحمل مسؤوليته فاعله فحسب.
ففي جميع الميادين والمجالات، مهما تحصنت بالقانون، والمراسيم، والقيم، وجودة الممارسة، هناك القاعدة، وهي الأساس والمرجع، وبجانبها الاستثناء الذي يؤكد صدقية هذه القاعدة ووجاهتها، إذ لا يمكن اختبار نجاعة منظومة، مهما كانت، إلا بكشف اختلالاتها، وأيضًا بالقدرة على معالجتها وإصلاحها في الحين.
ومن الوارد أن تكون الجامعة المغربية، التي ساهمت على مدار ستة عقود في تكوين الآلاف من أبناء الشعب، وشكلت مختبرًا لتخريج النخب الوطنية التي التحقت بوظائف ومراكز مهمة في الدولة والقطاع الخاص، هي نفسها الجامعة التي قد تُفرز لنا حالات “شاذة”، بين الفينة والأخرى، في سياق مجتمعي لا يحمي هذا الصرح الأكاديمي من محيطه، وتقلباته، ونزواته.
إن الجامعة في آخر المطاف كائن حي، يتفاعل ويفعل في محيطه، إيجابًا أو سلبًا، وهي حقيقة تسري على جميع جامعات العالم، حتى الأرقى والأقدم تاريخيًا، وكثيرًا ما نسمع حالات استثناء وسط أساتذة وطلبة، تتخذ طابع جنايات أو جنح، دون أن يكون لها أي تأثير على الجو العام.
وبالمنطق نفسه، لا يمكن أن نمحو، بجرة خطأ ارتكبه شخص أو شخصان، عطاءات حوالي 16 ألف أستاذ وأستاذة بشهادات جامعية عليا، وبعضهم أساتذة زائرون في جامعات دولية، ونضعهم في سلة واحدة، ونحكم عليهم بالمثل المأثور: “حوتة وحدة كتخنز الشواري”.
أبدًا، إن الأمر لا ينبغي أن يكون بهذا الاختزال المقيت، لأن أي إساءة اليوم للجامعة المغربية، ومحاولات التشكيك في أطرها الإدارية، وأساتذتها، ودكاترتها، إساءة لكل المغاربة الذين مروا من قاعاتها، ومدرجاتها، ومواقعها، ومدارسها.
فصحيح أن واقعة الاتجار في شهادات جامعية واقعة خطيرة (على الأقل حسب المعطيات المتداولة لحد الآن)، لكن الأخطر منها هي محاولات التحريض على الجامعة ككل، واستعداء المجتمع عليها، من قبل بعض النافخين في نار الفتن، الذين يقدمون بأفعالهم هذه هدايا مجانية للخصوم.
والأفضل من كل ذلك، أن نستمر في تحديد الأعطاب في جامعاتنا، ونتعقب الأخطاء والاستثناءات، من أجل إصلاح شامل، ومطلوب، ودائم، ومُحين في كل الأوقات، تحركه فكرة واحدة: الأهمية الاستراتيجية القصوى والحيوية التي تشكلها الجامعة، والمعرفة، والعلم، والبحث، في حياة الشعوب والمجتمعات.
ويقينًا، أن أفضال الجامعة لا تخفى على المجتمع المغربي، إلا من وجهة نظر جاحد، ناكر للجميل.
المصدر: جريدة الصباح.
ملصقات