جسد أهل المصباح وأصحاب الجرار بمراكش منطق السياسة البراغماتية الذي يؤكد بأنه لا صديق دائم ولا خصم دائم بل هناك مصالح دائمة، فشرع كل من زاويته برشق الطرف الآخر بسهام"الباكور فالمنام رزق، والحصيرة ستر الله".
فبعد دخول الطرفين أبواب تسيير الشأن المحلي من باب التحالف،واقتعادهما مناصب المسؤولية اعتمادا على مبدأ" شوية لربي ، وشوية لعبدو"،سرعان ما فرقت بينهما السبل وانطلق كل يغني ليلاه،ويرمي بشآبيب الإتهام في حق حليفه بالأمس،والشعار طبعا" كنا وكنتو،وسرنا وسرتو".
لم يغفر إخوان بنكيران لرفاق مصطفى بكوري إخراجهم من جنة التسيير الجماعي والإطاحة بكاتبهم الجهوي السابق العربي بلقايد خارج دائرة المسؤولية بالمكتب المسير للمجلس الجماعي،حين قام الرجل القوي حينها حميد نرجس خال الهمة بتجييش أعضاء المجلس لإقالة المعني، فشرعو من يومها في تصيد المناسبات والفرص لتسجيل إصابات في مرمى أصحاب الجرار.
سعير المواجهات الكلامية أشعل فتيلها هذه المرة عبد السلام السيكوري الكاتب الجهوي للعدالة والتنمية، الذي قرر بشكل مفاجيء الخروج بتصريحات ،كال من خلالها وابل من الإتهامات للطريقة المعتمدة في تدبير الشأن المحلي خصوصا على مستوى المجلس الجماعي ،ملوحا بذلك في وجه قيادات البام التي تتربع على كراسي المسؤولية بلهيب"الفضائح وهدر المال العام ،والزبونية والمحسوبية" وما إليها من اتهامات تنهل من معين" مالكم، وكيف تحكمون".
تناول القيادي الإسلامي ركام من القضايا والملفات ذات العلاقة بتسيير الشأن المحلي، وشرع في نزع شجرة التوت عن عورتها،محاولا في خرجته ألا يترك شاردة أو واردة من الملفات والمشاريع التي رافقت مرحلة التسيير الحالية، وبالتالي ركنها بمجملها في زاوية "سوء التسيير" و" الهدر العلني ل"فلوس البلدية".
أهل الحل والعقد بحزب الأصالة والمعاصرة بجهة مراكش، قرروا من جهتهم رد الصاع صاعين،وعدم الإكتفاء بترديد الحوقلة بعد البسملة، ومن تمة مبادرتهم في إصدار بلاغ توضيحي باسم المكتب المسير للجماعة الحضرية بمراكش، تلفعت سطوره بنيران القصف اللغوي الحاد.
ولأن"الجواب يقرأ من عنوانه"على رأي الأشقاء بأرض الكنانة، فقد حمل البلاغ التوضيحي عنوانا تدثر بثياب الشراسة والحدة"لابد من الصدق والمسؤولية... وكفى من ازدواجية الخطاب: المجلس الجماعي وادعاءات السيكوري الواهية"، حيث جاهد واضعوا سطور البلاغ في تعقب كل الإتهامات الواردة بتصريحات الكاتب الجهوي لأهل المصباح، ومحاولة إزالة غبار المصداقية عنها في إطار مبدأ " إذا جاءكم... فتبينوا".
"استعمال الكذب والبهتان والإدعاء الباطل،سعيا لتحقيق أهداف انتخابوية ضيقة لا تعير أي اعتبار للمصلحة العامة"، ذلك بعض غيض من فيض المفردات والتعابير التي حفل بها قاموس البلاغ التوضيحي، وكشف في بعض تفاصيلها عن الدرك الذي بلغه الطرفان في خصومتهما السياسية.
الحرب الكلامية المندلعة بين الخصمين السياسيين أدخلت المتتبعين للشأن المحلي دائرة الحيرة والإلتباس،والكل يجاهد لفهم هذا التغيير في المواقف بنسبة 180درجة، والأسباب الحقيقية التي جعلت فصول العداوة تستحكم بين حلفاء الأمس إلى حد عدم تورع أي طرف عن دخول حلبة المواجهة الساخنة، و"جهاده" في إصابة خصمه بالضربة القاضية،ولا بأس طبعا من اللجوء للضربات من تحت الحزام،باعتبار المواجهة مفتوحة على كل الإستعمالات دون رادع أو وازع.
ولأن السياسة بدون ذاكرة، فإن مساحة العبث والسريالية التي تطبع الحرب الدائرة بين المصباح من جهة والجرار من جهة ثانية، سرعان ما يخبو سعيرها وتتحول أعيرتها النارية إلى ورود عبقة، حال التوجه بالنظر صوب مجالس المقاطعات المشكلة لوحدة المدينة، حيث لازال الطرفان يتذوقان شهر عسل علاقتهما،ويتعايشان جنبا إلى جنب حيث يقتسمان مسؤولية التسيير والتدبير،دون أن يعكر صفو ارتابطهما أي منغصات، والكل يدعو بالحمد والشكر، ويقبل يديه "وش وظهر" عقب كل وليمة تسيير يتم تصنيفها في خانة "الإيجابية" و"النزاهة والشفافية"، وقد يمتد الأمر أحيانا إلى تبادل آيات التهاني والتبريكات"على عينيك أين عدي"، وبالتالي احتماء كل طرف من جهته بسيتسة"إلى الجمال ناضت تتعارك، خلي جملنا يبقى بارك".