تأبى بعض الجهات النافذة،إلا أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء،وتذكر عموم المغاربة بأن دار لقمان لازالت على حالها، لم يأتيها تغييرلا من بين يديها ولا من خلفها، ضدا على التوجهات العامة لأعلى سلطة في البلاد.
لم تكد تمر سوى ساعات معدودة على تقديم عاهل البلاد للدرس الرائع برحاب مدينة سبعة رجال، حين استنكر إقدام شرطي مرور على توقيف سيارة مواطن عادي كانت مدونة السير تمنحه حق أسبقية المرور، قصد إفساح المجال أمام مرور السيارة الملكية، حتى جاءت الأحداث معاكسة لهذا التوجه والإرادة الملكية في تحكيم القانون، وجعله الفيصل الوحيد بين جميع المغاربة، باعتبارهم سواسية لا تمييز بينهم مهما اختلفت المراتب والمواقع.
فبعد أن أقدم شاب متنطع في عقده الثاني، على ارتكاب مخالفة مرورية، رفض إثرها الإمثتال والإنصياع لتعليمات شرطي مرور، مع إحاطته بوابل من الكلمات النابية، قبل أن تدفع به حدة الإحساس بفائض القوة إلى إطلاق العنان لسرعته سيارته وصدم رجل الأمن، الذي أصيب بكسر تطلب نلقله صوب المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية، ومنحه شهادة طبية حددت مدة العجز في 24 يوما بالتمام والكمال.
ظل بعدها الجاني متواريا عن الأنظار طيلة يومين كاملين، نجحت خلالها العناصر الأمنية في تحديد هويته باعتباره ينتمي لإحدى الأسر الميسورة بمدينة الإنبعاث، فيما كانت الهواتف تتحرك في كل اتجاه، في محاولة لإنضاج طريقة تخلص المعني من تبعات ما ارتكبته يمناه.
تمت إحالته مساء أول أمس الإثنين على النيابة العامة بعدة تهم ثقيلة من عيار محاولة القتل، حيث كان الجميع على موعد مع تطورات في القضية غير متوقعة، انتهت بتمتيع المتهم بالمتابعة في حالة سراح، والإكتفاء بتسييجه بتهمة عدم الإمثال، مع تقديم مبررات لا تخلو من حرف إن.
استندت التخريجة على كون المعني لحظة وقوع الحادث ، لم يكن يتوفر على الوثائق الشخصية حين فوجيء بتدخل رجل الأمن الذي حاول توقيفه، ما أدخله دوامة الخوف والقلق الناجمان عن حداثة سنه وانعدام تجربته في دروب الحياة، ليقرر تحت ضغط حالة الخوف المذكورة، عدم الإمتثال لتعليمات رجل الأمن، والإنطلاق بسيارته بعيدا عن الموقع.
حركة لا إرادية حسب التبريرات إياها، انتهت بتعريض الشرطي لاحتكاك بسيط بمرآة السيارة الجانبية،دون أن يدور في خلد السائق هول الإصابة التي لحقت بالضحية، وبالتالي إدخال العملية خانة"قلة العقل".
باقي الوقائع والأحداث التي أثتت مشهد الواقعة، من قبيل مسارعة السيدة صاحبة السيارة من نوع ألفا روميو للإرتماء في أحضان سيارة الميرسيديس السوداء اللون التي كان يقودها المتهم، وترك سيارتها بعرض الشارع مشرعة الأبواب، قبل قطرها من طرف المصالح الأمنية، ومحاصرة الشرطي الضحية بكلمات نابية مع الإحتماء بالإنتساب لشخصية أمنية وازنة، بقيت كلها مجرد تفاصيل غير ذات قيمة،ولا تستوجب أخذها بعين الإعتبار، وبالتالي الإكتفاء بالتهمة المذكورة وإفساح المجال أمام الفتى المدلل لمغادرة قفص الإتهام في حالة سراح، وتحديد موعد لاحق لجلسة المحاكمة قصد إعداد الدفاع.
ليسدل بذلك الستار عن هذه الواقعة، التي شاءت الأقدار تزامنها مع الدرس الملكي الممتاز في الوطنية وتحكيم شروط القانون على الكبير قبل الصغير،وكأن البعض بذلك يصر على تسييج الوطن والمواطنين بسياج"اللي غاب عليكم أصلو، شوف فعلو".