توصلت " كِشـ24" بتقرير حول وضعية العاملات الفلاحيات في عدد من الضيعات الفلاحية بإقليم شيشاوة :
بعيدا عن الخطابات الرسمية المتداولة داخل الدواليب الحكومية والمؤسسات الرسمية، وتحت قبة المؤسسات التشريعية، و خلال ندوات المنظمات والجمعيات النسائية، وفي الوقت التي اصبحت هذه الخطابات تتجه نحو بعض المطالب الكمالية بل و الغريبة احيانا. لازالت هناك فئة عريضة من النساء المغربيات عنوان حياتهم العريض هو: الفقر، التهميش ، المعاناة ،الاستغلال بكافة أصنافه، التحرش الجنسي ،التعنيف والاضطهاد،انهن العاملات الفلاحيات.
هذه الفئة التي أصبحت حلقة أساسية في عملية الإنتاج الفلاحي، فمن خلال الملاحظة والتتبع الميداني لهذه الظاهرة، تبين للفرع الاقليمي للمركز المغربي لحقوق الانسان بإقليم شيشاوة، أن هذا الأخير عرف انتعاشا ملحوظا في القطاع الفلاحي منذ تسعينيات القرن الماضي والى اليوم نظرا لتوافد عدد من المستثمرين الكبار في هذا المجال بعد اكتشاف غنى الاقليم بالفرشات المائية. حيث اصبحت نسبة النساء العاملات الفلاحيات تناهز 85% من مجموع اليد العاملة في القطاع الفلاحي نظرا لانخفاض الأجرة و قلة الاحتجاج والتشكي مقارنة مع العامل الفلاحي الذكر.
وتشتغل اليد العاملة الفلاحية المؤنثة أساسا في عمليات محاربة النباتات الضارة والبذر وجني الثمار،إلا أن الملاحظ في السنوات الأخيرة أن بعض الأعمال الشاقة التي كانت توكل أساسا للذكور؛ أصبحت توكل الى الإناث مثل نقل وتحميل المحاصيل.
إن الدافع الأساسي لخروج المرأة إلى العمل في القطاع الفلاحي هو صعوبة الظروف الإقتصادية والمشاكل المادية للأسر المعوزة التي أصبحت ترى في عمل المرأة مدخولا إضافيا قد يؤدي الى تحسين عيش الأسرة.
لكن الإشكالات التي يطرحها تشغيل المرأة في العمل الفلاحي تصل إلى حدود انتهاك الكرامة الإنسانية وتهديد أسمى حق من حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة.
فالملاحظة والتتبع للظاهرة أوضحا أن يوم عمل بالنسبة للعاملة الفلاحية ينطلق من الساعة الرابعة صباحا ويمتد أحيانا إلى أكثر من ثمان ساعات من العمل الشاق، ففي الصباح الباكر تقطع العاملات مسافات طويلة تحت جنح الظلام للوصول إلى ما يتعارف عليه ب "الموقف" وهو مكان تجمع العاملات وعرض أنفسهن للعمل في تجمعات بشرية ويتحكم عامل الشبكة العلائقية للعاملة الفلاحية في تحديد خروجها للعمل و عدد أيامه و طبيعته ويتحكم الناقل صاحب وسيلة النقل في تحديد السعر و اختيار أفراد المجموعة.
وبالنسبة لظروف النقل فهي طامة حقيقية، فهي مهينة و حاطة بالكرامة الانسانية، حيث يمكن أن تتكدس أكثر من أربعين أو خمسين امرأة في نفس السيارة ولا يمكن لأي منهن الجلوس خلال الرحلة المحفوفة بالمخاطر نظرا الى لجوء الناقلين الى حيل دنيئة مثل سكب المياه في الصندوق الخلفي للسيارة أو تلويثه بمواد عفنة حتى يتمكنوا من نقل أكبر عدد من العاملات وقوفا في مظهر من أبشع مظاهر إستغلال الانسان لأخيه الإنسان. وأثناء رحلة النقل تتعرض العاملات لقساوة الظروف المناخية مباشرة مما يؤدي إلى أمراض موسمية و مزمنة على المدى المتوسط والبعيد.
وخلف أسوار الضيعات الفلاحية يتم إستغلال حاجة العاملة الفلاحية للشغل بشتى الطرق : الأعمال الشاقة، ساعات العمل الطوال، التحرش والاستغلال الجنسيين، التعنيف والاضطهاد، والتنكيل في حال الاحتجاج والمطالبة بأبسط الحقوق كالرفع من الأجرة التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال خمسين درهما.
إن العاملة الفلاحية التي تغادر مسكنها من الساعة الرابعة صباحا ولاتعود اليه الا في ساعات متأخرة كيف يمكن أن تمارس. حقها في الحياة الإجتماعية العادية وهي محرومة من أبسط حقوقها وتشتغل داخل البيت وخارجه في ظل انعدام أي شكل من أشكال التامين الصحي و الاجتماعي الذي يمكن أن يحفظ كرامتها حاليا ومستقبلا عند التقدم في السن وفقدان القدرة الجسدية على العمل.
إن المركز المغربي لحقوق الإنسان بشيشاوة وانطلاقا من دوره في التوعية بالحقوق والدفاع عنها ورصد الانتهاكات التي قد تتعرض لها، فإنه يثير انتباه المسؤولين عن مختلف القطاعات الوزارية المعنية بظاهرة تشغيل العاملات الفلاحيات والسلطات الاقليمية والمحلية والأجهزة الامنية وجميع المتدخلين لاتخاذ إجراءات عملية كفيلة بحفظ سلامة و حقوق المرأة العاملة في القطاع الفلاحي و حفظ كرامتها ففي ذلك حفظ لكرامة المجتمع ككل، وذلك في أفق وضع خطة متكاملة لتقنين و تأطير الظاهرة بما يكفل ضمان مستقبل هذه الفئة والذي يبدو مجهولا في ظل الوضعية الحالية.