تحول فضاء معهد أبي العباس السبتي للمكفوفين بمراكش مساء أول امس الإثنين،إلى ساحة لحرب معلنة، أريقت فوقها دماء العديد من النزلاء،ورصعت أجسادهم بجراح غائرة،تطلبت نقلهم صوب مستعجلات مستشفى ابن طفيل التابع للمركز الإستشفائي الجامعي محمد السادس.
انطلقت الغارة في حدود الرابعة من مساء ذات اليوم،حين كانت المؤسسة تعيش على إيقاع أجوائها الهادئة، ونزلاءها من المكفوفين منصرفون إلى مشاغلهم اليومية، كل حسب برنامجه اليومي، منهم من أسلم نفسه لقيلولة تخفف عنه بعض أعباء يوم دراسي شاق،ومنهم من انخرط في مسامرة زملائه لتزجية رتابة الوقت الثقيل.
في هذه اللحظة انتبه الجميع على صرخات مدوية وصرخاث استغاثة، حين ظهر أحد النزلاء المكفوفين وقد انتابته حالة هيجان كبيرة، فقد معها السيطرة على نفسه، وانفلتت منه الأعصاب بشكل هستيري، فيما كان نصل آلة حادة يلمع بين يديه، ولسانه ينفت نارا وشرارا، وهو يرشق الجميع بالويل والثبور وعظائم الأمور.
كان المعني يصرخ غضبا مستنكرا محاولة استغبائه وحشره في زاوية "الحكرة"، مع إفراده بخاصية "الحويط القصيور" الذي يتخذه الجميع حاجزا يسهل القفز عليه وتجاوزه دون أدنى مجهود يذكر.
كان واضحا من خلال لواعج الإحتجاج المشوب بغير قليل من نبرات المرارة، والتي كان لسان الكفيف ينشرها بعموم فضاء المؤسسة،أنه قد ذهب ضحية سرقة بعد متعلقاته ولوازمه،وبأن العملية قد تكررت في أكثر من مناسبة، ما جعله يستشعر نفحات الإستهداف و"قلة القيمة".
في عز فورة غضبه وهيجانه،قرر أن يبين للجميع عدم صحة انطباعهم عنه، وأن المظاهر غالبا ما تكتسيها صبغة الخداع ، ومن تمة إصراره على إظهار "حنة يديه" عبر اعتماد مبدأ" اتقوا شر الحليم إذا غضب".
أشهر نصل آلته الحادة،وأعلنها حربا عشواء لا تبقي ولا تدر، وبدأ يصول ويجول وسط زملائه وأقرانه من المكفوفين، متخذا من أجسادهم أهدافا مشروعة لنهم سلاحه الأبيض، فعات فيها إصابات وجروح متفاوتة الخطورة، فيما كان صيحات الإستغاثة تزيده هيجانا واحتقانا، دون أن يملك أحد لنفسه قدرة على مجابهة الوضع.
ارتفع الهرج والمرج، وعمت الصرخات مجمل فضاء المؤسسة،ما جعل بعض المسؤولين والموظفين ينتبهون لما يجري ويدور حولهم من فصول اعتداء جامح، وبالتالي بدل مجهودات جبارة للسيطرة على المعتدي،وكبح جماح هجومه الكاسح.
انقشع المشهد عن تعرض خمسة من النزلاء المكفوفين لإصابات وجروح متفاوتة الخطورة، تطلبت الإستنجاد بسيارات الإسعاف لنقل المصابين صوب مستعجلات ابن طفيل، الذي انخرط طاقمه الطبي في رتق الجروح، والإنكباب على عمليات إسعاف عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
كانت إصابة أحد الضحايا تنذر بتلاوين الخطورة، نتيجة تعرضه لجرح غائر على مستوى الفخذ، أدخله دوامة النزيف الحاد، ما تطلب إخضاعه لعملية جراحية، ووضعه تحت المراقبة الطبيةالصارمة، حيث لازال يتواجد رهن أسرة المستشسفى لحد كتابة هذه السطور.