أدخلت التهديدات الإرهابية الأخيرة مراكش دوامة الإستنفار، وجعلت الجهات المختصة تبادر باتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية في محاولة للحد من خطورة التهديدات، ودخل أهل الحل والعقد بالمدينة دائرة الإجتماعات المارطونية لتدارس الخطط والسبل الكفيلة بتحجيم مكامن الخطورة.
تم تنبيه مختلف المؤسسات البنكية والسياحية، وكذا دور الضيافة واصحاب الشقق المفروشة لاتخاذ كافة سبل الحيطة والحدر، وتجهيز مرافق مؤسساتهم بكاميرات للمراقبة، مع عدم التهاون في الإخبار بأية تحركات مريبة تشتم منها رائحة الشبهة والشك.
في خضم هذه التحركات وتحت ضغط ظروف اللحظة وفي ضوء غياب التجهيزات اللوجيستيكية الضرورية التي تساعد على مراقبة الوضع عن كثب، اضطرت المصالح الأمنية بمراكش إلى اعتماد سياسة "اقضي باللي كاين" في مواجهة التحديات التي تحيط بأمن المدينة وسلامة سكانها وزوارها، وبالتالي تسخير بعض المعدات في حدها الأدنى لتتبع ومراقبة مختلف الفضاءات.
اعتمدت المصالح المذكورة على كامرتين متحركين تم نصبهما بسيارتين تجوبان شوارع وأنحاء المدينة، لرصد وتتبع مختلف التحركات تفاديا لكل ما من شأنه، مع تركيز تحركات الآليتين على التجمعات والمواقع الحساسة.
عدم تغطية المدينة التي دخلت مصاف المدن الدولية وتعتبر قاطرة للسياحة في المغرب بهذا النوع من الكاميرات، وضع الجهات الأمنية في حيص بيص من أمرها، وجعلها تبحث عن بدائل تمكن من إنجاز مهمات المراقبة والتتبع،خصوصا في ظل أجواء الترقب والتأهب التي خلفتها التهديدات الإرهابية الأخيرة.
المعلومات المتوفرة تؤكد بأن الجهات المعنية قد عمدت منذ ست سنوات خلت إلى إنجاز دراسة شاملة لتغطية مختلف شوارع وفضاءات المدينة الحمراء بكاميرات مراقبة، لتسهيل مهمة المراقبة والتتبع والتحكم بالجوانب الأمنية، وطلب من أهل المجلس الجماعي تغطية التكلفة المالية للمشروع.
أصحاب البلدية اختاروا بدورهم اعتماد منطق" كلمة واخا ما تخسر خاطر،ما تبني مطامر"، ولم يكلفوا أنفسهم تخصيص غلاف مالي لتفعيل المشروع أسوة ببعض مدن وأقاليم المملكة بالرغم من الوضع الإستثنائي للمدينة،لتظل بعدها دار لقمان على حالها،إلى أن أذن ظلام الإرهابيين بالتهديدات الأخيرة،وأدخل الجميع دوامة الحيرة والإرتباك.
عبتية المشهد امتدت إلى إقدام بعض المستشارين على رفع أصواتهم بالتنديد والإحتجاج، حين تمت برمجة نقطة بجدول أعمال إحدى الدورات،لتخصيص غلاف مالي لاقتناء دراجات نارية لعناصر الشرطة بالمدينة، حيث لم يتردد أصحاب الأصوات المذكورة بالجهر بتعليق مستفزة من عيار"علاش بغينا احنا نعطيوا للبوليس هاذ الفولس؟"، فيما لم يجد المعنيون حرجا في التصويت بكثافة على النقط المتعلقة بتخصيص ملايين السنتيمات لجمعيات يتولون رئاستها، بدعوى تشجيع الشأن الرياضي والثقافي بالمدينة، بحيث تجاوزت الأموال المهدورة في هذا الإتجاه سقف المليار و200 مليون سنتيم، تم صرفها دون حسيب أو رقيب، علما بأن بعض المنتخبين لم يجدوا غضاضة في خلق العديد من الجمعيات الوهمية، وتخصيصها بنصيب من الدعم كفرض عين على مالية الجماعة.
في ظل هذا الهدر الفاضح، تبرز قضية عدم إيلاء أي اهتمام لمشروع تغطية مراكش بكاميرات مراقبة، لتبقى ساحة جامع الفنا الفضاء الوحيد الذي تمت تغطيته بهذا النوع من التجهيزات، والذي لم يكن للعملية أن تتم دون فاجعة تفجير مقهى أركانة في الحادث الإرهابي الأخير، لتتحقق بذلك مقولة" كم من نقمة ،في طيها نعمة".
حقائق ووقائع أرخت بظلالها على الإجراءات الإحترازية المتبعة في مواكبة التهديدات الإرهابية المذكورة، وعرت عن طبيعة وعقلية من أوكل إليهم أمر السهر على تدبير وتسيير المجالس المنتخبة، والذين تلزمهم بنود الميثاق الجماعي بالحفاظ على أمن وسلامة الساكنة وعموم المواطنين، غير أن هذا الأمر يبقى مصنفا في آخر اهتماماتهم سيرا على نهج"فاقد الشيء،لايعطيه".