رحل عنا خوان غويتيسولو، الكاتب والمفكر الإنسان، الذي ظل يردد لازمته الأساسية "أنا ولد جامع الفنا"، يوم الأحد 5 يونيو 2017، تاركا فراغا كبيرا وسط محبيه وأصدقائه، وجيرانه بالقنارية، وزبناء مقهاه المعروف "كافي دو فرانس"، رحل "سي خوان"، أو "عمي خوان" اللقب المشهور به في مراكش. ويعد الراحل غويتيسولو حسب العديد من الكتابات النقدية واحدا من التجليات الموريسكية الفريدة في الثقافة الإسبانية، فهو لا ينفك يعلن عن أهمية الثقافة العربية في تكوينه، وقد أصدر العديد من الأعمال التي تعبر عن هذا الامتزاج الثقافي بين الثقافتين الإسلامية والإسبانية لديه، من بينها "الإشارات"، و"مطالبات الكونت السيد خوليان"، و"لمحة بعد المعركة"، و"إصلاحات الطائر المنعزل"، إلى جانب العديد من المؤلفات التي عرفت طريقها نحو الترجمات بجل اللغات، لكن أشهر هذه الأعمال هو كتابه "إسبانيا في مواجهة التاريخ"، الذي يدافع فيه بوضوح عن الثقافة العربية ودورها في الحياة والثقافة والتاريخ الإسباني.في هذه الزاوية تنفتح "كش 24" على بعض أصدقاء الراحل غويتيسولو، للحديث عن الكاتب والروائي والمفكر، من خلال علاقته بجامع الفنا وصداقاته ومواقفه الإنسانية.الحلقة 5 : ايت لعميم يشرف على تدريس طفلين تكفل غويتيسولو برعايتهما وتلقينهما العربيةشكلت مقهى "فرنسا" المحادية لحي القنارية، لسنين عديدة المكان المفضل لغويتيسولو للتأمل في الفضاء العجائبي لساحة جامع الفناء، بعد تحويل مقهى "ماطيش" المكان الذي اختاره الراحل لاول مرة للالتقاء بأصدقائه، الى فضاء لبيع التذكارات السياحية.كان الراحل غويتيسيلو يتخذ من الصف الأمامي لكراسي هذا المقهى مكانا له وسط الحشد الكبير من رواد هذا المكان الذي لا ينقطع توافد الزبناء عليه من المغاربة والأجانب على امتداد ساعات اليوم، للالتقاء مع أصدقائه ومجالسيه الذين كانوا يتحلقون حوله، خاصة خلال فترة المساء، التي تبتدئ ما بعد أذان صلاة العصر، إذ تبدأ وتيرة "الصخب" اليومي للساحة في الاحتداد، ويشرع روادها في التدفق على المكان.اختيارغويتيسولو لمقهى "فرنسا" لم يكن اعتباطيا بل كان مدروسا حيث يقصدها مساء كل يوم من أجل التأمل في محيط الساحة برمتها، مع رصد تحركات الموجات البشرية العابرة لجامع الفنا نحو أحياء القنارية ودرب ضباشي وبن صالح ، وسوق السمارين الشهير...فضلا عن رصد الآلاف من الوافدين على الساحة.خلال احدى جلسات الراحل غويتيسولو مع صديقه الناقد الادبي الدكتور محمد أيت لعميم بمقهى "فرنسا" ، طلب الراحل من صديقه بحكم معرفته المسبقة بكونه يمتهن التعليم، بإعطاء دروسا في اللغة العربية لطفلين من ابناء مراكش تكفل برعايتهما وتدريسهما، إذ كان يصر خوان على أن يتعلم الطفلان تعليما متينا في اللغات وأن يكون أساسها التعليمي صلبا جدا، حيث أشرف على تلقينهما دروسا في أصول اللغة العربية وقواعدها وتمكنا من ضبط قواعد اللغة العربية.يقول الدكتور ايت لعميم، إن الراحل غويتيسولو كان سعيدا وفرحا عندما رأى الطفلان يتحسنان ويتطوران في تعلم اللغة العربية، وكان خوان يمدني بكل جديد عن كتبه التي تترجم الى الفرنسية أو العربية، وهي بالفعل دخائر تعلمت منها الكتير لاسيما كتابه "شجرة الادب" و"غابة الكتابة" و"ممالك الطوائف" وحظيرة ممنوعة".وأضاف أيت لعميم خلال حديثه ل"كش 24"، أن غويتيسولو رغم حبه للعربية إلا أنه لا يجيدها كتابة، لكنه يتحدث الدارجة المراكشية، بحكم إقامته فيها، وصداقاته المتعددة مع مجتمعها، وإلى اللغة العربية ترجم له الناقد العراقي كاظم جهاد بعضا من كتبه من بينها "يوميات فلسطينية"، و"رحلات إلى الشرق"، و"في الاستشراق الإسباني"، كما اختار جهاد عدداً من فصوله الروائية، وترجمها إلى العربية، وصدرت في كتاب بعنوان "على وتيرة النوارس".