مجتمع

خادمات “الموقف” بمراكش…الطريق السهل نحو الإنحراف والرذيلة


كشـ24 نشر في: 30 أغسطس 2015

في الصباح الباكر من كل يوم، ماعدا في الأعياد والمناسبات يفدن فرادى وجماعات من كل أرجاء مراكش على "الموقف".

نساء من كل الأعمار تتقارب مستوياتهن الاجتماعية،أقمن تجمعا بشريا مفتوحا على وجه السماء،ينهلن أطراف الحديث  من قاموس "الشعبوية" كوسيلة للهروب من الفاقة والفقر الذي يلازمهن،وعيونهن عالقة بالمارين من حولهن،متطلعات إلى الظفر بخدمة أو سخرة قد تأتي وقد لا تأتي في ما يشبه سوق النخاسة.

كل واحدة من هؤلاء النساء المصطفات على قارعة الرصيف كالبضاعة،تهفو إلى دورها في الحظ للحصول على طلب عمل، قد يكون تكليفها بالتصبين،وقد يكون "التجفاف" والكنس،وقد يكون اخراج كلب للفسحة،وقد يكون شيء آخر يختمر في ذهن الطالب للخدمة وربما في ذهن الخادمة...
وقفنا في استطلاع ميداني ننظر الى تلك الوجوه النسوية التي يعلو بعضها النكد،نراها تفتر عن ابتسامات عابرة قد لا تعكس همومهن المتراكمة،فكان أن فتحنا علينا باب التدافع المصحوب باللغط <أنا..أنا..أنا> ترددها بأعلى الحناجر عناصر من تلك الشريحة المهملة في القلب النابض للرواج التجاري بالمدينة.

لم تكن مهمتنا سهلة،ونحن نقتحم هذا العالم الصغير الذي يتساكن فيه الاحباط والبؤس، تولد عنهما سلوك خاص بعاملات الموقف للاشتغال في البيوت او القيام بالسخرة، يتبادلن الشتائم بأسلوب ساقط ومنحط يستفز العابرين والعابرات للطريق من حولهن، وقد يتشابكن بالأيدي عند صراعهن على أصحاب الطلبات، ثم ما يلبث هذا الصراع أن يتحول إلى وئام فجأة، نلمس مظاهره من ذلك التضامن العفوي لاقتسام قليلا من الاكل بينهن، وتناوب المدخنات على لفائف التبغ، ينفتن دخانه من تحت النقاب بالنسبة لبعض المسنات اللواتي يتجنبن الإمساك على مؤخرات السجائر بشفاههن تحت أنظار المارة...
 
كل شيء ممكن من أجل المال...
 
ربيعة {42 سنة}  مترملة ولها ولدان وبنت عمرها ثماني سنوات، أجرتها لإحدى الأسر بالمدينة، لم تجد غضاضة في الكشف عن مفاتنها للفت الانتباه اليها، أزاحت الغطاء عن شعرها المقصوص على حد الرقبة، وقالت بصريح العبارة : "أنا مستعدة لاقدم أي خدمة مقابل المال...ولا أحد من حقه ان يتدخل في حياتي الخاصة ". سألناها إن كانت تمارس الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في "الموقف"، فلم تنف أو تؤكد هذا الاحتمال، لكنها أحالتنا بدورها على سؤال يستشف منه الجواب:"ماذا تنتظرون من خادمةــ أية خادمةــ ان تفعل وقد انصرفت صحبة رجل لا تعرفه الى بيت أو شقة، وبقيت وإياه على انفراد لساعات طويلة؟"
مهنة شريفة ولكن...
 
هذا الربط بين الواقع والافتراض لم يرق {أمي هنية} وهي عجوز في عقدها السابع انبرت تدافع عن مهنة خادمات الموقف بكل ما أوتيت من قوة.

"هذه المهنة الشريفة التي تعتمد على العضلات، والتي كانت تحظى بالاحترام من قبل النصارى الذين يقدرون الجهد الذي تبدله الخادمة، لم يعد لها في الوقت الحاضر من معنى، لأنها أضحت مهنة لمن لا مهنة لهن" تقول العجوز في رد واضح على ربيعة التي وضعت كل خادمات الموقف في سلة واحدة.

فهل توجسات المجتمع ونظرته الدونية ازاء هذه الشريحة المحرومة فيه نوع من التجني على الخادمات اللواتي يعانين أصلا من مظالم القهر الاجتماعي؟ أم أن هذا الوسط الذي تتكون عناصره من المطلقات والمترملات وصاحبات السوابق والفاشلات في الزواج والقادمات من الاسر المتفككة  يحتوي على أسباب الانحراف والسقوط في أتون الرذيلة بسهولة؟
 
المال المتسخ يصنع الجريمة في الاوكار الفاسدة...
 
عندما تقترب النقود من دائرة الفقر، وتكون الأمية والجهل هي الخيط الرابط بين الطالبين للعمل في مجالات التسخير من جهة، والمرشحات للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى، يكون الطريق قد بدأ يسهل للسير نحو الانحراف بحمولته الثقيلة.

ففي مثل هذه الحالة، لا يستغرب المرء إذا ساوره التوجس بشأن احتكاك خادمات أميات وفقيرات بعوالم الفساد والدعارة والقوادة ولعب دور "الكومبارسات" في كل الآفات المجتمعية، منها إمكانية تسخيرهن لإفساد العلاقات بين الناس أو ترويج المخدرات وتشجيع السحر والشعوذة...كل ذلك مقابل المال المتسخ الذي يصنع الجريمة في الأوكار الفاسدة .

وقفت سيارة رباعية الدفع فجأة،أطل منها شاب تغطي عينيه نظارة شمسية سوداء، فهرعت نحوه الخادمات مرددات لازمة <أنا..أنا..أنا>، تركنا المكان لمحتلاته وانتقلنا إلى "موقف باب دكالة".

مضينا ورؤوسنا مازالت تطن بالأسئلة التي لم نتمكن من الحصول على أجوبة شافية بشأنها، لأن "عالم النساء غامض"كما قالت مازحة احدى الخادمات التي رفضت الكشف عن هوية شخص قيل لنا إنه يفرض إتاوات على أفراد هذه المجموعة مقابل بعض "الخدمات!" ، فكان أن وصلنا موقف النساء المرشحات للعمل في الفلاحة انطلاقا من باب دكالة.
 
نساء يقمن بدور الرجال في الفلاحة ...
 
هناك في مكان ما بمحيط المحطة الطرقية على مقربة من المكان المخصص لوقوف وانطلاق سيارات الأجرة، تلتقي كل صباح فلول الخادمات المرشحات للعمل في الحقول والضيعات المحيطة بالمدينة.

الشهادات التي استقيناها من عين المكان تفيد أنه مع بزوغ الفجر، يلتقي عدد من العاملات المياومات بزميلتهن الوافدات من مختلف الأحياء بما في ذلك القرى الخارجة عن مدار المدينة، يشكلن طابورا من السواعد النسوية المنتقاة للعمل في قطاع الفلاحة.

كان لابد من العودة الى هذا المكان في الصباح الباكر من اليوم الموالي كي نقف على بعض الحقائق، فكنا على موعد غير مرتب له مع عشرات النساء ذوات القدرات العضلية الظاهرة على أجسادهن، والملفوفة في ثياب خشنة، تتوافق مع طبيعة العمل الذي ينتظرهن في الضيعات التي في حاجة إلى السواعد النسوية  المفضلة عن السواعد الذكورية.
عاملات يخفين وجوههن عن أنظار العامة...
 

ما لفت انتباهنا لاول وهلة اقدام غالبية النساء المرشحات للعمل في الضيعات على تغطية وجوههن بالكامل بأقمشة تحجب ملامحهن، قالت مصادرنا أن الغاية من ذلك اخفاء هويات بعض الفتيات والنساء المتزوجات عن أنظار عامة الناس، لأن العمل الموكول اليهن شاق وذو طبيعة قاسية من مهام الذكور ولا يتوافق البتة مع التركيبة الفيزيولوجية للنساء اللواتي يملن بالطبيعة الى الاعمال الأقل صعوبة، كالتلفيف في المصانع والخياطة في المعامل، وغسل الأواني وتنظيفها في المؤسسات الفندقية.

والواقع أن الأعمال التي تنتظر هذه الفئة من الخادمات اللواتي دفعت بهن الحاجة الى العمل في الفلاحة، مضنية وشاقة بشهادات العاملات اللواتي يقضين أكثر من ثماني ساعات متواصلة في الضيعات بأجور تقل عن أجور الرجال بالنصف، إذ لا تتعدى في أقصى الحالات خمسين درهم للعاملة.
وتتنوع الاعمال الفلاحية الموكولة للعاملات المياومات واللواتي يخضعن لعمليات انتقاء صارمة من قبل مستغلي هذه الضيعات الذين يراهنون على العنصر النسوي لسببين رئيسيين يتمثلان في جدية العمل التي اشتهرت بها النساء، وقبولهن لأجور زهيدة، تتنوع بتنوع المحصول وتتغير بتغيير المواسيم الفلاحية، إذ تتراوح ما بين استخراج حبات البطاطس من الأرض، وحفر الجزر والبصل،وغسل الخضر وجمعها في الأكياس، والاقدام على جني الطماطم والزيتون وكل أنواع الفواكه الموسمية.
الرحلة إلى الضيعات في شاحنات مكشوفة...
 
يحضر مستغلو الضيعات شاحنات مكشوفة إلى موقف باب دكالة، لتقل على متنها عشرات العاملات يتكدسن فيها متحملات ظروف البرد والحر من أجل تأجير قوتهن العضلية مقابل أجر قد يساعدهن على تكاليف الحياة وخاصة بالنسبة لمن لهن تحملات عائلية.

بخلاف خادمات المنازل اللواتي يتهالكن في "الموقف" في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي، فإن العاملات في القطاع الفلاحي يمثلن جزءا من روافد القطاع بالمنطقة، ومجالا لتوفير مناصب الشغل بالنسبة لشريحة من النساء الفقيرات اللواتي اخترن استئجار العضلات والكدح في الضيعات والحقول لكسب لقمة العيش بعزة وكرامة، بدل الارتكان الى المقاهي لتجزئة الوقت، أو الانضمام الى خادمات "الموقف" المستعدات للاشتغال في البيوت أو التحالف حتى مع الشيطان للقيام بالسخرة مهما كانت طبيعتها، كونهن اخترن هذا الطريق السهل الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف والرذيلة...

ويطرح هذا الوضع البائس مسألة الضمير المجتمعي إزاء عاملات "الموقف"  اللواتي يشتغلن في مهن وحرف مؤقتة دون حماية ولا ضمان صحي، ويتعرضن لشتى أنواع التهميش الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

 هذا الوضع يفرض التساؤل عن دور المسؤولين عن قطاع المرأة والأسرة في الاهتمام بهذه الشريحة وإنقاذها من الضياع. فلماذا لا تكون من أولويات الإصلاحات التي تباشرها السلطات في عدد من المجالات الاهتمام بأحوال نساء الموقف وتنظيم عملهن غير المهيكل وتخصيص قانون شغل يحميهن من كل شطط أو حيف،ويحدد حقوقهن وواجباتهن في العمل.

فبعض نساء "الموقف"  يطالبن الجمعيات والمنظمات النسائية بالعمل على دعمهن والدفاع عنهن لاحترام كرامتهن وصونهن من الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي قد يقعن ضحية لها ما جعل بعض الجمعيات النسائية تندد بخطورة هذا الوضع المزري الذي تعيشه عاملات الموقف اللواتي يقضين يومهن كاملا في انتظار فرصة عمل مؤقت في البيوت،  في ظروف صعبة من حيث قلة الأجر والتعرض للإهانة اليومية والاعتداءات المتكررة سواء من طرف بعض الزبناء أو من طرف السلطات العمومية.

 

في الصباح الباكر من كل يوم، ماعدا في الأعياد والمناسبات يفدن فرادى وجماعات من كل أرجاء مراكش على "الموقف".

نساء من كل الأعمار تتقارب مستوياتهن الاجتماعية،أقمن تجمعا بشريا مفتوحا على وجه السماء،ينهلن أطراف الحديث  من قاموس "الشعبوية" كوسيلة للهروب من الفاقة والفقر الذي يلازمهن،وعيونهن عالقة بالمارين من حولهن،متطلعات إلى الظفر بخدمة أو سخرة قد تأتي وقد لا تأتي في ما يشبه سوق النخاسة.

كل واحدة من هؤلاء النساء المصطفات على قارعة الرصيف كالبضاعة،تهفو إلى دورها في الحظ للحصول على طلب عمل، قد يكون تكليفها بالتصبين،وقد يكون "التجفاف" والكنس،وقد يكون اخراج كلب للفسحة،وقد يكون شيء آخر يختمر في ذهن الطالب للخدمة وربما في ذهن الخادمة...
وقفنا في استطلاع ميداني ننظر الى تلك الوجوه النسوية التي يعلو بعضها النكد،نراها تفتر عن ابتسامات عابرة قد لا تعكس همومهن المتراكمة،فكان أن فتحنا علينا باب التدافع المصحوب باللغط <أنا..أنا..أنا> ترددها بأعلى الحناجر عناصر من تلك الشريحة المهملة في القلب النابض للرواج التجاري بالمدينة.

لم تكن مهمتنا سهلة،ونحن نقتحم هذا العالم الصغير الذي يتساكن فيه الاحباط والبؤس، تولد عنهما سلوك خاص بعاملات الموقف للاشتغال في البيوت او القيام بالسخرة، يتبادلن الشتائم بأسلوب ساقط ومنحط يستفز العابرين والعابرات للطريق من حولهن، وقد يتشابكن بالأيدي عند صراعهن على أصحاب الطلبات، ثم ما يلبث هذا الصراع أن يتحول إلى وئام فجأة، نلمس مظاهره من ذلك التضامن العفوي لاقتسام قليلا من الاكل بينهن، وتناوب المدخنات على لفائف التبغ، ينفتن دخانه من تحت النقاب بالنسبة لبعض المسنات اللواتي يتجنبن الإمساك على مؤخرات السجائر بشفاههن تحت أنظار المارة...
 
كل شيء ممكن من أجل المال...
 
ربيعة {42 سنة}  مترملة ولها ولدان وبنت عمرها ثماني سنوات، أجرتها لإحدى الأسر بالمدينة، لم تجد غضاضة في الكشف عن مفاتنها للفت الانتباه اليها، أزاحت الغطاء عن شعرها المقصوص على حد الرقبة، وقالت بصريح العبارة : "أنا مستعدة لاقدم أي خدمة مقابل المال...ولا أحد من حقه ان يتدخل في حياتي الخاصة ". سألناها إن كانت تمارس الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في "الموقف"، فلم تنف أو تؤكد هذا الاحتمال، لكنها أحالتنا بدورها على سؤال يستشف منه الجواب:"ماذا تنتظرون من خادمةــ أية خادمةــ ان تفعل وقد انصرفت صحبة رجل لا تعرفه الى بيت أو شقة، وبقيت وإياه على انفراد لساعات طويلة؟"
مهنة شريفة ولكن...
 
هذا الربط بين الواقع والافتراض لم يرق {أمي هنية} وهي عجوز في عقدها السابع انبرت تدافع عن مهنة خادمات الموقف بكل ما أوتيت من قوة.

"هذه المهنة الشريفة التي تعتمد على العضلات، والتي كانت تحظى بالاحترام من قبل النصارى الذين يقدرون الجهد الذي تبدله الخادمة، لم يعد لها في الوقت الحاضر من معنى، لأنها أضحت مهنة لمن لا مهنة لهن" تقول العجوز في رد واضح على ربيعة التي وضعت كل خادمات الموقف في سلة واحدة.

فهل توجسات المجتمع ونظرته الدونية ازاء هذه الشريحة المحرومة فيه نوع من التجني على الخادمات اللواتي يعانين أصلا من مظالم القهر الاجتماعي؟ أم أن هذا الوسط الذي تتكون عناصره من المطلقات والمترملات وصاحبات السوابق والفاشلات في الزواج والقادمات من الاسر المتفككة  يحتوي على أسباب الانحراف والسقوط في أتون الرذيلة بسهولة؟
 
المال المتسخ يصنع الجريمة في الاوكار الفاسدة...
 
عندما تقترب النقود من دائرة الفقر، وتكون الأمية والجهل هي الخيط الرابط بين الطالبين للعمل في مجالات التسخير من جهة، والمرشحات للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى، يكون الطريق قد بدأ يسهل للسير نحو الانحراف بحمولته الثقيلة.

ففي مثل هذه الحالة، لا يستغرب المرء إذا ساوره التوجس بشأن احتكاك خادمات أميات وفقيرات بعوالم الفساد والدعارة والقوادة ولعب دور "الكومبارسات" في كل الآفات المجتمعية، منها إمكانية تسخيرهن لإفساد العلاقات بين الناس أو ترويج المخدرات وتشجيع السحر والشعوذة...كل ذلك مقابل المال المتسخ الذي يصنع الجريمة في الأوكار الفاسدة .

وقفت سيارة رباعية الدفع فجأة،أطل منها شاب تغطي عينيه نظارة شمسية سوداء، فهرعت نحوه الخادمات مرددات لازمة <أنا..أنا..أنا>، تركنا المكان لمحتلاته وانتقلنا إلى "موقف باب دكالة".

مضينا ورؤوسنا مازالت تطن بالأسئلة التي لم نتمكن من الحصول على أجوبة شافية بشأنها، لأن "عالم النساء غامض"كما قالت مازحة احدى الخادمات التي رفضت الكشف عن هوية شخص قيل لنا إنه يفرض إتاوات على أفراد هذه المجموعة مقابل بعض "الخدمات!" ، فكان أن وصلنا موقف النساء المرشحات للعمل في الفلاحة انطلاقا من باب دكالة.
 
نساء يقمن بدور الرجال في الفلاحة ...
 
هناك في مكان ما بمحيط المحطة الطرقية على مقربة من المكان المخصص لوقوف وانطلاق سيارات الأجرة، تلتقي كل صباح فلول الخادمات المرشحات للعمل في الحقول والضيعات المحيطة بالمدينة.

الشهادات التي استقيناها من عين المكان تفيد أنه مع بزوغ الفجر، يلتقي عدد من العاملات المياومات بزميلتهن الوافدات من مختلف الأحياء بما في ذلك القرى الخارجة عن مدار المدينة، يشكلن طابورا من السواعد النسوية المنتقاة للعمل في قطاع الفلاحة.

كان لابد من العودة الى هذا المكان في الصباح الباكر من اليوم الموالي كي نقف على بعض الحقائق، فكنا على موعد غير مرتب له مع عشرات النساء ذوات القدرات العضلية الظاهرة على أجسادهن، والملفوفة في ثياب خشنة، تتوافق مع طبيعة العمل الذي ينتظرهن في الضيعات التي في حاجة إلى السواعد النسوية  المفضلة عن السواعد الذكورية.
عاملات يخفين وجوههن عن أنظار العامة...
 

ما لفت انتباهنا لاول وهلة اقدام غالبية النساء المرشحات للعمل في الضيعات على تغطية وجوههن بالكامل بأقمشة تحجب ملامحهن، قالت مصادرنا أن الغاية من ذلك اخفاء هويات بعض الفتيات والنساء المتزوجات عن أنظار عامة الناس، لأن العمل الموكول اليهن شاق وذو طبيعة قاسية من مهام الذكور ولا يتوافق البتة مع التركيبة الفيزيولوجية للنساء اللواتي يملن بالطبيعة الى الاعمال الأقل صعوبة، كالتلفيف في المصانع والخياطة في المعامل، وغسل الأواني وتنظيفها في المؤسسات الفندقية.

والواقع أن الأعمال التي تنتظر هذه الفئة من الخادمات اللواتي دفعت بهن الحاجة الى العمل في الفلاحة، مضنية وشاقة بشهادات العاملات اللواتي يقضين أكثر من ثماني ساعات متواصلة في الضيعات بأجور تقل عن أجور الرجال بالنصف، إذ لا تتعدى في أقصى الحالات خمسين درهم للعاملة.
وتتنوع الاعمال الفلاحية الموكولة للعاملات المياومات واللواتي يخضعن لعمليات انتقاء صارمة من قبل مستغلي هذه الضيعات الذين يراهنون على العنصر النسوي لسببين رئيسيين يتمثلان في جدية العمل التي اشتهرت بها النساء، وقبولهن لأجور زهيدة، تتنوع بتنوع المحصول وتتغير بتغيير المواسيم الفلاحية، إذ تتراوح ما بين استخراج حبات البطاطس من الأرض، وحفر الجزر والبصل،وغسل الخضر وجمعها في الأكياس، والاقدام على جني الطماطم والزيتون وكل أنواع الفواكه الموسمية.
الرحلة إلى الضيعات في شاحنات مكشوفة...
 
يحضر مستغلو الضيعات شاحنات مكشوفة إلى موقف باب دكالة، لتقل على متنها عشرات العاملات يتكدسن فيها متحملات ظروف البرد والحر من أجل تأجير قوتهن العضلية مقابل أجر قد يساعدهن على تكاليف الحياة وخاصة بالنسبة لمن لهن تحملات عائلية.

بخلاف خادمات المنازل اللواتي يتهالكن في "الموقف" في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي، فإن العاملات في القطاع الفلاحي يمثلن جزءا من روافد القطاع بالمنطقة، ومجالا لتوفير مناصب الشغل بالنسبة لشريحة من النساء الفقيرات اللواتي اخترن استئجار العضلات والكدح في الضيعات والحقول لكسب لقمة العيش بعزة وكرامة، بدل الارتكان الى المقاهي لتجزئة الوقت، أو الانضمام الى خادمات "الموقف" المستعدات للاشتغال في البيوت أو التحالف حتى مع الشيطان للقيام بالسخرة مهما كانت طبيعتها، كونهن اخترن هذا الطريق السهل الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف والرذيلة...

ويطرح هذا الوضع البائس مسألة الضمير المجتمعي إزاء عاملات "الموقف"  اللواتي يشتغلن في مهن وحرف مؤقتة دون حماية ولا ضمان صحي، ويتعرضن لشتى أنواع التهميش الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

 هذا الوضع يفرض التساؤل عن دور المسؤولين عن قطاع المرأة والأسرة في الاهتمام بهذه الشريحة وإنقاذها من الضياع. فلماذا لا تكون من أولويات الإصلاحات التي تباشرها السلطات في عدد من المجالات الاهتمام بأحوال نساء الموقف وتنظيم عملهن غير المهيكل وتخصيص قانون شغل يحميهن من كل شطط أو حيف،ويحدد حقوقهن وواجباتهن في العمل.

فبعض نساء "الموقف"  يطالبن الجمعيات والمنظمات النسائية بالعمل على دعمهن والدفاع عنهن لاحترام كرامتهن وصونهن من الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي قد يقعن ضحية لها ما جعل بعض الجمعيات النسائية تندد بخطورة هذا الوضع المزري الذي تعيشه عاملات الموقف اللواتي يقضين يومهن كاملا في انتظار فرصة عمل مؤقت في البيوت،  في ظروف صعبة من حيث قلة الأجر والتعرض للإهانة اليومية والاعتداءات المتكررة سواء من طرف بعض الزبناء أو من طرف السلطات العمومية.

 


ملصقات


اقرأ أيضاً
بالصور.. حملة أمنية جديدة تستهدف مقاهي الشيشا بمراكش
شنت مصالح الامن بمراكش ليلة امس السبت 10 ماي، حملة جديدة استهدفت مقاهي الشيشا بمجموعة من المناطق المحسوبة على مجال نفوذ المنطقة الامنية الاولى. وحسب مصادر "كشـ24 فقد شاركت في الحملة عناصر من الشرطة القضائية والاستعلامات العامة، وعناصر الامن التابعة للدوائر الامنية الاولى و 16 و 22 والتي توجد المقاهي المستهدفة في مجال نفوذها.وقد شملت الحملة 6 مقاهي بالمناطق المذكورة، و اسفرت الحملة عن حجز 120 نرجيلة، و 90 رأس معبأ، الى جانب كيلوغرام و نصف من مادة المعسل المهرب.كما تم عقب الحملة الامنية اقتياد مسيري المقاهي الستة المعنية الى مقرات الداوائر المذكورة كل حسب مجال نفوذه، حيث تم الاستماع اليهم في محاضر رسمية.  
مجتمع

درك بنجرير يُطيح بزعيم إحدى أخطر عصابات سرقة المواشي بالمغرب
تمكّنت عناصر المركز الترابي للدرك الملكي بابن جرير، صباح السبت 10 ماي، من توقيف زعيم عصابة إجرامية مصنّفة ضمن أخطر الشبكات المتورطة في سرقة المواشي، والمعروف بالأحرف الأولى "ع.ك"، والبالغ من العمر 39 سنة، والمبحوث عنه بموجب أكثر من 12 مذكرة بحث وطنية. وتمّت العملية الأمنية في حالة تلبّس، بعد أن رصدت المصالح الدركية المعني وهو بصدد نقل 21 رأساً من الأغنام المسروقة على متن سيارة من نوع "تويوتا بيكوب"، عقب تنفيذ عملية سرقة بجماعة سكورة الحدرة، عمد خلالها وأفراد عصابته إلى تقييد الراعي وسلبه قطيع المواشي. ومباشرة بعد توصل المصالح الأمنية بإشعار من أسرة الضحية، باشرت دورية للدرك عملية مطاردة دقيقة، انتهت بحي "الرياض 2" في مدينة ابن جرير، بعدما اصطدمت سيارة المشتبه فيه بعمود كهربائي. ورغم محاولته الفرار، فقد تم توقيفه في وقت وجيز بفضل التدخل السريع لرجال الدرك وخلال تفتيش المركبة، تم العثور على مجموعة من الأدلة التي تعزز فرضية ارتباط العصابة بعمليات إجرامية مماثلة، من بينها أسلحة بيضاء، أقنعة، ولوحات ترقيم مزورة. وقد جرى وضع الموقوف رهن تدبير الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة المختصة لدى محكمة الاستئناف بمراكش، في وقت تتواصل فيه الأبحاث لتوقيف باقي أفراد الشبكة.
مجتمع

نادي قضاة المغرب يستعد لتجديده مكتبه
أعلن رئيس "نادي قضاة المغرب"، عبد الرزاق الجباري، عن قرب انتهاء الولاية الخامسة للأجهزة المسيرة للنادي، والمقررة أن تنقضي في 4 يونيو 2025، وذلك وفقاً لمقتضيات القانون الأساسي للنادي. وفي رسالة وجهها إلى أعضاء الجمعية، عبر الجباري عن اعتزازه بما تحقق خلال هذه الولاية، مشيداً بالتطورات التي شهدتها الجمعية على مختلف الأصعدة، كما أشاد بإيجابية “روح التعاون التي طبعت علاقة نادي قضاة المغرب بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية”، مشيدا بـ”التفاعل الإيجابي للمجلس مع العديد من الطلبات والمقترحات والأفكار ذات الصلة باستقلال القضاء وتعزيز منظومة تخليقه”. ودعا الجباري أعضاء النادي إلى المشاركة الفاعلة في الجمع العام السادس الذي سيعقد في 17 ماي 2025، مشيراً إلى أهمية هذه المشاركة باعتبارها محطة حاسمة في تاريخ النادي، تمهد لاختيار الأجهزة الجديدة التي ستقود النادي في المرحلة القادمة. وأكد رئيس "نادي قضاة المغرب" أن الجمع العام المقبل سيشكل مناسبة هامة لاستعراض الإنجازات التي تحققت خلال السنوات الماضية، وتجديد العهد مع الأهداف النبيلة التي تجمع جميع القضاة في سبيل خدمة قضاء قوي، مستقل، ونزيه.
مجتمع

تحقيقات في شبهات فساد بالدار البيضاء
تجري النيابة العامة المختصة تحقيقات معمقة في شبهات فساد تلاحق عملية منح الشهادات وتسليم التراخيص لفتح المحلات التجارية والصناعية والحرفية والخدماتية بعمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي بالدار البيضاء، للتأكد من وجود ممارسات يعاقب عليها القانون، من قبيل الابتزاز وطلب الرشاوى أو تحقيق منافع غير قانونية. وعلى خلفية هذه التحقيقات، أعلنت وزارة الداخلية عن قرار بتوقيف خليفة قائد يعمل بالعمالة نفسها، وذلك للاشتباه في تورطه في إحدى جرائم الفساد التي تجري بشأنها التحقيقات القضائية من قبل النيابة العامة. وجاء قرار التوقيف بعد توصل الوزارة بشكاية من أحد المواطنين، ادعى فيها تعرضه للابتزاز ومطالبته بدفع مبالغ مالية مقابل الحصول على ترخيص. ووفقاً ليومية "الصباح"، فإن التحقيقات لا تزال في مراحلها الأولية، حيث سبق لعناصر الأمن أن انتقلت إلى أحد المقاهي بمنطقة عين السبع لتوقيف موظف يشغل منصب رئيس قسم الرخص بالمقاطعة، إلا أنه تم الإفراج عنه في اليوم نفسه لعدم كفاية الأدلة في تلك المرحلة. وأكدت الصحيفة ذاتها، أن السلطات العمومية والقضائية بالدار البيضاء تتعامل بقدر كبير من الحزم مع ملفات الرخص التجارية والاقتصادية، وذلك على إثر الشكايات العديدة التي توصلت بها بشكل مباشر أو عبر الرقم الأخضر المخصص لتلقي شكايات الفساد. وتتمحور هذه الشكايات حول وجود شبهات قوية واتهامات بوجود اختلالات وممارسات غير قانونية في المصالح المكلفة بمعالجة وتسليم هذه الرخص. وكتبت "الصباح"، أن بعض الشكايات تشير إلى وجود عمليات ابتزاز صريحة وطلب عمولات غير قانونية، بالإضافة إلى تعطيل متعمد لمساطر منح التراخيص وتأخير انعقاد اللجان المختصة، أو حتى ضياع وثائق وملفات المرتفقين. وتعتبر هذه الأساليب من الطرق التي يلجأ إليها البعض لإخضاع طالبي الرخص وابتزازهم، وهي حالات كانت موضوع تقارير ومحاضر سابقة، وتمت الإشارة إليها ضمن ملاحظات المجلس الجهوي للحسابات.    
مجتمع

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأحد 11 مايو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة