جهوي

آثار تينمل وأغمات بضواحي مراكش تشهد على مجد تليد


كشـ24 - وكالات نشر في: 27 مايو 2018

إذا كانت مدينة مراكش تعرف بكونها إحدى الحواضر الكبرى في المغرب، فإن ضواحيها شهدت ـ هي أيضا ـ حركة تمدن وتطور معماري، ما زالت بعض آثارها قائمة إلى اليوم، وناطقة بأحداث تاريخية ظلت راسخة في تاريخ البلاد. ومن تلك المعالم: المدينة الأثرية تينمل، التي لم يبق منها سوى مسجدها الكبير ومدينة أغمات، التي يوجد فيها ضريح الشاعر والملك الأندلسي المعتمد بن عباد، وبقايا قصر وحمام تقليدي.على بعد حوالي 100 كلم من مدينة مراكش، وبجوار الطريق التي تقود إلى مدينة تارودانت مرورا بجبال الأطلس الكبير، توجد قرية تينمل على علو يناهز 1230 مترا. المسالك المؤدية إليها ملتوية ومتشعبة، ولكن ما يخفف من وعثاء السفر المناظر الطبيعية الخلابة وخاصة وادي النفيس وسد يعقوب المنصور الشهير بسد ويرغان ارتباطا باسم القرية التي يوجد فيها والواقعة على بعد 65 كلم من مدينة مراكش.قلعة الموحدينيعود بناء تينمل إلى السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي (أول خليفة في دولة الموحدين التي حكمت بلاد المغرب الكبير والأندلس) حيث جعلها معقلا لعملياتها الحربية ضد دولة المرابطين خلال القرن الثاني عشر الميلادي، وانتهى ذلك بالقضاء على دولتهم والاستيلاء على عاصمتهم مراكش. ولاعتبارات رمزية وروحية، فقد كانت تينمل مقر دعوة معلم السلطان عبد المؤمن وإمام دعوته أبو عبد الله محمد بن تومرت، حيث أُعلن بها مهديا، وفيها ووري جثمانه الثرى. كما شيد السلطان عبد المؤمن مسجدا في المكان نفسه الذي بنى فيه بن تومرت مسجده المتواضع، وأطلق عليه اسم جامع تينمل.وخلال عصر دولة المرينيين، تعرضت المدينة للهدم والتخريب، ولم يستثن من ذلك إلا المسجد الذي أصبح يشكل معلما مهما يعتبره السكان المحليون مزارا مقدسا، بالإضافة إلى بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لقصبة أورير نتيضاف التي أفردت على قمة جبل. ومسجد تينمل جوهرة معمارية شامخة تحضنها جبال الأطلس الكبير، إذ ما زالت أعمدته وأسواره وزخارفه شاهدة على مجد تليد يعود إلى ثمانية قرون. ويقول المؤرخون إنه أحد أعظم مساجد المغرب، بجانب جامع الكتبية في مراكش وجامع حسان في الرباط.يبلغ طول مسجد تينمل 48 متراً وعرضه 43.6 متر، يضم صحنا يبلغ طوله 23.65 متر وعرضه 16.70 متر، ويحيط بجانبيه رواقان يشكلان امتدادا لبلاطات بيت الصلاة، تتكون المواد المستخدمة في بنائه من الآجر وبلاط مصنوع من خليط من الرمل والتراب والجير والحصى. تنتظم قاعة الصلاة في تسع بلاطات تتجه نحو العمق. يوجد فيه محراب مزخرف، له عقد منكسر ومتجاوز قليلاً، مصحوب بعقد ثانٍ منكسر عالي الارتفاع، وعقد ثالث مغلف زيد من قوة المجموع، في حين، بقيت العناصر الثانوية مثل القبب الصغيرة والزخارف الزهرية والعقود ذات القويسات والنتوءات محتشمة الشكل والمظهر، كي لا تؤثر على تركيز المصلين.ويلاحظ أن تزيينات المحراب هندسية وزهرية دون كتابة زخرفية وهي سمة من السمات المميزة للفن الديني الموحدي في بداية عهده الذي كان يجتنب الغلو في الزخرفة، حيث كان فن البناء عندهم يتسم بالمتانة والزهد والتقشف، إلا أن الموحدين تأثر نمطهم المعماري كثيرا بالطرز الأندلسية بعد ان استولوا على بلاد الأندلس، حيث التفت خلفاء الدولة الموحدية آنذاك إلى البناء المعماري والفني واهتموا بتشييد بنايات عديدة ذات فائدة اقتصادية أو عمرانية أو عسكرية أو دينية، ولا تزال بعض مآثرهم الخلابة قائمة شامخة إلى يومنا هذا تشهد على عصرهم الذهبي في الأندلس والمغرب.وقد ظل مسجد تينمل طي النسيان لقرون، إلى أن خضع للترميم مرتين خلال السنوات الأخيرة، ولكن هناك مساع من أجل أن يكون الترميم أشمل وأدق، حتى يمكن للمسجد أن يستعيد دوره الأصلي في إقامة الصلوات والتعليم الديني الإسلامي لأبناء وبنات تلك المناطق النائية.سياسة ونساءوإذا سلك المرء طريقا أخرى من مدينة مراكش في اتجاه منطقة أوريكا، على بعد حوالي 30 كلم، يجد على سفح جبال الأطلس الكبير قرية أغمات، التي كانت تعدّ أهم مدن الغرب الإسلامي في أوائل العصور الوسطى. ويعود الوجود البشري فيها إلى فترة ما قبل الإسلام، لكن ابتداء من القرن السابع الميلادي، أصبحت مدينة بمعنى الكلمة. وخلال فترة حكم الأدارسة (ما بين القرن الثامن والعاشر الميلادي) شهدت ازدهارا ملحوظا إلى درجة صك العملات المعدنية فيها.تم تأسيسها قبل مدينة مراكش، وقد كانت عاصمة لحكم المرابطين في المغرب لفترة وجيزة خلال القرن الحادي عشر، علمًا بأن بسط المرابطين نفوذهم على أغمات أتى بعد القضاء على إمارة محلية هناك كانت تسمى المغراويين، حيث عاشت أمجادها لسنوات عديدة قبل أن تأفل وتصير مهجورة بعد ذلك بثلاثمائة سنة، ويحاول علماء الآثار اليوم إعادة بناء تاريخ هذه المعلمة الرائعة صعودا وأفولا.ومما تذكره المصادر التاريخية أنه بعدما قتل المرابطون أمير المغراويين الفارّ، تزوج أبو بكر بن عمر من زينب النفزاوية الأمازيغية، زوجة لقوط المغراوي، والتي قال عنها ابن خلدون «كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة». وبالفعل، فما إن بدأ المرابطون في تأسيس مدينة مراكش حتى هبت زينب للمساهمة في هذا العمل، وقد طلقها أبو بكر بن عمر اللمتوني لتتزوج ابن عمه القائد يوسف بن تاشفين.لماذا حصل ذلك؟ سؤال أجاب عنه المؤرخ الناصري في كتابه الشهير «الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى» حيث سجل ما يلي: «كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحاق النفزاوية، وكانت بارعة الجمال والحسن، وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها في أغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها. وكان الأمير أبو بكر رجلا ورعا، فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها، ويقيم رسم الجهاد فيها.ولمّا عزم على السفر، طلّق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها: يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء، وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها، وإني مطلقك، فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب. فطلّقها، ثم سافر عن أغمات وجعل طريقه على بلاد تادلا، حتى أتى سجلماسة، فدخلها وأقام فيها أياما حتى أصلح أحوالها ثم سافر إلى الصحراء».منفى المعتمد وزوجته الرميكيةتشتهر أغمات أيضا بكونها المكان الذي قضى فيه الملك الشاعر المعتمد بن عباد آخر أيامه، حين أزاحه القائد المرابطي يوسف بن تاشفين من عرشه في إشبيلية في الأندلس، وقاده أسيرا منفيا إلى أغمات، وما زال ضريح المعتمد وزوجته اعتماد الرميكية وابنه يشكل قبلة للزوار، حيث زينت قبة الضريح بأبيات للشاعر نفسه.وكان قد سبق المعتمد إلى هذا المنفى عبد الله بن بلكين أمير غرناطة. وفي أغمات عاش المعتمد كاسف البال، كسير القلب، يُعامَل معاملة سيئة، ويتجرع مرَّ الهوان، ليس بجانبه من يخفف عنه مأساته، ويطارحه الحديث، فتأنس نفسه وتهدأ. ينظر إلى بناته الأقمار، فيشقيه أنهن يغزلن ليحصلن على القوت، ولكنه كان يتجلد ويتذرع بالصبر، ويلجأ إلى شعره، فينفس عن نفسه بقصائد مُشجية مؤثرة. تدخل عليه بناته السجن في يوم عيد، فلما رآهن في ثياب رثة، تبدو عليهن آثار الفقر والفاقة، انسابت قريحته بشعر شجي حزين.واشتدت وطأة الأَسْرِ على اعتماد الرميكية زوجة المعتمد، ولم تقوَ طويلا على مغالبة المحنة، فتُوفيت قبل زوجها، ودُفنت في أغمات على مقربة من سجن زوجها. وطال أَسْر المعتمد، فبلغ نحو أربع سنوات حتى أنقذه الموت من هوان السجن وذل السجان، فلقي ربه في (11 من شوال 488 هـ/ 1095م) ودُفن إلى جانب زوجته.وأوردت بعض كتب التاريخ قصصا عن تعلق المعتمد بن عباد بزوجته اعتماد الرميكية التي كانت جارية لديه أيام المجد، فأسرف في تدليلها، حيث زرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا أزهر بياضا بدا وكأنه محمل بالثلج وذلك إرضاء لها، إذ يعلم أنها تحب الثلج وتحنّ لرؤيته.وذكر المؤرخ المقريزي أن المعتمد بن عباد كان يحب زوجته اعتماد حباً جما ويعاملها برفق ولين ويحرص على إرضائها وتلبية جميع رغباتها. وذات يوم، أطلت من شرفة القصر فرأت القرويات يمشين في الطين، فاشتهت أن تمشي هي أيضاً في الطين. وحدثت زوجها بذلك فخاف على قدميها أن يمسها الطين. فألحت عليه، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطيب، وذرت في ساحة القصر حتى عمَّته، ثم نصبت الغرابيل وصُبّ فيها ماء الورد على أخلاط الطيب وعجنت بالأيادي حتى عادت كالطين، وخاضت الرميكية مع جواريها بقدميها في هذا الطين الذي بلغت أثمانه آلاف الدنانير، وحققت رغبتها ومشت في الطين. وغاضبها المعتمد بن عباد في أحد الأيام، فأقسمت أنها لم تر منه خيراً قط، فقال: ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت».أثر بعد عينمع توالي القرون، صارت أغمات أثرا بعد عين، ولم يبق من نسيجها الحضري سوى بضعة أطلال لقصر ومسجد وسور، علاوة على الحمّام التقليدي الجماعي الذي يوصف بأنه أقدم حمّام في المغرب، إذ كشفت عنه الحفريات بعد أن كان مطمورا وسط كومة من الأحجار والأتربة. يتكون الحمام من ثلاث غرف مغطاة ومختلفة الحرارة، بين باردة ودافئة وساخنة، على غرار هندسة الحمامات الشعبية الحالية، كما توجد فيه سراديب بعلو يصل إلى 4 أمتار.شيد الحمام في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر الميلادي، ويتميز بكبر مساحته مقارنة مع حمامات تلك الفترة، إذ تصل مساحته إلى 13 هكتارا، واستعمل لغرض الاستحمام لأكثر من 500 سنة، قبل أن يتحول بعدها إلى ورشة تقليدية ثم يتعرض للإهمال إلى أن تم اكتشافه بشكل عرضي إثر القيام بأنشطة زراعية في المنطقة.  

القدس العربي

إذا كانت مدينة مراكش تعرف بكونها إحدى الحواضر الكبرى في المغرب، فإن ضواحيها شهدت ـ هي أيضا ـ حركة تمدن وتطور معماري، ما زالت بعض آثارها قائمة إلى اليوم، وناطقة بأحداث تاريخية ظلت راسخة في تاريخ البلاد. ومن تلك المعالم: المدينة الأثرية تينمل، التي لم يبق منها سوى مسجدها الكبير ومدينة أغمات، التي يوجد فيها ضريح الشاعر والملك الأندلسي المعتمد بن عباد، وبقايا قصر وحمام تقليدي.على بعد حوالي 100 كلم من مدينة مراكش، وبجوار الطريق التي تقود إلى مدينة تارودانت مرورا بجبال الأطلس الكبير، توجد قرية تينمل على علو يناهز 1230 مترا. المسالك المؤدية إليها ملتوية ومتشعبة، ولكن ما يخفف من وعثاء السفر المناظر الطبيعية الخلابة وخاصة وادي النفيس وسد يعقوب المنصور الشهير بسد ويرغان ارتباطا باسم القرية التي يوجد فيها والواقعة على بعد 65 كلم من مدينة مراكش.قلعة الموحدينيعود بناء تينمل إلى السلطان عبد المؤمن بن علي الكومي (أول خليفة في دولة الموحدين التي حكمت بلاد المغرب الكبير والأندلس) حيث جعلها معقلا لعملياتها الحربية ضد دولة المرابطين خلال القرن الثاني عشر الميلادي، وانتهى ذلك بالقضاء على دولتهم والاستيلاء على عاصمتهم مراكش. ولاعتبارات رمزية وروحية، فقد كانت تينمل مقر دعوة معلم السلطان عبد المؤمن وإمام دعوته أبو عبد الله محمد بن تومرت، حيث أُعلن بها مهديا، وفيها ووري جثمانه الثرى. كما شيد السلطان عبد المؤمن مسجدا في المكان نفسه الذي بنى فيه بن تومرت مسجده المتواضع، وأطلق عليه اسم جامع تينمل.وخلال عصر دولة المرينيين، تعرضت المدينة للهدم والتخريب، ولم يستثن من ذلك إلا المسجد الذي أصبح يشكل معلما مهما يعتبره السكان المحليون مزارا مقدسا، بالإضافة إلى بقايا سورها الأمني في الجهة الشرقية وأطلال متناثرة لقصبة أورير نتيضاف التي أفردت على قمة جبل. ومسجد تينمل جوهرة معمارية شامخة تحضنها جبال الأطلس الكبير، إذ ما زالت أعمدته وأسواره وزخارفه شاهدة على مجد تليد يعود إلى ثمانية قرون. ويقول المؤرخون إنه أحد أعظم مساجد المغرب، بجانب جامع الكتبية في مراكش وجامع حسان في الرباط.يبلغ طول مسجد تينمل 48 متراً وعرضه 43.6 متر، يضم صحنا يبلغ طوله 23.65 متر وعرضه 16.70 متر، ويحيط بجانبيه رواقان يشكلان امتدادا لبلاطات بيت الصلاة، تتكون المواد المستخدمة في بنائه من الآجر وبلاط مصنوع من خليط من الرمل والتراب والجير والحصى. تنتظم قاعة الصلاة في تسع بلاطات تتجه نحو العمق. يوجد فيه محراب مزخرف، له عقد منكسر ومتجاوز قليلاً، مصحوب بعقد ثانٍ منكسر عالي الارتفاع، وعقد ثالث مغلف زيد من قوة المجموع، في حين، بقيت العناصر الثانوية مثل القبب الصغيرة والزخارف الزهرية والعقود ذات القويسات والنتوءات محتشمة الشكل والمظهر، كي لا تؤثر على تركيز المصلين.ويلاحظ أن تزيينات المحراب هندسية وزهرية دون كتابة زخرفية وهي سمة من السمات المميزة للفن الديني الموحدي في بداية عهده الذي كان يجتنب الغلو في الزخرفة، حيث كان فن البناء عندهم يتسم بالمتانة والزهد والتقشف، إلا أن الموحدين تأثر نمطهم المعماري كثيرا بالطرز الأندلسية بعد ان استولوا على بلاد الأندلس، حيث التفت خلفاء الدولة الموحدية آنذاك إلى البناء المعماري والفني واهتموا بتشييد بنايات عديدة ذات فائدة اقتصادية أو عمرانية أو عسكرية أو دينية، ولا تزال بعض مآثرهم الخلابة قائمة شامخة إلى يومنا هذا تشهد على عصرهم الذهبي في الأندلس والمغرب.وقد ظل مسجد تينمل طي النسيان لقرون، إلى أن خضع للترميم مرتين خلال السنوات الأخيرة، ولكن هناك مساع من أجل أن يكون الترميم أشمل وأدق، حتى يمكن للمسجد أن يستعيد دوره الأصلي في إقامة الصلوات والتعليم الديني الإسلامي لأبناء وبنات تلك المناطق النائية.سياسة ونساءوإذا سلك المرء طريقا أخرى من مدينة مراكش في اتجاه منطقة أوريكا، على بعد حوالي 30 كلم، يجد على سفح جبال الأطلس الكبير قرية أغمات، التي كانت تعدّ أهم مدن الغرب الإسلامي في أوائل العصور الوسطى. ويعود الوجود البشري فيها إلى فترة ما قبل الإسلام، لكن ابتداء من القرن السابع الميلادي، أصبحت مدينة بمعنى الكلمة. وخلال فترة حكم الأدارسة (ما بين القرن الثامن والعاشر الميلادي) شهدت ازدهارا ملحوظا إلى درجة صك العملات المعدنية فيها.تم تأسيسها قبل مدينة مراكش، وقد كانت عاصمة لحكم المرابطين في المغرب لفترة وجيزة خلال القرن الحادي عشر، علمًا بأن بسط المرابطين نفوذهم على أغمات أتى بعد القضاء على إمارة محلية هناك كانت تسمى المغراويين، حيث عاشت أمجادها لسنوات عديدة قبل أن تأفل وتصير مهجورة بعد ذلك بثلاثمائة سنة، ويحاول علماء الآثار اليوم إعادة بناء تاريخ هذه المعلمة الرائعة صعودا وأفولا.ومما تذكره المصادر التاريخية أنه بعدما قتل المرابطون أمير المغراويين الفارّ، تزوج أبو بكر بن عمر من زينب النفزاوية الأمازيغية، زوجة لقوط المغراوي، والتي قال عنها ابن خلدون «كانت إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة». وبالفعل، فما إن بدأ المرابطون في تأسيس مدينة مراكش حتى هبت زينب للمساهمة في هذا العمل، وقد طلقها أبو بكر بن عمر اللمتوني لتتزوج ابن عمه القائد يوسف بن تاشفين.لماذا حصل ذلك؟ سؤال أجاب عنه المؤرخ الناصري في كتابه الشهير «الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى» حيث سجل ما يلي: «كان الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني قد تزوج زينب بنت إسحاق النفزاوية، وكانت بارعة الجمال والحسن، وكانت مع ذلك حازمة لبيبة ذات عقل رصين ورأي متين ومعرفة بإدارة الأمور حتى كان يقال لها الساحرة، فأقام الأمير أبو بكر عندها في أغمات نحو ثلاثة أشهر، ثم ورد عليه رسول من بلاد القبلة فأخبره باختلال أمر الصحراء، ووقوع الخلاف بين أهلها. وكان الأمير أبو بكر رجلا ورعا، فعظم عليه أن يقتل المسلمون بعضهم بعضا، وهو قادر على كفهم، ولم ير أنه في سعة من ذلك وهو متولي أمرهم ومسؤول عنهم، فعزم على الخروج إلى بلاد الصحراء ليصلح أمرها، ويقيم رسم الجهاد فيها.ولمّا عزم على السفر، طلّق امرأته زينب وقال لها عند فراقه إياها: يا زينب إني ذاهب إلى الصحراء، وأنت امرأة جميلة بضة لا طاقة لك على حرارتها، وإني مطلقك، فإذا انقضت عدتك فانكحي ابن عمي يوسف بن تاشفين فهو خليفتي على بلاد المغرب. فطلّقها، ثم سافر عن أغمات وجعل طريقه على بلاد تادلا، حتى أتى سجلماسة، فدخلها وأقام فيها أياما حتى أصلح أحوالها ثم سافر إلى الصحراء».منفى المعتمد وزوجته الرميكيةتشتهر أغمات أيضا بكونها المكان الذي قضى فيه الملك الشاعر المعتمد بن عباد آخر أيامه، حين أزاحه القائد المرابطي يوسف بن تاشفين من عرشه في إشبيلية في الأندلس، وقاده أسيرا منفيا إلى أغمات، وما زال ضريح المعتمد وزوجته اعتماد الرميكية وابنه يشكل قبلة للزوار، حيث زينت قبة الضريح بأبيات للشاعر نفسه.وكان قد سبق المعتمد إلى هذا المنفى عبد الله بن بلكين أمير غرناطة. وفي أغمات عاش المعتمد كاسف البال، كسير القلب، يُعامَل معاملة سيئة، ويتجرع مرَّ الهوان، ليس بجانبه من يخفف عنه مأساته، ويطارحه الحديث، فتأنس نفسه وتهدأ. ينظر إلى بناته الأقمار، فيشقيه أنهن يغزلن ليحصلن على القوت، ولكنه كان يتجلد ويتذرع بالصبر، ويلجأ إلى شعره، فينفس عن نفسه بقصائد مُشجية مؤثرة. تدخل عليه بناته السجن في يوم عيد، فلما رآهن في ثياب رثة، تبدو عليهن آثار الفقر والفاقة، انسابت قريحته بشعر شجي حزين.واشتدت وطأة الأَسْرِ على اعتماد الرميكية زوجة المعتمد، ولم تقوَ طويلا على مغالبة المحنة، فتُوفيت قبل زوجها، ودُفنت في أغمات على مقربة من سجن زوجها. وطال أَسْر المعتمد، فبلغ نحو أربع سنوات حتى أنقذه الموت من هوان السجن وذل السجان، فلقي ربه في (11 من شوال 488 هـ/ 1095م) ودُفن إلى جانب زوجته.وأوردت بعض كتب التاريخ قصصا عن تعلق المعتمد بن عباد بزوجته اعتماد الرميكية التي كانت جارية لديه أيام المجد، فأسرف في تدليلها، حيث زرع لها أشجار اللوز على جبل قرطبة حتى إذا أزهر بياضا بدا وكأنه محمل بالثلج وذلك إرضاء لها، إذ يعلم أنها تحب الثلج وتحنّ لرؤيته.وذكر المؤرخ المقريزي أن المعتمد بن عباد كان يحب زوجته اعتماد حباً جما ويعاملها برفق ولين ويحرص على إرضائها وتلبية جميع رغباتها. وذات يوم، أطلت من شرفة القصر فرأت القرويات يمشين في الطين، فاشتهت أن تمشي هي أيضاً في الطين. وحدثت زوجها بذلك فخاف على قدميها أن يمسها الطين. فألحت عليه، فأمر المعتمد، فسحقت أشياء من الطيب، وذرت في ساحة القصر حتى عمَّته، ثم نصبت الغرابيل وصُبّ فيها ماء الورد على أخلاط الطيب وعجنت بالأيادي حتى عادت كالطين، وخاضت الرميكية مع جواريها بقدميها في هذا الطين الذي بلغت أثمانه آلاف الدنانير، وحققت رغبتها ومشت في الطين. وغاضبها المعتمد بن عباد في أحد الأيام، فأقسمت أنها لم تر منه خيراً قط، فقال: ولا يوم الطين؟ فاستحيت واعتذرت».أثر بعد عينمع توالي القرون، صارت أغمات أثرا بعد عين، ولم يبق من نسيجها الحضري سوى بضعة أطلال لقصر ومسجد وسور، علاوة على الحمّام التقليدي الجماعي الذي يوصف بأنه أقدم حمّام في المغرب، إذ كشفت عنه الحفريات بعد أن كان مطمورا وسط كومة من الأحجار والأتربة. يتكون الحمام من ثلاث غرف مغطاة ومختلفة الحرارة، بين باردة ودافئة وساخنة، على غرار هندسة الحمامات الشعبية الحالية، كما توجد فيه سراديب بعلو يصل إلى 4 أمتار.شيد الحمام في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر الميلادي، ويتميز بكبر مساحته مقارنة مع حمامات تلك الفترة، إذ تصل مساحته إلى 13 هكتارا، واستعمل لغرض الاستحمام لأكثر من 500 سنة، قبل أن يتحول بعدها إلى ورشة تقليدية ثم يتعرض للإهمال إلى أن تم اكتشافه بشكل عرضي إثر القيام بأنشطة زراعية في المنطقة.  

القدس العربي



اقرأ أيضاً
تعيين مدير جديد بالنيابة بالمركز الجهوي للاستثمار بمراكش
افادت مصادر مطلعة لـ كشـ24 ان مديرا جديدا بالنيابة سيباشر مهامه قريبا على رأس المجلس الجهوي للاستثمار بجهة مراكش آسفي . ويعتبر المركز الجهوي للاستثمار من اهم المؤسسات الحيوية التي تهدف إلى تيسير ودعم الاستثمار ويلعب دورًا حيويًا في تشجيع الاستثمار وخلق فرص العمل من خلال تبسيط الإجراءات وتوفير الدعم للمستثمرين.
جهوي

حجز كميات كبيرة من الزيتون والمخللات الفاسدة بالصويرة
أسفرت عملية مراقبة ميدانية نفذتها لجنة مختلطة بمدينة الصويرة عن حجز كميات هامة من الزيتون والمخللات الفاسدة كانت مخزنة في ظروف غير صحية ومخالفة للمعايير المعتمدة. وداهمت اللجنة المكونة من ممثلين عن قسم الشؤون الاقتصادية بعمالة الإقليم، والمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا)، والسلطات المحلية، محلًا تجاريًا يقع بأحد الأحياء الهامشية للمدينة، مما أسفر عن ضبط براميل تحتوي على كميات كبيرة من المواد الفاسدة المخزنة في بيئة تفتقر لأدنى شروط النظافة والسلامة، وفي غياب تام لوسائل التهوية والتبريد والتعقيم. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن هذه المواد كانت موجهة للتوزيع والاستهلاك المحلي، كما تبين أن المحل لا يتوفر على أي ترخيص قانوني لمزاولة النشاط، ويشتغل في خفاء عن أعين السلطات. وقد تم على إثر ذلك تحرير محضر مخالفة في حق صاحب المحل، مع اتخاذ الإجراءات القانونية المعتمدة لإتلاف المواد المحجوزة، وفتح تحقيق شامل لتحديد مصدر هذه المنتجات وتتبع قنوات توزيعها، بهدف منع تسربها إلى الأسواق المحلية وحماية صحة المواطنين.
جهوي

دخان مطرح للنفايات يكتم أنفاس ساكنة ابن جرير
مع ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف عاد ملف المطرح الجماعي للنفايات بمدينة ابن جرير إلى واجهة النقاش المحلي، بعدما أصبح مصدرًا دائمًا لانبعاث دخان كثيف وروائح كريهة، ما يثير مخاوف بيئية وصحية في أوساط السكان، ولاسيما بالأحياء المجاورة والمناطق الواقعة في اتجاه الرياح. وفي وقت تتصاعد فيه أصوات المتضررين، زادت حدة الانتقادات الموجهة للمجلس البلدي على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في ظل غياب حلول واقعية لهذه الأزمة المستمرة. وبحسب تصريحات سكان المدينة، فإنهم يشعرون بالتجاهل التام من قبل المسؤولين الذين يرفضون الاستجابة لمطالبهم المتكررة. فقد استنكر المواطنون ما وصفوه بـ"التراخي والاستهتار" من طرف المنتخبين، وهو ما يزيد من شعورهم بالاستياء ويعمق غضبهم. واعتبر العديد من الفاعلين المحليين أن "فشل المنتخبين" في إيجاد حل جذري لهذه الأزمة هو السبب الرئيس وراء تصاعد الغضب في صفوف المواطنين. وفي هذا الصدد، بدأت تتشكل دعوات إلى تنظيم احتجاجات شعبية قادمة في حال استمر هذا الإهمال والتجاهل.
جهوي

مطاعم ومقاهي تُغلق أبوابها بسيتي فاضمة والسلطات تتدخل
في خطوة احتجاجية، أقدم عدد من أصحاب المقاهي والمطاعم بستي فاضمة التابعة لإقليم الحوز، يوم أمس الثلاثاء 08 يوليوز الجاري، على إغلاق محلاتهم مؤقتا، بعد تدخل السلطات، لهدم البراريك والأطناف التي أقيمت بشكل غير قانوني على ضفاف الوادي، في إطار حملة لمحاربة العشوائية واستعادة النظام في المجال العام.وقد تفاجأ عدد من الزوار والسياح الذين توافدوا على المنطقة بإغلاق هذه المحلات، ما أثار حالة من التذمر لدى البعض، خصوصا وأن المنطقة تعد من أبرز الوجهات السياحية الطبيعية القريبة من مراكش، وتعرف إقبالا واسعا في فصل الصيف. ووفق مصادر الجريدة، فإن هذا الإغلاق لم يكن إلا خطوة احتجاجية تضامنية من قبل أصحاب المحلات مع زملائهم الذين شملتهم قرارات السلطة، حيث لم تتجاوز مدته ساعة، قبل أن تعود المقاهي والمطاعم لفتح أبوابها واستقبال الزبناء بشكل طبيعي. وبحسب المصادر ذاتها، فإن إعادة فتح هذه المحلات، جاء عقب اجتماع بين المحتجين ورئيس جماعة سيتي فاضمة بحضور السلطة المحلية بقيادة سيتي فاضمة، أسفر عن تهدئة الوضع وذلك بعد طمأنة أصحاب المقاهي والمطاعم التي استهدفتها الحملة.ورغم أن الإغلاق لم يستمر لأكثر من نصف ساعة قبل أن تستأنف المقاهي استقبال زبائنها، إلا أنه كان كافيا لتسليط الضوء على الإشكالية المعقدة المتعلقة بتنظيم النشاط التجاري والسياحي في المناطق الطبيعية، والتوازن بين الحفاظ على جمالية المكان وضمان مصدر رزق السكان المحليين.  
جهوي

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الخميس 10 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة