

رياضة
كيف سيُحسم ديربي مصر والمغرب في ربع نهائي كأس أمم أفريقيا؟
تتجه أنظار عشرات الملايين في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى ملعب «أحمد أهيدجو»، لمتابعة الدربي العربي الخالص بين المنتخب المغربي وشقيقه المصري، في مباراة تحديد هوية من سيعود إلى وطنه مساء اليوم الأحد، ومن سيبقى في الكاميرون حتى اليوم الأخير للبطولة، بعد نجاح أسود أطلس في قلب الطاولة على مالاوي بنتيجة 2-1، وتبعهم الفراعنة بالإطاحة بضحيتهم المفضلة كوت ديفوار بمساعدة ركلات الترجيح.طريق الأسودكان المنتخب المغربي من القلائل، الذين كشروا عن أنيابهم منذ ركلة بداية الكان، بإظهار الكثير من ملامح شخصيته وأهدافه من زيارة الكاميرون، وفعلها في اللقاء الافتتاحي لمجموعته الثالثة، بإرسال المنتخب الغاني إلى المجهول، بفضل هدف المتألق سفيان بوفال في نهاية المباراة، قبل أن يستعرض رجال المدرب وحيد خليلوزيتش قوتهم المفرطة أمام ممثل العرب الجديد في البطولة منتخب جزر القمر، بالفوز عليه بثنائية نظيفة كانت قابلة للضعفين على أقل تقدير، ليأتي موعد الاحتكاك الحقيقي بأول اختبار لثقة وعقلية هؤلاء النجوم أمام الغابون، بالعودة في نتيجة المباراة بعد التأخر مرتين، كأفضل درس خرج به الأسود من الدور الأول، والدليل على ذلك، ما حدث لأشرف حكيمي وباقي الرفاق بعد استقبال هدف جابادينيو مهانجو السينمائي في أول 7 دقائق من مقابلة مالاوي في بداية خروج المغلوب، اذ لاحظنا أن المنتخب تحرر من القيود والضغوط، ولم يقع في فخ 2019، عندما استنفد كل طاقته في مرحلة المجموعات، لجمع العلامة الكاملة في مجموعة الموت التي كانت تضم كوت ديفوار جنوب أفريقيا وناميبيا، ليدفع ضريبة باهظة الثمن أمام منتخب بنين في أول مباراة إقصائية بنظام المسابقة بمشاركة 24 منتخبا للمرة الأولى، لكن هذه المرة، بدا المنتخب المغربي أكثر تواضعا أمام مالاوي، كأنه يقارع أحد جبابرة القارة، وليس ذاك المنتخب الذي لم يسبق له تذوق طعم ترويض الأسود، وتجلى ذلك في الإعصار الجامح على مرمى الحارس تشارلز ثومو، بهجوم كاسح من كل بقعة في منتصف ملعبه، بالأخص من جهة أفضل ظهير أيمن في العالم أشرف حكيمي، الذي يعطي الجميع دروسا مجانية في كل مباراة حول الوفاء والإخلاص والتفاني من أجل الوطن، دعك من روحه القتالية النادرة، الأهم هو الفدائية التي يلعب بها، تشعر وكأنه لا يخشى من مسألة التعرض لإصابة أو أي شيء يؤثر على مكانه أو مستقبله مع ناديه باريس سان جيرمان، ويكفي أنه يمتع الجميع بنسخة فاخرة، أشبه بالعداء الأولمبي الذي يجمع بين السرعة الجنونية والجودة في كل فنون كرة القدم، آخرها ما كشف عنه في مباراتي الغابون ومالاوي، بمغازلة الشباك عن طريق الكرات الثابتة، دليلا على اجتهاده وعمله الدائم على التطوير بالطريقة التي يرسمها لنفسه، كواحد من أفضل لاعبي العالم في مركزه، إن لم يكن الأفضل بمسافة هائلة عن أقرب منافسيه، من وجهة نظر البعض.ويُحسب للمدرب خليلوزيتش، ابتعاده عن فلسفته الزائدة، بإعادة اللاعبين إلى مراكزهم، باستثناء أيوب الكعبي، الذي ما زال يوظفه في بقع بعيدة عن مملكته ومكانه المفضل داخل مربع العمليات، ولو أنه بالمجمل حقق الجزء الأكبر من آمال وتوقعات الشارع الكروي المغربي بالعودة إلى الأصول، أو كما وصفها أسطورة المنتخب نور الدين النيبت «الساهلة»، باللعب بنفس القوام والأفكار التي ختم بها تصفيات كأس العالم 2022، وليس بتحويل المنتخب إلى حقل تجارب، على غرار ما فعله في مباراة الغابون، ووضح ذلك من خلال السلاسة التي كان يصل بها بوفال ويوسف النصيري والبقية إلى الثلث الأخير من الملعب، تارة بالحلول الفردية من على الأطراف، وتارة أخرى بالتصويب من خارج منطقة الجزاء، ناهيك عن العرضيات والفرص المؤكدة بنسبة 100% التي خلقها المغاربة في أول 45 دقيقة، منها ضربتان في اطار المرمى، بخلاف توفيق الحارس في أكثر من الضعف، إلى أن أعاد النصيري الأمور إلى نصابها الصحيح بإدراك هدف التعديل قبل الذهاب إلى غرف خلع الملابس بين الشوطين، وتبعه نجم المنتخب الأول حكيمي، باللوحة الإبداعية الثانية التي رسمها في شباك الحارس المالاوي المغلوب على أمره، الذي خانه ذكاؤه، باعتقاد خاطئ بأن نجم «بي إس جي»، سيكرر نفس تصويبة هدفه العالمي في مرمى الغابون، ليستفيق على الحيلة الجديدة، بالتسديد في الزاوية القريبة، ليحمل منتخبه إلى دور الثمانية، أو بعبارة أخرى، لكسر عقدة دور المجموعات والمباراة الأولى في مراحل خروج المغلوب، منذ الذهاب بعيدا في نسخة تونس 2004، التي خسرها الأسود بهدفين لهدف في نهائي «رادس».عودة الفراعنةفي اليوم التالي، لضمان العرب للمقعد الثاني في دور الثمانية بفوز المغرب على مالاوي بعد مفاجأة تونس السارة أمام نيجيريا، أثبت المنتخب المصري أنه لم يحكم القارة السمراء بيد من حديد على مدار عقود من فراغ، مكررا ما يفعله دائما في ضحيته المفضلة في غرب أفريقيا كوت ديفوار، وكما أشرنا الأسبوع الماضي، في ظروف كربونية لما يحدث دائما قبل صدام الأفيال مع الفراعنة، دائما تكون التوقعات والترشيحات في مصلحة الأفيال، للفوارق الشاسعة على مستوى القوة والجودة، لما يملك الإيفواريون من محترفين في أعلى مستوى تنافسي في القارة العجوز، مقارنة بالمنتخب المصري، الذي يعول على مجموعة من أبرز المواهب المحلية المحترفة في الأهلي والزمالك على وجه الخصوص، ومعهم أعداد تعد على يد الواحدة من المحترفين في أوروبا. الفارق الوحيد هذه المرة، أن سلطان القارة ذهب إلى «غابوما» بواحد من عظماء الكرة في الوقت الراهن محمد صلاح، لكن في ما يخص باقي المراكز، فهناك من أسكندرية إلى أسوان، يعرفون أن الكفة تميل للمنافس، اللهم إلا في أفضلية حراسة المرمى، في وجود العملاق محمد الشناوي، الذي اختير أفضل حارس في الدور الأول، لكن على أرض الواقع، من داخلهم ثقة تلامس عنان السماء، أنهم سيفوزون على كوت ديفوار بطريقة أو بأخرى، وهذا ما لخصه محمد أبوتريكة على لسان الملايين في رسالته العاطفية لمحمد صلاح ورفاقه، حول رعب هذه المنتخبات من اسم وتاريخ مصر، بغض النظر عن الأسماء والجودة وكل مقدسات كرة القدم، ولعل صورة الحارس علي بدرا سانغاري، وكل ملامح الذعر والخوف تفوح من وجهه قبل ركلة أبوصلاح الحاسمة، كانت معبرة لكلمات أبوتريكة. أبعد من ذلك، هناك إعلان رائج بين الفواصل في شبكة «بي إن»، يرتكز على هذه الفكرة. صحيح عزيزي القارئ ستبتسم وأنت تشاهد هؤلاء المتعصبين وهم يرددون الكلمات الساخرة «ما يهمش هاني ولا سامي، إحنا مش بتوع أسامي» إلخ، لكنها معبرة عن حال المصريين، أو بالأحرى عهدهم ونظرتهم لهذه البطولة، كمنتخب يهابه الكبير قبل الصغير في كل أرجاء الماما أفريكا، حتى لو كان في أسوأ حالاته، وهذا الشعور، يتشكل وينمو في وعي اللاعبين منذ الطفولة، برؤية الاحتفالات الشعبية بأبطال المراهقة بعد كل تتويج أفريقي. وبالنسبة لصلاح وهذا الجيل، فقد ترعرع وتعلق قلبه بالكرة، بسبب جيل أبوتريكة ووائل جمعة وعصام الحضري ومحمد زيدان والبقية الذهبي، ولهذا تعلق عليهم الآمال في مصر، لإعادة المنتخب إلى وضعه ومكانته التي يبحث عنها الجميع منذ نهاية هذا الجيل مع انتهاء ولاية المعلم حسن شحاتة 2010.منعرج طريقكان واضحا من تصريحات صلاح في حديثه الروتيني مع الصحافيين، أن اللاعبين منزعجون من فكرة تجاهل المنتخب وعدم مساندته بالشكل المطلوب، أو على أقل تقدير كما كانت تلتف كل طبقات الشعب حول المنتخب في التسعينات والعقد الأول من القرن الجديد. وبعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف حول ما قاله النجم الكبير، فواحدة من أسباب التنمر والسخرية على المنتخب في السنوات الأخيرة، تكمن في المحتوى السيئ الذي يقدمه المنتخب، حتى مع تعاقب مجالس اتحاد الكرة والمدربين، في ما يُعرف في الشارع المصري بأسلوب «باصي لصلاح»، الذي أسسه الأمريكي بوب برادلي في تصفيات كأس العالم 2014، واتبعه كل من تولى قيادة المنتخب، إلى أن جاءت المصالحة في مباراة كوت ديفوار، بنجاح هذا الجيل في تقديم الصورة التي يريدها وينتظرها كل مشجع من المنتخب، باللعب بروح قتالية وخلق فرص على مرمى المنافس، حتى لو كانت الضريبة خسارة النتيجة، وهذا وضح من خلال تفوق الفراعنة على الأفيال في أم المعارك في منتصف الملعب، خاصة بعد هدية السماء إلى الأرض، بتعرض القائد فرانك كيسي لإصابة، على إثرها اضطر لمغادرة الملعب في أول ربع ساعة، ليظهر دور الثلاثي السولية والنني وحمدي فتحي، باستغلال مثالي للخطأ الغريب الذي قام به المدرب باتريس بوميل، بإبعاد جان ميشيل سيري عن العمق، وإرساله على الطرف الأيسر، ليترك مكانه للمخضرم سيري داي، ليقوم بدور اللاعب رقم 8، ولاحظنا الفارق الكبير في سهولة تدرج الكرة من قدم إلى قدم بعد خروج كيسي، وهذا ساعد عمر مرموش لإيجاد الثغرات التي حرم منها في أول 3 مباريات، ولولا غياب التوفيق عنه، لوضع مصر في المقدمة بتسديدته الرائعة التي أوقفتها العارضة، وبالمثل تسابق السولية ومصطفى محمد والبديل محمود حسن تريزيغيه في إهدار الفرصة السهلة تلو الأخرى، ومن حسن الحظ، كان الشناوي في أفضل حالاته كالعادة، بنجاحه في التصدي لهدفين محققين على أقل تقدير، قبل أن يترك مكانه لأبوجبل، ليثبت فعليا أن المنتخب المصري لا ينظر إلى الأسماء، بتصدي هوليوودي في الأشواط الإضافية لتسديدة في المكان المستحيل في المرمى، ثم بالتصدي لركلة الجزاء التي ساهمت في وصول المنتخب إلى دور الثمانية، ليضرب موعدا مع نظيره المغربي، بذكريات آخر مواجهة رسمية جمعت الكبيرين، عندما نجح محمود كهربا في فك العقدة المغربية بالضربة القاضية في الدقيقة 88، في دور الثمانية بنسخة 2017، آخر نسخة بالنظام القديم بمشاركة 16 منتخباً.أطلال العقدةصحيح لغة الأرقام تنحاز للمنتخب المغربي في ما يخص المواجهات المباشرة مع المنتخب المصري، بتحقيق 13 انتصاراً و11 تعادلاً مقابل 3 هزائم في 27 مواجهة تاريخية سابقة، على مستوى المواجهات في بطولة أفريقيا، نجد أن الأرقام متقاربة إلى حد كبير، بـ3 انتصارات مغربية مقابل انتصارين للمنتخب المصري وتعادل وحيد في 6 لقاءات تاريخية سابقة على مستوى الأميرة الأفريقية، ما يعطي مؤشرات الى أنها ستكون مواجهة خارج التوقعات، تماما كما تظهر المؤشرات على أرض الواقع، الى تكافؤ ملموس في موازين القوى هناك وهناك، والأسلحة العالمية القادرة على صناعة الفارق في الأوقات الحاسمة، فكما يلعب الأسود بروح قتالية وسلاسة في غزو المنافسين، معتمدا على إمكانات حكيمي والنصيري وبوفال وأمرابط والبقية للوصول إلى المرمى بكل الطرق، أيضا منتخب مصر، أظهر وجهه المعروف عنه، بإقصاء المرشح الكبير للذهاب بعيدا في البطولة، بجدارة واستحقاق. وقبل هذا وذاك، خرج باكتشافات لا تقدر بثمن بالنسبة للمستقبل، والحديث عن مشروع المدافع العملاق محمد عبدالمنعم، الذي قدم أوراق اعتماده، كقائد مستقبلي، بترويض مهاجم جامح بحجم سباستيان هالر، هداف أياكس والنسخة الحالية لدوري أبطال أوروبا، رغم أن خبرته لا تتعدى قطاع الشباب في الأهلي والشهور القليلة التي قضاها مع فريق فيوتشر المحلي. وبالمثل الظهير الأيمن عمر كمال، الذي بدا في ثوب أحمد فتحي العصري، بصمود يُحسد عليه أمام لاعبين بخبرة وموهبة ويلفريد زاها وماكس جارديل، وبالمثل أحمد أبوالفتوح مع نيكولاس بيبي في الرواق الأيسر، وقبل هؤلاء رجل المباراة محمد النني، برده العملي على حملة الهجوم الضاري، التي تعرض لها في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، بوضعه في إطار اللاعب الموظف أو السلبي، مقدما واحدة من أفضل عروضه على الإطلاق طوال مسيرته، باللعب بشكل عمودي، وليس بالتمرير العرضي، مع ضغط هائل على حامل الكرة على يمين دائرة الملعب، ناهيك عن جديته وصرامته داخل الملعب، كما أناب عن صلاح في دور القيادة، في مشهد توجيه مصطفى فتحي، بعد ضياع إحدى الفرص.بوجه عام، ستكون مواجهة مختلفة عن أطلال عقد المغرب لمصر القديمة، ولو أن الأفضلية ستبقى في مصلحة المنتخب المغربي، بصرف النظر عن الاتفاق العريض هناك في المغرب، أو ما تُعرف بسياسة التوفيق للغير، لطرد الأرواح الشريرة وإبعاد عين الحسود عن كتيبة خليلوزيتش، أولا لأسلوبه المخيف لكل المنافسين، كفريق منظم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويملك من الجودة والمواهب ما يكفي في كل المراكز بدون استثناء، لإحراج أعتى منتخبات العالم، كما فعلها أغلب هذا الجيل أمام إسبانيا والبرتغال وإيران في كأس العالم 2018. الفارق، أنهم الآن أكثر خبرة وتزويدا بالعناصر الشابة التي تبحث عن نصف فرصة مع المنتخب، حتى بعد استبعاد حكيم زياش، الذي صب في مصلحة كلا الطرفين، بإعطاء كل اللاعبين درسا، بأن شعار المنتخب فوق الجميع، منها عرف وحيد كيف يفرض سيطرته على غرفة خلع الملابس، التي عُرف عنها في السنوات الماضية، أنها مليئة بالمشاكل والأزمات، وفي المقابل، بدأ زياش يستعيد سحره وبريقه مع تشلسي، آخرها هدفه السينمائي في دربي لندن. الشاهد، أن المنتخب المغربي سيخوض صدام اليوم بفرص تلامس الـ55%، وهذا سيتوقف على اللاعبين ومدى جاهزيتهم لمواصلة عروضهم الرائعة، مع استغلال عامل الاستقرار في العاصمة ياوندي، باللعب للمرة الخامسة على التوالي على ملعب «أحمدو أهيدغو»، على عكس نظيره المصري الذي سيخوض مباراته الثانية على نفس الملعب، والثالثة على ملاعب ومدن مختلفة، فضلا عن التمتع برفاهية الحصول على 24 ساعة راحة أكثر من الفراعنة، الذين بذلوا مجهودا مضاعفا على مدار 120 دقيقة أمام الأفيال، وخرجوا بخسائر فادحة، وصلت لحد خسارة الحارس الشناوي حتى نهاية البطولة، ومعه لاعب الارتكاز حمدي فتحي، بخلاف الشكوك التي تحوم حول فرص زميلهم الأهلاوي محمد شريف، بعد تعرضه لجرح عميق في الفم، لكن بمجرد أن تنطلق صافرة بداية الدربي العربي، ستكون الكلمة الأخيرة للاعبين، خاصة بعد ارتفاع سقف طموح المشجعين في مصر، بظهور المنتخب بصورته الخالدة في الأذهان، كمنتخب يعرف كيف يحلق بعيدا في بطولته المفضلة، فهل يا ترى سينجح المنتخب المغربي في إعادة العقدة القديمة؟ أم أن هذا الجيل الذي حقق أول فوز على المغرب منذ هدف طاهر أبوزيد في نسخة 1986 سيدون نهاية العقدة إلى الأبد مع تفوق الأهلي والزمالك بشكل كاسح على ممثلي المغرب في السنوات القليلة الماضية على عكس الوضع في بداية الألفية وما قبلها؟ هذا ما سنعرفه مساء اليوم. بالتوفيق للفائز الذي سيقضي ليلة سعيدة.القدس العربي
تتجه أنظار عشرات الملايين في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى ملعب «أحمد أهيدجو»، لمتابعة الدربي العربي الخالص بين المنتخب المغربي وشقيقه المصري، في مباراة تحديد هوية من سيعود إلى وطنه مساء اليوم الأحد، ومن سيبقى في الكاميرون حتى اليوم الأخير للبطولة، بعد نجاح أسود أطلس في قلب الطاولة على مالاوي بنتيجة 2-1، وتبعهم الفراعنة بالإطاحة بضحيتهم المفضلة كوت ديفوار بمساعدة ركلات الترجيح.طريق الأسودكان المنتخب المغربي من القلائل، الذين كشروا عن أنيابهم منذ ركلة بداية الكان، بإظهار الكثير من ملامح شخصيته وأهدافه من زيارة الكاميرون، وفعلها في اللقاء الافتتاحي لمجموعته الثالثة، بإرسال المنتخب الغاني إلى المجهول، بفضل هدف المتألق سفيان بوفال في نهاية المباراة، قبل أن يستعرض رجال المدرب وحيد خليلوزيتش قوتهم المفرطة أمام ممثل العرب الجديد في البطولة منتخب جزر القمر، بالفوز عليه بثنائية نظيفة كانت قابلة للضعفين على أقل تقدير، ليأتي موعد الاحتكاك الحقيقي بأول اختبار لثقة وعقلية هؤلاء النجوم أمام الغابون، بالعودة في نتيجة المباراة بعد التأخر مرتين، كأفضل درس خرج به الأسود من الدور الأول، والدليل على ذلك، ما حدث لأشرف حكيمي وباقي الرفاق بعد استقبال هدف جابادينيو مهانجو السينمائي في أول 7 دقائق من مقابلة مالاوي في بداية خروج المغلوب، اذ لاحظنا أن المنتخب تحرر من القيود والضغوط، ولم يقع في فخ 2019، عندما استنفد كل طاقته في مرحلة المجموعات، لجمع العلامة الكاملة في مجموعة الموت التي كانت تضم كوت ديفوار جنوب أفريقيا وناميبيا، ليدفع ضريبة باهظة الثمن أمام منتخب بنين في أول مباراة إقصائية بنظام المسابقة بمشاركة 24 منتخبا للمرة الأولى، لكن هذه المرة، بدا المنتخب المغربي أكثر تواضعا أمام مالاوي، كأنه يقارع أحد جبابرة القارة، وليس ذاك المنتخب الذي لم يسبق له تذوق طعم ترويض الأسود، وتجلى ذلك في الإعصار الجامح على مرمى الحارس تشارلز ثومو، بهجوم كاسح من كل بقعة في منتصف ملعبه، بالأخص من جهة أفضل ظهير أيمن في العالم أشرف حكيمي، الذي يعطي الجميع دروسا مجانية في كل مباراة حول الوفاء والإخلاص والتفاني من أجل الوطن، دعك من روحه القتالية النادرة، الأهم هو الفدائية التي يلعب بها، تشعر وكأنه لا يخشى من مسألة التعرض لإصابة أو أي شيء يؤثر على مكانه أو مستقبله مع ناديه باريس سان جيرمان، ويكفي أنه يمتع الجميع بنسخة فاخرة، أشبه بالعداء الأولمبي الذي يجمع بين السرعة الجنونية والجودة في كل فنون كرة القدم، آخرها ما كشف عنه في مباراتي الغابون ومالاوي، بمغازلة الشباك عن طريق الكرات الثابتة، دليلا على اجتهاده وعمله الدائم على التطوير بالطريقة التي يرسمها لنفسه، كواحد من أفضل لاعبي العالم في مركزه، إن لم يكن الأفضل بمسافة هائلة عن أقرب منافسيه، من وجهة نظر البعض.ويُحسب للمدرب خليلوزيتش، ابتعاده عن فلسفته الزائدة، بإعادة اللاعبين إلى مراكزهم، باستثناء أيوب الكعبي، الذي ما زال يوظفه في بقع بعيدة عن مملكته ومكانه المفضل داخل مربع العمليات، ولو أنه بالمجمل حقق الجزء الأكبر من آمال وتوقعات الشارع الكروي المغربي بالعودة إلى الأصول، أو كما وصفها أسطورة المنتخب نور الدين النيبت «الساهلة»، باللعب بنفس القوام والأفكار التي ختم بها تصفيات كأس العالم 2022، وليس بتحويل المنتخب إلى حقل تجارب، على غرار ما فعله في مباراة الغابون، ووضح ذلك من خلال السلاسة التي كان يصل بها بوفال ويوسف النصيري والبقية إلى الثلث الأخير من الملعب، تارة بالحلول الفردية من على الأطراف، وتارة أخرى بالتصويب من خارج منطقة الجزاء، ناهيك عن العرضيات والفرص المؤكدة بنسبة 100% التي خلقها المغاربة في أول 45 دقيقة، منها ضربتان في اطار المرمى، بخلاف توفيق الحارس في أكثر من الضعف، إلى أن أعاد النصيري الأمور إلى نصابها الصحيح بإدراك هدف التعديل قبل الذهاب إلى غرف خلع الملابس بين الشوطين، وتبعه نجم المنتخب الأول حكيمي، باللوحة الإبداعية الثانية التي رسمها في شباك الحارس المالاوي المغلوب على أمره، الذي خانه ذكاؤه، باعتقاد خاطئ بأن نجم «بي إس جي»، سيكرر نفس تصويبة هدفه العالمي في مرمى الغابون، ليستفيق على الحيلة الجديدة، بالتسديد في الزاوية القريبة، ليحمل منتخبه إلى دور الثمانية، أو بعبارة أخرى، لكسر عقدة دور المجموعات والمباراة الأولى في مراحل خروج المغلوب، منذ الذهاب بعيدا في نسخة تونس 2004، التي خسرها الأسود بهدفين لهدف في نهائي «رادس».عودة الفراعنةفي اليوم التالي، لضمان العرب للمقعد الثاني في دور الثمانية بفوز المغرب على مالاوي بعد مفاجأة تونس السارة أمام نيجيريا، أثبت المنتخب المصري أنه لم يحكم القارة السمراء بيد من حديد على مدار عقود من فراغ، مكررا ما يفعله دائما في ضحيته المفضلة في غرب أفريقيا كوت ديفوار، وكما أشرنا الأسبوع الماضي، في ظروف كربونية لما يحدث دائما قبل صدام الأفيال مع الفراعنة، دائما تكون التوقعات والترشيحات في مصلحة الأفيال، للفوارق الشاسعة على مستوى القوة والجودة، لما يملك الإيفواريون من محترفين في أعلى مستوى تنافسي في القارة العجوز، مقارنة بالمنتخب المصري، الذي يعول على مجموعة من أبرز المواهب المحلية المحترفة في الأهلي والزمالك على وجه الخصوص، ومعهم أعداد تعد على يد الواحدة من المحترفين في أوروبا. الفارق الوحيد هذه المرة، أن سلطان القارة ذهب إلى «غابوما» بواحد من عظماء الكرة في الوقت الراهن محمد صلاح، لكن في ما يخص باقي المراكز، فهناك من أسكندرية إلى أسوان، يعرفون أن الكفة تميل للمنافس، اللهم إلا في أفضلية حراسة المرمى، في وجود العملاق محمد الشناوي، الذي اختير أفضل حارس في الدور الأول، لكن على أرض الواقع، من داخلهم ثقة تلامس عنان السماء، أنهم سيفوزون على كوت ديفوار بطريقة أو بأخرى، وهذا ما لخصه محمد أبوتريكة على لسان الملايين في رسالته العاطفية لمحمد صلاح ورفاقه، حول رعب هذه المنتخبات من اسم وتاريخ مصر، بغض النظر عن الأسماء والجودة وكل مقدسات كرة القدم، ولعل صورة الحارس علي بدرا سانغاري، وكل ملامح الذعر والخوف تفوح من وجهه قبل ركلة أبوصلاح الحاسمة، كانت معبرة لكلمات أبوتريكة. أبعد من ذلك، هناك إعلان رائج بين الفواصل في شبكة «بي إن»، يرتكز على هذه الفكرة. صحيح عزيزي القارئ ستبتسم وأنت تشاهد هؤلاء المتعصبين وهم يرددون الكلمات الساخرة «ما يهمش هاني ولا سامي، إحنا مش بتوع أسامي» إلخ، لكنها معبرة عن حال المصريين، أو بالأحرى عهدهم ونظرتهم لهذه البطولة، كمنتخب يهابه الكبير قبل الصغير في كل أرجاء الماما أفريكا، حتى لو كان في أسوأ حالاته، وهذا الشعور، يتشكل وينمو في وعي اللاعبين منذ الطفولة، برؤية الاحتفالات الشعبية بأبطال المراهقة بعد كل تتويج أفريقي. وبالنسبة لصلاح وهذا الجيل، فقد ترعرع وتعلق قلبه بالكرة، بسبب جيل أبوتريكة ووائل جمعة وعصام الحضري ومحمد زيدان والبقية الذهبي، ولهذا تعلق عليهم الآمال في مصر، لإعادة المنتخب إلى وضعه ومكانته التي يبحث عنها الجميع منذ نهاية هذا الجيل مع انتهاء ولاية المعلم حسن شحاتة 2010.منعرج طريقكان واضحا من تصريحات صلاح في حديثه الروتيني مع الصحافيين، أن اللاعبين منزعجون من فكرة تجاهل المنتخب وعدم مساندته بالشكل المطلوب، أو على أقل تقدير كما كانت تلتف كل طبقات الشعب حول المنتخب في التسعينات والعقد الأول من القرن الجديد. وبعيدا عن الاتفاق أو الاختلاف حول ما قاله النجم الكبير، فواحدة من أسباب التنمر والسخرية على المنتخب في السنوات الأخيرة، تكمن في المحتوى السيئ الذي يقدمه المنتخب، حتى مع تعاقب مجالس اتحاد الكرة والمدربين، في ما يُعرف في الشارع المصري بأسلوب «باصي لصلاح»، الذي أسسه الأمريكي بوب برادلي في تصفيات كأس العالم 2014، واتبعه كل من تولى قيادة المنتخب، إلى أن جاءت المصالحة في مباراة كوت ديفوار، بنجاح هذا الجيل في تقديم الصورة التي يريدها وينتظرها كل مشجع من المنتخب، باللعب بروح قتالية وخلق فرص على مرمى المنافس، حتى لو كانت الضريبة خسارة النتيجة، وهذا وضح من خلال تفوق الفراعنة على الأفيال في أم المعارك في منتصف الملعب، خاصة بعد هدية السماء إلى الأرض، بتعرض القائد فرانك كيسي لإصابة، على إثرها اضطر لمغادرة الملعب في أول ربع ساعة، ليظهر دور الثلاثي السولية والنني وحمدي فتحي، باستغلال مثالي للخطأ الغريب الذي قام به المدرب باتريس بوميل، بإبعاد جان ميشيل سيري عن العمق، وإرساله على الطرف الأيسر، ليترك مكانه للمخضرم سيري داي، ليقوم بدور اللاعب رقم 8، ولاحظنا الفارق الكبير في سهولة تدرج الكرة من قدم إلى قدم بعد خروج كيسي، وهذا ساعد عمر مرموش لإيجاد الثغرات التي حرم منها في أول 3 مباريات، ولولا غياب التوفيق عنه، لوضع مصر في المقدمة بتسديدته الرائعة التي أوقفتها العارضة، وبالمثل تسابق السولية ومصطفى محمد والبديل محمود حسن تريزيغيه في إهدار الفرصة السهلة تلو الأخرى، ومن حسن الحظ، كان الشناوي في أفضل حالاته كالعادة، بنجاحه في التصدي لهدفين محققين على أقل تقدير، قبل أن يترك مكانه لأبوجبل، ليثبت فعليا أن المنتخب المصري لا ينظر إلى الأسماء، بتصدي هوليوودي في الأشواط الإضافية لتسديدة في المكان المستحيل في المرمى، ثم بالتصدي لركلة الجزاء التي ساهمت في وصول المنتخب إلى دور الثمانية، ليضرب موعدا مع نظيره المغربي، بذكريات آخر مواجهة رسمية جمعت الكبيرين، عندما نجح محمود كهربا في فك العقدة المغربية بالضربة القاضية في الدقيقة 88، في دور الثمانية بنسخة 2017، آخر نسخة بالنظام القديم بمشاركة 16 منتخباً.أطلال العقدةصحيح لغة الأرقام تنحاز للمنتخب المغربي في ما يخص المواجهات المباشرة مع المنتخب المصري، بتحقيق 13 انتصاراً و11 تعادلاً مقابل 3 هزائم في 27 مواجهة تاريخية سابقة، على مستوى المواجهات في بطولة أفريقيا، نجد أن الأرقام متقاربة إلى حد كبير، بـ3 انتصارات مغربية مقابل انتصارين للمنتخب المصري وتعادل وحيد في 6 لقاءات تاريخية سابقة على مستوى الأميرة الأفريقية، ما يعطي مؤشرات الى أنها ستكون مواجهة خارج التوقعات، تماما كما تظهر المؤشرات على أرض الواقع، الى تكافؤ ملموس في موازين القوى هناك وهناك، والأسلحة العالمية القادرة على صناعة الفارق في الأوقات الحاسمة، فكما يلعب الأسود بروح قتالية وسلاسة في غزو المنافسين، معتمدا على إمكانات حكيمي والنصيري وبوفال وأمرابط والبقية للوصول إلى المرمى بكل الطرق، أيضا منتخب مصر، أظهر وجهه المعروف عنه، بإقصاء المرشح الكبير للذهاب بعيدا في البطولة، بجدارة واستحقاق. وقبل هذا وذاك، خرج باكتشافات لا تقدر بثمن بالنسبة للمستقبل، والحديث عن مشروع المدافع العملاق محمد عبدالمنعم، الذي قدم أوراق اعتماده، كقائد مستقبلي، بترويض مهاجم جامح بحجم سباستيان هالر، هداف أياكس والنسخة الحالية لدوري أبطال أوروبا، رغم أن خبرته لا تتعدى قطاع الشباب في الأهلي والشهور القليلة التي قضاها مع فريق فيوتشر المحلي. وبالمثل الظهير الأيمن عمر كمال، الذي بدا في ثوب أحمد فتحي العصري، بصمود يُحسد عليه أمام لاعبين بخبرة وموهبة ويلفريد زاها وماكس جارديل، وبالمثل أحمد أبوالفتوح مع نيكولاس بيبي في الرواق الأيسر، وقبل هؤلاء رجل المباراة محمد النني، برده العملي على حملة الهجوم الضاري، التي تعرض لها في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا، بوضعه في إطار اللاعب الموظف أو السلبي، مقدما واحدة من أفضل عروضه على الإطلاق طوال مسيرته، باللعب بشكل عمودي، وليس بالتمرير العرضي، مع ضغط هائل على حامل الكرة على يمين دائرة الملعب، ناهيك عن جديته وصرامته داخل الملعب، كما أناب عن صلاح في دور القيادة، في مشهد توجيه مصطفى فتحي، بعد ضياع إحدى الفرص.بوجه عام، ستكون مواجهة مختلفة عن أطلال عقد المغرب لمصر القديمة، ولو أن الأفضلية ستبقى في مصلحة المنتخب المغربي، بصرف النظر عن الاتفاق العريض هناك في المغرب، أو ما تُعرف بسياسة التوفيق للغير، لطرد الأرواح الشريرة وإبعاد عين الحسود عن كتيبة خليلوزيتش، أولا لأسلوبه المخيف لكل المنافسين، كفريق منظم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ويملك من الجودة والمواهب ما يكفي في كل المراكز بدون استثناء، لإحراج أعتى منتخبات العالم، كما فعلها أغلب هذا الجيل أمام إسبانيا والبرتغال وإيران في كأس العالم 2018. الفارق، أنهم الآن أكثر خبرة وتزويدا بالعناصر الشابة التي تبحث عن نصف فرصة مع المنتخب، حتى بعد استبعاد حكيم زياش، الذي صب في مصلحة كلا الطرفين، بإعطاء كل اللاعبين درسا، بأن شعار المنتخب فوق الجميع، منها عرف وحيد كيف يفرض سيطرته على غرفة خلع الملابس، التي عُرف عنها في السنوات الماضية، أنها مليئة بالمشاكل والأزمات، وفي المقابل، بدأ زياش يستعيد سحره وبريقه مع تشلسي، آخرها هدفه السينمائي في دربي لندن. الشاهد، أن المنتخب المغربي سيخوض صدام اليوم بفرص تلامس الـ55%، وهذا سيتوقف على اللاعبين ومدى جاهزيتهم لمواصلة عروضهم الرائعة، مع استغلال عامل الاستقرار في العاصمة ياوندي، باللعب للمرة الخامسة على التوالي على ملعب «أحمدو أهيدغو»، على عكس نظيره المصري الذي سيخوض مباراته الثانية على نفس الملعب، والثالثة على ملاعب ومدن مختلفة، فضلا عن التمتع برفاهية الحصول على 24 ساعة راحة أكثر من الفراعنة، الذين بذلوا مجهودا مضاعفا على مدار 120 دقيقة أمام الأفيال، وخرجوا بخسائر فادحة، وصلت لحد خسارة الحارس الشناوي حتى نهاية البطولة، ومعه لاعب الارتكاز حمدي فتحي، بخلاف الشكوك التي تحوم حول فرص زميلهم الأهلاوي محمد شريف، بعد تعرضه لجرح عميق في الفم، لكن بمجرد أن تنطلق صافرة بداية الدربي العربي، ستكون الكلمة الأخيرة للاعبين، خاصة بعد ارتفاع سقف طموح المشجعين في مصر، بظهور المنتخب بصورته الخالدة في الأذهان، كمنتخب يعرف كيف يحلق بعيدا في بطولته المفضلة، فهل يا ترى سينجح المنتخب المغربي في إعادة العقدة القديمة؟ أم أن هذا الجيل الذي حقق أول فوز على المغرب منذ هدف طاهر أبوزيد في نسخة 1986 سيدون نهاية العقدة إلى الأبد مع تفوق الأهلي والزمالك بشكل كاسح على ممثلي المغرب في السنوات القليلة الماضية على عكس الوضع في بداية الألفية وما قبلها؟ هذا ما سنعرفه مساء اليوم. بالتوفيق للفائز الذي سيقضي ليلة سعيدة.القدس العربي
ملصقات
