مجتمع

خادمات “الموقف” بمراكش…الطريق السهل نحو الإنحراف والرذيلة


كشـ24 نشر في: 30 أغسطس 2015

في الصباح الباكر من كل يوم، ماعدا في الأعياد والمناسبات يفدن فرادى وجماعات من كل أرجاء مراكش على "الموقف".

نساء من كل الأعمار تتقارب مستوياتهن الاجتماعية،أقمن تجمعا بشريا مفتوحا على وجه السماء،ينهلن أطراف الحديث  من قاموس "الشعبوية" كوسيلة للهروب من الفاقة والفقر الذي يلازمهن،وعيونهن عالقة بالمارين من حولهن،متطلعات إلى الظفر بخدمة أو سخرة قد تأتي وقد لا تأتي في ما يشبه سوق النخاسة.

كل واحدة من هؤلاء النساء المصطفات على قارعة الرصيف كالبضاعة،تهفو إلى دورها في الحظ للحصول على طلب عمل، قد يكون تكليفها بالتصبين،وقد يكون "التجفاف" والكنس،وقد يكون اخراج كلب للفسحة،وقد يكون شيء آخر يختمر في ذهن الطالب للخدمة وربما في ذهن الخادمة...
وقفنا في استطلاع ميداني ننظر الى تلك الوجوه النسوية التي يعلو بعضها النكد،نراها تفتر عن ابتسامات عابرة قد لا تعكس همومهن المتراكمة،فكان أن فتحنا علينا باب التدافع المصحوب باللغط <أنا..أنا..أنا> ترددها بأعلى الحناجر عناصر من تلك الشريحة المهملة في القلب النابض للرواج التجاري بالمدينة.

لم تكن مهمتنا سهلة،ونحن نقتحم هذا العالم الصغير الذي يتساكن فيه الاحباط والبؤس، تولد عنهما سلوك خاص بعاملات الموقف للاشتغال في البيوت او القيام بالسخرة، يتبادلن الشتائم بأسلوب ساقط ومنحط يستفز العابرين والعابرات للطريق من حولهن، وقد يتشابكن بالأيدي عند صراعهن على أصحاب الطلبات، ثم ما يلبث هذا الصراع أن يتحول إلى وئام فجأة، نلمس مظاهره من ذلك التضامن العفوي لاقتسام قليلا من الاكل بينهن، وتناوب المدخنات على لفائف التبغ، ينفتن دخانه من تحت النقاب بالنسبة لبعض المسنات اللواتي يتجنبن الإمساك على مؤخرات السجائر بشفاههن تحت أنظار المارة...
 
كل شيء ممكن من أجل المال...
 
ربيعة {42 سنة}  مترملة ولها ولدان وبنت عمرها ثماني سنوات، أجرتها لإحدى الأسر بالمدينة، لم تجد غضاضة في الكشف عن مفاتنها للفت الانتباه اليها، أزاحت الغطاء عن شعرها المقصوص على حد الرقبة، وقالت بصريح العبارة : "أنا مستعدة لاقدم أي خدمة مقابل المال...ولا أحد من حقه ان يتدخل في حياتي الخاصة ". سألناها إن كانت تمارس الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في "الموقف"، فلم تنف أو تؤكد هذا الاحتمال، لكنها أحالتنا بدورها على سؤال يستشف منه الجواب:"ماذا تنتظرون من خادمةــ أية خادمةــ ان تفعل وقد انصرفت صحبة رجل لا تعرفه الى بيت أو شقة، وبقيت وإياه على انفراد لساعات طويلة؟"
مهنة شريفة ولكن...
 
هذا الربط بين الواقع والافتراض لم يرق {أمي هنية} وهي عجوز في عقدها السابع انبرت تدافع عن مهنة خادمات الموقف بكل ما أوتيت من قوة.

"هذه المهنة الشريفة التي تعتمد على العضلات، والتي كانت تحظى بالاحترام من قبل النصارى الذين يقدرون الجهد الذي تبدله الخادمة، لم يعد لها في الوقت الحاضر من معنى، لأنها أضحت مهنة لمن لا مهنة لهن" تقول العجوز في رد واضح على ربيعة التي وضعت كل خادمات الموقف في سلة واحدة.

فهل توجسات المجتمع ونظرته الدونية ازاء هذه الشريحة المحرومة فيه نوع من التجني على الخادمات اللواتي يعانين أصلا من مظالم القهر الاجتماعي؟ أم أن هذا الوسط الذي تتكون عناصره من المطلقات والمترملات وصاحبات السوابق والفاشلات في الزواج والقادمات من الاسر المتفككة  يحتوي على أسباب الانحراف والسقوط في أتون الرذيلة بسهولة؟
 
المال المتسخ يصنع الجريمة في الاوكار الفاسدة...
 
عندما تقترب النقود من دائرة الفقر، وتكون الأمية والجهل هي الخيط الرابط بين الطالبين للعمل في مجالات التسخير من جهة، والمرشحات للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى، يكون الطريق قد بدأ يسهل للسير نحو الانحراف بحمولته الثقيلة.

ففي مثل هذه الحالة، لا يستغرب المرء إذا ساوره التوجس بشأن احتكاك خادمات أميات وفقيرات بعوالم الفساد والدعارة والقوادة ولعب دور "الكومبارسات" في كل الآفات المجتمعية، منها إمكانية تسخيرهن لإفساد العلاقات بين الناس أو ترويج المخدرات وتشجيع السحر والشعوذة...كل ذلك مقابل المال المتسخ الذي يصنع الجريمة في الأوكار الفاسدة .

وقفت سيارة رباعية الدفع فجأة،أطل منها شاب تغطي عينيه نظارة شمسية سوداء، فهرعت نحوه الخادمات مرددات لازمة <أنا..أنا..أنا>، تركنا المكان لمحتلاته وانتقلنا إلى "موقف باب دكالة".

مضينا ورؤوسنا مازالت تطن بالأسئلة التي لم نتمكن من الحصول على أجوبة شافية بشأنها، لأن "عالم النساء غامض"كما قالت مازحة احدى الخادمات التي رفضت الكشف عن هوية شخص قيل لنا إنه يفرض إتاوات على أفراد هذه المجموعة مقابل بعض "الخدمات!" ، فكان أن وصلنا موقف النساء المرشحات للعمل في الفلاحة انطلاقا من باب دكالة.
 
نساء يقمن بدور الرجال في الفلاحة ...
 
هناك في مكان ما بمحيط المحطة الطرقية على مقربة من المكان المخصص لوقوف وانطلاق سيارات الأجرة، تلتقي كل صباح فلول الخادمات المرشحات للعمل في الحقول والضيعات المحيطة بالمدينة.

الشهادات التي استقيناها من عين المكان تفيد أنه مع بزوغ الفجر، يلتقي عدد من العاملات المياومات بزميلتهن الوافدات من مختلف الأحياء بما في ذلك القرى الخارجة عن مدار المدينة، يشكلن طابورا من السواعد النسوية المنتقاة للعمل في قطاع الفلاحة.

كان لابد من العودة الى هذا المكان في الصباح الباكر من اليوم الموالي كي نقف على بعض الحقائق، فكنا على موعد غير مرتب له مع عشرات النساء ذوات القدرات العضلية الظاهرة على أجسادهن، والملفوفة في ثياب خشنة، تتوافق مع طبيعة العمل الذي ينتظرهن في الضيعات التي في حاجة إلى السواعد النسوية  المفضلة عن السواعد الذكورية.
عاملات يخفين وجوههن عن أنظار العامة...
 

ما لفت انتباهنا لاول وهلة اقدام غالبية النساء المرشحات للعمل في الضيعات على تغطية وجوههن بالكامل بأقمشة تحجب ملامحهن، قالت مصادرنا أن الغاية من ذلك اخفاء هويات بعض الفتيات والنساء المتزوجات عن أنظار عامة الناس، لأن العمل الموكول اليهن شاق وذو طبيعة قاسية من مهام الذكور ولا يتوافق البتة مع التركيبة الفيزيولوجية للنساء اللواتي يملن بالطبيعة الى الاعمال الأقل صعوبة، كالتلفيف في المصانع والخياطة في المعامل، وغسل الأواني وتنظيفها في المؤسسات الفندقية.

والواقع أن الأعمال التي تنتظر هذه الفئة من الخادمات اللواتي دفعت بهن الحاجة الى العمل في الفلاحة، مضنية وشاقة بشهادات العاملات اللواتي يقضين أكثر من ثماني ساعات متواصلة في الضيعات بأجور تقل عن أجور الرجال بالنصف، إذ لا تتعدى في أقصى الحالات خمسين درهم للعاملة.
وتتنوع الاعمال الفلاحية الموكولة للعاملات المياومات واللواتي يخضعن لعمليات انتقاء صارمة من قبل مستغلي هذه الضيعات الذين يراهنون على العنصر النسوي لسببين رئيسيين يتمثلان في جدية العمل التي اشتهرت بها النساء، وقبولهن لأجور زهيدة، تتنوع بتنوع المحصول وتتغير بتغيير المواسيم الفلاحية، إذ تتراوح ما بين استخراج حبات البطاطس من الأرض، وحفر الجزر والبصل،وغسل الخضر وجمعها في الأكياس، والاقدام على جني الطماطم والزيتون وكل أنواع الفواكه الموسمية.
الرحلة إلى الضيعات في شاحنات مكشوفة...
 
يحضر مستغلو الضيعات شاحنات مكشوفة إلى موقف باب دكالة، لتقل على متنها عشرات العاملات يتكدسن فيها متحملات ظروف البرد والحر من أجل تأجير قوتهن العضلية مقابل أجر قد يساعدهن على تكاليف الحياة وخاصة بالنسبة لمن لهن تحملات عائلية.

بخلاف خادمات المنازل اللواتي يتهالكن في "الموقف" في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي، فإن العاملات في القطاع الفلاحي يمثلن جزءا من روافد القطاع بالمنطقة، ومجالا لتوفير مناصب الشغل بالنسبة لشريحة من النساء الفقيرات اللواتي اخترن استئجار العضلات والكدح في الضيعات والحقول لكسب لقمة العيش بعزة وكرامة، بدل الارتكان الى المقاهي لتجزئة الوقت، أو الانضمام الى خادمات "الموقف" المستعدات للاشتغال في البيوت أو التحالف حتى مع الشيطان للقيام بالسخرة مهما كانت طبيعتها، كونهن اخترن هذا الطريق السهل الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف والرذيلة...

ويطرح هذا الوضع البائس مسألة الضمير المجتمعي إزاء عاملات "الموقف"  اللواتي يشتغلن في مهن وحرف مؤقتة دون حماية ولا ضمان صحي، ويتعرضن لشتى أنواع التهميش الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

 هذا الوضع يفرض التساؤل عن دور المسؤولين عن قطاع المرأة والأسرة في الاهتمام بهذه الشريحة وإنقاذها من الضياع. فلماذا لا تكون من أولويات الإصلاحات التي تباشرها السلطات في عدد من المجالات الاهتمام بأحوال نساء الموقف وتنظيم عملهن غير المهيكل وتخصيص قانون شغل يحميهن من كل شطط أو حيف،ويحدد حقوقهن وواجباتهن في العمل.

فبعض نساء "الموقف"  يطالبن الجمعيات والمنظمات النسائية بالعمل على دعمهن والدفاع عنهن لاحترام كرامتهن وصونهن من الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي قد يقعن ضحية لها ما جعل بعض الجمعيات النسائية تندد بخطورة هذا الوضع المزري الذي تعيشه عاملات الموقف اللواتي يقضين يومهن كاملا في انتظار فرصة عمل مؤقت في البيوت،  في ظروف صعبة من حيث قلة الأجر والتعرض للإهانة اليومية والاعتداءات المتكررة سواء من طرف بعض الزبناء أو من طرف السلطات العمومية.

 

في الصباح الباكر من كل يوم، ماعدا في الأعياد والمناسبات يفدن فرادى وجماعات من كل أرجاء مراكش على "الموقف".

نساء من كل الأعمار تتقارب مستوياتهن الاجتماعية،أقمن تجمعا بشريا مفتوحا على وجه السماء،ينهلن أطراف الحديث  من قاموس "الشعبوية" كوسيلة للهروب من الفاقة والفقر الذي يلازمهن،وعيونهن عالقة بالمارين من حولهن،متطلعات إلى الظفر بخدمة أو سخرة قد تأتي وقد لا تأتي في ما يشبه سوق النخاسة.

كل واحدة من هؤلاء النساء المصطفات على قارعة الرصيف كالبضاعة،تهفو إلى دورها في الحظ للحصول على طلب عمل، قد يكون تكليفها بالتصبين،وقد يكون "التجفاف" والكنس،وقد يكون اخراج كلب للفسحة،وقد يكون شيء آخر يختمر في ذهن الطالب للخدمة وربما في ذهن الخادمة...
وقفنا في استطلاع ميداني ننظر الى تلك الوجوه النسوية التي يعلو بعضها النكد،نراها تفتر عن ابتسامات عابرة قد لا تعكس همومهن المتراكمة،فكان أن فتحنا علينا باب التدافع المصحوب باللغط <أنا..أنا..أنا> ترددها بأعلى الحناجر عناصر من تلك الشريحة المهملة في القلب النابض للرواج التجاري بالمدينة.

لم تكن مهمتنا سهلة،ونحن نقتحم هذا العالم الصغير الذي يتساكن فيه الاحباط والبؤس، تولد عنهما سلوك خاص بعاملات الموقف للاشتغال في البيوت او القيام بالسخرة، يتبادلن الشتائم بأسلوب ساقط ومنحط يستفز العابرين والعابرات للطريق من حولهن، وقد يتشابكن بالأيدي عند صراعهن على أصحاب الطلبات، ثم ما يلبث هذا الصراع أن يتحول إلى وئام فجأة، نلمس مظاهره من ذلك التضامن العفوي لاقتسام قليلا من الاكل بينهن، وتناوب المدخنات على لفائف التبغ، ينفتن دخانه من تحت النقاب بالنسبة لبعض المسنات اللواتي يتجنبن الإمساك على مؤخرات السجائر بشفاههن تحت أنظار المارة...
 
كل شيء ممكن من أجل المال...
 
ربيعة {42 سنة}  مترملة ولها ولدان وبنت عمرها ثماني سنوات، أجرتها لإحدى الأسر بالمدينة، لم تجد غضاضة في الكشف عن مفاتنها للفت الانتباه اليها، أزاحت الغطاء عن شعرها المقصوص على حد الرقبة، وقالت بصريح العبارة : "أنا مستعدة لاقدم أي خدمة مقابل المال...ولا أحد من حقه ان يتدخل في حياتي الخاصة ". سألناها إن كانت تمارس الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في "الموقف"، فلم تنف أو تؤكد هذا الاحتمال، لكنها أحالتنا بدورها على سؤال يستشف منه الجواب:"ماذا تنتظرون من خادمةــ أية خادمةــ ان تفعل وقد انصرفت صحبة رجل لا تعرفه الى بيت أو شقة، وبقيت وإياه على انفراد لساعات طويلة؟"
مهنة شريفة ولكن...
 
هذا الربط بين الواقع والافتراض لم يرق {أمي هنية} وهي عجوز في عقدها السابع انبرت تدافع عن مهنة خادمات الموقف بكل ما أوتيت من قوة.

"هذه المهنة الشريفة التي تعتمد على العضلات، والتي كانت تحظى بالاحترام من قبل النصارى الذين يقدرون الجهد الذي تبدله الخادمة، لم يعد لها في الوقت الحاضر من معنى، لأنها أضحت مهنة لمن لا مهنة لهن" تقول العجوز في رد واضح على ربيعة التي وضعت كل خادمات الموقف في سلة واحدة.

فهل توجسات المجتمع ونظرته الدونية ازاء هذه الشريحة المحرومة فيه نوع من التجني على الخادمات اللواتي يعانين أصلا من مظالم القهر الاجتماعي؟ أم أن هذا الوسط الذي تتكون عناصره من المطلقات والمترملات وصاحبات السوابق والفاشلات في الزواج والقادمات من الاسر المتفككة  يحتوي على أسباب الانحراف والسقوط في أتون الرذيلة بسهولة؟
 
المال المتسخ يصنع الجريمة في الاوكار الفاسدة...
 
عندما تقترب النقود من دائرة الفقر، وتكون الأمية والجهل هي الخيط الرابط بين الطالبين للعمل في مجالات التسخير من جهة، والمرشحات للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى، يكون الطريق قد بدأ يسهل للسير نحو الانحراف بحمولته الثقيلة.

ففي مثل هذه الحالة، لا يستغرب المرء إذا ساوره التوجس بشأن احتكاك خادمات أميات وفقيرات بعوالم الفساد والدعارة والقوادة ولعب دور "الكومبارسات" في كل الآفات المجتمعية، منها إمكانية تسخيرهن لإفساد العلاقات بين الناس أو ترويج المخدرات وتشجيع السحر والشعوذة...كل ذلك مقابل المال المتسخ الذي يصنع الجريمة في الأوكار الفاسدة .

وقفت سيارة رباعية الدفع فجأة،أطل منها شاب تغطي عينيه نظارة شمسية سوداء، فهرعت نحوه الخادمات مرددات لازمة <أنا..أنا..أنا>، تركنا المكان لمحتلاته وانتقلنا إلى "موقف باب دكالة".

مضينا ورؤوسنا مازالت تطن بالأسئلة التي لم نتمكن من الحصول على أجوبة شافية بشأنها، لأن "عالم النساء غامض"كما قالت مازحة احدى الخادمات التي رفضت الكشف عن هوية شخص قيل لنا إنه يفرض إتاوات على أفراد هذه المجموعة مقابل بعض "الخدمات!" ، فكان أن وصلنا موقف النساء المرشحات للعمل في الفلاحة انطلاقا من باب دكالة.
 
نساء يقمن بدور الرجال في الفلاحة ...
 
هناك في مكان ما بمحيط المحطة الطرقية على مقربة من المكان المخصص لوقوف وانطلاق سيارات الأجرة، تلتقي كل صباح فلول الخادمات المرشحات للعمل في الحقول والضيعات المحيطة بالمدينة.

الشهادات التي استقيناها من عين المكان تفيد أنه مع بزوغ الفجر، يلتقي عدد من العاملات المياومات بزميلتهن الوافدات من مختلف الأحياء بما في ذلك القرى الخارجة عن مدار المدينة، يشكلن طابورا من السواعد النسوية المنتقاة للعمل في قطاع الفلاحة.

كان لابد من العودة الى هذا المكان في الصباح الباكر من اليوم الموالي كي نقف على بعض الحقائق، فكنا على موعد غير مرتب له مع عشرات النساء ذوات القدرات العضلية الظاهرة على أجسادهن، والملفوفة في ثياب خشنة، تتوافق مع طبيعة العمل الذي ينتظرهن في الضيعات التي في حاجة إلى السواعد النسوية  المفضلة عن السواعد الذكورية.
عاملات يخفين وجوههن عن أنظار العامة...
 

ما لفت انتباهنا لاول وهلة اقدام غالبية النساء المرشحات للعمل في الضيعات على تغطية وجوههن بالكامل بأقمشة تحجب ملامحهن، قالت مصادرنا أن الغاية من ذلك اخفاء هويات بعض الفتيات والنساء المتزوجات عن أنظار عامة الناس، لأن العمل الموكول اليهن شاق وذو طبيعة قاسية من مهام الذكور ولا يتوافق البتة مع التركيبة الفيزيولوجية للنساء اللواتي يملن بالطبيعة الى الاعمال الأقل صعوبة، كالتلفيف في المصانع والخياطة في المعامل، وغسل الأواني وتنظيفها في المؤسسات الفندقية.

والواقع أن الأعمال التي تنتظر هذه الفئة من الخادمات اللواتي دفعت بهن الحاجة الى العمل في الفلاحة، مضنية وشاقة بشهادات العاملات اللواتي يقضين أكثر من ثماني ساعات متواصلة في الضيعات بأجور تقل عن أجور الرجال بالنصف، إذ لا تتعدى في أقصى الحالات خمسين درهم للعاملة.
وتتنوع الاعمال الفلاحية الموكولة للعاملات المياومات واللواتي يخضعن لعمليات انتقاء صارمة من قبل مستغلي هذه الضيعات الذين يراهنون على العنصر النسوي لسببين رئيسيين يتمثلان في جدية العمل التي اشتهرت بها النساء، وقبولهن لأجور زهيدة، تتنوع بتنوع المحصول وتتغير بتغيير المواسيم الفلاحية، إذ تتراوح ما بين استخراج حبات البطاطس من الأرض، وحفر الجزر والبصل،وغسل الخضر وجمعها في الأكياس، والاقدام على جني الطماطم والزيتون وكل أنواع الفواكه الموسمية.
الرحلة إلى الضيعات في شاحنات مكشوفة...
 
يحضر مستغلو الضيعات شاحنات مكشوفة إلى موقف باب دكالة، لتقل على متنها عشرات العاملات يتكدسن فيها متحملات ظروف البرد والحر من أجل تأجير قوتهن العضلية مقابل أجر قد يساعدهن على تكاليف الحياة وخاصة بالنسبة لمن لهن تحملات عائلية.

بخلاف خادمات المنازل اللواتي يتهالكن في "الموقف" في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي، فإن العاملات في القطاع الفلاحي يمثلن جزءا من روافد القطاع بالمنطقة، ومجالا لتوفير مناصب الشغل بالنسبة لشريحة من النساء الفقيرات اللواتي اخترن استئجار العضلات والكدح في الضيعات والحقول لكسب لقمة العيش بعزة وكرامة، بدل الارتكان الى المقاهي لتجزئة الوقت، أو الانضمام الى خادمات "الموقف" المستعدات للاشتغال في البيوت أو التحالف حتى مع الشيطان للقيام بالسخرة مهما كانت طبيعتها، كونهن اخترن هذا الطريق السهل الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف والرذيلة...

ويطرح هذا الوضع البائس مسألة الضمير المجتمعي إزاء عاملات "الموقف"  اللواتي يشتغلن في مهن وحرف مؤقتة دون حماية ولا ضمان صحي، ويتعرضن لشتى أنواع التهميش الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

 هذا الوضع يفرض التساؤل عن دور المسؤولين عن قطاع المرأة والأسرة في الاهتمام بهذه الشريحة وإنقاذها من الضياع. فلماذا لا تكون من أولويات الإصلاحات التي تباشرها السلطات في عدد من المجالات الاهتمام بأحوال نساء الموقف وتنظيم عملهن غير المهيكل وتخصيص قانون شغل يحميهن من كل شطط أو حيف،ويحدد حقوقهن وواجباتهن في العمل.

فبعض نساء "الموقف"  يطالبن الجمعيات والمنظمات النسائية بالعمل على دعمهن والدفاع عنهن لاحترام كرامتهن وصونهن من الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي قد يقعن ضحية لها ما جعل بعض الجمعيات النسائية تندد بخطورة هذا الوضع المزري الذي تعيشه عاملات الموقف اللواتي يقضين يومهن كاملا في انتظار فرصة عمل مؤقت في البيوت،  في ظروف صعبة من حيث قلة الأجر والتعرض للإهانة اليومية والاعتداءات المتكررة سواء من طرف بعض الزبناء أو من طرف السلطات العمومية.

 


ملصقات


اقرأ أيضاً
مجلس المستشارين يناقش الحوار الاجتماعي والتشغيل ومستجدات أنبوب الغاز نيجيريا المغرب
يرتقب أن يعقد مجلس المستشارين يوم غد الثلاثاء جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية، حيث تمت برمجة 12 سؤالا عاديا و12 سؤالا آخر آنيا. وستشهد الجلسة التي أسندت رئاستها لعبد القادر سلامة، النائب الأول للرئيس، مناقشة عدد من المواضيع، ومنها تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، ومآل إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وإصلاح القطاع غير المهيكل وإدماجه في الدورة الاقتصادية. كما ستناقش موضوع حماية المستهلك وضبط الأسعار في ظل التقلبات الاقتصادية، والسياسة الضريبية والعدالة الجبائية. وفي مجال التشغيل، ستناقش الجلسة آليات وبرامج الحكومة لتنفيذ سياستها في هذا المجال، وذلك إلى جانب قضايا مرتبطة بالحوار الاجتماعي وسير تنفيذ مخرجات اتفاق أبريل 2024 ومستجدات جولة أبريل 2025، والحوار الاجتماعي القطاعي. وفي قطاع الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، من المرتقب أن تناقش الجلسة مستجدات أنبوب الغاز نيجيريا المغرب، والإطار التشريعي في المجال المعدني، وتقييم الاستراتيجية الوطنية الطاقية، وإصلاح المنظومة الطاقية، وتشجيع الاستثمارات في مجال الطاقات المتجددة.  
مجتمع

محكمة إسبانية تبرئ مغربيًا بعد 15 عامًا من السجن ظلماً دون تعويض أو اعتذار
بعد 34 عامًا من وصوله إلى إسبانيا بحثًا عن مستقبل أفضل، طُويت أخيرًا صفحة مؤلمة من حياة المواطن المغربي أحمد توموهي، البالغ من العمر 74 عامًا، وذلك بعدما ألغت المحكمة العليا الإسبانية، خلال شهر مايو الجاري، إدانته الأخيرة في قضايا اغتصاب لم يرتكبها. ووفقًا لما أوردته صحيفة "فوزبوبولي"، تُعدّ قضية توموهي من أكثر القضايا التي شهدت ظلمًا في تاريخ إسبانيا، فقد انهارت أحلامه بعد ستة أشهر فقط من استقراره في كتالونيا عام 1991، حين تم اعتقاله والحكم عليه بالسجن بعد اتهامه زورًا في سلسلة من جرائم الاغتصاب، فقط بسبب تشابهه الجسدي مع الجاني الحقيقي، أنطونيو كاربونيل غارسيا، الذي تم توقيفه لاحقًا. وقضى توموهي 15 عامًا خلف القضبان، تلتها 3 سنوات تحت الإفراج المشروط، رغم أن الأدلة الجنائية — خاصة تحليل الحمض النووي — كانت تُثبت براءته منذ البداية، إلا أن المحكمة الإقليمية في برشلونة تجاهلت هذا الدليل الحاسم، واعتمدت في إدانته على تعرف بعض الضحايا عليه أثناء عرض للتعرف، وهو ما اعتُبر لاحقًا غير كافٍ. ورغم إلغاء الإدانة وتأكيد براءته، لم تتلقَّ عائلته أي اعتذار رسمي أو تعويض من السلطات الإسبانية عن الظلم الذي تعرض له، وقد سلط الصحفي براوليو غارسيا جيان الضوء على هذه المأساة في كتابه "العدالة الشعرية: رجلان أدينا زورًا في بلد دون كيخوتي"، والذي وثّق فيه أيضًا قصة عبد الرزاق منيب، الذي اتُهم ظلمًا في القضية ذاتها وتوفي في السجن عام 2000. وكان لتحقيق غارسيا جيان دورٌ حاسم في إعادة فتح القضية، إذ التقى بتوموهي داخل السجن عام 2006 وبدأ رحلة طويلة لكشف زيف الأدلة. ووصف معاناة توموهي في السجن بأنها مزيج من الصبر واليأس، في ظل سنوات من الألم عاشها بريئًا خلف القضبان.
مجتمع

وزير في حكومة أخنوش يحمل المسؤولية للعمدة السابق في فاجعة انهيار بناية بفاس
حمل كاتب الدولة في الإسكان، المسؤولية في حادث الانهيار الذي حدث منتصف الأسبوع الماضي بمدينة فاس، لرئيس المجلس الجماعي السابق، ورئيس مجلس مقاطعة المرينيين. وقال الوزير أديب بن ابراهيم، في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، إنه لم يتم إخلاء الأسر التي كانت تقطن بهذه البناية رغم صدور قرار إفراغ منذ سنة 2018. وخلف الحادث الذي وقع في الحي الحسني 10 وفيات، وست إصابات. وذكرت الوزيرة المنصوري إن عددا من الأسر التي كانت تقطن في هذه البناية قررت الإفراغ، في حين رفضت حوالي خمس أسر تنفيذ القرار. واعتبر كاتب الدولة في الإسكان بأن رئيس الجماعة ورئيس المقاطعة كان عليهما أن يتابعا تنفيذ قرار الإفراغ، طبقا للقانون. وكان ادرس الأزمي، القيادي في حزب العدالة والتنمية، رئيسا للمجلس الجماعي في تلك الفترة، في حين كان عز الدين الشيخ، وهو من نفس الحزب، يترأس مجلس مقاطعة المرينيين. ومن جانبه، حمل حزب العدالة والتنمية المسؤولية للجهات المعنية بملف الدور الآيلة للسقوط، ودعاها إلى ضرورة إيجاد الحلول الناجعة لهذه المعضلة، بدل الحلول الترقيعية والمعقدة التي أثبتت عدم جدواها، بحسب تعبيره. وذكر أن الورش المفتوح لتأهيل مدينة فاس لاستضافة مختلف التظاهرات القارية والدولية لا يمكن أن يكتمل دون جعل ملف الدور الآيلة للسقوط من الأولويات. ودعا، في السياق ذاته، المجالس الترابية المعنية إلى عقد دورات استثنائية بحضور الإدارات والمؤسسات المعنية بملف التعمير، قصد اتخاذ المتعين، تفاديا لحدوث كوارث أخرى.
مجتمع

مندوبية السجون ترد على “مزاعم كاذبة” في قضية إخراج السجناء لزيارة أقاربهم
 أكدت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، اليوم الاثنين، أن إخراج السجناء لزيارة أقاربهم المرضى أو لحضور مراسم دفن أقاربهم المتوفين هو اختصاص حصري لها. وردت المندوبية، في بيان توضيحي، على “الادعاءات” الواردة في شريط فيديو لأحد السجناء السابقين على موقع “Youtube”، والتي يدعي فيها المعني بالأمر أنه “لا علاقة للمندوبية العامة بعملية إخراج السجين (ن.ز) لزيارة والده المريض بالمستشفى” وأن “جهات أخرى هي من اتخذت هذا القرار”. وقالت إن إخراج السجناء لزيارة أقاربهم المرضى أو لحضور مراسم دفن أقاربهم المتوفين هو اختصاص حصري للمندوبية العامة حسب ما جاء في المادة 218 من القانون 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، مع ضرورة موافقة السلطات القضائية المختصة في حال تعلق الأمر بسجين احتياطي”. وذكرت في البيان أن رخص الخروج الاستثنائية هاته تندرج في إطار التعامل الإنساني مع النزلاء، وحفاظا على روابطهم الأسرية والاجتماعية، مشيرا إلى أنه “على سبيل المثال، ففي سنة 2023 استفاد 8 نزلاء من رخص لزيارة ذويهم المرضى سواء بالمنزل أو بالمستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، كما استفاد 20 نزيلا من رخص لحضور مراسم الدفن الخاصة بذويهم المتوفين”. وفي ما يتعلق بالسجين (ن.ز) موضوع شريط الفيديو، أشارت المندوبية العامة إلى أنه سبق له أن استفاد من رخصتين استثنائيتين للخروج من السجن، حيث استفاد بتاريخ 30 يونيو 2021 من رخصة خروج لزيارة والده المريض بإحدى المصحات الخاصة بمدينة طنجة، كما تم نقله بتاريخ 14 يناير 2024 إلى مدينة الحسيمة لزيارة جدته الموجودة بإحدى المصحات الخاصة بالمدينة. وفي نفس السياق، أكدت المندوبية أن الاستفادة من رخص الخروج الاستثنائية ممكنة لكافة نزلاء المؤسسات السجنية، بمن فيهم المعتقلون على ذمة القضايا الخاصة، والذين سبق للعديد منهم الاستفادة من رخص مماثلة.  
مجتمع

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الثلاثاء 13 مايو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة