مجتمع

خادمات “الموقف” بمراكش…الطريق السهل نحو الإنحراف والرذيلة


كشـ24 نشر في: 30 أغسطس 2015

في الصباح الباكر من كل يوم، ماعدا في الأعياد والمناسبات يفدن فرادى وجماعات من كل أرجاء مراكش على "الموقف".

نساء من كل الأعمار تتقارب مستوياتهن الاجتماعية،أقمن تجمعا بشريا مفتوحا على وجه السماء،ينهلن أطراف الحديث  من قاموس "الشعبوية" كوسيلة للهروب من الفاقة والفقر الذي يلازمهن،وعيونهن عالقة بالمارين من حولهن،متطلعات إلى الظفر بخدمة أو سخرة قد تأتي وقد لا تأتي في ما يشبه سوق النخاسة.

كل واحدة من هؤلاء النساء المصطفات على قارعة الرصيف كالبضاعة،تهفو إلى دورها في الحظ للحصول على طلب عمل، قد يكون تكليفها بالتصبين،وقد يكون "التجفاف" والكنس،وقد يكون اخراج كلب للفسحة،وقد يكون شيء آخر يختمر في ذهن الطالب للخدمة وربما في ذهن الخادمة...
وقفنا في استطلاع ميداني ننظر الى تلك الوجوه النسوية التي يعلو بعضها النكد،نراها تفتر عن ابتسامات عابرة قد لا تعكس همومهن المتراكمة،فكان أن فتحنا علينا باب التدافع المصحوب باللغط <أنا..أنا..أنا> ترددها بأعلى الحناجر عناصر من تلك الشريحة المهملة في القلب النابض للرواج التجاري بالمدينة.

لم تكن مهمتنا سهلة،ونحن نقتحم هذا العالم الصغير الذي يتساكن فيه الاحباط والبؤس، تولد عنهما سلوك خاص بعاملات الموقف للاشتغال في البيوت او القيام بالسخرة، يتبادلن الشتائم بأسلوب ساقط ومنحط يستفز العابرين والعابرات للطريق من حولهن، وقد يتشابكن بالأيدي عند صراعهن على أصحاب الطلبات، ثم ما يلبث هذا الصراع أن يتحول إلى وئام فجأة، نلمس مظاهره من ذلك التضامن العفوي لاقتسام قليلا من الاكل بينهن، وتناوب المدخنات على لفائف التبغ، ينفتن دخانه من تحت النقاب بالنسبة لبعض المسنات اللواتي يتجنبن الإمساك على مؤخرات السجائر بشفاههن تحت أنظار المارة...
 
كل شيء ممكن من أجل المال...
 
ربيعة {42 سنة}  مترملة ولها ولدان وبنت عمرها ثماني سنوات، أجرتها لإحدى الأسر بالمدينة، لم تجد غضاضة في الكشف عن مفاتنها للفت الانتباه اليها، أزاحت الغطاء عن شعرها المقصوص على حد الرقبة، وقالت بصريح العبارة : "أنا مستعدة لاقدم أي خدمة مقابل المال...ولا أحد من حقه ان يتدخل في حياتي الخاصة ". سألناها إن كانت تمارس الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في "الموقف"، فلم تنف أو تؤكد هذا الاحتمال، لكنها أحالتنا بدورها على سؤال يستشف منه الجواب:"ماذا تنتظرون من خادمةــ أية خادمةــ ان تفعل وقد انصرفت صحبة رجل لا تعرفه الى بيت أو شقة، وبقيت وإياه على انفراد لساعات طويلة؟"
مهنة شريفة ولكن...
 
هذا الربط بين الواقع والافتراض لم يرق {أمي هنية} وهي عجوز في عقدها السابع انبرت تدافع عن مهنة خادمات الموقف بكل ما أوتيت من قوة.

"هذه المهنة الشريفة التي تعتمد على العضلات، والتي كانت تحظى بالاحترام من قبل النصارى الذين يقدرون الجهد الذي تبدله الخادمة، لم يعد لها في الوقت الحاضر من معنى، لأنها أضحت مهنة لمن لا مهنة لهن" تقول العجوز في رد واضح على ربيعة التي وضعت كل خادمات الموقف في سلة واحدة.

فهل توجسات المجتمع ونظرته الدونية ازاء هذه الشريحة المحرومة فيه نوع من التجني على الخادمات اللواتي يعانين أصلا من مظالم القهر الاجتماعي؟ أم أن هذا الوسط الذي تتكون عناصره من المطلقات والمترملات وصاحبات السوابق والفاشلات في الزواج والقادمات من الاسر المتفككة  يحتوي على أسباب الانحراف والسقوط في أتون الرذيلة بسهولة؟
 
المال المتسخ يصنع الجريمة في الاوكار الفاسدة...
 
عندما تقترب النقود من دائرة الفقر، وتكون الأمية والجهل هي الخيط الرابط بين الطالبين للعمل في مجالات التسخير من جهة، والمرشحات للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى، يكون الطريق قد بدأ يسهل للسير نحو الانحراف بحمولته الثقيلة.

ففي مثل هذه الحالة، لا يستغرب المرء إذا ساوره التوجس بشأن احتكاك خادمات أميات وفقيرات بعوالم الفساد والدعارة والقوادة ولعب دور "الكومبارسات" في كل الآفات المجتمعية، منها إمكانية تسخيرهن لإفساد العلاقات بين الناس أو ترويج المخدرات وتشجيع السحر والشعوذة...كل ذلك مقابل المال المتسخ الذي يصنع الجريمة في الأوكار الفاسدة .

وقفت سيارة رباعية الدفع فجأة،أطل منها شاب تغطي عينيه نظارة شمسية سوداء، فهرعت نحوه الخادمات مرددات لازمة <أنا..أنا..أنا>، تركنا المكان لمحتلاته وانتقلنا إلى "موقف باب دكالة".

مضينا ورؤوسنا مازالت تطن بالأسئلة التي لم نتمكن من الحصول على أجوبة شافية بشأنها، لأن "عالم النساء غامض"كما قالت مازحة احدى الخادمات التي رفضت الكشف عن هوية شخص قيل لنا إنه يفرض إتاوات على أفراد هذه المجموعة مقابل بعض "الخدمات!" ، فكان أن وصلنا موقف النساء المرشحات للعمل في الفلاحة انطلاقا من باب دكالة.
 
نساء يقمن بدور الرجال في الفلاحة ...
 
هناك في مكان ما بمحيط المحطة الطرقية على مقربة من المكان المخصص لوقوف وانطلاق سيارات الأجرة، تلتقي كل صباح فلول الخادمات المرشحات للعمل في الحقول والضيعات المحيطة بالمدينة.

الشهادات التي استقيناها من عين المكان تفيد أنه مع بزوغ الفجر، يلتقي عدد من العاملات المياومات بزميلتهن الوافدات من مختلف الأحياء بما في ذلك القرى الخارجة عن مدار المدينة، يشكلن طابورا من السواعد النسوية المنتقاة للعمل في قطاع الفلاحة.

كان لابد من العودة الى هذا المكان في الصباح الباكر من اليوم الموالي كي نقف على بعض الحقائق، فكنا على موعد غير مرتب له مع عشرات النساء ذوات القدرات العضلية الظاهرة على أجسادهن، والملفوفة في ثياب خشنة، تتوافق مع طبيعة العمل الذي ينتظرهن في الضيعات التي في حاجة إلى السواعد النسوية  المفضلة عن السواعد الذكورية.
عاملات يخفين وجوههن عن أنظار العامة...
 

ما لفت انتباهنا لاول وهلة اقدام غالبية النساء المرشحات للعمل في الضيعات على تغطية وجوههن بالكامل بأقمشة تحجب ملامحهن، قالت مصادرنا أن الغاية من ذلك اخفاء هويات بعض الفتيات والنساء المتزوجات عن أنظار عامة الناس، لأن العمل الموكول اليهن شاق وذو طبيعة قاسية من مهام الذكور ولا يتوافق البتة مع التركيبة الفيزيولوجية للنساء اللواتي يملن بالطبيعة الى الاعمال الأقل صعوبة، كالتلفيف في المصانع والخياطة في المعامل، وغسل الأواني وتنظيفها في المؤسسات الفندقية.

والواقع أن الأعمال التي تنتظر هذه الفئة من الخادمات اللواتي دفعت بهن الحاجة الى العمل في الفلاحة، مضنية وشاقة بشهادات العاملات اللواتي يقضين أكثر من ثماني ساعات متواصلة في الضيعات بأجور تقل عن أجور الرجال بالنصف، إذ لا تتعدى في أقصى الحالات خمسين درهم للعاملة.
وتتنوع الاعمال الفلاحية الموكولة للعاملات المياومات واللواتي يخضعن لعمليات انتقاء صارمة من قبل مستغلي هذه الضيعات الذين يراهنون على العنصر النسوي لسببين رئيسيين يتمثلان في جدية العمل التي اشتهرت بها النساء، وقبولهن لأجور زهيدة، تتنوع بتنوع المحصول وتتغير بتغيير المواسيم الفلاحية، إذ تتراوح ما بين استخراج حبات البطاطس من الأرض، وحفر الجزر والبصل،وغسل الخضر وجمعها في الأكياس، والاقدام على جني الطماطم والزيتون وكل أنواع الفواكه الموسمية.
الرحلة إلى الضيعات في شاحنات مكشوفة...
 
يحضر مستغلو الضيعات شاحنات مكشوفة إلى موقف باب دكالة، لتقل على متنها عشرات العاملات يتكدسن فيها متحملات ظروف البرد والحر من أجل تأجير قوتهن العضلية مقابل أجر قد يساعدهن على تكاليف الحياة وخاصة بالنسبة لمن لهن تحملات عائلية.

بخلاف خادمات المنازل اللواتي يتهالكن في "الموقف" في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي، فإن العاملات في القطاع الفلاحي يمثلن جزءا من روافد القطاع بالمنطقة، ومجالا لتوفير مناصب الشغل بالنسبة لشريحة من النساء الفقيرات اللواتي اخترن استئجار العضلات والكدح في الضيعات والحقول لكسب لقمة العيش بعزة وكرامة، بدل الارتكان الى المقاهي لتجزئة الوقت، أو الانضمام الى خادمات "الموقف" المستعدات للاشتغال في البيوت أو التحالف حتى مع الشيطان للقيام بالسخرة مهما كانت طبيعتها، كونهن اخترن هذا الطريق السهل الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف والرذيلة...

ويطرح هذا الوضع البائس مسألة الضمير المجتمعي إزاء عاملات "الموقف"  اللواتي يشتغلن في مهن وحرف مؤقتة دون حماية ولا ضمان صحي، ويتعرضن لشتى أنواع التهميش الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

 هذا الوضع يفرض التساؤل عن دور المسؤولين عن قطاع المرأة والأسرة في الاهتمام بهذه الشريحة وإنقاذها من الضياع. فلماذا لا تكون من أولويات الإصلاحات التي تباشرها السلطات في عدد من المجالات الاهتمام بأحوال نساء الموقف وتنظيم عملهن غير المهيكل وتخصيص قانون شغل يحميهن من كل شطط أو حيف،ويحدد حقوقهن وواجباتهن في العمل.

فبعض نساء "الموقف"  يطالبن الجمعيات والمنظمات النسائية بالعمل على دعمهن والدفاع عنهن لاحترام كرامتهن وصونهن من الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي قد يقعن ضحية لها ما جعل بعض الجمعيات النسائية تندد بخطورة هذا الوضع المزري الذي تعيشه عاملات الموقف اللواتي يقضين يومهن كاملا في انتظار فرصة عمل مؤقت في البيوت،  في ظروف صعبة من حيث قلة الأجر والتعرض للإهانة اليومية والاعتداءات المتكررة سواء من طرف بعض الزبناء أو من طرف السلطات العمومية.

 

في الصباح الباكر من كل يوم، ماعدا في الأعياد والمناسبات يفدن فرادى وجماعات من كل أرجاء مراكش على "الموقف".

نساء من كل الأعمار تتقارب مستوياتهن الاجتماعية،أقمن تجمعا بشريا مفتوحا على وجه السماء،ينهلن أطراف الحديث  من قاموس "الشعبوية" كوسيلة للهروب من الفاقة والفقر الذي يلازمهن،وعيونهن عالقة بالمارين من حولهن،متطلعات إلى الظفر بخدمة أو سخرة قد تأتي وقد لا تأتي في ما يشبه سوق النخاسة.

كل واحدة من هؤلاء النساء المصطفات على قارعة الرصيف كالبضاعة،تهفو إلى دورها في الحظ للحصول على طلب عمل، قد يكون تكليفها بالتصبين،وقد يكون "التجفاف" والكنس،وقد يكون اخراج كلب للفسحة،وقد يكون شيء آخر يختمر في ذهن الطالب للخدمة وربما في ذهن الخادمة...
وقفنا في استطلاع ميداني ننظر الى تلك الوجوه النسوية التي يعلو بعضها النكد،نراها تفتر عن ابتسامات عابرة قد لا تعكس همومهن المتراكمة،فكان أن فتحنا علينا باب التدافع المصحوب باللغط <أنا..أنا..أنا> ترددها بأعلى الحناجر عناصر من تلك الشريحة المهملة في القلب النابض للرواج التجاري بالمدينة.

لم تكن مهمتنا سهلة،ونحن نقتحم هذا العالم الصغير الذي يتساكن فيه الاحباط والبؤس، تولد عنهما سلوك خاص بعاملات الموقف للاشتغال في البيوت او القيام بالسخرة، يتبادلن الشتائم بأسلوب ساقط ومنحط يستفز العابرين والعابرات للطريق من حولهن، وقد يتشابكن بالأيدي عند صراعهن على أصحاب الطلبات، ثم ما يلبث هذا الصراع أن يتحول إلى وئام فجأة، نلمس مظاهره من ذلك التضامن العفوي لاقتسام قليلا من الاكل بينهن، وتناوب المدخنات على لفائف التبغ، ينفتن دخانه من تحت النقاب بالنسبة لبعض المسنات اللواتي يتجنبن الإمساك على مؤخرات السجائر بشفاههن تحت أنظار المارة...
 
كل شيء ممكن من أجل المال...
 
ربيعة {42 سنة}  مترملة ولها ولدان وبنت عمرها ثماني سنوات، أجرتها لإحدى الأسر بالمدينة، لم تجد غضاضة في الكشف عن مفاتنها للفت الانتباه اليها، أزاحت الغطاء عن شعرها المقصوص على حد الرقبة، وقالت بصريح العبارة : "أنا مستعدة لاقدم أي خدمة مقابل المال...ولا أحد من حقه ان يتدخل في حياتي الخاصة ". سألناها إن كانت تمارس الدعارة المقنعة تحت غطاء عملها في "الموقف"، فلم تنف أو تؤكد هذا الاحتمال، لكنها أحالتنا بدورها على سؤال يستشف منه الجواب:"ماذا تنتظرون من خادمةــ أية خادمةــ ان تفعل وقد انصرفت صحبة رجل لا تعرفه الى بيت أو شقة، وبقيت وإياه على انفراد لساعات طويلة؟"
مهنة شريفة ولكن...
 
هذا الربط بين الواقع والافتراض لم يرق {أمي هنية} وهي عجوز في عقدها السابع انبرت تدافع عن مهنة خادمات الموقف بكل ما أوتيت من قوة.

"هذه المهنة الشريفة التي تعتمد على العضلات، والتي كانت تحظى بالاحترام من قبل النصارى الذين يقدرون الجهد الذي تبدله الخادمة، لم يعد لها في الوقت الحاضر من معنى، لأنها أضحت مهنة لمن لا مهنة لهن" تقول العجوز في رد واضح على ربيعة التي وضعت كل خادمات الموقف في سلة واحدة.

فهل توجسات المجتمع ونظرته الدونية ازاء هذه الشريحة المحرومة فيه نوع من التجني على الخادمات اللواتي يعانين أصلا من مظالم القهر الاجتماعي؟ أم أن هذا الوسط الذي تتكون عناصره من المطلقات والمترملات وصاحبات السوابق والفاشلات في الزواج والقادمات من الاسر المتفككة  يحتوي على أسباب الانحراف والسقوط في أتون الرذيلة بسهولة؟
 
المال المتسخ يصنع الجريمة في الاوكار الفاسدة...
 
عندما تقترب النقود من دائرة الفقر، وتكون الأمية والجهل هي الخيط الرابط بين الطالبين للعمل في مجالات التسخير من جهة، والمرشحات للقيام بهذه المهمة من جهة أخرى، يكون الطريق قد بدأ يسهل للسير نحو الانحراف بحمولته الثقيلة.

ففي مثل هذه الحالة، لا يستغرب المرء إذا ساوره التوجس بشأن احتكاك خادمات أميات وفقيرات بعوالم الفساد والدعارة والقوادة ولعب دور "الكومبارسات" في كل الآفات المجتمعية، منها إمكانية تسخيرهن لإفساد العلاقات بين الناس أو ترويج المخدرات وتشجيع السحر والشعوذة...كل ذلك مقابل المال المتسخ الذي يصنع الجريمة في الأوكار الفاسدة .

وقفت سيارة رباعية الدفع فجأة،أطل منها شاب تغطي عينيه نظارة شمسية سوداء، فهرعت نحوه الخادمات مرددات لازمة <أنا..أنا..أنا>، تركنا المكان لمحتلاته وانتقلنا إلى "موقف باب دكالة".

مضينا ورؤوسنا مازالت تطن بالأسئلة التي لم نتمكن من الحصول على أجوبة شافية بشأنها، لأن "عالم النساء غامض"كما قالت مازحة احدى الخادمات التي رفضت الكشف عن هوية شخص قيل لنا إنه يفرض إتاوات على أفراد هذه المجموعة مقابل بعض "الخدمات!" ، فكان أن وصلنا موقف النساء المرشحات للعمل في الفلاحة انطلاقا من باب دكالة.
 
نساء يقمن بدور الرجال في الفلاحة ...
 
هناك في مكان ما بمحيط المحطة الطرقية على مقربة من المكان المخصص لوقوف وانطلاق سيارات الأجرة، تلتقي كل صباح فلول الخادمات المرشحات للعمل في الحقول والضيعات المحيطة بالمدينة.

الشهادات التي استقيناها من عين المكان تفيد أنه مع بزوغ الفجر، يلتقي عدد من العاملات المياومات بزميلتهن الوافدات من مختلف الأحياء بما في ذلك القرى الخارجة عن مدار المدينة، يشكلن طابورا من السواعد النسوية المنتقاة للعمل في قطاع الفلاحة.

كان لابد من العودة الى هذا المكان في الصباح الباكر من اليوم الموالي كي نقف على بعض الحقائق، فكنا على موعد غير مرتب له مع عشرات النساء ذوات القدرات العضلية الظاهرة على أجسادهن، والملفوفة في ثياب خشنة، تتوافق مع طبيعة العمل الذي ينتظرهن في الضيعات التي في حاجة إلى السواعد النسوية  المفضلة عن السواعد الذكورية.
عاملات يخفين وجوههن عن أنظار العامة...
 

ما لفت انتباهنا لاول وهلة اقدام غالبية النساء المرشحات للعمل في الضيعات على تغطية وجوههن بالكامل بأقمشة تحجب ملامحهن، قالت مصادرنا أن الغاية من ذلك اخفاء هويات بعض الفتيات والنساء المتزوجات عن أنظار عامة الناس، لأن العمل الموكول اليهن شاق وذو طبيعة قاسية من مهام الذكور ولا يتوافق البتة مع التركيبة الفيزيولوجية للنساء اللواتي يملن بالطبيعة الى الاعمال الأقل صعوبة، كالتلفيف في المصانع والخياطة في المعامل، وغسل الأواني وتنظيفها في المؤسسات الفندقية.

والواقع أن الأعمال التي تنتظر هذه الفئة من الخادمات اللواتي دفعت بهن الحاجة الى العمل في الفلاحة، مضنية وشاقة بشهادات العاملات اللواتي يقضين أكثر من ثماني ساعات متواصلة في الضيعات بأجور تقل عن أجور الرجال بالنصف، إذ لا تتعدى في أقصى الحالات خمسين درهم للعاملة.
وتتنوع الاعمال الفلاحية الموكولة للعاملات المياومات واللواتي يخضعن لعمليات انتقاء صارمة من قبل مستغلي هذه الضيعات الذين يراهنون على العنصر النسوي لسببين رئيسيين يتمثلان في جدية العمل التي اشتهرت بها النساء، وقبولهن لأجور زهيدة، تتنوع بتنوع المحصول وتتغير بتغيير المواسيم الفلاحية، إذ تتراوح ما بين استخراج حبات البطاطس من الأرض، وحفر الجزر والبصل،وغسل الخضر وجمعها في الأكياس، والاقدام على جني الطماطم والزيتون وكل أنواع الفواكه الموسمية.
الرحلة إلى الضيعات في شاحنات مكشوفة...
 
يحضر مستغلو الضيعات شاحنات مكشوفة إلى موقف باب دكالة، لتقل على متنها عشرات العاملات يتكدسن فيها متحملات ظروف البرد والحر من أجل تأجير قوتهن العضلية مقابل أجر قد يساعدهن على تكاليف الحياة وخاصة بالنسبة لمن لهن تحملات عائلية.

بخلاف خادمات المنازل اللواتي يتهالكن في "الموقف" في انتظار زبون قد يأتي وقد لا يأتي، فإن العاملات في القطاع الفلاحي يمثلن جزءا من روافد القطاع بالمنطقة، ومجالا لتوفير مناصب الشغل بالنسبة لشريحة من النساء الفقيرات اللواتي اخترن استئجار العضلات والكدح في الضيعات والحقول لكسب لقمة العيش بعزة وكرامة، بدل الارتكان الى المقاهي لتجزئة الوقت، أو الانضمام الى خادمات "الموقف" المستعدات للاشتغال في البيوت أو التحالف حتى مع الشيطان للقيام بالسخرة مهما كانت طبيعتها، كونهن اخترن هذا الطريق السهل الذي قد يؤدي بهن إلى الانحراف والرذيلة...

ويطرح هذا الوضع البائس مسألة الضمير المجتمعي إزاء عاملات "الموقف"  اللواتي يشتغلن في مهن وحرف مؤقتة دون حماية ولا ضمان صحي، ويتعرضن لشتى أنواع التهميش الاجتماعي والاقتصادي والنفسي.

 هذا الوضع يفرض التساؤل عن دور المسؤولين عن قطاع المرأة والأسرة في الاهتمام بهذه الشريحة وإنقاذها من الضياع. فلماذا لا تكون من أولويات الإصلاحات التي تباشرها السلطات في عدد من المجالات الاهتمام بأحوال نساء الموقف وتنظيم عملهن غير المهيكل وتخصيص قانون شغل يحميهن من كل شطط أو حيف،ويحدد حقوقهن وواجباتهن في العمل.

فبعض نساء "الموقف"  يطالبن الجمعيات والمنظمات النسائية بالعمل على دعمهن والدفاع عنهن لاحترام كرامتهن وصونهن من الاعتداءات والتحرشات الجنسية التي قد يقعن ضحية لها ما جعل بعض الجمعيات النسائية تندد بخطورة هذا الوضع المزري الذي تعيشه عاملات الموقف اللواتي يقضين يومهن كاملا في انتظار فرصة عمل مؤقت في البيوت،  في ظروف صعبة من حيث قلة الأجر والتعرض للإهانة اليومية والاعتداءات المتكررة سواء من طرف بعض الزبناء أو من طرف السلطات العمومية.

 


ملصقات


اقرأ أيضاً
الملك محمد السادس يأمر بفتح 13 مركزًا تضامنيا لخدمة الفئات المعوزة
أعطى الملك محمد السادس، رئيس مؤسسة محمد الخامس للتضامن، تعليماته بوضع المراكز التي أنشأتها المؤسسة في مجالات الصحة والإعاقة والتكوين رهن إشارة الساكنة المعوزة المستفيدة. وأوضحت المؤسسة، في بلاغ اليوم الأربعاء، أن الإطلاق الفوري يهم 13 مركزا جديدا تم الانتهاء من أشغال بنائها وتجهيزها بـ8 من عمالات وأقاليم المملكة، مضيفة أن “هذه البنيات تندرج في إطار برامج التدخل الكبرى للمؤسسة الرامية إلى تعزيز الولوج إلى العلاجات الصحية للقرب، وتحسين التكفل بالأشخاص في وضعية إعاقة، ودعم التكوين والإدماج السوسيو-مهني للشباب”. وأضاف المصدر ذاته أن هذه الإنجازات تتعلق بثلاثة برامج رئيسية هي “المراكز الطبية للقرب ـ مؤسسة محمد الخامس للتضامن” و”شبكة المركز الوطني محمد السادس للمعاقين” و”البرنامج الوطني لمحاربة سلوكات الإدمان”. ووفق المؤسسة؛ سيتم الشروع في العمل بمركز طبي جديد للقرب بسلا، باستثمار إجمالي قدره 5ر85 مليون درهم، ليرتفع بذلك عدد الوحدات التي تقدم خدماتها حاليا إلى ست وحدات من أصل اثني عشر وحدة مرتقبة على الصعيد الوطني. وفي ما يخص الجانب المتعلق بالإعاقة، سيتم افتتاح فرع جهوي جديد للمركز الوطني محمد السادس للمعاقين ببني ملال (30 مليون درهم)، ليصل بذلك عدد المراكز التابعة لهذه الشبكة في جميع أنحاء المملكة إلى تسعة مراكز. كما ستستفيد مدينة العروي، في إقليم الناظور، من مركز جديد لتصفية الدم بتكلفة 10 ملايين درهم، والذي سيكمل خدمات مستشفى محمد السادس المجاور، لتحسين التكفل بمرضى القصور الكلوي. ويتواصل تنفيذ برنامج محاربة سلوكات الإدمان، بافتتاح ثلاثة مراكز جديدة في شفشاون (6,5 ملايين درهم)، والحسيمة (6,5 ملايين درهم) وبني ملال (4,5 ملايين درهم)، ما يرفع العدد الإجمالي لمراكز محاربة سلوكات الإدمان المشغلة إلى 18 مركزا موزعة على 15 مدينة عبر المملكة. من جهة أخرى، ستفتح 6 مراكز للتكوين المهني أبوابها، مستهدفة قطاعات واعدة وملائمة لاحتياجات السوق، ويتعلق الأمر بمراكز التكوين في مهن لحام المعادن بتيط مليل (94 مليون درهم)، ومركز التكوين في المهن الفلاحية بسوق الأربعاء (34 مليون درهم)، ومركز التكوين في مهن الكهرباء والإلكترونيات بسيدي عثمان بالدار البيضاء (32,5 ملايين درهم)، ومركز التكوين في المهن الثالثية بلوازيس بالدار البيضاء (25 مليون درهم)، ومركز التكوين في مهن السياحة بشفشاون (15,2 مليون درهم)، ومركز التكوين في مهن الصناعة التقليدية بشفشاون (9,4 ملايين درهم)؛ وتهدف هذه المؤسسات إلى تمكين الشباب المنحدرين من أوساط معوزة من كفاءات ملموسة في تخصصات ذات قابلية قوية للتشغيل. وأخيرا، سيفتح مركز سوسيو-تربوي أبوابه بإيزمورن (3,5 ملايين درهم)، ويتعلق الأمر بأول بنية من نوعها في هذه الجماعة التابعة لإقليم الحسيمة موجهة لمواكبة الشباب في مجال التعليم والأوليات المهنية. وسيتم تأمين تدبير مختلف هذه المراكز حسب مجالات التدخل من خلال مختلف شركاء المؤسسة وهم وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وكتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، ومكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، وكذا الجمعيات المتخصصة.
مجتمع

تعزية في وفاة والدة الزميل عبد الرحيم فقراء الصحافي بقناة الجزيرة
ببالغ الاسى والحزن وبقلوب خاشعة ومؤمنة بقضاء الله وقدره ، تلقينا نبأ وفاة والدة مدير مكتب قناة الجزيرة في واشنطن، والمدير الجهوي للقناة في القارة الأمريكية، الزميل عبد الرحيم فقراء. وقد ووري جثمان الفقيدة بعد عصر يومه الاربعاء 2 يوليوز 2025، بمقبرة سيدي بلعباس بالمدينة العتيقة لمراكش. وبهذه المناسبة الاليمة، تتقدم إدارة وهيئة تحرير كشـ24 بأحر التعازي للزميل عبد الرحيم فقراء، وعائلته الصغيرة والكبيرة، راجين من الله عز وجل أن يتغمد الفقيدة بواسع رحمته ومغفرته، ويدخلها فسيح جناته، ويلهم ذويها الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.
مجتمع

ملف الطبيب النفسي..قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس يقرر استدعاء الضحايا
قرر قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بفاس، اليوم الأربعاء، تأجيل محاكمة الطبيب النفسي المتابع بتهمة الاتجار بالبشر، وتم تحديد يوم 9 يوليوز الجاري موعدا جديدا لجلسة التحقيق والتي من المرتقب أن تحضرها ضحاياه من مريضاته اللواتي سبق أن تم الاستماع إلى إفاداتهن من قبل عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية.وكانت النيابة العامة قد أمرت بفتح تحقيق بعد توصلها بشكاية تتضمن معطيات صادمة حول استغلال جنسي مزعوم من قبل الطبيب لعدد من المريضات اللواتي يقصدن عيادته طلبا للعلاج.وكشفت الأبحاث عن ممارسات شاذة يقوم بها الطبيب وهو يستغل جنسيا عددا مريضاته، كما أظهرت بأنه كان يناولهن جرعات من المخدرات الصلبة ويوهمهن على أنها تدخل في إطار العلاج البروتوكولي الواجب اتباعه. وكان أيضا ينظم طقوسا غريبة في هذه الإعتداءات التي يستعين فيها بأجهزة تناسلية اصطناعية.ويتابع في الملف أيضا وفي حالة اعتقال ابن عم الطبيب، حيث أظهرت المعطيات أنه كان مشاركا له في هذه الممارسات الصادمة. كما تورط معه في الاستغلال الجنسي للضحايا.
مجتمع

تجمعات سكنية تعاني من غياب قنوات الصرف الصحي في المدخل الاستراتيجي لفاس
في المدخل الاستراتيجي لمدينة فاس من جهة المطار، لا تزال سبعة دواوير تعاني من غياب الواد الحار. وعلاوة على الروائح الكريهة التي تزداد حدتها مع فصل الصيف والارتفاع الكبير لدرجة الحرارة في المنطقة، فإن هذا الوضع يهدد الساكنة بمجموعة من الأمراض بسبب الحشرات التي تغزو هذه الفضاءات.وقال رضوان زاهر، الكاتب الأول لفرع التقدم والاشتراكية بجماعة أولاد الطيب، إن دوار أولاد بوعبيد الصمعة، وهو مجاور للمطار، ودوار الحشالفة، وأولاد موسى، ودوار الهمال وأولاد دحو، والفنيدق، تعد من بين أهم الدواوير التي تعاني الأمرين بسبب انعدام الواد الحار. ودعا إلى التفاتة المسؤولين لرفع التهميش عن الساكنة المحلية جراء هذا الوضع.ويتولى حزب التجمع الوطني للأحرار رئاسة الجماعة، وبأغلبية مطلقة، لكن الساكنة المحلية تشتكي من غياب الحد الأدنى من التجهيزات الأساسية. فباستثناء الشارع الرئيسي الذي يقطع الجماعة في اتجاه المطار وفي اتجاه منتجع إيموزار، فإن جل التجمعات السكنية تعاني من تدهور البنيات.
مجتمع

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الأربعاء 02 يوليو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة