صحافة

جنايات مراكش تدين وكيلي سوق الجملة للسمك بعد متابعتهما بـ«اختلاس أموال عمومية»


كشـ24 نشر في: 27 يونيو 2016

بعد رحلة تحقيق ماراطونية، انطلقت  مع طرق قضاة المجلس الجهوي للحسابات لأبواب سوق الجملة للسمك وتسجيل جملة من الاختلالات، لتصل إلى أعتاب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية  لتعرج بعدها على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال بالغرفة الثالثة باستئنافية مراكش، قبل أن تحط الرحال بمنصة غرفة الجنايات الابتدائية وتدخل وكيلي السوق دوامة المتابعة بتهمة اختلاس أموال عامة موضوعة تحت يدهما بمقتضى وظيفتهما وجنحة الغدر، انتهى مشوار القضية خلال الأسبوع المنصرم بإدانة المعنيين والحكم عليهما بسنتين حبسا نافذا.

وقفت تحقيقات قضاة  إدريس جطو، إلى إقدام وكيلي السوق على استخلاص أكثر من 248 مليون سنتيم بطريقة غير قانونية بين الفترة الممتدة من 2006 و2010، مع تسجيل تضارب صارخ في التصريح بالمداخيل للجهات المختصة، ما اعتبر تبديدا لأموال عامة وإفقارا لمالية المجلس الجماعي،  دون احتساب ما  نتج عن هذه الاقترافات من استغلال للنفوذ واغتناء غير مشروع.

أشار تقرير قضاة المجلس الجهوي للحسابات  خلال زيارتهم الميدانية للسوق الذي يخضع منذ سنة 2000 لنظام التدبير عن طريق الوكلاء، إلى أن المكلفين باستخلاص الواجبات المحددة في 7 في المائة، دأبوا على  فرض نسبة إضافية (1 في المائة)، حيث بلغ  مجموع الأموال المستخلصة في هذا الإطار أزيد من 200 مليون سنتيم  دخلت حسابات الوكيلين خارج القوانين المنظمة للمجال.

وإذا كانت هذه الاستخلاصات غير القانونية، قد شكلت باكورة تقرير قضاة المجلس، فقد تم تسجيل جملة من الاختلالات التي تدخل في خانة «الاستهتار بصحة المستهلك»، من قبيل  غياب مستودعات التبريد التي تكفل حفظ هذه المادة الغذائية وتقيها من عثرات «الفساد» وتمكن من المحافظة على جودة الأسماك المعروضة واحترام سلسلة التبريد من المصدر إلى المستهلك، فتم الاكتفاء باستخدام قطع الثلج  في عملية التبريد،  سواء بالنسبة للأسماك التي يتم بيعها أو التي يُحتفظ بها للبيع في اليوم الموالي، دون أدنى مراعاة لما يمكن أن تسببه هذه الطريقة البدائية من آثار سلبية على صحة المواطنين.

تنضاف إلى ذلك  ملاحظة غياب أو تغييب  كافة الأنواع الممتازة من السمك داخل السوق، ما جعل السؤال مشروعا حول  القنوات المعتمدة في تصريف هذه الأنواع  وطريقة وصولها إلى الباعة والتجار، بعيدا عن مراقبة المصالح المختصة، وما ينتج عن العملية من تشجيع على التهرب من أداء الواجبات المتعلقة بها، يقول التقرير الذي أكد بأن العديد من المستودعات المتواجدة في المدينة تستورد الأسماك المجمدة دون أداء لأية واجبات للجماعة.

ثالثة الأثافي التي وقف عليها تقرير القضاة في ترويج الأسماك بالمدينة الحمراء، هي لجوء العديد من تجار الجملة لاستخدام سيارات وشاحنات تفتقر لأبسط شروط السلامة الصحية في نقل الأسماك، ما يضرب في الصميم  شروط الجودة ويعرض الأسماك لفقدان الجودة ويحيطها بعوادي التلف، حيث ظلت المصالح الجماعية البيطرية تتابع هذا الوضع من موقع المتفرج، دون أن تكلف نفسها عناء التدخل لوقف النزيف وفرض احترام المقتضيات القانونية المنصوص عليها في بنود المرسوم الوزاري المنظم لعملية نقل المواد الحيوانية السريعة التلف والتفسخ.

رئاسة المجلس الجماعي على عهد مرحلة التدبير المنصرمة نأت بنفسها عن مجمل هذه الاختلالات، وأكدت في جوابها على الملاحظات المذكورة، بأن المجلس قد سبق له أن وجه رسائل إلى وكيلي السوق بخصوص استخلاصهما لنسبة من واجبات الدخول خارج القوانين المنظمة، مع التأكيد على أن الجماعة الحضرية قد قررت بناء سوق جملة جديد للسمك تراعى فيه جميع المواصفات المطلوبة للحفاظ على الجودة وصحة المستهلك، مع شرط مصادقة المجلس الجماعي على اتفاقية شراكة مع المكتب الوطني للصيد البحري.

وكيلا السوق اللذان حاصرتهما ملاحظات القضاة دفعا بكون النسبة المقتطعة خارج القوانين، تدخل في إطار واجب التمبر المؤدى من قبلهما لمصلحة الضرائب، وهو الدفع الذي أجاب عنه المدير الجهوي للضرائب بمراكش، بأن النسبة المفروضة في هذا الإطار لا تتجاوز 0،25 في المائة، في حين أنهما يستخلصان نسبة 1 في المائة، الأمر الذي ترتب عنه استخلاص مبلغ 2.046.690.69 درهم بشكل  غير  قانوني، لتكون الخلاصة أن الوكيلين يقومان باستخلاص نسبة مئوية من المشترين تتجاوز النسبة المحددة قانونا كواجب للتمبر بمقتضى الفصل 252 أ-ب من المدونة العامة للضرائب، وهي الحقيقة التي قادتهما للوقوف بقفص الاتهام بغرفة الجنايات وإدانتهما بالعقوبة المومإ إليها.

 

بعد رحلة تحقيق ماراطونية، انطلقت  مع طرق قضاة المجلس الجهوي للحسابات لأبواب سوق الجملة للسمك وتسجيل جملة من الاختلالات، لتصل إلى أعتاب الفرقة الوطنية للشرطة القضائية  لتعرج بعدها على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال بالغرفة الثالثة باستئنافية مراكش، قبل أن تحط الرحال بمنصة غرفة الجنايات الابتدائية وتدخل وكيلي السوق دوامة المتابعة بتهمة اختلاس أموال عامة موضوعة تحت يدهما بمقتضى وظيفتهما وجنحة الغدر، انتهى مشوار القضية خلال الأسبوع المنصرم بإدانة المعنيين والحكم عليهما بسنتين حبسا نافذا.

وقفت تحقيقات قضاة  إدريس جطو، إلى إقدام وكيلي السوق على استخلاص أكثر من 248 مليون سنتيم بطريقة غير قانونية بين الفترة الممتدة من 2006 و2010، مع تسجيل تضارب صارخ في التصريح بالمداخيل للجهات المختصة، ما اعتبر تبديدا لأموال عامة وإفقارا لمالية المجلس الجماعي،  دون احتساب ما  نتج عن هذه الاقترافات من استغلال للنفوذ واغتناء غير مشروع.

أشار تقرير قضاة المجلس الجهوي للحسابات  خلال زيارتهم الميدانية للسوق الذي يخضع منذ سنة 2000 لنظام التدبير عن طريق الوكلاء، إلى أن المكلفين باستخلاص الواجبات المحددة في 7 في المائة، دأبوا على  فرض نسبة إضافية (1 في المائة)، حيث بلغ  مجموع الأموال المستخلصة في هذا الإطار أزيد من 200 مليون سنتيم  دخلت حسابات الوكيلين خارج القوانين المنظمة للمجال.

وإذا كانت هذه الاستخلاصات غير القانونية، قد شكلت باكورة تقرير قضاة المجلس، فقد تم تسجيل جملة من الاختلالات التي تدخل في خانة «الاستهتار بصحة المستهلك»، من قبيل  غياب مستودعات التبريد التي تكفل حفظ هذه المادة الغذائية وتقيها من عثرات «الفساد» وتمكن من المحافظة على جودة الأسماك المعروضة واحترام سلسلة التبريد من المصدر إلى المستهلك، فتم الاكتفاء باستخدام قطع الثلج  في عملية التبريد،  سواء بالنسبة للأسماك التي يتم بيعها أو التي يُحتفظ بها للبيع في اليوم الموالي، دون أدنى مراعاة لما يمكن أن تسببه هذه الطريقة البدائية من آثار سلبية على صحة المواطنين.

تنضاف إلى ذلك  ملاحظة غياب أو تغييب  كافة الأنواع الممتازة من السمك داخل السوق، ما جعل السؤال مشروعا حول  القنوات المعتمدة في تصريف هذه الأنواع  وطريقة وصولها إلى الباعة والتجار، بعيدا عن مراقبة المصالح المختصة، وما ينتج عن العملية من تشجيع على التهرب من أداء الواجبات المتعلقة بها، يقول التقرير الذي أكد بأن العديد من المستودعات المتواجدة في المدينة تستورد الأسماك المجمدة دون أداء لأية واجبات للجماعة.

ثالثة الأثافي التي وقف عليها تقرير القضاة في ترويج الأسماك بالمدينة الحمراء، هي لجوء العديد من تجار الجملة لاستخدام سيارات وشاحنات تفتقر لأبسط شروط السلامة الصحية في نقل الأسماك، ما يضرب في الصميم  شروط الجودة ويعرض الأسماك لفقدان الجودة ويحيطها بعوادي التلف، حيث ظلت المصالح الجماعية البيطرية تتابع هذا الوضع من موقع المتفرج، دون أن تكلف نفسها عناء التدخل لوقف النزيف وفرض احترام المقتضيات القانونية المنصوص عليها في بنود المرسوم الوزاري المنظم لعملية نقل المواد الحيوانية السريعة التلف والتفسخ.

رئاسة المجلس الجماعي على عهد مرحلة التدبير المنصرمة نأت بنفسها عن مجمل هذه الاختلالات، وأكدت في جوابها على الملاحظات المذكورة، بأن المجلس قد سبق له أن وجه رسائل إلى وكيلي السوق بخصوص استخلاصهما لنسبة من واجبات الدخول خارج القوانين المنظمة، مع التأكيد على أن الجماعة الحضرية قد قررت بناء سوق جملة جديد للسمك تراعى فيه جميع المواصفات المطلوبة للحفاظ على الجودة وصحة المستهلك، مع شرط مصادقة المجلس الجماعي على اتفاقية شراكة مع المكتب الوطني للصيد البحري.

وكيلا السوق اللذان حاصرتهما ملاحظات القضاة دفعا بكون النسبة المقتطعة خارج القوانين، تدخل في إطار واجب التمبر المؤدى من قبلهما لمصلحة الضرائب، وهو الدفع الذي أجاب عنه المدير الجهوي للضرائب بمراكش، بأن النسبة المفروضة في هذا الإطار لا تتجاوز 0،25 في المائة، في حين أنهما يستخلصان نسبة 1 في المائة، الأمر الذي ترتب عنه استخلاص مبلغ 2.046.690.69 درهم بشكل  غير  قانوني، لتكون الخلاصة أن الوكيلين يقومان باستخلاص نسبة مئوية من المشترين تتجاوز النسبة المحددة قانونا كواجب للتمبر بمقتضى الفصل 252 أ-ب من المدونة العامة للضرائب، وهي الحقيقة التي قادتهما للوقوف بقفص الاتهام بغرفة الجنايات وإدانتهما بالعقوبة المومإ إليها.

 


ملصقات


اقرأ أيضاً
“فرانس24” تكتبها صاغرة: الصحراء مغربية
في تحول لافت ومفاجئ، كسرت قناة "فرانس24" واحدة من أبرز قواعدها التحريرية التي طالما أثارت استياء الرأي العام المغربي، وكتبت لأول مرة عبارة "الصحراء المغربية"، لتسقط بذلك أقنعة الحياد المزيف والانحياز المكشوف الذي طبع تغطيتها لملف الصحراء لعقود، بل وتضع نفسها – صاغرة – أمام حقيقة راسخة ميدانياً، سياسياً ودولياً.لسنوات طويلة، تحولت "فرانس24" إلى منبر دعائي غير رسمي يخدم أجندات لوبيات معادية للمغرب، سواء من داخل فرنسا أو من خارجها، حيث انتهجت سياسة تحريرية منحازة في تغطية قضية الصحراء المغربية. تقارير القناة ظلت تروج لخطاب الانفصال بشكل ممنهج، مستخدمة مصطلحات مشحونة، مستضيفة ضيوفاً معروفين بعدائهم للمغرب، في مشاهد إعلامية معدّة على "المقاس"، تعكس رغبة واضحة في فرض سردية لا علاقة لها بالواقع على الأرض. ورغم احتجاجات المغاربة، وموجات الغضب التي كانت تشتعل على شبكات التواصل الاجتماعي عقب كل تقرير مسيء أو "خريطة مبتورة"، ظلت القناة مصرة على استعمال مصطلح "الصحراء الغربية"، إلى درجة أن النطق بـ"الصحراء المغربية" كان بمثابة محرم قد يؤدي بالصحفي إلى الإقصاء أو الطرد، كما وقع في حالات معروفة. لكن، يبدو أن الرياح لم تعد تهب كما يشتهي مسيرو القناة، فالاعترافات الدولية المتتالية بسيادة المغرب على صحرائه، بدءاً بدول أوروبية، ثم دول إفريقية وعربية عديدة، وضعت الإعلام الغربي أمام أمر واقع لا يمكن تجاهله إلى ما لا نهاية. وفي ظل هذه المتغيرات الجيوسياسية، أصبح استخدام مصطلح "الصحراء الغربية" عبئاً حتى على الجهات الإعلامية التي ظلت تحاول لعب دور "الوسيط المحايد" في الظاهر، لكنها كانت تغذي الانفصال في الباطن.    
صحافة

انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم المخصص لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع
أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع التواصل- عن انطلاق عملية استقبال ملفات طلبات الدعم العمومي لفائدة مؤسسات الصحافة والنشر وشركات الطباعة وشركات التوزيع، برسم سنة 2025، وذلك خلال الفترة الممتدة من 14 ماي إلى غاية 26 يونيو 2025. وذكر بلاغ للوزارة أن ذلك يأتي استنادا إلى المرسوم رقم 2.23.1041 الصادر في 8 جمادى الآخرة 1445 (22 ديسمبر 2023)، بتحديد شروط وكيفيات الاستفادة من الدعم العمومي الموجه لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، والقرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 2345.24 الصادر في 2 جمادى الأولى 1446 (5 نونبر 2024)، بتحديد أسقف دعم التسيير و دعم الاستثمار لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع ونسب احتسابهما وكيفيات توزيعهما وصرفهما. كما يأتي، حسب المصدر ذاته، استنادا إلى القرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 677.25 الصادر في 23 من رمضان 1446 (24 مارس 2025) بتتميم القرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 2345.24 الصادر في 2 جمادى الأولى 1446 (5 نونبر 2024)، بتحديد أسقف دعم التسيير و دعم الاستثمار لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع ونسب احتسابهما وكيفيات توزيعهما وصرفهما، وكذا قرار لوزير الشباب والثقافة والتواصل رقم 3195.24 صادر في 17 من جمادى الآخرة 1446 (19 دجنبر 2024)، بتحديد الوثائق المكونة لملف طلب الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع. وأشار البلاغ إلى أن ملف الطلب يجب أن يتضمن كافة الوثائق المحددة في القرار الوزاري رقم 3195.24، الصادر في 17 جمادى الآخرة 1146 (19 ديسمبر 2024) بتحديد الوثائق المكونة لملف طلب الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، لافتا إلى أن الملفات ترسل في صيغة إلكترونية إلى البريد الإلكتروني ([email protected]).
صحافة

في اليوم العالمي لحرية الصحافة..منتدى مغربي يدعو إلى استقلالية الإعلام
دعا منتدى مغربي يهتم بقضايا المواطنة والإعلام بالمغرب، إلى "تكريس استقلالية الإعلام عن مراكز النفوذ السياسي والمالي". وطالب "منتدى الإعلام والمواطنة"، في بيان له بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة، بضرورة توفير الضمانات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بحماية الصحافيين. ويتم تخليد هذا اليوم العالمي، هذا العام تحت شعار: "الصحافة في وجه التضليل... الحقيقة أولاً." ودعا المنتدى، في السياق ذاته، إلى إطلاق نقاش وطني حول إصلاح شامل للإعلام المغربي، بما يحقق التوازن بين الحرية والمسؤولية، ويرسّخ أخلاقيات المهنة، ويواكب التحولات التكنولوجية الجديدة. كما دعا إلى تحرير الإعلام العمومي في إطار ورش الإصلاح والتحرير وفتح فضاءاته وبرامجه للنقاش السياسي والاجتماعي والثقافي الحر والمتعدد، حتى يمكن أن يكون قادرا على مواجهة تداعيات المرحلة الراهنة.
صحافة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
صحافة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الخميس 15 مايو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة