على امتداد أيام الأسابيع الأخيرة وجدت إدارة سوق الدراجات النارية والعادية المستعملة بمراكش نفسها في قلب تحقيقات ماراطونية، تقودها عناصر أمنية ودركية بغية تفكيك خيوط بعض عمليات البيع التي تم توثيقها خارج تغطية النصوص القانونية المنظمة للمجال.
زوار من نوع خاص شرعوا في التردد على إدارة السوق بأزيائهم الرسمية والمدنية،للنبش في سجلاتها والتدقيق في بعض البيوعات التي تحيطها علامات استفهام محيرة، ما جعل الجميع يتابع مجريات هذه التحركات ولسان الحال يردد الدعاء المأثور" الله يخرج الطرح بسلام".
آخر زيارة من هذا النوع كانت مساء أول أمس الأربعاء، حين حلت عناصر دركية من سرية سيدي بوعثمان بإقليم الرحامنة، بعد أن قادها التحقيق حول دراجة نارية من نوع"السي90" متورطة في حادثة سير قاتلة إلى إدارة السوق بمراكش.
الرجوع إلى السجلات المتضمنة لكشوفات البيع،زاد في إذكاء مساحة اللبس والإلتباس بعد أن تبين للدركيين بأن الدراجة موضوع البحث قد بيعت بالفعل بفضاءات السوق، غير أنه ولأسباب مجهولة لايعلمها إلا الله ومقترفوها قد تم التغاضي عن جملة من الإجراءات القانونية وإغفالها بشكل متعمد، مع إقدام الموظف الجماعي المكلف بهذه المهمة على الضرب عرض الحائط بالمادة 46 من قانون الأسواق، التي تلزم وتؤكد على أن توثيق أية عملية بيع يجب أن تتضمن توقيع البائع ورقم بطاقته الوطنية تفاديا لكل ما من شأنه،وهي الإجراءات التي لم يكلف أهل السوق أنفسهم عناء تفعيلها بالنسبة للدراجة موضوع البحث، ماجعل النيابة العامة تصدر تعليمات بالاستماع لافادة الموظف المكلف بتحرير عقود البيع بسوق الدراجات المستعملة.
وحتى تمتد مساحة السريالية المعتمدة في تدبير شؤون السوق التابع لمصالح المجلس الجماعي بمراكش، ويسهر على تدبيره طاقم من الموظفين الجماعيين، فقد كان الإدارة على موعد مع واقعة مماثلة، حين قادت التحقيقات التي كانت تقوم بها الضابطة القضائية ببنكرير حول دراجة نارية ضبطت بحوزة شخص يحترف السرقة والصوصية إلى إدارة سوق الدراجات بمراكش، وكشفت السجلات الإدارية بكون الدراجة قد تم بيعها بالسوق،غير أن توثيق البيع لا يتضمن توقيع البائع بالإضافة إلى كون المواصفات المتضمنة بهذه السجلات والكشوفات تختلف كليا عن المواصفات الحقيقية، ما يدخل العملية ككل خانة التزوير الفاضح.
الشرطة القضائية بمراكش لازالت تضع اختلالات السوق تحت مجهر تحقيقاتها، وهي تجاهد في تعقب مسارات عدة دراجات نارية متحصلة من مسروق تم توثيق بيوعاتها بالسوق، ما يؤشر على أن وراء الأكمة ما وراءها،وأن شيئا ما ليس على ما يرام يلف مجريات السير العادي لهذا الفضاء البلدي.
العارفون بخبايا الامور وما يجري ويدور برحاب السوق، يؤكدون على وجود اختلالات ما أنزلت بها القوانين والمساطير المنظمة للمجال من سلطان، مع توجيه أصابع الإتهام بوجود تواطؤات تستحكم بدواليب هذا المرفق، وتفتح المجال أمام لوبي خاص بالتحكم والإستفراد بمجمل عمليات البيع والشراء بمساعدة مكشوفة من بعض الموظفين الجماعيين الذين يفترض فيهم الحرص على شفافية ونزاهة هذا النوع من المعاملات.
حقيقة يكشف عنها ك إقدام أحد الموظفين على تجهيز مكتبه داخل السوق بآلة نسخ خاصة " فوطو كوبيوز" ، وتخصيصها لتصوير نسخ من البطائق الوطنية الخاصة بالمواطنين الذين يلجون عتبات السوق لبيع دراجاتهم مقابل مبالغ تتراوح ما بين 2 و5 درهم لكل نسخة.
خطورة العملية تتجلى في حرمان مالية الجماعة من مداخيل مالية مهمة،بالنظر لكون هذه الخدمة الغير القانونية تستفيد منها اللوبيات المتحكمة في السوق، حيث يتم اقتناء الدراجات من أصحابها دونما حاجة للمرور عبر سلم توثيق عمليات البيع، التي تفرض خصم رسومات عن كل عملية بيع حددها المرسوم في مبلغ 30 درهم، وبالتالي أيادي اللوبيات المتحكمة في تقاذف الدراجات فيما بينها،إلى أن يتم تمريرها وبيعها لزبون خارجي حيث يتم حينها توثيق العملية بالطريقة الرسمية.
عبثية المشهد يكشف عنها كذلك أن العمل بإدارة السوق ليس في متناول أيها الناس من الموظفين الجماعيين،بل تبقى حكرا على فئة معينة تعتمد في تربعها على كراسي التسيير والتدبير على مدى قربها من هذا المستشار أو ذاك،ومن تمة اقتصار المهمة على شقيق فلان ونجل علان،ما يؤشر على أن التوطؤات تمتد إلى أهل الحل والعقد بالمجلس الجماعي اعتمادا على مبدأ" خيرنا،ما ياكلو غيرنا".