لعلنا محظوظون لأننا نعيش في هذا العصر تحديداً، ولم نولد في العصور الوسطى أو في العصور القديمة، فالحياة حالياً أسهل بكثير مما كانت عليه في الماضي؛ نظراً للإمكانات والمنتجات المتوفرة بين أيدينا ولخدمتنا.
لكن التوقف أمام أصل هذه الابتكارات التي نتمتع بها في حياتنا يكشف لنا تاريخاً غريباً، وهدفاً مختلفاً صُنعت من أجله، وفي هذا التقرير نكتشف بدايات بعض هذه الابتكارات، وكيف أصبحت تُستخدم في حياتنا اليومية:
لغة برايل
لا يمكن لأحد إنكار الأهمية البالغة للدور الذي قامت به هذه اللغة في حياة الأشخاص الذين يعانون من عجز بصري، إلا أن الحقيقة هي أن لغة برايل لم تُبتكر لأول مرة من أجل راحة المكفوفين، فقد كان ذلك من أجل هدف عسكري محض.
بدأت الحكاية عندما سئم نابليون بونابارت من تزايد القتلى والجرحى في صفوف جنوده، بسبب محاولتهم إشعال القناديل ليلاً لقراءة الرسائل، فقد كان ذلك يسهل على قناصي العدو قتل الجنود الفرنسيين، لذلك اختار بونابرت ضابطاً يدعى "شارلز باربير" لإيجاد وسيلة تمكِّن الجنود من قراءة الرسائل ومطالعة الخرائط دون إشعال القناديل أو النار.
ابتكر "باربير" طريقة "النقاط البارزة" التي تمكِّن القارئ من التعرف على الحروف عن طريق اللمس، إلا أن الجيش اعتبر أن هذه اللغة غير عملية إطلاقاً ومعقدة جداً بالنسبة لأشخاص يعيشون في حالة حرب ويحتاجون لقراءة الرسائل بسرعة شديدة.
هذا الرفض أدى بـ"باربير" إلى طَرْق أبواب المعهد الملكي للأطفال المكفوفين في باريس، حيث قدَّم ابتكاره هناك، ولقي ترحيباً حاراً، وقام أحد الطلاب بعد ذلك بإدخال تحسينات على هذه اللغة، فأصبحت بالشكل الذي نعرفه، كان هذا الطالب هو "لويس برايل"، الذي تحمل هذه اللغة العظيمة اسمه إلى اليوم.
آلة الجري الرياضية الكهربائية
وفَّرت آلة الجري الكهربائية كثيراً من الجهد لممارسي الرياضة، فهي تمكِّن الشخص من ممارسة رياضة الجري في أي وقت يريد، بالسرعة التي يختار، دون أن يغير ملابسه حتى أو يغادر منزله، إلا أن الفكرة وراء هذا الاختراع كانت وحشية، إذ كان أول استخدام لفكرة "جهاز المشي أو الجري المتحرك"، في مجال التعذيب.
اخترع الآلة مهندس إنكليزي يدعى "السير ويليام كوبيت" في سنة 1818، وكانت آنذاك عبارة عن ناعورة تتكون من 24 درجاً، يتم إجبار المساجين على المشي عليها لمدة 8 ساعات دون توقف، وهو ما كان يتسبب لهم في إصابات في المفاصل، بالإضافة إلى الإرهاق الشديد الذي يتعرضون له نظراً للجهد الرهيب الذي يتم بذله مقابل طعام لا يسمن ولا يغني من جوع.
تم استخدام هذه الآلات في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لمدة تفوق 80 سنة، وكانت بعض هذه الآلات تستخدم بغرض التعذيب فقط لا غير، بينما كان يتم استخدام الجهد المبذول من المساجين على آلات أخرى بغرض ضخ الماء أو طحن القمح.
اللون البنفسجي
بداية ظهور هذا اللون الجميل كانت بمحض صدفة بالغة الغرابة، فهذا اللون المليء بالحياة اكتُشف في وقتٍ عصيبٍ جداً ازدادت فيه الوفيات، بسبب مرض الملاريا، وتم اكتشاف هذا اللون أثناء محاولة البحث عن دواء بديل للملاريا.
في الواقع، لقد كان الدواء موجوداً بالفعل، وهو مركب الكينين الذي استُخدم في علاج الملاريا منذ القرن السابع عشر، لكن المشكلة كانت تكمن في التكلفة البالغة الارتفاع لاستخراج هذه المادة طبيعياً.
وفي عام 1856 جرى البحث عن وسيلة للحصول على مادة كينين صناعية لتكون أرخص وأسرع في تركيبها، ولهذا السبب، فقد تم اللجوء إلى مجموعة كبيرة من العلماء والكيميائيين، من بينهم كيميائي يدعى أوغست هوفمان، الذي كلَّف طالبه المتميز "ويليام هينري بيركين" بهذه المهمة، بالالتزام بتوجيهات يطبقها أثناء سفره.
لكن جميع توجيهات هوفمان لم تأتِ بنتيجة، ولذلك اعتمد الشاب على نفسه مستعملاً عدة مواد أهمها مادة تدعى "الأنيلين"، التي أدت على غير المتوقَّع إلى تكوُّن أول ملون صناعي في التاريخ؛ اللون البنفسجي، الذي لم يكن له وجود من قبل.
أما المهمة الرئيسية التي تم تكليف بيركين بها فقد باءت بالفشل، ولم يتم التوصل إلى تركيب مادة الكينين الصناعية إلا بعد ما يقرب من قرن من الزمن، في عام 1944 على يد باحثَيْن أميركيين هما ويليام إي. دورين من جامعة كولومبيا، وروبيرت بي. وودوارد من جامعة هارفارد.
البولينغ
بدأت رياضة البولينغ بشكلها الحالي في القرن الثالث الميلادي بألمانيا القديمة، وكانت طقساً دينياً تعبدياً في البداية، حيث كان رواد الكنيسة يقومون بترتيب عدة مجسمات على الأرض، لتُمثل "الوثنيين" أو "الكفار"، ثم يقومون برمي صخرة على تلك المجسمات، وكانوا يؤمنون بأنه من يتمكن من إيقاع كل المجسمات فإنه "يطهر نفسه" من جميع الذنوب والمعاصي.
المناديل الورقية
من يتخيل أن المناديل الورقية التي نستخدمها بشكل شبه يومي تم ابتكارها بفضل الحرب العالمية الأولى؟ نعم، لقد كانت هذه الحرب المدمرة هي السبب في وجود هذا المنتج المهم في حياتنا، حيث كُلفت شركة كيمبرلي كلارك الشهيرة بتزويد الجيش الأميركي بمادة ابتكرتها، تُسمى cellu-cotton وهي تشبه القطن، إلا أنها كانت أرخص بكثير، ليتم استخدامها كـ"فلترات" في أقنعة الغاز الخاصة بالجنود، بالإضافة إلى استخدامها لمنع نزيف الدماء عند إصابتهم.
إلا أن الحرب انتهت على غير المتوقع، ووجدت الشركة نفسها غارقة في أطنان من السيلوكوتون لن يستخدمها أحد، وتم التوصل للفكرة العبقرية بتحويل المادة إلى ماسحات وجه ورقية، قبل أن يتم استخدام المادة نفسها لاحقاً لصنع أول منتج للفوط الصحية النسائية على الإطلاق.
لعلنا محظوظون لأننا نعيش في هذا العصر تحديداً، ولم نولد في العصور الوسطى أو في العصور القديمة، فالحياة حالياً أسهل بكثير مما كانت عليه في الماضي؛ نظراً للإمكانات والمنتجات المتوفرة بين أيدينا ولخدمتنا.
لكن التوقف أمام أصل هذه الابتكارات التي نتمتع بها في حياتنا يكشف لنا تاريخاً غريباً، وهدفاً مختلفاً صُنعت من أجله، وفي هذا التقرير نكتشف بدايات بعض هذه الابتكارات، وكيف أصبحت تُستخدم في حياتنا اليومية:
لغة برايل
لا يمكن لأحد إنكار الأهمية البالغة للدور الذي قامت به هذه اللغة في حياة الأشخاص الذين يعانون من عجز بصري، إلا أن الحقيقة هي أن لغة برايل لم تُبتكر لأول مرة من أجل راحة المكفوفين، فقد كان ذلك من أجل هدف عسكري محض.
بدأت الحكاية عندما سئم نابليون بونابارت من تزايد القتلى والجرحى في صفوف جنوده، بسبب محاولتهم إشعال القناديل ليلاً لقراءة الرسائل، فقد كان ذلك يسهل على قناصي العدو قتل الجنود الفرنسيين، لذلك اختار بونابرت ضابطاً يدعى "شارلز باربير" لإيجاد وسيلة تمكِّن الجنود من قراءة الرسائل ومطالعة الخرائط دون إشعال القناديل أو النار.
ابتكر "باربير" طريقة "النقاط البارزة" التي تمكِّن القارئ من التعرف على الحروف عن طريق اللمس، إلا أن الجيش اعتبر أن هذه اللغة غير عملية إطلاقاً ومعقدة جداً بالنسبة لأشخاص يعيشون في حالة حرب ويحتاجون لقراءة الرسائل بسرعة شديدة.
هذا الرفض أدى بـ"باربير" إلى طَرْق أبواب المعهد الملكي للأطفال المكفوفين في باريس، حيث قدَّم ابتكاره هناك، ولقي ترحيباً حاراً، وقام أحد الطلاب بعد ذلك بإدخال تحسينات على هذه اللغة، فأصبحت بالشكل الذي نعرفه، كان هذا الطالب هو "لويس برايل"، الذي تحمل هذه اللغة العظيمة اسمه إلى اليوم.
آلة الجري الرياضية الكهربائية
وفَّرت آلة الجري الكهربائية كثيراً من الجهد لممارسي الرياضة، فهي تمكِّن الشخص من ممارسة رياضة الجري في أي وقت يريد، بالسرعة التي يختار، دون أن يغير ملابسه حتى أو يغادر منزله، إلا أن الفكرة وراء هذا الاختراع كانت وحشية، إذ كان أول استخدام لفكرة "جهاز المشي أو الجري المتحرك"، في مجال التعذيب.
اخترع الآلة مهندس إنكليزي يدعى "السير ويليام كوبيت" في سنة 1818، وكانت آنذاك عبارة عن ناعورة تتكون من 24 درجاً، يتم إجبار المساجين على المشي عليها لمدة 8 ساعات دون توقف، وهو ما كان يتسبب لهم في إصابات في المفاصل، بالإضافة إلى الإرهاق الشديد الذي يتعرضون له نظراً للجهد الرهيب الذي يتم بذله مقابل طعام لا يسمن ولا يغني من جوع.
تم استخدام هذه الآلات في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية لمدة تفوق 80 سنة، وكانت بعض هذه الآلات تستخدم بغرض التعذيب فقط لا غير، بينما كان يتم استخدام الجهد المبذول من المساجين على آلات أخرى بغرض ضخ الماء أو طحن القمح.
اللون البنفسجي
بداية ظهور هذا اللون الجميل كانت بمحض صدفة بالغة الغرابة، فهذا اللون المليء بالحياة اكتُشف في وقتٍ عصيبٍ جداً ازدادت فيه الوفيات، بسبب مرض الملاريا، وتم اكتشاف هذا اللون أثناء محاولة البحث عن دواء بديل للملاريا.
في الواقع، لقد كان الدواء موجوداً بالفعل، وهو مركب الكينين الذي استُخدم في علاج الملاريا منذ القرن السابع عشر، لكن المشكلة كانت تكمن في التكلفة البالغة الارتفاع لاستخراج هذه المادة طبيعياً.
وفي عام 1856 جرى البحث عن وسيلة للحصول على مادة كينين صناعية لتكون أرخص وأسرع في تركيبها، ولهذا السبب، فقد تم اللجوء إلى مجموعة كبيرة من العلماء والكيميائيين، من بينهم كيميائي يدعى أوغست هوفمان، الذي كلَّف طالبه المتميز "ويليام هينري بيركين" بهذه المهمة، بالالتزام بتوجيهات يطبقها أثناء سفره.
لكن جميع توجيهات هوفمان لم تأتِ بنتيجة، ولذلك اعتمد الشاب على نفسه مستعملاً عدة مواد أهمها مادة تدعى "الأنيلين"، التي أدت على غير المتوقَّع إلى تكوُّن أول ملون صناعي في التاريخ؛ اللون البنفسجي، الذي لم يكن له وجود من قبل.
أما المهمة الرئيسية التي تم تكليف بيركين بها فقد باءت بالفشل، ولم يتم التوصل إلى تركيب مادة الكينين الصناعية إلا بعد ما يقرب من قرن من الزمن، في عام 1944 على يد باحثَيْن أميركيين هما ويليام إي. دورين من جامعة كولومبيا، وروبيرت بي. وودوارد من جامعة هارفارد.
البولينغ
بدأت رياضة البولينغ بشكلها الحالي في القرن الثالث الميلادي بألمانيا القديمة، وكانت طقساً دينياً تعبدياً في البداية، حيث كان رواد الكنيسة يقومون بترتيب عدة مجسمات على الأرض، لتُمثل "الوثنيين" أو "الكفار"، ثم يقومون برمي صخرة على تلك المجسمات، وكانوا يؤمنون بأنه من يتمكن من إيقاع كل المجسمات فإنه "يطهر نفسه" من جميع الذنوب والمعاصي.
المناديل الورقية
من يتخيل أن المناديل الورقية التي نستخدمها بشكل شبه يومي تم ابتكارها بفضل الحرب العالمية الأولى؟ نعم، لقد كانت هذه الحرب المدمرة هي السبب في وجود هذا المنتج المهم في حياتنا، حيث كُلفت شركة كيمبرلي كلارك الشهيرة بتزويد الجيش الأميركي بمادة ابتكرتها، تُسمى cellu-cotton وهي تشبه القطن، إلا أنها كانت أرخص بكثير، ليتم استخدامها كـ"فلترات" في أقنعة الغاز الخاصة بالجنود، بالإضافة إلى استخدامها لمنع نزيف الدماء عند إصابتهم.
إلا أن الحرب انتهت على غير المتوقع، ووجدت الشركة نفسها غارقة في أطنان من السيلوكوتون لن يستخدمها أحد، وتم التوصل للفكرة العبقرية بتحويل المادة إلى ماسحات وجه ورقية، قبل أن يتم استخدام المادة نفسها لاحقاً لصنع أول منتج للفوط الصحية النسائية على الإطلاق.