الجمعة 19 أبريل 2024, 03:20

مجتمع

الاستهلاك المفرط في رمضان من المنظور السوسيولوجي


كشـ24 | و.م.ع نشر في: 22 أبريل 2021

يعد سلوك الاستهلاك البشري عملية حيوية مرتبطة بالاحتياجات اليومية لكل إنسان، ورحى تتداخل فيها الأبعاد النفسية والسوسيولوجية والاقتصادية والهوياتية بشكل عضوي، مما يجعل تمظهرات الاستهلاك من حيث الكم والنوع في المجتمعات تعبيرا عن طبيعة القيم والعادات التي تحكم أفرادها.في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط الباحث في علم الاجتماع وأنثربولوجيا الثقافة الدكتور عياد أبلال، الضوء على ظاهرة الإفراط في الاستهلاك، لا سيما خلال شهر رمضان الأبرك وذلك من خلال الأسئلة التالية:1 – تلاحظ خلال شهر رمضان ظاهرة الإقبال الكبير على اقتناء المواد الغذائية واستهلاكها وربما الاقتراض من أجل ذلك، كيف يمكن تفسير سلوك الإفراط في الاستهلاك إلى حد التبذير وهدر الطعام في شهر في رمضان؟مع كل رمضان، يشهد المغرب، عددا من الممارسات والطقوس، المرتبطة بالصيام، والتي باتت لصيقة بالتدين المظهري، مما يسيء في العمق إلى روحانية هذه الطقوس التعبدية، كما يسيء إلى صورة المسلمين عموما، خاصة وأن هذا التدين ميزة المجتمعات العربية بشكل عام، وليس المغرب فقط، وتغدو العلاقات الاجتماعية، محلالاً لهذا التدين المظهري/الكرنفالي، فإذا كان شهر رمضان شهراً مقدساً عند المسلمين، فإنه، بعد إفراغه من محتواه الروحي الذي لا ينفصل عن بعده المدني والأخلاقي، قد يتحول إلى مجرد طقس اجتماعي بدون دلالة روحية، مما يجعله لا يخلو من عنف بشتى أشكاله، ولعلنا نجد في الإفراط في الاستهلاك أحد تجليات هذا العنف الاستهلاكي، الذي بموجبه يتحول الاستهلاك إلى وسيلة لتعميق الحيف والاستبعاد الاجتماعي لصالح من له القدرة على الاستهلاك، في حين يشتد الإحساس بالقهر والدونية عند من لا يستطيع إلى الاستهلاك سبيلا.وإذا كان الدين عملياً أحد أهم العوامل المساعدة على تخليص الإنسان من التوتر وتبديد طاقة التدمير والكراهية والأنانية لديه وتحويلها إلى طاقة للحياة والمحبة والإخاء، خاصة إذا ترافقت أشكال التدين بالتأمل الروحي، باعتباره جوهر الدين الذي يجعل الإنسان يرتقي إلى مستويات راقية من المدنية والسلم، كفيلة بإشاعة قيم المحبة والخير، فإن هيمنة البعد الفرجوي والكرنفالي لأشكال التدين المختلفة، باختلاف الثقافات والسياقات على الجانب التعبدي، يجعل التدين نفسه عاملا ومسرحاً لشتى أنواع الانحرافات. من هنا، يصبح شهر رمضان بالرغم من قدسيته وروحانياته مناسبة للاستعراض والتباهي الاستهلاكي، وهو ما يفرغ رمضان من أبعاده الزهدية، ويجعله، مع الافراط في الاستهلاك، مفرغا من فلسفته الدينية، ذلك أن فلسفة الصيام الدينية هي إحساس المؤمن بالجوع والعطش، وهو في العمق دعوة الله لعباده لتدبر الفقر والحاجة، بما هي دعوة إلى الإحساس بالفقير، ودعوة للتكافل والتضامن، خاصة وأن التفرغ للعبادة والتنسك يجعل المؤمن أقرب إلى الله، ومن ثم أقرب إلى فعل الخير والحسنات، وفي ذلك سن الله سبحانه وتعالى عددا من القوانين المنظمة للعلاقات بين المؤمنين والمسلمين، خاصة بين الفقراء والأغنياء، الذين جعل الله في أموالهم حقاً للسائل والمحروم. بيد أن إفراط الناس في الاستهلاك جعل هذا السلوك يتحول عبر الجبر والقسر الاجتماعي إلى قاعدة، وهي قاعدة اجتماعية جعلت الناس يدخلون في صراع التباهي المظهري عبر مائدة الافطار والعشاء والسحور، بما يتجاوز الوظيفة الحيوية للغذاء إلى الوظيفة الاستعراضية، وهو ما جعل من هذه الأخيرة حاجة اجتماعية، وهو ما يفسر اقتراض بعض المغاربة من أجل قضاء شهر رمضان، وهو الميكانيزم الاجتماعي نفسه الذي يشرح استهلاكية الأعياد في المغرب، بما في ذلك عيد الأضحى، بالرغم من أنه سنة وليس واجباً.2- ما هي الأسباب السيكولوجية والسوسيولوجية لهذه الظاهرة؟في سياق علم الاجتماع اليومي، يعتبر الاستهلاك محلالاً سوسيولوجيا لدراسة المجتمعات وتطورها، ومعرفة بنياتها التحية كما الفوقية، ومن ثم معرفة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا السياسية التي مرت بها هذه المجتمعات، فإذا كان الاستهلاك سلوكا فردياً في ظاهره، مرتبطا بنسق الشخصية، فإن هذا النسق في فردانيته لا ينفصل عن النسق الثقافي والنسق الاجتماعي، عبر ما يسميه إميل دوركهايم بجبرية السلوك الاجتماعي وعموميته، بحيث يتحول الاستهلاك إلى ثقافة اجتماعية تتميز بطابع الإكراه، مثله في ذلك، مثل باقي السلوكات الاجتماعية، حيث تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة إلى المدرسة، مروراً بالإعلام دوراً كبيراً في صياغة ثقافة الاستهلاك، في اتصال وثيق بصياغة البراديغم الاجتماعي، بحيث تصير القولة المأثورة: “دير كيف دار جارك ولا حول باب دارك” رمزاً تلخيصياً لهذا البعد الإكراهي للبراديغم الاجتماعي للاستهلاك.إننا لا نستهلك فقط لنعيش، بل نستهلك لنحيا ضمن دوائر رمزية شديدة الصلة بثقافة المجتمع وميولاته ونزوعاته المادية، وهو الإطار الذي يشتغل في فلكه “الإشهار”، و”الموضا”، و”الإثارة”، و”البوز”، خاصة مع تحول شبكات التواصل الاجتماعي إلى آلية جديدة للقهر الاجتماعي، وهنا يتأسس الاستهلاك على الفعل ورد الفعل، على المثير والاستجابة، ضمن رؤية سلوكية لا تترك الفرصة للمستهلك لمساءلة ما يستهلكه، ومن ثم تقييم سلوكاته الاستهلاكية، بحيث تتحول سلوكات النخبة الاستهلاكية الموجِهة، التي تديرها صناعة الاستهلاك على المستوى العالمي، إلى سلوكات فرجة الجمهور، ويتحول المجتمع من مجتمع السترة والكفاف والعفاف والبركة إلى المجتمع التفاخري، بما هو بالنهاية مجتمع الفرجة. ويتحول كل مستهلك إلى مستشهر لبضاعة أو ماركة أو منتوج، خاصة بعد الطفرة الكبيرة التي عرفها الاتصال والتواصل في ظل العولمة، وتحديدا العولمة الرقمية، التي وجدت ضالتها في الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها أحد أهم آليات هذا التحول في ثقافة الاستهلاك، بحيث يصبح نسق الشخصية على المستوى السيكولوجي رهينا بنسق الثقافة والنسق الاجتماعي، ومن هنا يقع تحول كبير في متطلبات نسق الشخصية، إذ تتوسع دائرة المتطلبات الحيوية لتشمل متطلبات كمالية زائدة، ويصبح الإفراط في الاستهلاك حاجة ملحة. وبذلك تتضخم حاجيات الجسد المادية وتحدث بالضرورة خللا وظيفيا في الجهاز النفسي والروحي للإنسان. وهوما نعبر عنه بالخلل الوظيفي الذي يحدث في نسق الشخصية، ومنه في النسق الثقافي والاجتماعي.3- هل تساهم الإعلانات والتسويق اللتجاري في إذكاء هذا التهافت والاقبال المفرط على الاستهلاك والاقتراض أيضا في هذه المحطة الدينية السنوية؟ربطا بالسؤال السابق، يمكن القول إن الدعوة إلى الاستهلاك أصبحت في إطار النيوليبرالية دعوة للتميز الاجتماعي والثقافي، ومن ثم تشكل الإعلانات والإشهار استراتيجية رأسمالية لترسيم وتكريس مجتمعات الفرجة، وهي مجتمعات تحولت في ظلها الطقوس الدينية إلى طقوس كرنفالية، حيث أفرغ الدين من محتواه الروحي والمدني، ومن قيمه الأخلاقية، وهي قيم كانت تميز المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات في مرحلة ما قبل العولمة ورقمنة التواصل، بحيث كلما اشتدت وسائط التواصل الرقمية، كلما انتفى التواصل. وكلما تحول التدين إلى فرجة واستعراض طقوسي وكرنفالي، كلما انتفى الدين، خاصة في البلدان التي انتقلت من ثقافة الأذن إلى ثقافة العين دون المرور عبر مرحلة التأسيس للمعرفة.عمليا مر المغاربة، مثلهم مثل باقي المجتمعات النامية، من مراحل وتحولات شملت ثقافتهم الاستهلاكية، التي ارتبطت في البداية بتلبية حاجياتهم الحيوية من ماء وغذاء ولباس في حدود وظائف هذه الحاجيات الحيوية، بحيث ظلت الكماليات حكراً على نخبة محدودة العدد من الأثرياء والأغنياء، الذين احتكروا في البداية دوائر الاستهلاك الرمزي، باعتبارهم مالكين للرأسمال المالي، والاجتماعي وكذا الثقافي، عبر استهلاكهم لمنتوجات رمزية خدماتية، من فنون بمختلف أشكالها وأجناسها…، كما استفادوا من خدمات ترويحية من سفر واستجمام وسباحة…إلخ، وهم الطبقة الأولى التي استفادت من خدمات الهواتف والحواسيب وما يرتبط بها من شبكات تواصلية، بحيث شكلت نموذجاً اجتماعياً للقدوة، سرعان ما أثرت في البنية الفوقية للمجتمع، خاصة مع تحولات الرأسمالية والليبرالية، التي سرعان ما جعلت من تعميم ثقافة الاستهلاك وعولمته وسيلتها لمضاعفة الأرباح وغزو الأسواق والمجتمعات، عبر تنميط الاستهلاك وتوحيد الأذواق، إذ أصبحت مجاراة “الموضا ” والإشهار ثقافة اجتماعية عامة، وتحولت الكماليات إلى حاجيات حيوية.ضمن هذا السياق تحول شهر رمضان من مناسبة دينية تعبدية، تقتضي التقشف في الاستهلاك إلى مناسبة للإشهار والإعلان والاستعراض، بحيث تأسس نمط جديد من التدين الاستعراضي، وتحولت بذلك مائدة الإفطار إلى باحة استعراضية، خاصة مع المجتمع الرقمي، إذ أصبح تصوير موائد الإفطار وعرضها على شبكات التواصل الاجتماعي موضا وسُنة اجتماعية، فرضت على جزء من المجتمع المغربي في إطار ثقافة الجمهور الاستهلاكي براديغم اجتماعي يصعب التخلص منه.ففي رمضان -كما في عيد الأضحى- تكثر إعلانات الاقتراض من مؤسسات قروض الاستهلاك بعروض تنافسية، كما تكثر إعلانات الأسواق الممتازة في الغذاء كما في اللباس، وهو ما لم ينتبه إليه الإعلام التلفزي نفسه، إذ تستغل وصلات الإشهار هذا التعطش للاستهلاك عند الناس لتوظيف صور البذخ في الاستهلاك والفرجة، وهو ما يحول رمضان من مناسبة دينية استثنائية للتعبد الروحي والأخلاقي إلى مناسبة استهلاكية وإشهارية، حيث تصبح للإشهار سلطة ثقافية واجتماعية تتجاوز سلطة الأسرة والمدرسة.

يعد سلوك الاستهلاك البشري عملية حيوية مرتبطة بالاحتياجات اليومية لكل إنسان، ورحى تتداخل فيها الأبعاد النفسية والسوسيولوجية والاقتصادية والهوياتية بشكل عضوي، مما يجعل تمظهرات الاستهلاك من حيث الكم والنوع في المجتمعات تعبيرا عن طبيعة القيم والعادات التي تحكم أفرادها.في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط الباحث في علم الاجتماع وأنثربولوجيا الثقافة الدكتور عياد أبلال، الضوء على ظاهرة الإفراط في الاستهلاك، لا سيما خلال شهر رمضان الأبرك وذلك من خلال الأسئلة التالية:1 – تلاحظ خلال شهر رمضان ظاهرة الإقبال الكبير على اقتناء المواد الغذائية واستهلاكها وربما الاقتراض من أجل ذلك، كيف يمكن تفسير سلوك الإفراط في الاستهلاك إلى حد التبذير وهدر الطعام في شهر في رمضان؟مع كل رمضان، يشهد المغرب، عددا من الممارسات والطقوس، المرتبطة بالصيام، والتي باتت لصيقة بالتدين المظهري، مما يسيء في العمق إلى روحانية هذه الطقوس التعبدية، كما يسيء إلى صورة المسلمين عموما، خاصة وأن هذا التدين ميزة المجتمعات العربية بشكل عام، وليس المغرب فقط، وتغدو العلاقات الاجتماعية، محلالاً لهذا التدين المظهري/الكرنفالي، فإذا كان شهر رمضان شهراً مقدساً عند المسلمين، فإنه، بعد إفراغه من محتواه الروحي الذي لا ينفصل عن بعده المدني والأخلاقي، قد يتحول إلى مجرد طقس اجتماعي بدون دلالة روحية، مما يجعله لا يخلو من عنف بشتى أشكاله، ولعلنا نجد في الإفراط في الاستهلاك أحد تجليات هذا العنف الاستهلاكي، الذي بموجبه يتحول الاستهلاك إلى وسيلة لتعميق الحيف والاستبعاد الاجتماعي لصالح من له القدرة على الاستهلاك، في حين يشتد الإحساس بالقهر والدونية عند من لا يستطيع إلى الاستهلاك سبيلا.وإذا كان الدين عملياً أحد أهم العوامل المساعدة على تخليص الإنسان من التوتر وتبديد طاقة التدمير والكراهية والأنانية لديه وتحويلها إلى طاقة للحياة والمحبة والإخاء، خاصة إذا ترافقت أشكال التدين بالتأمل الروحي، باعتباره جوهر الدين الذي يجعل الإنسان يرتقي إلى مستويات راقية من المدنية والسلم، كفيلة بإشاعة قيم المحبة والخير، فإن هيمنة البعد الفرجوي والكرنفالي لأشكال التدين المختلفة، باختلاف الثقافات والسياقات على الجانب التعبدي، يجعل التدين نفسه عاملا ومسرحاً لشتى أنواع الانحرافات. من هنا، يصبح شهر رمضان بالرغم من قدسيته وروحانياته مناسبة للاستعراض والتباهي الاستهلاكي، وهو ما يفرغ رمضان من أبعاده الزهدية، ويجعله، مع الافراط في الاستهلاك، مفرغا من فلسفته الدينية، ذلك أن فلسفة الصيام الدينية هي إحساس المؤمن بالجوع والعطش، وهو في العمق دعوة الله لعباده لتدبر الفقر والحاجة، بما هي دعوة إلى الإحساس بالفقير، ودعوة للتكافل والتضامن، خاصة وأن التفرغ للعبادة والتنسك يجعل المؤمن أقرب إلى الله، ومن ثم أقرب إلى فعل الخير والحسنات، وفي ذلك سن الله سبحانه وتعالى عددا من القوانين المنظمة للعلاقات بين المؤمنين والمسلمين، خاصة بين الفقراء والأغنياء، الذين جعل الله في أموالهم حقاً للسائل والمحروم. بيد أن إفراط الناس في الاستهلاك جعل هذا السلوك يتحول عبر الجبر والقسر الاجتماعي إلى قاعدة، وهي قاعدة اجتماعية جعلت الناس يدخلون في صراع التباهي المظهري عبر مائدة الافطار والعشاء والسحور، بما يتجاوز الوظيفة الحيوية للغذاء إلى الوظيفة الاستعراضية، وهو ما جعل من هذه الأخيرة حاجة اجتماعية، وهو ما يفسر اقتراض بعض المغاربة من أجل قضاء شهر رمضان، وهو الميكانيزم الاجتماعي نفسه الذي يشرح استهلاكية الأعياد في المغرب، بما في ذلك عيد الأضحى، بالرغم من أنه سنة وليس واجباً.2- ما هي الأسباب السيكولوجية والسوسيولوجية لهذه الظاهرة؟في سياق علم الاجتماع اليومي، يعتبر الاستهلاك محلالاً سوسيولوجيا لدراسة المجتمعات وتطورها، ومعرفة بنياتها التحية كما الفوقية، ومن ثم معرفة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، وكذا السياسية التي مرت بها هذه المجتمعات، فإذا كان الاستهلاك سلوكا فردياً في ظاهره، مرتبطا بنسق الشخصية، فإن هذا النسق في فردانيته لا ينفصل عن النسق الثقافي والنسق الاجتماعي، عبر ما يسميه إميل دوركهايم بجبرية السلوك الاجتماعي وعموميته، بحيث يتحول الاستهلاك إلى ثقافة اجتماعية تتميز بطابع الإكراه، مثله في ذلك، مثل باقي السلوكات الاجتماعية، حيث تلعب مؤسسات التنشئة الاجتماعية من الأسرة إلى المدرسة، مروراً بالإعلام دوراً كبيراً في صياغة ثقافة الاستهلاك، في اتصال وثيق بصياغة البراديغم الاجتماعي، بحيث تصير القولة المأثورة: “دير كيف دار جارك ولا حول باب دارك” رمزاً تلخيصياً لهذا البعد الإكراهي للبراديغم الاجتماعي للاستهلاك.إننا لا نستهلك فقط لنعيش، بل نستهلك لنحيا ضمن دوائر رمزية شديدة الصلة بثقافة المجتمع وميولاته ونزوعاته المادية، وهو الإطار الذي يشتغل في فلكه “الإشهار”، و”الموضا”، و”الإثارة”، و”البوز”، خاصة مع تحول شبكات التواصل الاجتماعي إلى آلية جديدة للقهر الاجتماعي، وهنا يتأسس الاستهلاك على الفعل ورد الفعل، على المثير والاستجابة، ضمن رؤية سلوكية لا تترك الفرصة للمستهلك لمساءلة ما يستهلكه، ومن ثم تقييم سلوكاته الاستهلاكية، بحيث تتحول سلوكات النخبة الاستهلاكية الموجِهة، التي تديرها صناعة الاستهلاك على المستوى العالمي، إلى سلوكات فرجة الجمهور، ويتحول المجتمع من مجتمع السترة والكفاف والعفاف والبركة إلى المجتمع التفاخري، بما هو بالنهاية مجتمع الفرجة. ويتحول كل مستهلك إلى مستشهر لبضاعة أو ماركة أو منتوج، خاصة بعد الطفرة الكبيرة التي عرفها الاتصال والتواصل في ظل العولمة، وتحديدا العولمة الرقمية، التي وجدت ضالتها في الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي، باعتبارها أحد أهم آليات هذا التحول في ثقافة الاستهلاك، بحيث يصبح نسق الشخصية على المستوى السيكولوجي رهينا بنسق الثقافة والنسق الاجتماعي، ومن هنا يقع تحول كبير في متطلبات نسق الشخصية، إذ تتوسع دائرة المتطلبات الحيوية لتشمل متطلبات كمالية زائدة، ويصبح الإفراط في الاستهلاك حاجة ملحة. وبذلك تتضخم حاجيات الجسد المادية وتحدث بالضرورة خللا وظيفيا في الجهاز النفسي والروحي للإنسان. وهوما نعبر عنه بالخلل الوظيفي الذي يحدث في نسق الشخصية، ومنه في النسق الثقافي والاجتماعي.3- هل تساهم الإعلانات والتسويق اللتجاري في إذكاء هذا التهافت والاقبال المفرط على الاستهلاك والاقتراض أيضا في هذه المحطة الدينية السنوية؟ربطا بالسؤال السابق، يمكن القول إن الدعوة إلى الاستهلاك أصبحت في إطار النيوليبرالية دعوة للتميز الاجتماعي والثقافي، ومن ثم تشكل الإعلانات والإشهار استراتيجية رأسمالية لترسيم وتكريس مجتمعات الفرجة، وهي مجتمعات تحولت في ظلها الطقوس الدينية إلى طقوس كرنفالية، حيث أفرغ الدين من محتواه الروحي والمدني، ومن قيمه الأخلاقية، وهي قيم كانت تميز المجتمعات الإسلامية وغيرها من المجتمعات في مرحلة ما قبل العولمة ورقمنة التواصل، بحيث كلما اشتدت وسائط التواصل الرقمية، كلما انتفى التواصل. وكلما تحول التدين إلى فرجة واستعراض طقوسي وكرنفالي، كلما انتفى الدين، خاصة في البلدان التي انتقلت من ثقافة الأذن إلى ثقافة العين دون المرور عبر مرحلة التأسيس للمعرفة.عمليا مر المغاربة، مثلهم مثل باقي المجتمعات النامية، من مراحل وتحولات شملت ثقافتهم الاستهلاكية، التي ارتبطت في البداية بتلبية حاجياتهم الحيوية من ماء وغذاء ولباس في حدود وظائف هذه الحاجيات الحيوية، بحيث ظلت الكماليات حكراً على نخبة محدودة العدد من الأثرياء والأغنياء، الذين احتكروا في البداية دوائر الاستهلاك الرمزي، باعتبارهم مالكين للرأسمال المالي، والاجتماعي وكذا الثقافي، عبر استهلاكهم لمنتوجات رمزية خدماتية، من فنون بمختلف أشكالها وأجناسها…، كما استفادوا من خدمات ترويحية من سفر واستجمام وسباحة…إلخ، وهم الطبقة الأولى التي استفادت من خدمات الهواتف والحواسيب وما يرتبط بها من شبكات تواصلية، بحيث شكلت نموذجاً اجتماعياً للقدوة، سرعان ما أثرت في البنية الفوقية للمجتمع، خاصة مع تحولات الرأسمالية والليبرالية، التي سرعان ما جعلت من تعميم ثقافة الاستهلاك وعولمته وسيلتها لمضاعفة الأرباح وغزو الأسواق والمجتمعات، عبر تنميط الاستهلاك وتوحيد الأذواق، إذ أصبحت مجاراة “الموضا ” والإشهار ثقافة اجتماعية عامة، وتحولت الكماليات إلى حاجيات حيوية.ضمن هذا السياق تحول شهر رمضان من مناسبة دينية تعبدية، تقتضي التقشف في الاستهلاك إلى مناسبة للإشهار والإعلان والاستعراض، بحيث تأسس نمط جديد من التدين الاستعراضي، وتحولت بذلك مائدة الإفطار إلى باحة استعراضية، خاصة مع المجتمع الرقمي، إذ أصبح تصوير موائد الإفطار وعرضها على شبكات التواصل الاجتماعي موضا وسُنة اجتماعية، فرضت على جزء من المجتمع المغربي في إطار ثقافة الجمهور الاستهلاكي براديغم اجتماعي يصعب التخلص منه.ففي رمضان -كما في عيد الأضحى- تكثر إعلانات الاقتراض من مؤسسات قروض الاستهلاك بعروض تنافسية، كما تكثر إعلانات الأسواق الممتازة في الغذاء كما في اللباس، وهو ما لم ينتبه إليه الإعلام التلفزي نفسه، إذ تستغل وصلات الإشهار هذا التعطش للاستهلاك عند الناس لتوظيف صور البذخ في الاستهلاك والفرجة، وهو ما يحول رمضان من مناسبة دينية استثنائية للتعبد الروحي والأخلاقي إلى مناسبة استهلاكية وإشهارية، حيث تصبح للإشهار سلطة ثقافية واجتماعية تتجاوز سلطة الأسرة والمدرسة.



اقرأ أيضاً
بسبب “إغلاق الجائحة”..مستخدمون بمؤسسة فندقية بكلميم يواجهون المصير المجهول
تداعيات ملف الإغلاق بسبب جائحة كورونا لا يزال يرخي بظلاله على مستخدمي مؤسسة فندقية بمدينة كلميم. المستخدمون في فندق السلام "يعيشون في صمت قاتل"، وفق تعبير أحدهم في اتصاله بـ"كشـ24". فقد أغلقت المؤسسة أبوابها تنفيذا لقرار الإغلاق، دون أن تعيد فتحها بعد ذلك، ما عرض العمال لـ"المصير المجهول"، دون أن تتدخل أي من الجهات المعنية لإيجاد حلول لهذا الملف الاجتماعي. عمال فندق السلام بگلميم الذين كانوا يتمتعون بكل حقوقهم الشرعية، قبل الإغلاق، يواجهون الحرمان من الأجور منذ ما يقرب من أربع سنوات. وقال عادل أجوقا، أحد هؤلاء المستخدمين، إنهم  حصلوا على أحكام، لكنها بقيت مجرد حبر على ورق. العمال لم يحرموا من أجورهم فقط. فقد فقدوا كذلك حق الاستفادة من التغطية الصحية. ورغم النداءات المتكررة، والاحتجاجات المتواصلة، فإن الإدارات المعنية التزمت سياسة "الأبواب المغلقة" إزاء أصحاب هذا الملف. ويعتبر فندق السلام من المؤسسات الفندقية المهمة في هذه المدينة، حيث يعد جسرا يربط المغرب بدول جنوب الصحراء، وخاصة مالي وبالتحديد منطقة تمبوكتو واروان وتاودني حيث كان زوار هذه المدينة يقصدون هذا الفندق طيلة فترة تواجدهم بكلميم لقضاء معاملاتهم وأغراضهم التجارية.
مجتمع

تقرير يكشف انخفاضا واسعا في نسبة الزواج وارتفاعا مهولا لحالات الطلاق بالمغرب
 كشفت المندوبية السامية للتخطيط، في تقرير صادم أن نسب الزواج والطلاق يعرفان تباينا في النسب والأرقام، ففي الوقت الذي تعرف فيه نسبة الزواج انخفاضا ملحوظا، تشهد نسب الطلاق ارتفاعا مخيفا خلال السنوات الأخيرة. وشهدت عقود الزواج انخفاضا في سنة 2022 إلى 251 ألف عقد، بعدما بلغت في العام 2021  269 ألف عقد وفي 2019 تم 275 ألف عقد زواج، حسب ما كشفته مندوبية الحليمي في أحدث تقاريرها حول المؤشرات الاجتماعية في المغرب، وأضافت المندوبية أن عدد عقود الزواج الموقعة في العام 2008 وصلت إلى 307 ألف عقد، ما يعني انخفاضا واسعا في نسب الزواج خلال السنوات 15 الأخيرة. وعن نسب الطلاق، أفاد نفس التقرير أن عقود الطلاق والطلاق القضائي وصل خلال سنة 2022 إلى 88 ألف حالة طلاق، في وقت سجلت سنة 2008 ما يقارب 55 ألف حالة طلاق.
مجتمع

استطلاع..81 في المائة من المغاربة يوافقون على فكرة حظر المنصات المضرة
جاء في نتائج الاستطلاع الذي أنجزه المركز المغربي للمواطنة حول انطباعات المغاربة وتصوراتهم حول شبكات التواصل الاجتماعي، أن 94.6 في المائة من المشاركين يرون أن هناك حاجة لتشديد القوانين لمكافحة التشهير والقذف على منصات التواصل الاجتماعي. وقال المركز أيضا إن 81.3 في المائة يوافقون من حيث المبدأ على فكرة منع الولوج إلى شبكات التواصل الاجتماعي التي تسبب ضررا على المجتمع والأجيال الصاعدة. كما أن 87.7 في المائة من المشاركين يؤيدون فكرة حظر الولوج إلى المواقع الإلكترونية الإباحية. المركز أورد أنه تم استخدام استمارة إلكترونية نشرت على منصات التواصل الاجتماعي خصوصا الفايسبوك والواتساب، من أجل إنجاز هذا الاستطلاع الذي عرف مشاركة 1201 شخصا من جميع الفئات العمرية يمثلون جميع جهات المغرب. كما عرف الاستطلاع تفاعل كبير مع الاستمارة عبر الفايسبوك بمشاركة 1829 شخصا من الناحية العلمية، فالنتائج لا تمثل سوى آراء الأشخاص الذين شاركوا في هذا الاستطلاع، إلا أنه يمكن اعتبارها تعبيرا عن توجه الرأي العام، يقول المركز.  
مجتمع

بعدما نفت خبر اعتقالها.. النيابة العامة تقرر متابعة الفنانة كريمة غيث
مثلت صباح اليوم الخميس 18 أبريل الجاري، الفنانة المغربية كريمة غويث "غيث" أمام النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بمراكش، للاشتباه في تورطها في إهانة رجل أمن بمطار مراكش، ما أدى إلى توقيفها من طرف شرطة مطار المنارة الدولي بمراكش. وجسب مصادر كشـ24، فقد تم اقتياد المعنية بالأمر إلى الدائرة الثامنة عشر، وتم تحرير محضر في المنسوب إليها، قبل عرضها أمام أنظار النيابة العامة المختصة. وقرر وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية اليوم متابعة المغنية المذكورة، في حالة سراح مقابل كفالة قدرها 5000 درهم وحددت لها جلسة 02 ماي الجاري كأول جلسة لبداية محاكمتها. ويشار إلى أن المغنية المذكورة، كانت قد نفت خبر توقيفها جملة وتفصيلا في تصريح لـ "كشـ24"، وأكدت أنها قضت عطلة العيد رفقة أسرتها، والإشاعة التي اتضحت اليوم أنها حقيقة اعتبرتها المعنية بالامر، مجرد خبر مفبرك من طرف مواقع الكترونية لاتتعامل معها وتتحفظ عن التصريح لها. 
مجتمع

من بينهم 3 سيدات ومواطن سوري.. الأمن يطيح بشبكة إجرامية خطيرة
تمكنت عناصر الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بمدينة فاس بناءً على معطيات دقيقة وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، يوم الأربعاء 17 أبريل الجاري، من توقيف خمسة أشخاص، من بينهم ثلاثة سيدات ومواطن سوري مقيم بالمغرب، وذلك للاشتباه في تورطهم في النصب والاحتيال على الراغبين في الهجرة والاتجار في البشر. ويتمثل الأسلوب الإجرامي المعتمد من قبل المشتبه بهم في استدراج الضحايا وسلبهم مبالغ مالية، سواء مقابل وعود كاذبة بتزويدهم بعقود عمل، أو الوساطة لفائدتهم في الحصول على عقود عمل وهمية بالخارج لتسهيل استغلالهم لاحقا من قبل شبكات الدعارة والجريمة المنظمة الدولية. عمليات التفتيش المنجزة في إطار هذه القضية، سواء بمدينة فاس أو بمدينة الصويرة حيث يقيم المواطن السوري المتورط في هذا النشاط الإجرامي، مكنت من حجز مجموعة من وثائق التعريف والسفر الخاصة بالضحايا، فضلا عن حجز عقود عمل مزورة وإيصالات لتحويلات مالية يشتبه في كونها من عائدات هذه الأنشطة الإجرامية. وقد تم الاحتفاظ بالمشتبه فيهم تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك للكشف عن جميع ظروف وملابسات هذه القضية، وكذا تحديد كافة الأفعال الإجرامية المنسوبة لكل منهم.
مجتمع

وجدوا أنفسهم عالقين بمطار دبي.. استياء في صفوف ركاب طائرة تابعة لـ”لارام” + ڤيديو
تسبب تأخر طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية، كانت قادمة من السعودية، في الوصول إلى وجهتها نحو مدينة الدار البيضاء في حالة من الإستياء والإحتقان في صفوف ركاب الطائرة الذين وجدوا أنفسهم عالقين بمطار دبي. ووفق ما أوردته صفحة "Moroccan Aviation"، المتخصصة في مجال الطيران بالمغرب، فإن طائرة البوينج 787 ترقيم CN-RGT التابعة للخطوط الملكية المغربية التي كانت ستؤمن الرحلة رقم AT247 من دبي إلى الدار البيضاء، اضطرت للتوقف بسبب العاصفة التي ضربت الامارات قبل 48 ساعة. وبحسب المصدر ذاته، فإن الطائرة استأنفت طريقها بعد تحسن الأحوال الجوية، قبل أن تعود لمربطها بعد اكتشاف عطل في المكيف، ليطلب الطاقم من جميع الركاب مغادرتها الشيء الذي تم رفضه من طرفهم، احتجاجا على الظروف التي وجدوا أنفسهم فيها، سيما وأن اغلبهم من كبار السن كانوا قادمين من الديار المقدسة بعد أداء العمرة. وأضاف المصدر نفسه، أنه بعد مرور أكثر من 14 ساعة من الإنتظار، قامت الشركة بتجنيد طائرة اخرى، حيث وصلت صباح اليوم الخميس 18 أبريل الجاري، إلى دبي، من أجل نقل الركاب.
مجتمع

إحباط محاولة تهريب شحنة كبيرة من الأقراص المهلوسة بمركز بني انصار
تمكنت عناصر الأمن الوطني والجمارك بمركز بني أنصار بالناظور، صباح الأربعاء 17 أبريل الجاري، من إحباط محاولة تهريب 116 ألف و605 قرص مهلوس من نوعي إكستازي وريفوتريل إلى داخل التراب الوطني، كانت على متن سيارة خفيفة تحمل لوحات ترقيم أجنبية.وقد أسفرت عمليات المراقبة والتفتيش التي أخضعت لها هذه الناقلة مباشرة بعد وصولها إلى مركز بني انصار عن حجز شحنة الأقراص المخدرة، مخبأة بعناية داخل المقاعد الخلفية لهذه السيارة، كما مكنت إجراءات البحث المنجزة من توقيف سائقها ومرافقه المغربيين والبالغين من العمر 22 و32 سنة. المصادر أوردت أنه تم إخضاع المشتبه فيهما للبحث القضائي الذي يجري تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك للكشف عن جميع المتورطين في هذه القضية، وكذا تحديد باقي الامتدادات المفترضة وطنيا ودوليا لهذا النشاط الإجرامي. ذبقا للمصادر ذاتها، فإن هذه القضية تندرج في سياق العمليات الأمنية المكثفة والمتواصلة التي تباشرها مختلف المصالح الأمنية، بهدف مكافحة التهريب الدولي للمخدرات والمؤثرات العقلية، وكذا إجهاض مختلف صور الجريمة العابرة للحدود الوطنية.
مجتمع

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الجمعة 19 أبريل 2024
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة