صحافة

استمرار نزيف نبش القبور بمراكش من طرف نساء وفتيات لأهداف تتعلق بالشعوذة والدجل


كشـ24 نشر في: 11 يناير 2016

بالرغم من الصرامة التي واجهت بها الهيئة القضائية بمراكش هذه الظاهرة المستفزة، بعد أن قضت في حق جميع المتورطات السابقات بأحكام سجنية بلغت ثلاث أشهر نافذة، فإن نزيف نبش القبور من طرف نساء وفتيات لأغراض الدجل والشعوذة لازال مستمرا في المكان والزمان.

آخر ما جادت به الوقائع في هذا الاتجاه، إقدام مصالح الدرك الملكي بمنطقة سيدي غياث ضواحي مراكش على اعتقال ثلاث نساء تتراوح أعمارهن ما بين 35 و40 سنة، متلبسات بالجرم المشهود، حين محاصرتهن من طرف مجموعة من المواطنين وهن بصدد القيام بسلوكات وممارسات مثيرة للانتباه داخل فضاءات المقبرة، وعثر بحوزتهن على قنينات معبأة بسوائل وكمية من الأعشاب المختلفة والمتنوعة إضافة إلى بعض القطع من القماش الأبيض.

وكانت المدينة وفضاءات قد عاشت على إيقاع أحداث مماثلة، كشفت تفاصيلها أثناء التحقيقات مع المتورطات حقيقة مرة عنوانها الأساس أن حرمة المقابر بمراكش أصبحت في مهب تطاول نساء وفتيات لا يترددن تحت ضغط عوادي الجهل والاعتقاد بالدجل والشعوذة، في انتهاك حرمة قبورها والتعدي عليها بالنبش والحفر بنية تفعيل الوصفات المحددة من جمهرة الدجالين والمشعوذين.

 آخر هذه المشاهد سجلت بمقبرة الإمام السهيلي،حين انتبه بعض المواطنين للتحركات المريبة لسيدة أربعينية كانت بصدد القيام بأعمال نبش داخل المقبرة، ما استدعى محاصرتها وربط الاتصال بالمصالح الأمنية لوضعها في صورة ما يجري ويدور برحاب المقبرة.
سارع المسؤولون الأمنيون بتلبية النداء، وتم استنفار العديد من العناصر التي حلت بفضاء المقبرة وعملت على اقتياد المرأة المتورطة التي ضبطت بحوزتها بعض التعاويذ والطلاسيم المستمدة من عالم الدجل و”السحور”.

 وقبلها بأسبوع واحد كانت المدينة على موعد مع حدث يصب في نفس المستنقع، انتهى بامرأتين داخل قفص الاتهام أمام غرفة الجنح التلبسية بابتدائية مراكش، وأدينتا على خلفيته بالسجن ثلاثة أشهر حبسا نافذ لجرأتهما على مقبرة جماعة تامصلوحت  وقض مضاجع دفينيها.

انطلقت فصول الواقعة حين ولجت المرأتان عتبات المقبرة وقد حرصتا على التدثر بثياب محتشمة تناسب المقام، متقمصتان بذلك مظهر زائرتين جاءتا للترحم على فقيد عزيز نام نومته الأبدية بهذه التربة واحتضن اديمها رفاته. لم تكد المرأتان تتوسطان المقبرة وتتنصبان بين لحودها المنتشرة بشكل عشوائي حتى جلستا القرفصاء وامتدت أناملهما لنبش تربة أحد القبور.

لم تستطع المعنيتان مقاومة عوادي الارتباك والاضطراب التي جللت حركاتهما ونظراتهما أثناء اقترافهما لعملية النبش، ما أثار إليهما انتباه بعض المواطنين الذين تصادف وجودهم لحظتها خارج المقبرة، بحيث سرعان ما تشكلت حلقة بشرية أحاطت بالمرأتين، وانطلقت الألسن في قذفهما بوابل من التعاليق المترعة بآيات التنديد والاستنكار، فيما تطوع البعض لربط الاتصال بالمصالح الدركية، التي سارعت عناصرها بالتوجه للمقبرة وضبطت بحوزتهما بعض التعاويذ ومواد الشعوذة، كشف عن طرقهما أبواب الدجالين والمشعوذين الذين قدموا لهما وصفة شيطانية، لا تستقيم متطلبات نجاعتها وفعاليتها إلا بتسخير فضاء القبور ورفات الموتى،كشرط أساسي لتحقيق الغاية المرجوة ونجاعة  “الوصفة”. شروع المرأتين في إحياء طقوس ” التعويذة” سيكون سببا في اعتقالهما وإحاطتهما بذيول “الشوهة”، وتدخلهما دوامة الفضيحة والمتابعة القضائية وإدانتهما بالعقوبة الحبسية المومأ إليها.

وبالمنطقة السكنية الجديدة “المحاميد” بمراكش، غاصت سيدة خمسينية في نفس المستنقع وتجرعت من نفس الكأس حين استنفر فعلها عشرات المواطنين الذين قاموا بمحاصرتها، ومنعها من الإفلات بجريمتها إلى حين حضور رجال الأمن. إغفال المرأة لمنطوق الآية الكريمة”ولا يفلح الساحر حيث أتى”، جعلها تقتحم عالم الدجل والشعوذة، وتركب أمواج مغامرة غير مضمونة العواقب، لم تخرج منها إلا مسيجة بذيول التوقيف والاعتقال، مع غير قليل من نفحات “الفضيحة بالقراقش”.

كان حارس مقبرة بوعكاز بالمنطقة المذكورة، منغمسا في عمله اليومي المعتاد، من حيث مراقبة بوابة المكان، حين انتصبت أمامه سيدة محترمة (47 سنة) تدثر جسدها المنتفض بجلباب تقليدي،فيما ارتسمت على تقاسيم وجهها ملامح الحزن المرصعة بملامح الفقر والبؤس.

استنجدت المرأة بتعاطف الحارس وإنسانيته، لمنحها فرصة زيارة قبر يضم رفات أحد أحبتها، قصد الترحم وطلب المغفرة، الأمر الذي وجد ترحيبا من الرجل الذي أومأ لها بإشارة الدخول وولوج عتبة  المقبرة. خطوة سيكون لها ما بعدها حين بدأت المرأة بمجرد ولوجها عتبات المقبرة في الإتيان ببعض الحركات المريبة، انتهت بمحاصرتها من طرف الحارس وبعض رفاقه وهي منكبة على نبش بعض القبور ويداها تمسكان أشياء غريبة عبارة عن سلحفاة وتبان رجالي لازالت عالقة به بعض بقايا سائل منوي، اعترفت المعنية أن إقدامها على ارتكاب هذه الحماقة يأتي في سياق تنفيذ وصفة مشعوذ احتمت بخدماته لتخليصها من بطش وعنف زوجها الذي يعمل كبائع متجول.

استفحال هذه المشاهد وتواترها برحاب الحضرة المراكشية وفي أوقات متزامنة، يؤكد على استمرار نزيف الدجل والشعوذة في نخر عقول العديد من النساء اللواتي يرزحن تحت نير الجهل والأمية، ولا يترددن تحت ضغط المشاكل والإكراهات الشخصية والأسرية في ركوب قطار المشعوذين، واضعات بذلك أنفسهن موضع “اللي خانها ذراعها، تاتقول مسحورة”.

بالرغم من الصرامة التي واجهت بها الهيئة القضائية بمراكش هذه الظاهرة المستفزة، بعد أن قضت في حق جميع المتورطات السابقات بأحكام سجنية بلغت ثلاث أشهر نافذة، فإن نزيف نبش القبور من طرف نساء وفتيات لأغراض الدجل والشعوذة لازال مستمرا في المكان والزمان.

آخر ما جادت به الوقائع في هذا الاتجاه، إقدام مصالح الدرك الملكي بمنطقة سيدي غياث ضواحي مراكش على اعتقال ثلاث نساء تتراوح أعمارهن ما بين 35 و40 سنة، متلبسات بالجرم المشهود، حين محاصرتهن من طرف مجموعة من المواطنين وهن بصدد القيام بسلوكات وممارسات مثيرة للانتباه داخل فضاءات المقبرة، وعثر بحوزتهن على قنينات معبأة بسوائل وكمية من الأعشاب المختلفة والمتنوعة إضافة إلى بعض القطع من القماش الأبيض.

وكانت المدينة وفضاءات قد عاشت على إيقاع أحداث مماثلة، كشفت تفاصيلها أثناء التحقيقات مع المتورطات حقيقة مرة عنوانها الأساس أن حرمة المقابر بمراكش أصبحت في مهب تطاول نساء وفتيات لا يترددن تحت ضغط عوادي الجهل والاعتقاد بالدجل والشعوذة، في انتهاك حرمة قبورها والتعدي عليها بالنبش والحفر بنية تفعيل الوصفات المحددة من جمهرة الدجالين والمشعوذين.

 آخر هذه المشاهد سجلت بمقبرة الإمام السهيلي،حين انتبه بعض المواطنين للتحركات المريبة لسيدة أربعينية كانت بصدد القيام بأعمال نبش داخل المقبرة، ما استدعى محاصرتها وربط الاتصال بالمصالح الأمنية لوضعها في صورة ما يجري ويدور برحاب المقبرة.
سارع المسؤولون الأمنيون بتلبية النداء، وتم استنفار العديد من العناصر التي حلت بفضاء المقبرة وعملت على اقتياد المرأة المتورطة التي ضبطت بحوزتها بعض التعاويذ والطلاسيم المستمدة من عالم الدجل و”السحور”.

 وقبلها بأسبوع واحد كانت المدينة على موعد مع حدث يصب في نفس المستنقع، انتهى بامرأتين داخل قفص الاتهام أمام غرفة الجنح التلبسية بابتدائية مراكش، وأدينتا على خلفيته بالسجن ثلاثة أشهر حبسا نافذ لجرأتهما على مقبرة جماعة تامصلوحت  وقض مضاجع دفينيها.

انطلقت فصول الواقعة حين ولجت المرأتان عتبات المقبرة وقد حرصتا على التدثر بثياب محتشمة تناسب المقام، متقمصتان بذلك مظهر زائرتين جاءتا للترحم على فقيد عزيز نام نومته الأبدية بهذه التربة واحتضن اديمها رفاته. لم تكد المرأتان تتوسطان المقبرة وتتنصبان بين لحودها المنتشرة بشكل عشوائي حتى جلستا القرفصاء وامتدت أناملهما لنبش تربة أحد القبور.

لم تستطع المعنيتان مقاومة عوادي الارتباك والاضطراب التي جللت حركاتهما ونظراتهما أثناء اقترافهما لعملية النبش، ما أثار إليهما انتباه بعض المواطنين الذين تصادف وجودهم لحظتها خارج المقبرة، بحيث سرعان ما تشكلت حلقة بشرية أحاطت بالمرأتين، وانطلقت الألسن في قذفهما بوابل من التعاليق المترعة بآيات التنديد والاستنكار، فيما تطوع البعض لربط الاتصال بالمصالح الدركية، التي سارعت عناصرها بالتوجه للمقبرة وضبطت بحوزتهما بعض التعاويذ ومواد الشعوذة، كشف عن طرقهما أبواب الدجالين والمشعوذين الذين قدموا لهما وصفة شيطانية، لا تستقيم متطلبات نجاعتها وفعاليتها إلا بتسخير فضاء القبور ورفات الموتى،كشرط أساسي لتحقيق الغاية المرجوة ونجاعة  “الوصفة”. شروع المرأتين في إحياء طقوس ” التعويذة” سيكون سببا في اعتقالهما وإحاطتهما بذيول “الشوهة”، وتدخلهما دوامة الفضيحة والمتابعة القضائية وإدانتهما بالعقوبة الحبسية المومأ إليها.

وبالمنطقة السكنية الجديدة “المحاميد” بمراكش، غاصت سيدة خمسينية في نفس المستنقع وتجرعت من نفس الكأس حين استنفر فعلها عشرات المواطنين الذين قاموا بمحاصرتها، ومنعها من الإفلات بجريمتها إلى حين حضور رجال الأمن. إغفال المرأة لمنطوق الآية الكريمة”ولا يفلح الساحر حيث أتى”، جعلها تقتحم عالم الدجل والشعوذة، وتركب أمواج مغامرة غير مضمونة العواقب، لم تخرج منها إلا مسيجة بذيول التوقيف والاعتقال، مع غير قليل من نفحات “الفضيحة بالقراقش”.

كان حارس مقبرة بوعكاز بالمنطقة المذكورة، منغمسا في عمله اليومي المعتاد، من حيث مراقبة بوابة المكان، حين انتصبت أمامه سيدة محترمة (47 سنة) تدثر جسدها المنتفض بجلباب تقليدي،فيما ارتسمت على تقاسيم وجهها ملامح الحزن المرصعة بملامح الفقر والبؤس.

استنجدت المرأة بتعاطف الحارس وإنسانيته، لمنحها فرصة زيارة قبر يضم رفات أحد أحبتها، قصد الترحم وطلب المغفرة، الأمر الذي وجد ترحيبا من الرجل الذي أومأ لها بإشارة الدخول وولوج عتبة  المقبرة. خطوة سيكون لها ما بعدها حين بدأت المرأة بمجرد ولوجها عتبات المقبرة في الإتيان ببعض الحركات المريبة، انتهت بمحاصرتها من طرف الحارس وبعض رفاقه وهي منكبة على نبش بعض القبور ويداها تمسكان أشياء غريبة عبارة عن سلحفاة وتبان رجالي لازالت عالقة به بعض بقايا سائل منوي، اعترفت المعنية أن إقدامها على ارتكاب هذه الحماقة يأتي في سياق تنفيذ وصفة مشعوذ احتمت بخدماته لتخليصها من بطش وعنف زوجها الذي يعمل كبائع متجول.

استفحال هذه المشاهد وتواترها برحاب الحضرة المراكشية وفي أوقات متزامنة، يؤكد على استمرار نزيف الدجل والشعوذة في نخر عقول العديد من النساء اللواتي يرزحن تحت نير الجهل والأمية، ولا يترددن تحت ضغط المشاكل والإكراهات الشخصية والأسرية في ركوب قطار المشعوذين، واضعات بذلك أنفسهن موضع “اللي خانها ذراعها، تاتقول مسحورة”.


ملصقات


اقرأ أيضاً
انطلاق عملية استقبال طلبات الدعم المخصص لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع
أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل -قطاع التواصل- عن انطلاق عملية استقبال ملفات طلبات الدعم العمومي لفائدة مؤسسات الصحافة والنشر وشركات الطباعة وشركات التوزيع، برسم سنة 2025، وذلك خلال الفترة الممتدة من 14 ماي إلى غاية 26 يونيو 2025. وذكر بلاغ للوزارة أن ذلك يأتي استنادا إلى المرسوم رقم 2.23.1041 الصادر في 8 جمادى الآخرة 1445 (22 ديسمبر 2023)، بتحديد شروط وكيفيات الاستفادة من الدعم العمومي الموجه لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، والقرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 2345.24 الصادر في 2 جمادى الأولى 1446 (5 نونبر 2024)، بتحديد أسقف دعم التسيير و دعم الاستثمار لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع ونسب احتسابهما وكيفيات توزيعهما وصرفهما. كما يأتي، حسب المصدر ذاته، استنادا إلى القرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 677.25 الصادر في 23 من رمضان 1446 (24 مارس 2025) بتتميم القرار المشترك لوزير الشباب والثقافة والتواصل والوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية رقم 2345.24 الصادر في 2 جمادى الأولى 1446 (5 نونبر 2024)، بتحديد أسقف دعم التسيير و دعم الاستثمار لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع ونسب احتسابهما وكيفيات توزيعهما وصرفهما، وكذا قرار لوزير الشباب والثقافة والتواصل رقم 3195.24 صادر في 17 من جمادى الآخرة 1446 (19 دجنبر 2024)، بتحديد الوثائق المكونة لملف طلب الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع. وأشار البلاغ إلى أن ملف الطلب يجب أن يتضمن كافة الوثائق المحددة في القرار الوزاري رقم 3195.24، الصادر في 17 جمادى الآخرة 1146 (19 ديسمبر 2024) بتحديد الوثائق المكونة لملف طلب الدعم العمومي لقطاعات الصحافة والنشر والطباعة والتوزيع، لافتا إلى أن الملفات ترسل في صيغة إلكترونية إلى البريد الإلكتروني ([email protected]).
صحافة

في اليوم العالمي لحرية الصحافة..منتدى مغربي يدعو إلى استقلالية الإعلام
دعا منتدى مغربي يهتم بقضايا المواطنة والإعلام بالمغرب، إلى "تكريس استقلالية الإعلام عن مراكز النفوذ السياسي والمالي". وطالب "منتدى الإعلام والمواطنة"، في بيان له بمناسبة تخليد اليوم العالمي لحرية الصحافة، بضرورة توفير الضمانات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بحماية الصحافيين. ويتم تخليد هذا اليوم العالمي، هذا العام تحت شعار: "الصحافة في وجه التضليل... الحقيقة أولاً." ودعا المنتدى، في السياق ذاته، إلى إطلاق نقاش وطني حول إصلاح شامل للإعلام المغربي، بما يحقق التوازن بين الحرية والمسؤولية، ويرسّخ أخلاقيات المهنة، ويواكب التحولات التكنولوجية الجديدة. كما دعا إلى تحرير الإعلام العمومي في إطار ورش الإصلاح والتحرير وفتح فضاءاته وبرامجه للنقاش السياسي والاجتماعي والثقافي الحر والمتعدد، حتى يمكن أن يكون قادرا على مواجهة تداعيات المرحلة الراهنة.
صحافة

يونس مجاهد يكتب: حرية الصحافة المزعومة
يونس مجاهديشكل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي يصادف الثالث من شهر ماي كل سنة، مناسبة أخرى للحديث عن القضايا المرتبطة بممارسة هذه الحرية، وخاصة التضييق الذي يمارس لمنعها أو الحد منها، غير أنه قلما تناقش أخلاقيات الصحافة، في علاقتها بالحرية، رغم أن هناك تكاملا بين المبدأين، يجعل من جودة الصحافة، رديفا للالتزام بأخلاقياتها، لأن الصحافة الرديئة ليست ممارسة للحرية، بل على العكس، إنها مجرد تضليل للجمهور ونشر لأخبار كاذبة، وتشهير وارتزاق وابتزاز... وهي بذلك لا تستجيب لتطلعات المجتمع، بل تؤثر سلبا على حرية الصحافة وادوارها الاجتماعية.وانطلاقا من هذا المنظور الذي يعتبر أن الوظيفة الاجتماعية هي الغاية الرئيسية للممارسة الصحافية، تطور استعمال المعيار الاجتماعي، لتصحيح الانحرافات التي تصيب هذه المهنة، فرغم اعتماد مواثيق الأخلاقيات وهيئات التنظيم الذاتي، في العديد من البلدان المتقدمة في المجال الديمقراطي، إلا أنها ظلت تلجأ باستمرار لمراجعات مختلفة، لعلاقة الصحافة بالمجتمع. وفيهذا الصدد يمكن العودة إلى ما حصل في الولايات المتحدة، سنة 1942، حين تم إحداث لجنة هاتشينز، من طرف جامعة شيكاغو، بطلب من مؤسس مجلة تايم، هنري لوس، التي عينت على رأسها روبرت ماينارد هاتشينز. اشتغلت هذه اللجنة لمدة خمس سنوات، ونشرت تقريرها تحت عنوان "صحافة حرة ومسؤولة". ومما ورد فيه، وجود تناقض بين المفهوم التقليدي لحرية الصحافة، وضرورة التحلي بالمسؤولية. فالمسؤولية واحترام القانون، ليس في حد ذاتهما تضييقاعلى حرية الصحافة، بل على العكس، يمكن أن يكونا تعبيرا أصيلا عن حرية إيجابية، لكنهما ضد حرية اللامبالاة. ويضيف التقرير؛ لقد أصبح من المعتاد اليوم أن تكون حرية الصحافة المزعومة، عبارة عن لا مسؤولية اجتماعية، لذا على الصحافة أن تعرف أن أخطاءها وأهواءها لم تعد ملكية خاصة لها، فهي تشكل خطرا على المجتمع، لأنها عندما تخطئ، فإنها تضلل الرأي العام، فنحن أمام تحدٍ؛ على الصحافة أن تظل نشاطا حرا وخاصا، لكن ليس لها الحق في أن تخطئ، لأنها تؤدي وظيفة مرفق عام. كان لهذا التقرير تأثير كبير في الحقل الصحافي، آنذاك، لأنه استعمل مفهوم المسؤولية الاجتماعية، واعتبر أن للصحافة وظائف أساسية، في تقديم معلومات وافية من خلال بحث وتدقيق، حول الأحداث اليومية، ضمن سياق واضح، وأن تكون منتدى للنقاش ولممارسة التعددية والحق في الاختلاف، وتنفتح على مختلف فئات المجتمع، بمساواة وإنصاف، وتتجنب الأفكار المسبقة والصور النمطية... ومن أشهر التقارير التي عرفتها، أيضا البلدان الديمقراطية، "تقرير ليفيسون"، الذي هو عبارة عن خلاصات تحقيق عام أجري في المملكة المتحدة بين عامي 2011 و2012، برئاسة القاضي براين ليفيسون، الذي كلفته الحكومة، بإنجاز افتحاص شامل حول ممارسة الصحافة ومدى التزامها بالأخلاقيات. ومن أهم توصياته؛ إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتنظيم الصحافة، عبر تشريع قانوني، وتعزيز حماية الأفراد من انتهاكات الخصوصية ومن التشهير... وبناء على هذا التقرير تم اعتماد "ميثاق ملكي" للتنظيم الذاتي، صادق عليه البرلمان. ومازالت الأحزاب السياسية في هذا البلد تناقش الطرق المثلى الممكنة للتوصل إلى صيغة قانونية لتنفيذه، بالتوافق مع الناشرين. ويعتبر العديد من الباحثين في مجال الصحافة، أنه لا يمكن تصور الجودة في الصحافة، دون احترام أخلاقياتها، وحول هذا الموضوع، نظم منتدى الصحافة في الأرجنتين، ندوة دولية بمشاركة أكاديميين، صدرت في كتاب سنة 2007، تحت عنوان "صحافة الجودة: نقاشات وتحديات"، ناقش هذا الإشكال من مختلف جوانبه، وكانت خلاصته الرئيسية، أن الجودة والأخلاقيات وجهان لعملة واحدة. الجودة في البحث والتقصي وتدقيق المعلومات والتأكد من المعطيات، احترام الخصوصيات، الامتناع عن ممارسة السب والقذف، استعمال اللغة بشكل صحيح وراقٍ، تجنب الأخطاء اللغوية... ومن مصادر هذا الكتاب، البحث الذي نشرته الأستاذة الجامعية الإسبانية، المتخصصة في أخلاقيات الصحافة، صوريا كارلوس، تحت عنوان "الأمراض النفسية للأخلاقيات في المؤسسات الإخبارية"، حيث اعتبرت أن هناك أربعة أسباب تفرض الالتزام بأخلاقيات الصحافة؛ أولها، أن الأشخاص الذين يربحون قوت يومهم من خلال انتقاد الآخرين، تقع عليهم مسؤولية أن يكون تفكيرهم غير مثير للانتقاد، ثانيها، الاشتغال قليلا، بشكل رديء، بدون احترام القواعد والجودة المطلوبة، يشكل أول انتهاك للأخلاقيات، ثالثها، أن القانون وحده لا يكفي، فعلى المؤسسات أن تضع أنظمة داخلية لاحترام أخلاقيات الصحافة، رابعها، حتى تكون هناك مقاولات صحافية قوية وموحدة، عليها أن تتوفر على منظومة قيم، وثقافة أخلاقية مشتركة. إن كل حديث عن حرية الصحافة، دون استحضار شروط ممارستها، يظل مجرد شعارات فارغة، فبالإضافة إلى ضرورة العمل على توفير الإطار القانوني الذي يسمح بممارسة الحرية، فإن الأهم هو أن تلتزم الصحافة بالقواعد المهنية والمبادئ الأخلاقية، وتستند على منظومة القيم، المتعارف عليها عالميا في ميدان الصحافة، داخل إطار مؤسساتي قوي، وأنظمة داخلية يتم فيها تقاسم المسؤولية المشتركة، كل هذا لا يمكن أن يكون إلا في مقاولات صحافية مهيكلة بشكل محترف، تتوفر على إمكانات مادية وموارد بشرية، قادرة على تقديم منتوج يليق بمكانة الصحافة ويتجاوب مع متطلبات مسؤوليتها الاجتماعية.
صحافة

وزير الإعلام اللبناني: إرادتنا قوية لحماية حرية الصحافة بالشرق الأوسط رغم التحديات
في إطار فعاليات المنتدى المتوسطي للصحافة، الذي تحتضنه مدينة مارسيليا أيام 28 و29 و30 أبريل الجاري بمتحف “موسم” وقصر “فارو” بمدينة مارسيليا الفرنسية، أكد بول مرقص وزير الإعلام اللبناني في حكومة نواف سلام، خلال مداخلته، أن المنتدى يمثل مناسبة مهمة لتوحيد الإرادات دفاعًا عن مهنة الصحافة. وأوضح الوزير أن “الشرق الأوسط يعيش فترة متوترة وحادة”، مشددا على أهمية التمسك بالتفاؤل وبث الأمل من أجل بناء مجتمع متوسطي حديث وعادل، مبرزا في كلمته أن الحكومة اللبنانية تعمل على حماية الصحافيين وتقديم الدعم اللازم لهم، إيمانا بأن حرية المعلومات شرط أساسي لصحتها ودقتها. وأضاف أن لبنان، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية، مستمر بإرادة قوية في تنفيذ إصلاحات عميقة في مجال الإعلام، مشيرا إلى نشر مشروع قانون جديد للصحافة على الموقع الرسمي للوزارة، وهو مشروع يهدف بالأساس إلى إلغاء عقوبة السجن بحق الصحافيين، وحمايتهم، وتعزيز حرية النشر والتعبير. كما استعرض الوزير الجهود المبذولة في مجالات التدريب والابتكار الإعلامي، وتعزيز دور وسائل الإعلام ووكالات الأنباء الوطنية، مشيرا إلى أن لبنان تزخر بمحفوظات صحافية يتجاوز عمرها السبعين عاما، والتي تشكل عنصر قوة ليس فقط للبنان، بل للشرق الأوسط برمته. وفي ختام كلمته، شدد بول مرقص على أن هذه الجهود لا يمكن أن تحقق أهدافها بدون شراكات إقليمية ودولية فاعلة، داعيا إلى حماية الصحافيين باعتبارهم حماة الحقيقة، معربا عن أمله في أن يرتقي المنتدى إلى مستوى التحديات والرهانات المطروحة.
صحافة

التعليقات مغلقة لهذا المنشور

الطقس

°
°

أوقات الصلاة

الجمعة 09 مايو 2025
الصبح
الظهر
العصر
المغرب
العشاء

صيدليات الحراسة