أزاحت المصالح الأمنية بمراكش القناع عن الوجه الحقيقي للمتورطين في مهاجمة مستخدمة بمؤسسة القروض الصغرى"الأمانة"، وسلبها تحت التهديد بالسلاح الأبيض مبلغ حدد في 50.000 درهم، كانت متوجهة لإيداعه في إحدى الوكالات البنكية المجاورة.
الطريقة التي تم اعتمادها في ارتكاب السرقة، و حساسية الجهة صاحبة المبلغ، كلها عوامل أدخلت القضية دائرة" ماخفي أعظم" وجعلت المصالح الأمنية تنطلق في سباق محموم ضد عقارب الساعة، للوقوف على حقيقة الأشياء ووضع حد لسيل التأويلات والإفتراضات.
انطلقت فصول القضية زوال الثلاثاء الماضي، حين غادرت المستخدمة وكالة المؤسسة بمنطقة سيدي يوسف بن علي محملة بالمبلغ المذكور، في اتجاه الوكالة البنكية المجاورة لإيداع" حصيصة اليوم" حين باغثها شخصان يمتطيان صهوة دراجة نارية،وأرغماها تحت تهديد الأسلحة البيضاء على تسليمهما كل الغلة، ليختفيا بعدها كما ظهرا،تاركان الضحية تضرب أخماسا في أسداسا.
أمام هذه التفاصيل كان ضروريا وضع المستخدمة تحت مجهر التحقيقات للكشف عن طبيعة علاقتها بالموضوع برمته،فيما انطلقت سهام البحث والتحري بشكل متوازي اتجاه الأوصاف المقدمة عن الجناة، وكذا اتجاه أصحاب السوابق من الأشخاص المعروف تواجدهم بالفضاء مسرح الجريمة.
تحركات وسعت من دائرة التحقيق وجعلت المحققين يسبحون في بحر متلاطم بالمشتبه بهم،وبالتالي الإبحار في كل اتجاه تحت إرشاد ملفات ذوي السوابق وطواقم المخبرين والمرشدين،إلى أن توقف قارب التحقيق صباح الجمعة بميناء مركب ترفيهي بمحاذاة مطار المنارة.
منارة التوجيه قادت المحققين صوب مشتبه به من ذوي السوابق القضائية، يقطن بمنطقة سيدي يوسف بن علي مكان ارتكاب الجريمة، وحل بالمركب الترفيهي لاقتناص لحظات من "التبراع"على إيقاع "كب وشقلب".
بمجرد أن قطعت عليه العناصر الأمنية حبل"القصارة"،وضبطت بحوزته مبلغا محترما يقارب سقف 1500 درهم، حاول ركوب قطار الخداع والمكابرة لإبعاد التهمة عن نفسه،فتطوع باعتراف تلقائي وجه من خلاله بوصلة الإتهام اتجاه شخصان ينحدران من منطقة دوار إيزيكي، باعتبارهما المتورطان في اقتراف السرقة موضوع البحث.
ولتأكيد صدق نيته ورغبته في التعاون،لم يتردد في الإعتراف بأن الشخصان المشار إليهما، قد منحاه نصيب من الغلة حدده في مبلغ 2000 درهم مقابل شراء صمته، وضمان عدم إقدامه على التبليغ عنهما، دون إغفال الإشارة إلى أن المبلغ المضبوط بحوزته جزء لا يتجزأ من الثمن المحصل عليه في هذا الإطار.
ذكاء المحققين كان أكبر من دهاء المتهم، حين أوهموه بتصديقهم لكل تصريحاته،مع مطالبته بمرافقتهم لإكمال" حسنته" والمساعدة في الإيقاع بالأظناء المفترضين، على أساس أن موقفه سيجل بكتاب" حسناته".
دخول المعني عرين التحقيق والإستنطاق، ومحاصرته بسيل من الأسئلة المفخخة، جعله يتخبط في شباك التناقضات والتصريحات المتناقضة، ليجد نفسه مجبرا تحت ضغط المحاصرة والحصار على الإعتراف بمسؤوليته في ارتكاب السرقة رفقة شريك له،حدد هويته ومكان تواجده باعتباره من كان يقود الدراجة النارية،بعد أن تكفل هو شخصيا بمهاجمة المستخدمة وسرقة "فلوس الشركة"، ليعمدا بعدها على اقتسام المبلغ بينهما بالتساوي، ويذهب كل إلى حال سبيله.
كانت المفاجئة حين سئل المتهم عن مجال إنفاقه لحصته من الغنيمة،فأجاب بدون تردد بأنه وفي إطار حرصه على"رضات الوالدين" و"تمتيع لوليدات"،قد جعل كل مبلغ همه الأول اقتناء الأدوية الخاصة بوالدته، وشراء كسوة لأطفاله وزوجته دون أن ينسى طبعا تخصيص نفسه بنصيب من "التفركيس" في إطار مبدأ"اللهم ارحمني، وارحم والدي"،لينطلق بعدها اتجاه المركب الترفيهي لاستكمال شروط "التبراع" بما تبقى بحوزته من المبلغ المسروق، قبل أن يعكر عليه صفو تمتعه حضور رجال الأمن، ويحولون حلمه الجميل إلى كابوس حقيقي،وإيقاظه على حقيقة أن "المكسي بديال الناس ،عريان".